نتنياهو يهدد بـ«سحق حماس مثل داعش»

بلينكن يؤكد أن الولايات المتحدة «لن تسمح» بفتح «جبهة ثانية أو ثالثة» ضد إسرائيل خلال انشغالها بجبهة غزة

غارة إسرائيلية على مدينة غزة اليوم الخميس (أ.ف.ب)
غارة إسرائيلية على مدينة غزة اليوم الخميس (أ.ف.ب)
TT

نتنياهو يهدد بـ«سحق حماس مثل داعش»

غارة إسرائيلية على مدينة غزة اليوم الخميس (أ.ف.ب)
غارة إسرائيلية على مدينة غزة اليوم الخميس (أ.ف.ب)

فيما شددت إسرائيل حصارها على قطاع غزة، وواصلت قصفها العنيف بالطائرات والمدفعية، وحشدت آلاف الجنود على حدوده استعداداً لعملية اجتياح متوقعة قريباً، جددت الولايات المتحدة دعمها لـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، مؤكدة أنها ستدعمها بالأسلحة التي تحتاجها، ولن تسمح بفتح «جبهة ثانية أو ثالثة» ضد إسرائيل عندما تكون منشغلة بجبهة غزة.

ووصل بلينكن، صباح الخميس، إلى إسرائيل، وأجرى فوراً محادثات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي بات منذ مساء الأربعاء، يقود حكومة طوارئ تضم خصوماً سياسيين على رأسهم بيني غانتس.

وتعهد بلينكن، خلال مؤتمر صحافي جمعه بنتنياهو في تل أبيب (الخميس)، بدعم الولايات المتحدة «الدائم» لإسرائيل، مؤكداً «التطلعات المشروعة» للفلسطينيين، الذين لا تمثلهم حركة «حماس»، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». وقال بلينكن: «قد تكونون أقوياء بما يكفي للدفاع عن أنفسكم، لكن ما دامت أميركا موجودة، فلن تضطروا إلى ذلك أبداً، سنكون دائماً إلى جانبكم».

ووصل بلينكن، الخميس، إلى إسرائيل في زيارة داعمة لها في حربها مع حركة «حماس»، التي شنت (السبت) هجوماً مباغتاً على إسرائيل سقط خلاله 1200 شخص، وفق الجيش الإسرائيلي. وقال بلينكن إنه تم التأكد من وجود 25 أميركياً على الأقل بين القتلى. وفي وقت تعهد فيه الرئيس الأميركي جو بايدن بتقديم دعم كامل لإسرائيل دون الدعوة إلى ضبط النفس، لمّح بلينكن إلى الحاجة إلى تسوية سلمية في نهاية المطاف. وأضاف وزير الخارجية: «على كل مَن يريد السلام والعدالة أن يدين الإرهاب الذي تمارسه (حماس)، نحن نعلم أنها لا تمثل الشعب الفلسطيني وتطلعاته المشروعة للعيش بمعايير متساوية من الأمن والحرية وفرص العدالة والكرامة». وقال بلينكن: «أقف أمامكم ليس بصفتي وزيرَ خارجية للولايات المتحدة فقط، وإنما بصفتي يهودياً أيضاً... أقف أمامكم بصفتي زوجاً وأباً لأطفال صغار».

الوزير بلينكن خلال زيارته مركزاً لجمع التبرعات في تل أبيب اليوم لضحايا هجوم «حماس» في غلاف قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووعد بلينكن بأن إدارة بايدن والكونغرس الأميركي سيعملان معاً على تلبية الطلبات العسكرية لإسرائيل، متهماً حركة «حماس» بالقيام بممارسات مقززة خلال هجومها على غلاف قطاع غزة على غرار قتل أطفال ونساء وارتكاب اعتداءات جنسية، علماً بأن «حماس» نفت مثل هذه المزاعم التي تروج لها إسرائيل.

أما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فأعرب عن تقديره للدعم الأميركي. وقال إن «(حماس) التي تحكم قطاع غزة يجب أن تعامَل مثل تنظيم (داعش)». وأضاف: «مثلما تم سحق (داعش)، سيتم سحق (حماس)».

