البحر يلفظ العشرات من جثث درنة... وعائلات الضحايا تشتكي من نقص الأكفان

مسؤول بحكومة الدبيبة يؤكد إهمال تشققات ظهرت في سدي المدينة منذ التسعينات

TT

البحر يلفظ العشرات من جثث درنة... وعائلات الضحايا تشتكي من نقص الأكفان

عناصر من الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين تنتشل الجثث في مدينتي درنة وسوسة (الهيئة)
عناصر من الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين تنتشل الجثث في مدينتي درنة وسوسة (الهيئة)

لفظ البحر خلال الساعات الأخيرة عشرات الجثث التي طفت على الشاطئ قبالة مدينة درنة الليبية، والتي تحسر الليبيون بسبب عدم قدرتهم على انتشالها، فيما ظهرت أزمة جديدة تمثلت في نقص الأكفان والمُغسّلين، بالنظر إلى كثرة الضحايا الذين تم استخراجهم من تحت الأنقاض والركام.

ومنذ أن استفاق مواطنو درنة على نكبة إعصار «دانيال»، الذي اجتاح مدينتهم، وأوقع الآلاف منهم، بدأوا في البحث عن ذويهم وجيرانهم تحت حطام البنايات المُهدّمة، وفي التجمعات المائية، لكنهم فوجئوا بعشرات الجثث وهي تطفو على صفحة البحر، ومنذ ذلك الحين بدأوا يمكثون ساعات طويلة على الشاطئ أملا في التقاط ما تقذفه أمواجه.

وأظهرت مقاطع فيديو متداولة منذ وقوع الإعصار عشرات الجثث التي تطفو كل يوم على صفحة المتوسط، بعضها لأطفال. فيما قالت جمعية الهلال الأحمر الليبي إنها «تبذل أقصى جهودها لإنقاذ الأشخاص المفقودين، وانتشال الجثث».

أحد عناصر الهلال الأحمر الليبي (جمعية الهلال الأحمر)

وأوضحت الجمعية، اليوم (الخميس)، أن الإحصائيات الأولية «تشير إلى أن أعداد المفقودين قد تجاوزت عشرة آلاف شخص... ونحن نعمل بكل قوتنا لتحديد موقع وإنقاذ أكبر عدد ممكن من هؤلاء الأشخاص وإعادتهم سالمين».

كما تحدث ليبيون نجوا من الإعصار عن أهوال وقعت لهم ولذويهم جراء السيول التي غزت منازلهم وأغرقت غالبيتها، وجرفت بعضها بمن فيها إلى «المتوسط».

وبسبب كثرة الجثث ظهرت في درنة أزمة نقص الأكفان والمُغسّلين، وفي إدراج عبر حسابها على «فيسبوك» قالت الحقوقية وأستاذة القانون الليبية، خديجة البوشي، مساء (الأربعاء) إن مقبرة «مرتوب» في حاجة إلى من يساعد في التغسيل والدفن، مضيفة: «منذ يومين وهم يغسّلون هناك جثث كثيرة بدأت في التحلل، وعددهم قليل جداً ولا يستطيعون تلبية المطالب... تواصلنا معهم، لكن لا يمكن الوصول إليهم إلا بالطائرة، لذا لا يوجد إلا شباب المنطقة الذين يستطيعون مساعدتهم».

جنود من القوات المسلحة المصرية في درنة (صفحات موثوقة على مواقع التواصل)

وتسبب انهيار غالبية الطرق المؤدية إلى درنة في تعطل وصول المساعدات الإغاثية إليها، وقالت مصلحة الموانئ والنقل البحري الليبية إنها تبحث إمكانية دخول السفن والقاطرات ميناء درنة لإيصال المساعدات، بعد أن أجرت مسحا للممر الملاحي. مشيرة إلى أنه تم تشكيل لجنة بالميناء «للقيام بالمهام والاختصاصات، التي من شأنها تسهيل وتنظيم سفن الإغاثة، وإيصال المساعدات بأسرع وقت للمتضررين، ولسكان مدينة درنة والمدن المجاورة وانتشال المتوفين».

وأمام أزمة نقص الأكفان، ناشد ليبيون عديدون عبر صفحاتهم على مواقع التواصل ضرورة توفيرها، فاستجاب العديد من خارج درنة للتبرع بكميات كبيرة منها.

يقول الشاب أحمد العيسيوي إن «الكفن الذي كان سعره 50 دينارا ليبيا، أصبح الآن بـ190 دينارا»، وتساءل مستغرباً: «هل يعقل هذا؟ الاستغلال أصبح حتى في الموت!»

