يوم الثلاثاء القادم، ستفتح سامنثا كاميرون زوجة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، باب 10 داونينغ ستريت لاستقبال لفيف من صناع الموضة، بينما أصبح تقليدًا تتبعه منذ سنوات للتأكيد على أهمية الموضة كقطاع اقتصادي بريطاني. لكن يبدو أن السفير الأميركي بلندن، ماثيو وينثروب برزون سبقها هذه المرة ونظم حفلاً خاصًا في السفارة الأميركية على شرف وزير الخارجية جون كيري، تزامن مع افتتاح الأسبوع ودعا إليه الكثير من صناع الموضة، من مصممين وعارضات وغيرهم. ولأنها أول بادرة من نوعها، فإنها جعلت البعض يخمن أن سببها قد يعود إلى أن بروك، زوجة السفير، امرأة أنيقة ولها صداقات كثيرة في الوسط، بينما خمن البعض الآخر بأن السبب قد يعود إلى ناتالي ماسيني، الرئيس التنفيذي لمنظمة الموضة البريطانية ومؤسسة موقع «نيت أبورتيه» التي لها أصول أميركية قوية. وسواء كان هذا أو ذاك، فإن أسبوع لندن لموسمي الربيع والصيف المقبلين بدأ ساخنا خارج وداخل مقره الجديد رغم ما يثيره من جدل وازدحام في منطقة سوهو، قلب لندن النابض بالإبداع. تشهد على هذه السخونة إبداعات تحن إلى الستينات من القرن الماضي، الحقبة التي شهدت فيها الموضة طفرة إبداعية قوية في كل أنحاء العالم، وطبعتها فساتين قصيرة وغير محددة على الجسم.
المهم أن كل شيء في مرآب «بروير ستريت»، المقر الجديد للأسبوع والأماكن المجاورة التي اختارها بعض المصممين كبديل له، ربما لعدم اقتناعهم به إلى حد الآن، يشي بأن المعنويات عالية من ناحيتي التنظيم والعروض. فقد افتتحته الكورية جاكي جي إس لي، بعرض سلس وتشكيلة منطلقة غلبت عليها التنورات الطويلة والبنطلونات الواسعة والألوان الفاتحة من دون أن تنسى استغلال مكمن قوتها، المتمثل في التفصيل، حيث طعمت التشكيلة بجاكيتات قصيرة تتحدى الزمن.
بعدها جاء الدور على المخضرمة زاندرا رودس التي اختارت فندق «كافيه روايال» لتقديم تشكيلتها بعد غياب أكثر من عقد من الزمن تقريبًا. تميز عرضها بالألوان والنقشات الصارخة وكأنها تريد أن تذكرنا بأنها عايشت ولادة الأسبوع، وكانت واحدة ممن شكلوا شخصيته القوية المسكونة بالفنون والجنون، وليس أدل على ذلك من أسلوبها الخاص نفسه. فرغم أنها تعدت السبعين من العمر بأربع سنوات، فإنها لا تزال تصبغ شعرها بالوردي الفاتح حينًا والأزرق الفيروزي حينًا آخر، فضلاً عن أزيائها السريالية التي تعكس روح لندن. لحسن الحظ أن جنونها يعتمد على طريقتها في تنسيق الأزياء ولا علاقة له بالتصاميم نفسها. فهذه معقولة إلى حد كبير من حيث القصات، سواء كانت قفاطين مطرزة أو فساتين قصيرة وبنطلونات واسعة مطبوعة برسمات فنية صارخة.
بيد أن الحديث عن تأثير حقبة الستينات يجرنا إلى عرض المصمم الآيرلندي الأصل، بول كوستيلو الذي منح هذه الحقبة بعدًا عصريًا يتراقص على ألوان متوهجة تجعلك تترقب فصل الربيع على أحر من الجمر. فرغم أن الترجمة كانت شبه حرفية، برزت التفاصيل التي أضافها إليها مثل الطيات والأحجام وغيرها بشكل رائع وشبابي. ولا شك أن تقيده بأساسيات تلك الفترة، من الطول القصير إلى الياقات وعدم التركيز على الخصر، هو ما زاد في سحر التشكيلة، وعنوانها «نيو ريفليكشنز» أي تأملات جديدة، وأضفى عليها التوازن والقوة في الوقت ذاته. كانت الياقات من التفاصيل المهمة التي لعب عليها، حيث جاءت مفتوحة تكشف جزءًا لا بأس به من الصدر حينًا وعالية تغطي الرقبة حينًا آخر، إلى جانب الخصور العالية وإضافته «شورتات قصيرة» يخاطب بها شريحة شابة وإن كانت زبونته القديمة ستجد الكثير من الفساتين المناسبة والمعاطف الأنيقة. بول كوستيلو، الذي كانت تقع على عاتقه مهمة افتتاح أسبوع لندن لم يعد شابًا، وبالتالي لم يعد يحتاج أن يتقيد بعرض صباحي باكر وكأنه مصمم صاعد لا رأي ولا كلمة له. فقد كبر سنًا ومقامًا، وكبرت معه داره وهذا ما يمنحه الحرية لكي يبرز رؤيته الخاصة كيفما وأينما شاء، لهذا اختار فندق «كافيه روايال» على بعد دقيقتين من «برورير ستريت». واللافت أنه نجح في تحقيق المعادلة الصعبة: إرضاء ذاته وتحقيق النجاح التجاري بفضل قدرته المشهود بها على التفصيل واستعماله أقمشة مترفة تتباين بين الكشمير والجاكار، وإن كان لا بد من الإشارة إلى أن تصاميمه للنهار كانت أجمل وأقوى من تلك التي وجهها للمساء والسهرة.
المصمم البريطاني جاسبر كونران، في المقابل قام بالعكس. فاقتراحاته للمساء أو المناسبات التي تتطلب فساتين منسدلة وطويلة، سواء كانت حفلاً أو عشاء على متن يخت، كانت شهية وأنيقة، تنسدل على الجسم بنعومة ورقة وتمنحه عنفوانًا. معظم هذه الفساتين كانت هفهافة تخفي الخصر تمامًا، تميز بعضها بجيوب زادت من عصريتها وعمليتها، وبعضها الآخر باستعماله أكثر من طبقة من الأقمشة، خصوصًا فيما يتعلق بالفساتين المصنوعة من الموسلين الشفاف. الجميل هنا أنه عوض أن يبطنها للتمويه على شفافيتها، استعمل طبقة أخرى منه، باللون نفسه، لكن بنقشات مختلفة بعض الشيء وكأنه يلعب معنا لعبة «الغميضة». فالطبقة العلوية تبدو وكأنها ستارة خفيفة تبرز جمالية النقوش من جهة وأنوثة التفصيل من جهة ثانية، لتكون النتيجة تأثيرًا ناعمًا. بالنسبة للقطع الموجهة للنهار، فعدا تفصيلها المتقن، الذي يجعلها من الكلاسكيات، فإنها كانت «ناضجة» أكثر من اللزوم وتخاطب زبوناته الوفيات أكثر من بناتهن، باستثناء مجموعة صغيرة مكونة من «شورتات» وتنورات قصيرة.
صناع ونجوم الموضة في ضيافة كيري.. بلندن
عروض متنوعة تعكس روح العاصمة البريطانية التواقة للاختلاف في أسبوع الموضة
صناع ونجوم الموضة في ضيافة كيري.. بلندن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة