انطلاق جولة جديدة من مفاوضات «سد النهضة» وسط انتقاد مصر لـ«الإجراءات الأحادية»

إثيوبيا تتمسك بـ«قانونية الملء»

وزير الري المصري خلال مشاركته في الجولة الثانية لمفاوضات «سد النهضة» بأديس أبابا (مجلس الوزراء المصري)
وزير الري المصري خلال مشاركته في الجولة الثانية لمفاوضات «سد النهضة» بأديس أبابا (مجلس الوزراء المصري)
TT

انطلاق جولة جديدة من مفاوضات «سد النهضة» وسط انتقاد مصر لـ«الإجراءات الأحادية»

وزير الري المصري خلال مشاركته في الجولة الثانية لمفاوضات «سد النهضة» بأديس أبابا (مجلس الوزراء المصري)
وزير الري المصري خلال مشاركته في الجولة الثانية لمفاوضات «سد النهضة» بأديس أبابا (مجلس الوزراء المصري)

انطلقت اليوم (السبت) في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا جولة جديدة من مفاوضات «سد النهضة»، بحضور الوزراء المعنيين من مصر والسودان وإثيوبيا، ووفود التفاوض من الدول الثلاث، في ظل غياب أطراف دولية، ووسط تحذيرات مصرية من استمرار إثيوبيا في «التصرفات (الأحادية) المخالفة للقانون الدولي»، المتعلقة بمواصلة بناء وملء «السد» من دون اتفاق بين الدول الثلاث، وإصرارها على أن بناء وملء «سد النهضة»، «يتوافقان مع إعلان المبادئ» الموقع بين الدول الثلاث عام 2015.

وجاءت الجولة الثانية للمفاوضات في إطار استكمال الجولات التفاوضية، التي بدأت في القاهرة في أغسطس (آب) الماضي، بناءً على توافق للإسراع في الانتهاء من الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل «سد النهضة» خلال 4 أشهر، في أعقاب لقاء بالقاهرة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في 13 يوليو (تموز) الماضي.

وقال وزير الموارد المائية والري المصري، الدكتور هاني سويلم، إن بلاده تستمر في التعامل مع المفاوضات كعهدها دائماً بالجدية، وحسن النيات، اللازمين بغرض التوصل لاتفاق «عادل ومتوازن»، يراعي مصالحها الوطنية ويحمي أمنها المائي، واستخداماتها الحالية، ويحفظ حقوق الشعب المصري، مضيفاً أنه يحقق في الوقت ذاته المصالح المشتركة للدول الثلاث، بما يضمن تحقيق التنمية والرخاء لشعوب مصر وإثيوبيا والسودان.

وجدد الوزير المصري، حسب بيان رسمي صادر عن وزارة الموارد المائية والري، اليوم (السبت)، الإشارة إلى ما مثله استمرار إثيوبيا في عملية ملء «سد النهضة» في غياب الاتفاق اللازم، من «انتهاك لاتفاق إعلان المبادئ الموقع في 2015»، مشيراً إلى أن استمرار مثل هذه التصرفات الأحادية، والمخالفة للقانون الدولي، «يلقي بظلال غير إيجابية على العملية التفاوضية الراهنة، ويهدد بتقويضها».

في المقابل، قال رئيس المفاوضين الإثيوبيين في المحادثات بشأن «سد النهضة»، السفير سيلشي بيكيلي، اليوم (السبت)، إن بناء وملء السد «يتوافقان مع إعلان المبادئ بين إثيوبيا ومصر والسودان»، مؤكداً أن بلاده «تعمل على التوصل إلى نتيجة ودية للمفاوضات». وأشار بيكيلي في تغريدة له على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) إلى أن إثيوبيا «تتحرك بناء على مبدأ الاستخدام المنصف لمياه نهر النيل، وتعمل على تحقيق نتائج ودية».

جانب من مفاوضات «سد النهضة» في أديس أبابا بحضور وفود من مصر والسودان وإثيوبيا (مجلس الوزراء المصري)

وكانت مصر قد أعلنت في وقت سابق أن جولة التفاوض الماضية بالقاهرة «لم تشهد تغيرات ملموسة في مواقف الجانب الإثيوبي»، مؤكدة أنها «ستستمر في مساعيها الحثيثة للتوصل في أقرب فرصة إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، على النحو الذي يراعي المصالح والثوابت المصرية بالحفاظ على أمنها المائي، والحيلولة دون إلحاق الضرر به».

وفي العاشر من سبتمبر (أيلول) الحالي، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي نجاح بلاده في إتمام الجولة الرابعة والأخيرة من ملء «سد النهضة»، في خطوة انتقدتها وزارة الخارجية المصرية، وعدّتها «تجاهلاً لمصالح وحقوق دولتي المصب وأمنهما المائي الذي تكفله قواعد القانون الدولي».

وأشار نائب مدير مركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية، والخبير المتخصص في القضايا الأفريقية وشؤون المياه، الدكتور أيمن السيد عبد الوهاب، إلى أنه «لا توجد مؤشرات على تغير النهج الإثيوبي في التفاوض»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن أديس أبابا «تسعى إلى الفوز بكل شيء، والاستحواذ على كل مياه النيل الأزرق، دون التزام باتفاق قانوني ملزم مع دول المصب».