وفي مؤتمر صحافي ثان بعد الظهر، قال بلينكن إن الرئيس جو «بايدن كان واضحاً أننا نقف مع إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحقها في ضمان أن ما حصل يوم السبت لن يتكرر، في إشارة إلى هجوم «حماس» المفاجئ.

وسُئل عن إمكان فتح جبهة ثانية ضد إسرائيل على الحدود اللبنانية، فقال إن الولايات المتحدة وإسرائيل مصممتان على أنه «لن تكون هناك جبهة ثانية أو ثالثة». وتابع أن بايدن كان واضحاً في تحذيره من تدخل أي طرف، سواء كان دولة أو غير دولة، باستغلال ما يحصل في غزة، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي «أرفق تحذيره بإرسال حاملة الطائرات فورد» إلى منطقة الشرق الأوسط.

وقال بلينكن إنه بحث مع نتنياهو إنشاء ممر آمن للمدنيين الراغبين في الخروج من غزة، و«سأبحث الأمر في الدول التي سأزورها»، مشيراً إلى أنه سيزور السعودية ومصر والإمارات وقطر لبحث الحرب في غزة، مضيفاً أنه سيلتقي (الجمعة) بالعاهل الأردني الملك عبد الله، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في عمّان.

بلينكن ونتنياهو خلال مؤتمر صحافي في تل أبيب اليوم (إ.ب.أ)

وقال وزير الخارجية الأميركي أيضاً: «نفعل ما بوسعنا لإطلاق سراح الأسرى (لدى حماس)، ونتعاون مع شركائنا في إسرائيل من أجل ذلك». وأوضح أنه التقى في إسرائيل بعائلات أميركيين قتلتهم «حماس» أو اتخذتهم رهائن.

وفي هذا الإطار، وعلى الرغم من أن إسرائيل تعلن رفضها القاطع الدخول في مفاوضات حول تبادل أسرى مع «حماس»، التقى مسؤولو ملف الأسرى والمفقودين في الإدارة الأميركية مع مسؤولي ملف الأسرى الإسرائيليين، الخميس، في تل أبيب فيما عُدَّ «لقاء تنسيقاً أولياً».

وقد ضم الاجتماع عن الجانب الأميركي، ستيفن غيلان، نائب المبعوث الرئاسي لشؤون الأسرى والمفقودين، ومجموعة من الخبراء الأميركيين في الموضوع، الذين وصلوا خصيصاً لمعالجة ملف الأسرى، ومن الجانب الإسرائيلي العميد غال هيرش، الذي عين في مطلع الأسبوع مسؤولاً في الحكومة عن ملف الأسرى والمفقودين. وقدم هيرش تقريراً عن عدد ووضع الأسرى الذين وقعوا في أسر «حماس»، خلال الهجوم الذي نفذه نشطاؤها بشكل مباغت على إسرائيل يوم السبت الماضي. وتبين من التقرير أن عدد الأسرى لدى «حماس» هو 162 أسيراً، غالبيتهم إسرائيليون. ولكن يوجد بينهم تسعة أجانب من السياح، وعدد من العمال الأجانب. وبعضهم يحملون جنسيتين. بيد أن مصادر غير رسمية تحدثت عن 250 أسيراً.

وقال هيرش إن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن نصف الأسرى في وضع صحي جيد، ونصفهم الآخر موتى، تم أسرهم جثثاً، أو جرحى، بعضهم مات على الطريق من الجنوب الإسرائيلي إلى غزة.

المدفعية الإسرائيلية تقصف قطاع غزة اليوم (أ.ف.ب)

وشرح هيرش السياسة الإسرائيلية في موضوع الأسرى، قائلاً إن إسرائيل تتخذ عدة إجراءات تهدف إلى تحرير الرهائن. ورد غيلان قائلاً إن الولايات المتحدة تقف إلى جانب أمن إسرائيل وإعادة أسراها. وأن لدى الولايات المتحدة طاقماً متخصصاً يعمل بشكل دائم لمتابعة شؤون أسرى ومفقودين، ولديه عدد من الشخصيات التي شاركت في مفاوضات لإطلاق سراح الأسرى في عدة أماكن في العالم، وقد اكتسب خبرات غنية في المجال، وإنه شخصياً وكل فريقه يضعون طاقاتهم في خدمة دولة إسرائيل للمساعدة على إطلاق سراح الرهائن.

