«غموض» يلف إقالة الرئيس التونسي لوزير الاقتصاد والتخطيط

مراقبون رجحوا وجود خلافات حادة بين الطرفين حول قرض صندوق النقد الدولي

الرئيس التونسي قيس سعيد (د.ب.أ)
الرئيس التونسي قيس سعيد (د.ب.أ)
TT

«غموض» يلف إقالة الرئيس التونسي لوزير الاقتصاد والتخطيط

الرئيس التونسي قيس سعيد (د.ب.أ)
الرئيس التونسي قيس سعيد (د.ب.أ)

خلفت إقالة الرئيس التونسي قيس سعيد لوزير الاقتصاد والتخطيط، سمير سعيد، وتكليف سهام البوغديري نمصية، وزيرة المالية، بتسيير وزارة الاقتصاد والتخطيط بصفة وقتية، دون تقديم توضيح لسبب هذا الإجراء، تساؤلات عدة حول الأسباب الخفية والمفاجئة لهذا القرار، خاصة وأن الوزير المقال يعد من المقربين جداً من رئيس الجمهورية، الذي اختاره من بين عدد كبير من الخبراء في المجالين المالي والاقتصادي ليتولى وزارة الاقتصاد، وإنقاذ تونس من أزمتها المالية والاقتصادية، وهو ما لم يتم تحقيقه، وفق عدد من المراقبين.

وقال بعض المتابعين للوضع الاقتصادي والمالي لتونس إن النتائج التي حققها الوزير المقال، بعد توليه مهمة إنقاذ الاقتصاد التونسي تُعد «متواضعة»، فيما أكد البعض الآخر اندلاع خلافات بين الرئيس سعيد والوزير المقال منذ مدة، مشيرين إلى أن آخر لقاء جمعهما كان في السادس من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وهو اللقاء الذي قال فيه الرئيس سعيد إن الدولة «واحدة وموحّدة، ولها سياسة واحدة يضبطها رئيس الجمهورية». مؤكدا أنّه «لا يمكن أن تعمل كل وزارة بصفة مستقلّة عن الوزارات الأخرى»، ومشدداً على أن التصريحات والمواقف «يجب أن تتنزل في إطار السياسة العامّة للدولة»، وهو ما تم تفسيره على أنه خلاف حاد بين الطرفين حول كيفية الإنقاذ الاقتصادي.

صورة أرشيفية لوزير الاقتصاد التونسي المقال مع المفوض الأوروبي (إ.ب.أ)

ففي حين يرى الرئيس التونسي أن البلاد لها من القدرات والإمكانيات ما يجعلها قادرة على تحدي كل الصعوبات بمجهود ذاتي، فإن معظم خبراء الاقتصاد، وفي مقدمتهم الرئيس المقال، يرون أن تونس بحاجة ماسة لصندوق النقد الدولي لإضفاء مزيد من التوازن الاقتصادي، والوفاء بتعهداتها الخارجية. وهو ما يعني تعديل حجم الدعم المقدم من الدولة، والانخراط في إصلاحات هيكلية تشمل جل المؤسسات الحكومية، وهو مطلب يرفضه الرئيس سعيد، ويرى أنه من قبيل صب الزيت على النار، بمثابة «قنبلة موقوتة» ستنفجر في وجه السلطة.

كما أن الرئيس التونسي لا يعترف بوجود أزمة عميقة في تونس، على عكس وزير الاقتصاد والمالية المقال، الذي أقر في أكثر من مناسبة بوجود اختلالات عميقة، تترجمها وتعكسها الأرقام والمؤشرات المختلفة، حيث بلغ معدّل التضخّم في تونس نسبة 9.3 في المائة في أغسطس (آب) الماضي، فيما لم يتجاوز معدّل النمو في الربع الثاني من السنة الحالية حدود 0.6 في المائة، على الرغم من تسجيل انتعاشة في القطاع السياحي، وعودة تدريجية لإنتاج مادة الفوسفات.

شهدت الشهور الأخيرة ارتفاع نسبة التضخم واختفاء عدد من المواد الأساسية من الأسواق التونسية (أ.ف.ب)

وغداة الإعلان عن تعيينه على رأس وزارة الاقتصاد، عقد جل التونسيين آمالاً كبيرة على سمير سعيد لتقديم زبدة خبراته في المجالين الاقتصادي والمالي، والمساعدة في تحقيق إقلاع اقتصادي في تونس، خاصة وأنه عمل لنحو 30 سنة في مؤسسات مصرفية كبيرة، قبل أن يتولى منصب رئيس مدير عام لاتصالات تونس الحكومية، علاوة على توليه لحوالي 17 سنة منصب مدير مساعد بأحد البنوك التونسية، كما عمل سنة 2013 في شركة استثمارية في سلطنة عمان، قبل أن يتولى إدارة الشركة التونسية للبنك (حكومية)، وبعدها منصب وزير الاقتصاد والتخطيط في حكومة نجلاء بودن، قبل أن يعلن الرئيس التونسي إقالته، دون ذكر الأسباب التي تقف وراء هذه الإقالة.