ووجه بعض المواطنين اللوم لهيئة الأوقاف الليبية لـ«عدم توفير الأكفان للمتوفين»، حسب زعمهم، لكن المدون الليبي رياض الناكوع تحدث أيضا عن «نقض كبير في المُغسّلات في درنة»، وقال إن «المساعدات لا تصل للجميع في درنة» لأسباب أرجعها إلى سوء إدارة الأزمة؛ مبرزا أن الناس هناك «يعانون من العطش». كما لفت أيضا إلى أن مدينة سوسة تعاني إلى الآن «من نقص حاد في المواد الغذائية والأغطية والملابس والكوادر الطبية».

وبدا من شكاوى المواطنين أن الكثير من المساعدات لم تصل إلى بلدات متضررة مثل المخيلي، الواقعة بين درنة وبنغازي، لأسباب أرجعها أحد أعيان المنطقة خليل العوكلي، لجغرافيا المنطقة.

وقال العوكلي إن المستشفى في سوسة «خارج الخدمة؛ ونناشد فرق الإنقاذ والمنظمات المعنية مساعدة جميع المتضررين».

شركة الخدمات العامة «طرابلس» تبدأ أعمال إزالة الركام داخل درنة (منصة حكومتنا)

من جهته، كشف عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، أن وزارة التخطيط التابعة له تبين لها عند مراجعتها عقود صيانة سدي مدينة درنة «أبو منصور» و«وادي درنة» أن «العقود لم تستكمل، رغم تخصيص عشرات الملايين لهذا الغرض». وقال الدبيبة خلال اجتماع حكومته اليوم (الخميس) إن النائب العام الصديق الصور يحقق في هذا الموضوع، وقد استدعى مسؤولي التخطيط لمعرفة الأسباب.

وصدم ممثّل وزارة التخطيط، الذي حضر الاجتماع الوزاري، اليوم (الخميس)، الرأي العام الليبي، بقوله إن «الصيانة في السدين توقفت منذ عام 2011»، وتحدث أيضاً عن «اكتشاف مشكلات إنشائية فيهما منذ بداية التسعينات، أسفرت عن وجود تشققات في السدين».

وانهار السدان في الساعات الأولى للعاصفة التي ضربت درنة (الأحد)، مما أدى إلى اجتياح السيول المدينة، والتسبب في تدمير درنة بشكل كبير ووقوع آلاف الضحايا.

شركة الخدمات العامة «طرابلس» تبدأ أعمال إزالة الركام داخل درنة (منصة حكومتنا)

وكان محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، والدبيبة طالبا النائب العام بفتح تحقيق شامل في الكارثة الناجمة عن العاصفة، ومحاسبة المسؤولين عن انهيار سدي مدينة درنة. وبمواجهة تزايد النزوح بالمدن المضارة، أعلنت السلطات المحلية بشرق ليبيا اليوم (الخميس) عن تجهيز 18 مدرسة بمدينة بنغازي لإيواء النازحين من المناطق المتضررة.


مقالات ذات صلة

ارتفاع صادرات كوريا الجنوبية لمستوى قياسي خلال الربع الثالث

الاقتصاد ناقلة سيارات تحمل مركبات من إنتاج شركة «كيا موتورز» الكورية تصل إلى ميناء «بيونجتايك» في كوريا الجنوبية (رويترز)

ارتفاع صادرات كوريا الجنوبية لمستوى قياسي خلال الربع الثالث

أعلنت وزارة الصناعة الكورية الجنوبية أن الصادرات وصلت لمستوى قياسي مرتفع جديد بلغ 185 مليار دولار في الربع الثالث من يوليو (تموز) حتى سبتمبر (أيلول) الماضيين.

«الشرق الأوسط» (سيول)
الاقتصاد شاحنات متوقفة بمحطة الحاويات الداخلية في أويوانغ بكوريا الجنوبية (رويترز)

تراجع اعتماد كوريا الجنوبية على التجارة نتيجة حالة عدم اليقين العالمية

أصبح الاقتصاد الكوري الجنوبي أقل اعتماداً على التجارة، بسبب ضعف الصادرات وانخفاض أسعار المواد الخام، الناتجة عن عدم اليقين بالاقتصاد العالمي.

الاقتصاد رافعات وحاويات في أحد المواني التجارية بكوريا الجنوبية (رويترز)

66 مليار دولار... ارتفاع صادرت كوريا الجنوبية في سبتمبر لأعلى مستوى على الإطلاق

ارتفعت صادرات كوريا الجنوبية لأعلى مستوى على الإطلاق خلال سبتمبر الماضي، بفضل قوة الطلب على أشباه الموصلات.