وبحسب مصادر سياسية في تل أبيب، جاء الأميركيون بعدما أزعجتهم الأنباء المنشورة في إسرائيل عن تهميش قضية الأسرى، والتركيز على القتال الحربي، وتصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين، وبينهم الوزير الثاني في وزارة الدفاع، بتسلئيل سموتريتش، بأنه «يجب القيام بالعمليات الحربية بغض النظر عن مصير الأسرى». وجاؤوا ليؤكدوا أن الولايات المتحدة لا تستطيع تهميش هذا الموضوع، ومعنية ببذل كل جهد في سبيل تحرير الأسرى، من المفاوضات وحتى تنفيذ عمليات حربية.

وقالت صحيفة «تايمز»، الخميس، إن بريطانيا سترسل سفينتين تابعتين للبحرية الملكية إلى شرق المتوسط، وستبدأ طلعات جوية للمراقبة والاستطلاع فوق إسرائيل؛ إظهاراً للدعم العسكري الهادف لطمأنتها، وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الخميس، إن الجيش الأميركي لا يضع شروطاً على مساعداته الأمنية لإسرائيل، مضيفاً أن واشنطن تتوقع من جيش إسرائيل أن «يفعل الصواب» في حربه ضد حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).

وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في مقر حلف «الناتو» في بروكسل اليوم (أ.ف.ب)

وسارعت الولايات المتحدة بإرسال دفاعات جوية وذخيرة إلى إسرائيل لمساعدتها في قتالها ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في الوقت الذي تشن فيه أقوى حملة قصف في تاريخ صراعها مع الفلسطينيين الممتد منذ 75 عاماً. وتوعدت إسرائيل بالقضاء على حركة «حماس» التي تحكم قطاع غزة في أعقاب الهجوم الذي شنه مقاتلوها عليها مطلع الأسبوع.

وقال أوستن في مقر حلف شمال الأطلسي ببروكسل: «فيما يتعلق بالشروط التي سنضعها على المساعدة الأمنية التي نقدمها لإسرائيل، فإننا لا نضع أي شروط على توفير هذه المعدات».

وأضاف: «هذا جيش محترف، بقيادة محترفة، ونأمل ونتوقع أن يفعلوا الأشياء الصحيحة في متابعة لحملتهم».

وفي وقت سابق من اليوم الخميس، قالت إسرائيل إنه لن تكون هناك أي استثناءات إنسانية في حصارها على غزة قبل إطلاق سراح جميع الرهائن الذين تحتجزهم «حماس». جاء ذلك في أعقاب نداء من الصليب الأحمر للسماح بدخول الوقود لمنع المستشفيات المكتظة من «التحول إلى مشارح».

ومنذ هجوم «حماس»، سعى الجيش الأميركي إلى ردع خصوم إسرائيل الآخرين من خلال نقل عتاد عسكري إلى المنطقة بما في ذلك مجموعة حاملة الطائرات الهجومية (جيرالد فورد) التي وصلت في شرق البحر المتوسط. وتضم القوة حاملة الطائرات وطراد صواريخ موجهة وأربع مدمرات للقذائف الموجهة.

كما عززت الولايات المتحدة أسراب طائرات مقاتلة تابعة للقوات الجوية الأميركية من طرز (إف - 35) و(إف - 15) و(إف - 16) و(إيه - 10) في المنطقة.

وقال أوستن إن الولايات المتحدة لم تر أي مؤشرات على أن مقاتلي «حزب الله» اللبناني يحتشدون لمهاجمة إسرائيل، وهو أمر قد يؤدي إلى اتساع رقعة الصراع.