ومنذ عام 2011 تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتفاق بشأن ملء «سد النهضة» وتشغيله، إلا أن جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث لم تثمر حتى الآن عن اتفاق.

وأوضح أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، أن استمرار نهج التفاوض الحالي في غياب أطراف دولية، «لن يفضي إلى شيء»، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن غياب أطراف دولية فاعلة، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، «يخدم النهج الإثيوبي في التنصل من أي التزامات تجاه دول المصب».

وتخشى مصر من تأثير السد الإثيوبي على النيل الأزرق، كونها تعتمد على نهر النيل في تأمين 97 في المائة من احتياجاتها المائية، وتمثل المياه الواردة من النيل الأزرق الحصة الأكبر في موارد مصر المائية.

وبخصوص البدائل المطروحة للتعامل مع الموقف، حال فشل هذه الجولة من المفاوضات في التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث، أوضح السيد أن «إثيوبيا تحرص دائماً على تجنب الوصول إلى نقطة الصدام، عبر الحديث المتكرر عن عدم إلحاق ضرر فادح بمصالح مصر المائية»، لكنه أوضح في الوقت ذاته أن الظروف التي يعانيها السودان حالياً، واستمرار النهج الإثيوبي «غير الواضح» يلقيان «عبئاً على مصر لتقييم الضرر الراهن، وبحث البدائل في ظل التوازنات الإقليمية والدولية».

في حين عدّ شراقي أن «العودة إلى مجلس الأمن بمنظور مختلف هو أحد الحلول المطروحة»، مشيراً إلى أن «وقوع كارثة انهيار سدود مدينة درنة الليبية، وتضاعف المخاوف الدولية من تكرار مثل هذا النوع من الكوارث، يمكن أن يفيدا في العودة إلى مجلس الأمن، ليس باعتبار سد النهضة قضية مائية»، لكن باعتباره «خطراً وجودياً على ملايين من السكان في السودان ومصر»، لافتاً إلى «وجود السد الإثيوبي في منطقة نشطة زلزالياً، وتخزينه كميات مياه تصل إلى 3 آلاف ضعف المياه المخزنة وراء سدي درنة، فضلاً عن وجود العديد من الدراسات العلمية، التي تشير إلى مخالفته قواعد الهندسة الإنشائية»، والتي تجعل منه «خطراً يستوجب تدخلاً دولياً».


مقالات ذات صلة

إثيوبيا تبدأ «الملء الخامس» لـ«سد النهضة» وسط ترقّب مصري

العالم العربي «سد النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي - إكس)

إثيوبيا تبدأ «الملء الخامس» لـ«سد النهضة» وسط ترقّب مصري

بدأت إثيوبيا عملية «الملء الخامس» لخزان «سد النهضة» على نهر النيل، حسب ما أظهرته صور بالأقمار الاصطناعية، وسط ترقّب مصر، التي حذّرت من المساس بـ«حصتها المائية».

عصام فضل (القاهرة)
المشرق العربي مؤتمر بالقاهرة يناقش تداعيات صراعات القرن الأفريقي الإقليمية (الشرق الأوسط)

مصر تحذر من تفاقم الصراعات بـ«القرن الأفريقي» بسبب «التدخلات الخارجية»

حذرت مصر من تفاقم ما وصفته بـ«الصراعات المركبة» في منطقة «القرن الأفريقي»، متهمة «التدخلات الخارجية» بتأجيج تلك الصراعات.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا محطة «الدلتا الجديدة» في منطقة «الحمام» بالساحل الشمالي (المتحدث العسكري المصري)

مصر تدخل موسوعة «غينيس» بأكبر محطة لمعالجة «الصرف الزراعي»

دخلت مصر موسوعة «غينيس» العالمية للأرقام القياسية بأكبر محطة لمعالجة مياه «الصرف الزراعي»، وسط أزمة «شح مائي» تعاني منها البلاد.

عصام فضل (القاهرة)
العالم العربي «سد النهضة» الإثيوبي (رويترز)

«سد النهضة»: مصر تُصعّد ضد إثيوبيا قبل أسابيع من «الملء الخامس»

حذّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إثيوبيا من استمرار عملية بناء «سد النهضة» الإثيوبي، من دون التوصل إلى «اتفاق» مع بلاده بشأنه.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي وزير الموارد المائية والري المصري الدكتور هاني سويلم خلال مشاركته في «المنتدى العالمي العاشر للمياه» المنعقد بإندونيسيا (وزارة الموارد المائية المصرية)

مصر تطالب إثيوبيا بدراسات «فنية تفصيلية» حول آثار «سد النهضة»

دعت مصر إثيوبيا لإجراء دراسات «فنية تفصيلية» حول آثار «سد النهضة»، الذي تبنيه على الرافد الرئيسي لنهر النيل.