«الشرق الأوسط» (سيول)
الاقتصاد أشخاص يخوضون طريقاً غمرتها المياه بعد فيضانات في كراتشي يوم 19 أغسطس 2025 (رويترز)

باكستان تطلب من «صندوق النقد» مراعاة تأثير الفيضانات عند مراجعة القروض

قالت باكستان إنها تحرز تقدماً مطرداً نحو الوفاء بأهداف والتزامات عدة بموجب برنامجها مع «صندوق النقد الدولي»، مطالبة بمراعاة تأثير الفيضانات عند مراجعة القرض.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
الاقتصاد رافعات وحاويات في أحد الموانئ التجارية بكوريا الجنوبية (رويترز)

صادرات كوريا الجنوبية ترتفع 13.5 في المائة خلال شهر سبتمبر

ارتفعت صادرات كوريا الجنوبية بنسبة 13.5 % في أول 20 يوماً من شهر سبتمبر، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

«الشرق الأوسط» (سيول)

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
TT

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)

في إطار الدينامية الدولية التي أطلقها العاهل المغربي، الملك محمد السادس، دعماً لسيادة المغرب على صحرائه ولمخطط الحكم الذاتي، أكدت هولندا أن «حكماً ذاتياً حقيقياً تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر واقعية لوضع حد نهائي لهذا النزاع الإقليمي».

جرى التعبير عن هذا الموقف في الإعلان المشترك الذي تم اعتماده، اليوم الجمعة في لاهاي، من جانب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الشؤون الخارجية وزير اللجوء والهجرة بالأراضي المنخفضة، ديفيد فان ويل، عقب لقاء بين الجانبين.

سجل الإعلان المشترك أيضاً أن هولندا «ترحب بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار رقم 2797، وتعرب عن دعمها الكامل لجهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي»، الرامية إلى تسهيل وإجراء مفاوضات قائمة على مبادرة الحكم الذاتي المغربية، وذلك بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول من الأطراف، كما أوصت بذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وأعرب الوزيران عن ارتياحهما للعلاقات الممتازة والعريقة، التي تجمع بين المغرب وهولندا، وجددا التأكيد على الإرادة المشتركة لمواصلة تعزيز التعاون الثنائي، المبني على صداقة عميقة وتفاهم متبادل، ودعم متبادل للمصالح الاستراتيجية للبلدين.

كما رحّبا بالدينامية الإيجابية التي تطبع العلاقات الثنائية في جميع المجالات، واتفقا على العمل من أجل الارتقاء بها إلى مستوى شراكة استراتيجية.

وخلال اللقاء أشادت هولندا بالإصلاحات الطموحة التي جرى تنفيذها تحت قيادة الملك محمد السادس، وبالجهود المبذولة في مجال التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً عبر النموذج التنموي الجديد، وإصلاح مدوّنة الأسرة، ومواصلة تفعيل الجهوية المتقدمة.

كما أشادت هولندا بالجهود المتواصلة التي يبذلها المغرب من أجل الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل.

وإدراكاً لأهمية التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، أكدت هولندا عزمها على تعزيز الحوار والتعاون مع المغرب في هذا المجال، موضحة أنه سيتم بحث المزيد من الفرص لتعزيز هذه الشراكة خلال الحوار الأمني الثنائي المقبل.

كما أشادت هولندا بالمبادرات الأطلسية، التي أطلقها الملك محمد السادس لفائدة القارة الأفريقية، ولا سيما مبادرة مسار الدول الأفريقية الأطلسية، والمبادرة الملكية الرامية إلى تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ومشروع خط أنابيب الغاز الأطلسي نيجيريا - المغرب.


محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

تناولت محادثات مصرية - روسية، الجمعة، المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وذلك في إطار التنسيق المستمر والتشاور بين البلدين حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، تناول الاتصال «العلاقات الوثيقة بين مصر وروسيا، وما تشهده من زخم متزايد في مختلف مسارات التعاون، ولا سيما المجالات الاقتصادية والتجارية». وأعرب عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» التي تربط البلدين، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات. وأكّد أهمية مواصلة العمل المشترك لدفع مشروعات التعاون الجارية، وفي مقدمتها محطة «الضبعة النووية»، بما يسهم في تعزيز الاستثمارات الروسية في مصر وتوسيع التعاون بين الجانبين.

وشهد الرئيسان؛ المصري عبد الفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين، افتراضياً عبر تقنية الفيديو كونفرانس، الشهر الماضي، مراسم وضع «وعاء الضغط» لمفاعل الوحدة الأولى بمحطة «الضبعة النووية»، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي اللازم للمحطة، ما عدّه خبراء «خطوة أولى لإنتاج الطاقة النووية».