وقال أوستن: «لم نشهد أي حشد للقوات على طول الحدود... هذا شيء يركز عليه الإسرائيليون. نبحث أيضاً عن أشياء إضافية يمكن أن توسع الصراع هنا ونأمل ألا نرى هذه الأشياء»، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة «رويترز». ونقلت الوكالة أيضاً عن دبلوماسيين في بروكسل أن وزراء دفاع دول حلف شمال الأطلسي انتابتهم حالة من الذهول في مقر الحلف، الخميس، عند عرض وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عليهم مقطع فيديو «صادماً» و«مروعاً» من هجوم «حماس» على مدنيين إسرائيليين.

وأطلع غالانت، الذي حضر عن بعد جلسة الحلف التي استمرت ساعة، وزراء الدفاع على الهجوم وعرض عليهم ما وصفته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» بأنه «مقطع فيديو من دون حذف لفظائع (حماس)». وكانت الصحيفة أول من أورد تقارير عن مقطع الفيديو.

وقال دبلوماسي غربي: «كان مروعاً. أوضح للجميع حقيقة ما حدث».

وتحدث مصدر آخر عن «لقطات مروعة وصادمة»، ووصف الدول الأعضاء بالحلف بأنهم متحدون في دعمهم لإسرائيل.

وذكر مسؤول في الغرفة أن بعض لقطات المقطع «طُمست لحفظ كرامة الضحايا».

وقال وزراء من بينهم بوريس بيستوريوس وزير الدفاع الألماني علناً، إنهم سيساعدون إسرائيل، وسيجيبون طلبها باستخدام طائرتين مسيرتين قتاليتين من طراز (حيرون - تي بي) في هجومها المضاد على قطاع غزة الذي تحكمه «حماس».

وذكر بيستوريوس أمام الصحافيين: «نقف في صف إسرائيل»، مضيفاً أن ألمانيا ستدرس أيضاً طلب تزويد السفن بالذخيرة.

وقال مصدر دفاعي لـ«رويترز» إن إسرائيل سألت ألمانيا أيضاً إذا ما كان بوسعها توفير سترات واقية ومستلزمات طبية ورعاية طبية للمصابين في المستشفيات الألمانية، لكن المصدر لم يخض في مزيد من التفاصيل.

وأعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، في بيان بعد الجلسة التي حضرها غالانت: «إسرائيل لا تقف وحدها».

وذكر مصدر أنه خلال المناقشات بين الوزراء الخميس، كانت تركيا العضو الوحيد الذي اختلف مع باقي الدول؛ إذ رفضت التنديد بهجمات «حماس» بوصفها عملاً إرهابياً.

السنوار

إلى ذلك، نقل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي عن رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي قوله الخميس، إن يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» في غزة، هو من اتخذ قرار الهجوم على إسرائيل.

وقال أدرعي بحسابه على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) نقلاً عن هاليفي، إن السنوار وكل المؤسسة التي تتبعه سيكونون «أهدافاً للقتل».

كما نقل عنه قوله إن الجيش الإسرائيلي سيهاجم الفصائل الفلسطينية في غزة ويفككها ويدمر مؤسساتها وهياكلها التنظيمية.


مقالات ذات صلة

دحلان يجدد رفضه تولي دور أمني أو حكومي في غزة

المشرق العربي القيادي الفلسطيني محمد دحلان (صفحته عبر «فيسبوك»)

دحلان يجدد رفضه تولي دور أمني أو حكومي في غزة

قال القيادي الفلسطيني محمد دحلان، اليوم (الخميس)، إن وقف الحرب هو الأولوية القصوى، مجدداً رفضه تولي أي دور أمني أو حكومي في غزة.

