يسود الترقب في لبنان لما ستؤول إليه حرب «طوفان الأقصى»، مع التصعيد المتوقع من قبل الطرفين؛ لا سيما مع التوترات التي تشهدها الحدود الجنوبية في اليومين الأخيرين، وتأكيد «حزب الله» أنه ليس على الحياد، وبأن القصف الذي نفذه باتجاه إسرائيل هو رسالة بأنه إذا تمادت فسوف تنتج هذه المرة طوفان كل الأمّة؛ حسبما قال رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» هاشم صفي الدين.
وهو ما عاد وجدد التأكيد عليه، الاثنين، رئيس الهيئة الشرعية في «حزب الله» محمد يزبك، خلال مراسم رفع راية فلسطين على تلة عين بورضاي على مشارف مدينة بعلبك، وقال: «عندما يتجاوز العدو حدوده والخط الأحمر، فسوف يرى ما لم يتوقع من المقاومة في لبنان ومن محور المقاومة».
ومع إجماع الأفرقاء اللبنانيين على اختلاف توجهاتهم، منذ اللحظة الأولى، على دعم حق الشعب الفلسطيني، ارتفعت الأصوات المحذرة من توريط لبنان في هذه الحرب؛ لا سيما في ظل الأوضاع الصعبة السياسية والاجتماعية التي يرزح تحتها اللبنانيون، بينما كان لافتاً غياب الموقف الرسمي الواضح مما حصل طوال يوم الأحد، بعد إطلاق الحزب للصواريخ باتجاه إسرائيل، إلى أن أعلن مكتب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الاثنين، في بيان له: «الحرص على إبقاء لبنان بمنأى عن تداعيات الوضع في فلسطين».
«الوطني الحر»
وفي هذا الإطار، يكتفي النائب في «التيار الوطني الحر» سيزار أبي خليل، بالتذكير بموقف رئيس «التيار» النائب جبران باسيل يوم الأحد، الذي ميّز فيه بين 3 فئات في لبنان لجهة مقاربتها القضية الفلسطينية. وفي حين يلفت في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن التكتل سيكون له موقف تجاه هذا الموضوع بعد اجتماعه، الثلاثاء، شدد على التضامن مع حق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه والعودة إلى بلده، متحدثاً عن مصلحة لبنان في هذا الموضوع.
وكان باسيل قد قال: «هناك 3 أنواع من الناس في لبنان، من يؤمنون بوحدة الجبهات، وهناك من هم مع حق الفلسطينيين في استعادة أرضهم، ونحن منهم ونؤيد ما يحصل ونفرح لفوز أي عربي ضد الإسرائيلي، أما القسم الأخير فهم من يفرحون لفوز إسرائيل ويحزنون لانتصار المقاومة»، مضيفاً: «هناك مقاربة مختلفة وأولويات مختلفة، فهناك من يريد زوال الكيان الإسرائيلي، ولكن أولوياتنا قيام الدولة اللبنانية؛ لأنه دونها لا وجود لنا ولا للوطن».
«التقدمي الاشتراكي»
أما موقف الحزب «التقدمي الاشتراكي» الذي لطالما أكد على دعمه القضية الفلسطينية، فيعبّر عنه النائب هادي أبو الحسن الذي يبدي قلقه من تداعيات استخدام الساحة اللبنانية، في ظل ما يعانيه لبنان من أزمات. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الشعب الفلسطيني والمقاومة تستطيع أن تقوم بالواجب، وعلينا دعمهما سياسياً ومعنوياً وإعلامياً، أما استخدام الساحة اللبنانية في ظل كل ما يعانيه لبنان من أزمات، فهذا يعرض الداخل لأزمة كبرى؛ لا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية والنقدية الكبيرة والغياب الكامل للخدمات».
من هنا يقول أبو الحسن: «(حزب الله) قال إن صواريخه التي أطلقها يوم الأحد هي رسالة تضامن مع الفلسطينيين، وراعى خلالها قواعد الاشتباك»، مضيفاً: «إذا بقيت الأمور عند هذا الحد فإن الأمر يبقى مفهوماً، أما إذا تعدى ذلك فنكون قد أدخلنا لبنان في مشكلة نحن في غنى عنها». وفي حين شدد على أن «لبنان لا يمكن أن يحتمل المواجهة الشاملة»، قال: «إذا كان لا بد من ممارسة الضغط على إسرائيل، فليكن هذا الأمر عبر فتح ساحة الجولان المحتل التي تتعرض للقصف الإسرائيلي بشكل دوري، وليكن الرد من هناك»، ويسأل هنا أبو الحسن: «في ظل التخلي الدولي عنه اليوم، من سيساعد لبنان إذا استخدُمت ساحته؟».
وعن موقف الحكومة، يرى أبو الحسن أنه ينطلق من القلق من انعكاس توريط لبنان في هذه الحرب، مضيفاً: «الحكومة غير قادرة على الصمود وتوفير شبكة الأمان للشعب إذا وقعت الحرب».