عصام فضل (القاهرة)

مصر تُسرّع إجراءات تعويضات أهالي منطقة «رأس الحكمة»

مدبولي خلال تفقد المشروعات في العلمين الجديدة (مجلس الوزراء المصري)
مدبولي خلال تفقد المشروعات في العلمين الجديدة (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر تُسرّع إجراءات تعويضات أهالي منطقة «رأس الحكمة»

مدبولي خلال تفقد المشروعات في العلمين الجديدة (مجلس الوزراء المصري)
مدبولي خلال تفقد المشروعات في العلمين الجديدة (مجلس الوزراء المصري)

تُسرّع الحكومة المصرية من «إجراءات تعويض أهالي منطقة (رأس الحكمة)، الواقعة في محافظة مرسى مطروح (شمال البلاد)»، لتتمكن من تسلُّم أراضي المرحلة الأولى المخصصة للمشروع المشترك بين مصر والإمارات، الذي يستهدف تنمية وتطوير المنطقة.

ووجّه رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، السبت، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، شريف الشربيني، بمتابعة موقف تعويضات الأهالي والتعاون مع محافظة مرسى مطروح والجهات المعنية الأخرى «لسرعة الانتهاء من هذا الملف». وأكد مدبولي خلال جولة له بمدينة العلمين (شمال مصر)، السبت، أنه «لا بديل عن الالتزام بالمواعيد المحددة لبدء المرحلة الأولى من المشروع».

ووقّعت مصر اتفاقاً لتطوير وتنمية مدينة «رأس الحكمة» بشراكة إماراتية، في فبراير (شباط) الماضي، بـ«استثمارات قدرت بنحو 150 مليار دولار خلال مدة المشروع»، (الدولار الأميركي يساوي 48.30 جنيه في البنوك المصرية).

وذكر مدبولي خلال توقيع الاتفاق أن مدينة رأس الحكمة الجديدة ستقام على مساحة 170.8 مليون متر مربع، وستوفر كثيراً من فرص العمل، معتبراً أن مثل هذه النوعية من المشروعات «يمكنها المساهمة في تحقيق حلم مصر لجذب 40 أو 50 مليون سائح». ووفق إحصاءات سابقة لوزارة السياحة والآثار المصرية فإن «نحو 14.9 مليون سائح زاروا مصر العام الماضي».

وقال مدبولي في وقت سابق إن «مشروع تنمية وتطوير رأس الحكمة»، يعد أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر. وشدد حينها على أن المشروع «شراكة استثمارية وليس بيع أصول».

رئيس الوزراء المصري ووزير الإسكان خلال زيارة "العلمين الجديدة" (مجلس الوزراء المصري)

في غضون ذلك، عقد رئيس مجلس الوزراء المصري، السبت، عقب جولته بمدينة العلمين الجديدة، اجتماعاً مع عدد من المسؤولين، أكد خلاله «أهمية المشروعات الجاري تنفيذها في الساحل الشمالي». وقال إنها «تضع مصر على خريطة الاستثمار والسياحة العالمية»، مشيراً إلى أنه «إلى جانب المشروعات المهمة، التي يجري تنفيذها في مدينة العلمين الجديدة، فقد بدأ العمل الجاد تمهيداً للمرحلة الأولى من مشروع رأس الحكمة، الجاري تنفيذه بشراكة مصرية-إماراتية». ووصف مدبولي المشروع بأنه «متوقع أن يدر على الاقتصاد المصري موارد دولارية ضخمة خلال فترتي الإنشاء والتشغيل».

وكان المشروع قد جرى توقيعه في وقت شهدت مصر خلاله «فجوة دولارية». واعتبر خبراء ومراقبون وقتها (أي قبل تحرير سعر صرف الجنيه في مارس/ آذار الماضي) أن الحكومة تحتاج إلى «حلول عاجلة» لإحداث توازن بين السعر الحقيقي للجنيه، والسعر المتداول للدولار في «السوق السوداء».

مخطط مدينة "رأس الحكمة" (موقع خريطة مشروعات مصر)

من جانبه، استعرض وزير الإسكان المصري خلال الاجتماع مع مدبولي «ملف التعويضات» التي سيتم تقديمها للأهالي في منطقة رأس الحكمة، تمهيداً لتسليم أراضي المرحلة الأولى للجانب الإماراتي، لبدء تنفيذ المشروع. وأكد الوزير المصري أن التنسيق مع الجانب الإماراتي «يجري بشكل متسارع من أجل تسليم أراضي المرحلة الأولى». وعرض الوزير أيضاً الموقف التخطيطي لمشروع «السكن البديل لأهالي منطقة رأس الحكمة»، لافتاً إلى أن هذا المشروع «سيتم تنفيذه بما يلائم تطلعات سكان المنطقة».

وكانت الشركة «القابضة» الإماراتية (ADQ) قد ذكرت في وقت سابق أن مشروع تطوير منطقة رأس الحكمة «يستهدف ترسيخ مكانة رأس الحكمة بوصفها وجهة رائدة لقضاء العطلات على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ومركزاً مالياً، ومنطقة حرة مجهزة ببنية تحتية عالمية المستوى لتعزيز إمكانات النمو الاقتصادي والسياحي في مصر»، وفق بيان لـ«وكالة الأنباء الإماراتية».