يذكر أن الرئيس سعيد، الذي يتحكم في المشهد السياسي منذ 25 من يوليو (تموز) 2021، سبق أن أقال عددا من الوزراء والمسؤولين البارزين في الدولة، ومن بينهم نادية عكاشة مديرة الديوان الرئاسي التي رافقته خلال السنوات الأولى من حكمه، وتوفيق شرف الدين وزير الداخلية السابق، الذي كان من المقربين منه، علاوة على وزيري الفلاحة والتجارة.

على صعيد آخر، قدم أحمد الحشاني، رئيس الحكومة التونسية، إلى الرئيس سعيد برنامج نشاطها في الفترة المقبلة، وسير عملها خلال الأيام القليلة الماضية، وخلال هذا اللقاء، الذي جرى مساء أمس (الثلاثاء)، أكّد الرئيس سعيد أن تونس «تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية ومالية، وليس أمامها إلا أن تعتمد على إمكانياتها الذاتية، وتعول على نفسها، وعلى القدرات والاختيارات الذاتية، ولا مجال هنا للقبول بأي وصاية من أي أحد كان»، على حد تعبيره.

وأضاف سعيد موضحاً «حتى تُكلّل جهودنا بالنجاح لا بدّ من الإسراع في التدقيق في الانتدابات لتطهير الإدارة، ومساءلة من يعطّل المشاريع التي لم تُنجز، رغم أن الأموال المرصودة لها موجودة»، ويرى أن «من يقف حجر عثرة، أو يتقاعس لا بدّ من محاسبته، لأن تونس تخوض حرب تحرير وطني، وليس أمامها خيار سوى الانتصار».


مقالات ذات صلة

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

شمال افريقيا الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي (أ.ف.ب)

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

إحالة ملف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي إلى القضاء المكلف بالإرهاب، في 20 تهمة جديدة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
أفريقيا الرئيس التونسي قيس سعيد في جلسة عمل مع كاتب الدولة للأمن الوطني سفيان بالصادق بعد حملة أمنية غير مسبوقة وشاملة ضد كبار المهربين وتجار المخدرات (الرئاسة التونسية)

تونس: حملات أمنية غير مسبوقة على كبار المهربين وإيقاف محكومين

كشف القاضي فريد بن جحا، الناطق باسم محاكم محافظتي المنستير والمهدية الساحليتين، عن أن قوات حرس الخوافر اكتشفت مؤخراً نحو 20 جثة لفظها البحر نحو محافظة المهدية.

كمال بن يونس (تونس)
شمال افريقيا سنية الدهماني عرفت بانتقادها الشديد للسلطات (الشرق الأوسط)

محكمة تونسية تقضي بسجن إحدى أبرز منتقدات الرئيس

أصدرت محكمة تونسية، الخميس، حكماً بسجن المحامية والمُعلِّقة بوسائل الإعلام سنية الدهماني لمدة عامين.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس قيس سعيد يحتفل مع مؤيديه بعد الإعلان عن فوزه بولاية ثانية (أ.ف.ب)

هيئة الانتخابات التونسية تهدد بمتابعة من يتهمها بـ«التزوير»

أصدرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية بلاغاً، أكدت فيه أنّ «كل اتهام مجاني لهيئة الانتخابات بتدليس أو تزوير النتائج، ستتم معاينته بصفة قانونية».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من احتفالات أنصار سعيد (أ.ب)

سعيّد لولاية رئاسية ثانية بغالبية 89 %

صوّت أكثر من 2.7 مليون ناخب، حسب ما أعلن رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، ومثلت الفئة العمرية من 36 إلى 60 عاماً 65 في المائة من نسبة المشاركين.

«الشرق الأوسط» (تونس)

باريس تمنح «حمايتها» للكاتب صنصال المعتقل في الجزائر

الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
TT

باريس تمنح «حمايتها» للكاتب صنصال المعتقل في الجزائر

الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)
الروائي المعتقل في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)

بينما أعلنت الحكومة الفرنسية، رسمياً، أنها ستقدم «حمايتها» للكاتب الشهير بوعلام صنصال الذي يحتجزه الأمن الجزائري منذ الـ16 من الشهر الحالي، سيبحث البرلمان الأوروبي غداً لائحة فرنسية المنشأ، تتعلق بإطلاق سراحه.