وفي رد على سؤال عن قرار الحرب والسلم، يقول أبو الحسن: «أين هي الدولة التي يفترض أن يكون القرار بيدها؟ لا رئيس للجمهورية... وحكومة مشلولة... وكل ذلك يعيدنا أيضاً إلى أهمية إقرار الاستراتيجية الدفاعية».
«القوات اللبنانية»
ولا يختلف موقف حزب «القوات اللبنانية» الواضح لجهة رفضهم توريط لبنان في الحرب، وهو ما عبّر عنه النائب بيار أبو عاصي، قائلاً في حديث إذاعي: «(حزب الله) سيدمر لبنان في حال دخوله في معركة غزة»، متمنياً على الطبقة السياسية والشعب اللبناني منع زج لبنان في المعركة القائمة. ورأى أنه «لا خطط ولا استراتيجية لهذه الحكومة (الهجينة) وهي تتفرج على كل ما يحصل»، معتبراً أنه «من غير المسموح الزج بلبنان في حرب من دون قرار سياسي لبناني من قبل الحكومة ومجلس النواب».
من جهته، قال مسؤول الإعلام والتواصل، شارل جبور، لـ«الشرق الأوسط»: «موقفنا واضح لجهة عدم توريط لبنان وتحميله ما لا قدرة له على تحمله. يكفيه ما فيه من أزمات سياسية مالية اجتماعية اقتصادية، إضافة إلى أزمة اللاجئين. باختصار: لبنان منكوب في هذه المرحلة، والنتيجة ستكون بالتأكيد تدميره، وبالتالي المطلوب الالتزام الدقيق بالنأي بالنفس، وتحييد لبنان عما يحصل في غزة».
وعن موقف الحكومة، يقول: «يجب التمييز بين ما هو مطلوب من الحكومة، وما هي القدرة على ترجمة هذا الموقف؛ إذ إنه لا قدرة للحكومة على التنفيذ؛ لأن الحزب أقوى من الواقع القائم، وبالتالي الواقعية تحتم القول إن الموقف المطلوب هو رفض توريط لبنان، وعدم إقحامه في هذه الحرب».
قرار الدولة
وكان عدد من النواب قد عبّروا عن رفضهم توريط لبنان في الحرب؛ لا سيما بعد إطلاق الصواريخ من الجنوب وقصف إسرائيل مناطق لبنانية. وكتب النائب وضاح الصادق على منصة «إكس» قائلاً: «لا يمكنني أن أبقى حيادياً أمام أي معركة يخوضها الفلسطينيون على أرضهم ضدّ من اغتصبها. ولا يمكنني أن أكون حيادياً بوجه كلّ من يتلطّى خلف القضيّة الفلسطينيّة لمصلحة مشاريعه الخاصة، الهادفة إلى السيطرة على المنطقة. كما لا يمكنني أن أكون حيادياً أمام استخدام إيران للأراضي العربيّة والشباب العربي وقوداً في حروبها الخاصّة، وهي لم تطلق يوماً رصاصة باتجاه إسرائيل؛ بل استفادت من سلاحها في حربها مع العراق»، مضيفاً: «فتح الجبهة من لبنان قرار يعود للدولة اللبنانية، وليس لأحد الحق في تعريض الشعب اللبناني إلى مخاطر حروب لا مصلحة له فيها».
«سيدة الجبل»
ومع تأكيد «لقاء سيدة الجبل» و«المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان» في بيان، بعد اجتماعهما، الاثنين، أن قضية فلسطين هي قضية حق، وأن الحل يجب أن يستند للقرارات الدولية وإلى مبادرة السلام العربية وحل الدولتين، أشارا إلى أن «اللبنانيين يعيشون اليوم الأحداث الأليمة والخطيرة في غزة، وعلى حدود لبنان الجنوبية، بقلق شديد؛ خصوصاً في ضوء احتمال أن يقرر (حزب الله) أو إيران أو إسرائيل، أو الكل معاً، إقحام لبنان في حلقة العنف التي نعرف كيف بدأت في غزة، ولا نعرف كيف ستنتهي»، وأضاف: «وما يقلق اللبنانيين خصوصاً، هو أن هذه الأحداث الخطيرة تجري في غياب الدولة بكل تراتبيتها، بينما يستأثر (حزب الله) بالقرار الوطني مطبقاً احتلالاً موضوعياً لمستقبل اللبنانيين».
من هنا، طالب المجتمعون رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعقد جلسة لمجلس الوزراء فوراً، من أجل تشكيل خلية أزمة وطنية قادرة على القيام بكل الاتصالات اللازمة لحماية الشعب اللبناني، وكذلك مطالبته بتحذير «حزب الله» من جر لبنان إلى مغامرات عسكرية من المؤكد أنها سوف تأتي بالقتل والدمار على كل اللبنانيين. مع التذكير بأن مجلس الوزراء مجتمعاً هو المسؤول عن اتخاذ القرارات حسب الدستور اللبناني. كما ناشدوا «المجتمع الدولي أخذ التدابير اللازمة من أجل التطبيق الحرفي للقرار 1701، لكي يصبح الجيش اللبناني، وحده بلا شريك له، مسؤولاً عن حماية لبنان والدفاع عن حدوده».