إسرائيل تشرع في وضع أهداف «أكثر تواضعاً» لحربها على غزة

تتحدث عن ضربة قاسية بدلاً من تصفية «حماس»

نتنياهو يتحدث إلى أحد الجنود خلال جولته في بلدتي بئيري وكفار عزة قرب غزة (د.ب.أ)
نتنياهو يتحدث إلى أحد الجنود خلال جولته في بلدتي بئيري وكفار عزة قرب غزة (د.ب.أ)
TT

إسرائيل تشرع في وضع أهداف «أكثر تواضعاً» لحربها على غزة

نتنياهو يتحدث إلى أحد الجنود خلال جولته في بلدتي بئيري وكفار عزة قرب غزة (د.ب.أ)
نتنياهو يتحدث إلى أحد الجنود خلال جولته في بلدتي بئيري وكفار عزة قرب غزة (د.ب.أ)

مع الاستمرار في التهديدات بالاجتياح البري، الذي تأخر حالياً أيضاً بسبب الأمطار والضباب اللذين يعرقلان عمل الإسناد الجوي، وبدء تقلص الدعم الدولي من جراء مظاهرات الاحتجاج الكبيرة في نيويورك ولندن وغيرهما من العواصم الغربية، أخذت القيادات الإسرائيلية تضع أهدافاً متواضعة أكثر لحربها على قطاع غزة، وبدلاً من الإصرار على تصفية «حماس» عسكرياً والقضاء على حكمها، تتحدث عن اغتيال القائدَين الكبيرَين يحيى السنوار ومحمد ضيف، وتأكيد أن الاجتياح «لن يكون شاملاً بالضرورة، بل يتطور وفقاً للتقدم في تنفيذ الخطط العملية للهجوم».

ووفقاً لتسريبات إلى وسائل الإعلام، يرون في تل أبيب أن تقسيم قطاع غزة إلى قسمين، الشمالي الذي يوجد فيه القادة ومعهم وحدة النخبة... والجنوبي، الذي يتركز فيه المقاتلون ومطلقو الصواريخ، لا يؤخذ في الحسبان قدرة «حماس» على التحرك تحت الأرض واحتمالات انتقال قادة «حماس» من نفق إلى آخر تحت الأرض، وأن يكون هؤلاء القادة قد وضعوا خططاً تتغير مع الوقت أيضاً لديهم، وفق تطورات العمليات الهجومية.

فلسطيني يشير بعلامة النصر لدى نزوحه وآخرين من شمال قطاع غزة وسط مخاوف من هجوم إسرائيلي وشيك (أ.ف.ب)

رغبة في الانتقام

وكانت القيادات الإسرائيلية قد وضعت هدفاً لها، هو الرد على هجوم «حماس» بالانتقام الفتاك والمدمر، فشنّت غارات بمعدل ألف غارة في اليوم منذ هجوم السبت، ودمّرت عشرات الأبراج وآلاف البيوت، وهجّرت أكثر من نصف مليون شخص من بيوتهم، وحاولت ترحيل 1.1 مليون نسمة من الشمال إلى الجنوب، حتى تبدأ بتنفيذ الهجوم البري وتدمير «مدينة غزة التحتا»، التي بنتها «حماس» عميقاً تحت الأرض.

وأعلن الجيش، في بيان رسمي، أن قواته «تستعد، بدعم لوجيستي مكثف واستكمال تعبئة الاحتياط لمئات الآلاف من الجنود، لتنفيذ مجموعة واسعة من الخطط العملية الهجومية التي تشمل هجوماً متكاملاً ومنسقاً من الجو والبحر والبر». وأن «القوات البرية تعمل مع قسم التكنولوجيا واللوجيستيات حالياً على إعداد قوات الجيش لتوسيع القتال، وفي جزء من الإعداد اللوجيستي أنشأ القسم مراكز لوجيستية أمامية بهدف تمكن القوات المقاتلة من تجهيز نفسها بسرعة وبطريقة تتكيف مع احتياجاتها».

وذكر أنه «في الأيام الأخيرة تم نقل الأدوات اللازمة للقتال إلى موقع تمركز القوات، وفي هذه المرحلة تعمل الوحدات المختلفة التابعة لشعبة (التكنولوجيا واللوجيستيات) على استكمال تأهيل الأدوات ومعداتها بوسائل قتالية متطورة حسب الحاجة». وأضاف أن جنوده ينتشرون في جميع أنحاء البلاد، وهم «متأهبون لزيادة الجهوزية للمراحل المقبلة من الحرب، مع التركيز على هجوم بري كبير».