وصرّح وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، الثلاثاء، لدى نزوله ضيفاً على إذاعة «فرانس إنفو»، بأن الرئيس إيمانويل ماكرون «مهتم بالأمر، إنه كاتب عظيم، وهو أيضاً فرنسي. لقد تم منحه الجنسية الفرنسية، ومن واجب فرنسا حمايته بالطبع. أنا أثق برئيس الجمهورية في بذل كل الجهود الممكنة من أجل إطلاق سراحه». في إشارة، ضمناً، إلى أن ماكرون قد يتدخل لدى السلطات الجزائرية لطلب إطلاق سراح الروائي السبعيني، الذي يحمل الجنسيتين.

قضية صلصال زادت حدة التباعد بين الرئيسين الجزائري والفرنسي (الرئاسة الجزائرية)

ورفض الوزير روتايو الإدلاء بمزيد من التفاصيل حول هذه القضية، التي تثير جدلاً حاداً حالياً في البلدين، موضحاً أن «الفاعلية تقتضي التحفظ». وعندما سئل إن كان «هذا التحفظ» هو سبب «صمت» الحكومة الفرنسية على توقيفه في الأيام الأخيرة، أجاب موضحاً: «بالطبع، بما في ذلك صمتي أنا. ما هو مهم ليس الصياح، بل تحقيق النتائج». مؤكداً أنه يعرف الكاتب شخصياً، وأنه عزيز عليه، «وقد تبادلت الحديث معه قبل بضعة أيام من اعتقاله».

واعتقل الأمن الجزائري صاحب الرواية الشهيرة «قرية الألماني»، في محيط مطار الجزائر العاصمة، بينما كان عائداً من باريس. ولم يعرف خبر توقيفه إلا بعد مرور أسبوع تقريباً، حينما أثار سياسيون وأدباء في فرنسا القضية.

وزير الداخلية الفرنسية برونو روتايو (رويترز)

ووفق محامين جزائريين اهتموا بـ«أزمة الكاتب صنصال»، فإن تصريحات مصورة عُدَّت «خطيرة ومستفزة»، أدلى بها لمنصة «فرونتيير» (حدود) الفرنسية ذات التوجه اليميني، قبل أيام قليلة من اعتقاله، هي ما جلبت له المشاكل. وفي نظر صنصال، قد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، وأشار إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، التي تقع في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

بل أكثر من هذا، قال الكاتب إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». وفي تقديره «لم تمارس فرنسا استعماراً استيطانياً في المغرب لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، وفُهم من كلامه أنه يقصد الجزائر، الأمر الذي أثار سخطاً كبيراً محلياً، خصوصاً في ظل الحساسية الحادة التي تمر بها العلاقات بين الجزائر وفرنسا، زيادة على التوتر الكبير مع الرباط على خلفية نزاع الصحراء.

البرلمانية الأوروبية سارة خنافو (متداولة)

وفي حين لم يصدر أي رد فعل رسمي من السلطات، هاجمت «وكالة الأنباء الجزائرية» بحدة الكاتب، وقالت عن اعتقاله إنه «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور، رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه ضد المهاجرين في فرنسا عموماً، والجزائريين خصوصاً.

يشار إلى أنه لم يُعلن رسمياً عن إحالة صنصال إلى النيابة، بينما يمنح القانون الجهاز الأمني صلاحية تجديد وضعه في الحجز تحت النظر 4 مرات لتصل المدة إلى 12 يوماً. كما يُشار إلى أن المهاجرين السريين في فرنسا باتوا هدفاً لروتايو منذ توليه وزارة الداخلية ضمن الحكومة الجديدة في سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويرجّح متتبعون لهذه القضية أن تشهد مزيداً من التعقيد والتوتر، بعد أن وصلت إلى البرلمان الأوروبي؛ حيث سيصوت، مساء الأربعاء، على لائحة تقدمت بها النائبة الفرنسية عن حزب زمور، سارة كنافو. علماً بأن لهذه السياسية «سوابق» مع الجزائر؛ إذ شنت مطلع الشهر الماضي حملة كبيرة لإلغاء مساعدات فرنسية للجزائر، قُدرت بـ800 مليون يورو حسبها، وهو ما نفته الحكومة الجزائرية بشدة، وأودعت ضدها شكوى في القضاء الفرنسي الذي رفض تسلمها.