«الشرق الأوسط» (دبي )
المشرق العربي أشخاص يسيرون في شارع بجوار المباني التي دُمرت خلال القصف الإسرائيلي على مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين في شمال قطاع غزة في 23 يوليو 2024 وسط الصراع المستمر بين إسرائيل وحركة «حماس» (أ.ف.ب)

دراسة: عدد القتلى في غزة كان دقيقاً إلى حد كبير في الأيام الأولى للحرب

وجدت دراسة جديدة تحلل الأيام الـ17 الأولى من القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، أن أرقام وزارة الصحة بغزة بشأن القتلى في الأيام الأولى للحرب كانت ذات مصداقية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس... 22 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

هل ينبئ موقف هاريس بشأن حرب غزة بتحول محتمل عن سياسة بايدن؟

يؤشر موقف هاريس الصريح بشأن حرب غزة إلى تحول محتمل عن سياسة جو بايدن تجاه إسرائيل بينما تتطلع نائبة الرئيس الأميركي إلى الحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي ناشط يلصق لافتة على عمود إنارة احتجاجاً على الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وخطابه أمام الكونغرس في واشنطن (رويترز)

نتنياهو يقول إن الاتفاق في غزة قريب

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لعائلات رهائن محتجزين في قطاع غزة إن التوصل إلى اتفاق مع حركة «حماس» أصبح قريباً.

كفاح زبون (رام الله)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في طوكيو 8 نوفمبر 2023 (د.ب.أ)

الخارجية الأميركية تنتقد قرار محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي

أصدرت الخارجية الأميركية هذا اليوم السبت بياناً بشأن قرار محكمة العدل الدولية بأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

لبنان مهدد بالانتقال إلى القائمة «الرمادية» لغسل الأموال في الخريف

صندوق النقد الدولي بدأ منذ هذا العام بحجب التوقعات والبيانات المالية الخاصة بلبنان (رويترز)
صندوق النقد الدولي بدأ منذ هذا العام بحجب التوقعات والبيانات المالية الخاصة بلبنان (رويترز)
TT

لبنان مهدد بالانتقال إلى القائمة «الرمادية» لغسل الأموال في الخريف

صندوق النقد الدولي بدأ منذ هذا العام بحجب التوقعات والبيانات المالية الخاصة بلبنان (رويترز)
صندوق النقد الدولي بدأ منذ هذا العام بحجب التوقعات والبيانات المالية الخاصة بلبنان (رويترز)

ارتفع منسوب الريبة في أوساط القطاع المالي المحلي من الإمعان الحكومي في انتهاج سياسة «عدم الاكتراث» إزاء الخروج المتدرج والمستمر للبلد ومؤسساته من الأسواق المالية الدولية، والمعزّز بتوسع ظاهرة حجب الترقبات والبيانات المالية الخاصة بلبنان واقتصاده من قبل المؤسسات المالية العالمية ووكالات التصنيف الائتماني الدولية.

ولا يتردد مسؤول مصرفي كبير في التحذير من بلوغ مرحلة السقوط المتسارع إلى قعر «عدم اليقين»، حسب وصفه، الذي لا تقل تداعياته خطورة عن الانغماس في دوامة الانهيارات النقدية والمالية الجسيمة التي أعقبت القرار الحكومي في ربيع عام 2020 بإشهار التعثر غير المنظّم مع الدائنين عن دفع مستحقات سندات دين دولية (يوروبوندز)، والمستتبع قانونياً باستحقاق كامل محفظة الدين العام من هذه السندات البالغة نحو 30 مليار دولار، والمبرمجة في إيفاء فوائدها وأقساطها لغاية عام 2037.

إهمال غير مفهوم

وحسب المصرفي الذي تواصلت معه «الشرق الأوسط»، ليس من المفهوم بتاتاً عدم رصد أي رد فعل من السلطة التنفيذية والوزارات المعنية، وإهمال تقدير الأضرار الكارثية على المديين القريب والمتوسط، جراء تدحرج كرة رفع بيانات لبنان وتوقعاته الاقتصادية من التقارير الدورية للمؤسسات الدولية، والمعوّل عليها أساساً لمعاونته على تحديد معالم مسار الخروج من نفق الأزمات النظامية التي تشرف على ختام عامها الخامس على التوالي.