أضرار أصابت مدرسة في بلدة علما الشعب الحدودية جراء القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

عملية منظمة

وأشارت تقارير إلى أن الجيش يعمل على تنفيذ «عملية منظمة لرفع كفاءة القوات المقاتلة، إلى جانب عملية شراء متسارعة (للمعدات العسكرية والأسلحة والذخيرة) لسد الثغرات الموجودة». وذكرت أن «التوغل البري الذي تستعد له قوات الجيش الإسرائيلي سيتم بناء على سلسلة من الاعتبارات المتعلقة بالعمليات، بما في ذلك إجلاء السكان، واستنفاد العمليات الجوية، وجهوزية القوات»، مع الأخذ في الاعتبار «الصراع الدائر حول تفضيل الانفراد بغزة واقتصار الحرب عليها، أو الاضطرار لفتح الجبهة الشمالية».

وهدد الوزير المنضم حديثاً إلى الكابينيت السياسي والأمني الإسرائيلي، غدعون ساعر، بتقليص مساحة قطاع غزة، في أعقاب هذه الحرب، وقال: «يجب أن تتم جباية ثمن من مساحة غزة. على القطاع أن يصبح أصغر جغرافياً بعد انتهاء العمليات العسكرية. يجب أن يتعلموا أن مَن يبدأ الهجوم على إسرائيل، سيخسر أرضاً». وقال الرئيس السابق لجهاز الموساد، يوسي كوهين، إن التوغل البري في قطاع غزة سيتطلب عمليات واسعة ومعقدة على الصعيد الاستخباراتي، في ظل المواجهات العنيفة المتوقعة مع الفصائل المسلحة. وقال إن أحد أهداف الاجتياح هو ضمان وقف الأكسجين والدواء والغذاء والماء عن قادة «حماس» وجنودهم المختبئين تحت الأرض.

جانب من احتجاجات فلسطينية في نابلس بالضفة الغربية (رويترز)

سكب الماء على الرؤوس

ويبدو أن الانتقال من الحديث عن «القضاء على حماس» و«أن هذه حرب وجودية لإسرائيل، لا يجوز إلا أن ننتصر فيها»، جاء في أعقاب خروج عدد من أصحاب الخبرة الطويلة في الحروب الإسرائيلية، بوصفهم عسكريين وسياسيين، بتصريحات سكبوا فيها بعض الماء على الرؤوس الحامية، ودعوا إلى الكف عن التبجح والغطرسة والاستخفاف. وكان أبرز هؤلاء، اللواء أفرايم هليفي، الرئيس الأسبق للموساد، الذي أرسله نتنياهو إلى عمّان في سنة 1997، للتفاوض في أزمة محاولة اغتيال خالد مشعل، وتوصل إلى اتفاق بإبطال مفعول السم الذي دلقه أحد عملاء الموساد في أذنه، وبضمن الصفقة أُطلق سراح الشيخ أحمد ياسين.

وقال هليفي إن «من المؤسف أن كثيراً ممن يتولون المسؤولية الآن لا يعرفون حماس بشكل حقيقي، ولا يعرفون غزة، ولا يجيدون قراءة خريطة الشرق الأوسط». وقال إنه أمضى ساعات طويلة من حياته في حوارات مع قادة «حماس» وسنين طويلة في دراسة هذه الحركة والبيئة التي تعمل فيها. ولذلك فهو ينصح بترك أسلوب التبجح والتهديدات الفارغة والامتناع عن الاجتياح «بشكل كثيف وشرس».

وأكد: «نحن إزاء شيء جدي ويجب التعامل معه بمهنية. يجب أن نجعل الاجتياح مهنياً بأعصاب باردة وبالتدريج، واتخاذ القرارات بتروٍ شديدٍ، ووضع أهداف سياسية واقعية». وأضاف: «من يتحدث عن سحق حماس، لا يعرف عما يتكلم. حماس تنظيم كبير وقوي ولديه عزم وإصرار. قوامه نحو 150 ألف عنصر، بينهم عشرات الآلاف من المقاتلين المدربين بشكل مهني. وفي قيادته مجموعة لا بأس بها من الأفذاذ، الذين لا أحبهم وكلي غضب عليهم، ولكنني أعترف بأنهم ذوو قدرات عالية في القيادة وأذكياء واستراتيجيون. وأقترح على مَن اعتاد الاستخفاف بهم أن يكف عن ذلك. وهم ليسوا تنظيماً سياسياً وعسكرياً فحسب، بل فكر وقناعات. وإذا قضيت على قيادتهم وحتى على تنظيمهم كله، وهذا غير واقعي، فإنك لا تستطيع القضاء على فكرهم. وسينبزون لك من تحت أرض ما في وقت ما. لذلك يجب أن نضع أهدافنا بشكل واقعي وأقدامنا على الأرض».