وفي الوقائع، أفادت وكالة التصنيف الدولية «فيتش» بأنّها ستتوقف عن إصدار تصنيفات خاصة بلبنان، بسبب عدم وجود إحصاءات مالية ونقدية كافية، مشيرة في تقريرها إلى أنّ أحدث الإحصاءات المالية تعود إلى عام 2021، في حين حاز صندوق النقد الدولي الأسبقية بحجب بيانات لبنان وترقباته للعام الحالي، وتلاه البنك الدولي بإزالة هذه البيانات بدءاً من العام المقبل.

ويشكل غياب الاحصاءات والتوقعات الخاصة بأي بلد واقتصاده من قبل أبرز المؤسسات الدولية، وفق المسؤول المعني، فجوة حقيقية وغير قابلة للتعويض في مخاطبة المانحين الدوليين والمستثمرين الذي يعتمدون التقارير المنجزة كمرجع موثوق لقراراتهم، لا سيما لجهة شمولها بيانات الناتج المحلي والمالية العامة وسائر المؤشرات الحيوية الشاملة لميزان المدفوعات والميزان التجاري، فضلاً عن ميزانيات القطاع المالي وسواه من إحصاءات وتوقعات مستقبلية.

ضبابية وقلق متزايد

وقال مسؤول مالي معني بالملف لـ«الشرق الأوسط»، إن القرار الأحدث للبنك الدولي بحجب لبنان عن ترقباته، يعكس مدى ارتفاع منسوب المخاطر وكثافة الضبابية التي تكتنف الأوضاع الداخلية، لا سيما التمادي في تأخير انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والشكوك المستمرة حول فاعلية الحكومة المستقيلة منذ أكثر من عامين.

ويزيد من تفاقم التداعيات المتوقعة لحجب بيانات لبنان، وارتكازه أساساً إلى التعميق المستمر لواقع الضبابية الكثيفة والغموض غير البناء الذي تتوافق المرجعيات المالية الدولية ومؤسسات تقييم الجدارة الائتمانية على إبراز مخاطره، الارتفاع المتجدد لمستوى القلق من نفاد المهل المتكررة التي منحتها مجموعة العمل المالي الدولية للبنان لإحراز تقدم ملموس في معالجة أوجه القصور التي يعانيها في مكافحة غسل (تبييض) الأموال.

وتشير المعطيات المتلاحقة في هذا الصدد إلى اقتراب لبنان مجدداً من الانزلاق إلى خفض تصنيفه السيادي وإدراجه ضمن القائمة «الرمادية» خلال الاجتماع الدوري للمجموعة في الخريف المقبل، في حال لم يتم الالتزام سريعاً بحزمة من التدابير ذات الأبعاد القانونية والقضائية الخاصة بسد قنوات مشبوهة للفساد والتقصير في المحاسبة، رغم الإقرار بسلامة الاستجابة المطلوبة من قبل مؤسسات القطاع المالي، والتقدير الظرفي بصعوبة الالتزام بإجراءات ذات أبعاد سياسية.

جهود منصوري الخارجية

ويبذل حاكم البنك المركزي (بالإنابة) وسيم منصوري جهوداً خارجيةً مكثفةً للحصول على مهلة جديدة، بموازاة تحركات داخلية وقرارات متتالية له بوصفه رئيساً لهيئة التحقيق الخاصة المولجة مهام مكافحة الجرائم المالية، وبما يشمل الضبط المحكم للكتلة النقدية والحد من المبادلات الورقية (الكاش)، وتجميد حسابات مشبوهة لمسؤولين سابقين مدنيين وغير مدنيين، وتزويد القضاء المحلي والخارجي بما يطلب من وثائق أو بيانات ذات صلة بشبهات مالية وبملاحقات قائمة بالفعل.

ويشدّد منصوري في اجتماعاته الداخلية والخارجية، آخرها مع كبار المسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية وصندوق النقد والبنك الدوليين، على أولوية تفعيل المحاسبة عبر القضاء والشروع بالإصلاحات البنيوية في الدولة وتحديث الإدارة، ضمن المرتكزات الأساسية لتصحيح الانحرافات وتحديد طريق التعافي والنهوض.