أسرى من الجيش الإسرائيلي في قبضة «حماس» (رويترز)

تشبيه «حماس» بـ«داعش»

ورفض هليفي التصريحات الإسرائيلية التي أطلقها قادة الجيش وقادة الأحزاب، من نتنياهو حتى بيني غانتس، وحتى الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، وفيها شبهوا «حماس» بـ«داعش» أو حتى بالنازية، وقال إن «حماس ليست داعش، ومَن يقول هذا الكلام لا يعرف حماس ولا يعرف داعش، ويردد كلاماً سطحياً وعاطفياً لا أكثر». ورفض هليفي أقوال حيلي غروبر، وغيره من المسؤولين الذين قالوا إن «حماس» تريد تدمير إسرائيل، وعدّوا الحرب معها وجودية.

وقال: «أصحاب هذا الرأي يعانون من إفلاس فكري. فمن أين هذه النظرية وإلى أي شيء تستند. فلا حماس قادرة على تهديد وجود إسرائيل، ولا حزب الله ولا حتى إيران. هم يتمنون دمار إسرائيل، ولدينا مَن يساعدهم بمحاولة تدمير إسرائيل من الداخل. ومن الناحية العسكرية، ما حدث هو خطأ، إخفاق كبير، ولكن بمقدورنا إصلاحه. وبالتأكيد يجب ضرب حماس، ولكن لا حاجة لوضع هدف غير واقعي بالقضاء عليها. ويجب التفاوض معها والتوصل إلى تفاهمات وفقاً لخدمة مصالحنا الوطنية».


مقالات ذات صلة

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ) play-circle 01:47

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر صحافي في بيروت (رويترز)

بوريل: لبنان على شفير الانهيار

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الأحد، من بيروت، بأن لبنان بات «على شفير الانهيار»، بعد شهرين من المواجهة المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أحد أفراد الدفاع المدني يسير بين أنقاض موقع دمرته غارة إسرائيلية ببيروت (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يهاجم أهدافاً في البقاع... ويطالب سكان قرى جنوبية بإخلائها

قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن الجيش هاجم بنى عسكرية مجاورة لمعبر جوسية الحدودي شمال البقاع، التي قال إن «حزب الله» اللبناني يستخدمها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من المباني بعد قصف سابق على حمص (أرشيفية - رويترز)

هجوم إسرائيلي يستهدف معبراً بريف حمص عند الحدود السورية - اللبنانية

ذكرت «وكالة الأنباء السورية»، السبت، أن الطائرات الإسرائيلية شنّت هجوماً استهدف معبر جوسية بمنطقة القصير في ريف حمص عند الحدود السورية - اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر الدفاع المدني يبحثون عن ضحايا بعد قصف إسرائيلي على مدينة بعلبك في 14 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

لبنان: مقتل 24 وإصابة 45 في غارات إسرائيلية على بعلبك الهرمل

أفادت وزارة الصحة اللبنانية اليوم (السبت)، بأن الغارات الإسرائيلية على بعلبك الهرمل اليوم، قتلت 24 وأصابت 45 آخرين في حصيلة غير نهائية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع

لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
TT

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع

لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

اعتبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، بعد لقائه وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق، أمس، أنه «من الضروري للغاية ضمان أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان، وأن نجنب جر سوريا» إلى النزاع في المنطقة.

من جانبها، لم تُصدر الخارجية السورية أي تفاصيل حول نتائج لقاء بيدرسن والصباغ، واكتفت ببيان مقتضب أعلنت فيه عن اللقاء من دون تفاصيل. وكانت مصادر محلية قد أفادت بأن زيارة بيدرسن الثانية إلى دمشق خلال هذا العام تهدف إلى بحث إمكانية استئناف «اللجنة الدستورية» لحل الأزمة السورية، اجتماعاتها المتعثرة منذ أكثر من عامين، بسبب الخلاف على مكان عقد الاجتماع، وذلك بعد الرفض الروسي القاطع لعقدها في جنيف على خلفية موقف سويسرا من الحرب الروسية - الأوكرانية. وعقدت اللجنة الدستورية 8 جلسات وتم تأجيل الجلسة التاسعة بعد طلب روسيا تغيير مكان انعقاد المحادثات.