ومحطة «الضبعة» النووية هي أول محطة للطاقة النووية في مصر، وتقع في مدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط. وكانت روسيا ومصر قد وقّعتا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 اتفاقية للتعاون لإنشاء المحطة، ثم دخلت عقودها حيّز التنفيذ في ديسمبر (كانون الأول) 2017.

جانب من محطة «الضبعة النووية» الشهر الماضي (هيئة المحطات النووية)

وأكّد عبد العاطي، خلال الاتصال الهاتفي، الجمعة، على «أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803 والمضي في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي للسلام في غزة»، لافتاً إلى «ضرورة تمكين قوة الاستقرار الدولية من أداء مهامها لترسيخ وقف إطلاق النار».

وبحسب «الخارجية المصرية»، استعرض عبد العاطي «الجهود التي تبذلها مصر في إطار (الآلية الرباعية) لوقف النزاع والحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السودانية»، كما استعرض «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة وسيادة وأمن واستقرار لبنان». وجدد موقف مصر «الداعي إلى احترام وحدة وسيادة الأراضي السورية، ورفض أي تحركات أو تدخلات من شأنها تقويض استقرار البلاد»، داعياً إلى «تفعيل عملية سياسية شاملة تحقق تطلعات الشعب السوري».

وأعربت مصر، نهاية نوفمبر الماضي، عن أملها في «بدء عملية سياسية بالسودان (دون إقصاء)». وأكّدت «احترام السيادة السودانية».

وتعمل «الآلية الرباعية»، التي تضم المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والولايات المتحدة، من أجل وقف إطلاق للنار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري بواشنطن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكّدت على «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان». كما طرحت في أغسطس (آب) الماضي «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال 9 أشهر».

أطفال سودانيون فرّوا مع عائلاتهم جراء المعارك الدامية يجلسون في مخيم قرب الفاشر (رويترز)

وتطرق الاتصال الهاتفي، الجمعة، إلى تطورات الملف النووي الإيراني، حيث أكد عبد العاطي «أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى خفض التصعيد، وبناء الثقة وتهيئة الظروف، بما يتيح فرصة حقيقية للحلول الدبلوماسية واستئناف الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق شامل للملف النووي، يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي».

على صعيد آخر، تناول عبد العاطي ولافروف مستجدات الأزمة الأوكرانية، حيث جدّد وزير الخارجية المصري «التأكيد على موقف القاهرة الثابت الداعي إلى ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى التوصل لتسويات سلمية للأزمات، عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية، بما يحفظ الأمن والاستقرار».


أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)

خطوة جديدة نحو إنهاء أزمة شرق الكونغو التي تصاعدت منذ بداية العام، مع توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيسي رواندا بول كاغامي، والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، في واشنطن، الخميس، اتفاقاً يعزز فرص السلام والتعاون الاقتصادي بتلك المنطقة الأفريقية التي تخوض نزاعاً منذ عقود.

ذلك الاتفاق الذي أكد ترمب أنه «وضع حداً للنزاع»، يراه خبير في الشأن الأفريقي تحدث لـ«الشرق الأوسط» خطوة تحمل أملاً كبيراً لشرق الكونغو الديمقراطية، لكن «تحتاج لتطبيق فعلي على أرض الواقع، وآليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، في ظل تكرار المواجهات رغم التفاهمات التي جرت خلال الآونة الأخيرة».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتين.

وقال كاغامي عقب توقيع الاتفاق: «ستكون هناك عثرات أمامنا، لا شك في ذلك»، بينما وصف تشيسكيدي الاتفاق بأنه «بداية مسار جديد، مسار يتطلب الكثير من العمل».

وهذه النبرة الأكثر حذراً من الرئيسين الأفريقيين تأتي في ظل تواصل المعارك في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي بيانين متبادلين، الثلاثاء، اتهم جيش الكونغو، ومتمردو «23 مارس» بعضهما بـ«انتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار القائمة التي جرى تجديدها الشهر الماضي». وفي مؤتمر صحافي في واشنطن، الأربعاء، حمّل المسؤول الكونغولي، باتريك مويايا، الحركة «مسؤولية القتال الأخير»، قائلاً إنه «دليل على أن رواندا لا تريد السلام».

وتفاقمت الهجمات التي تهدد المسار السلمي في الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ إذ برزت جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش» الإرهابي منذ عام 2019 تحت اسم «ولاية وسط أفريقيا»، وتواصلت هجمات الجماعة في مناطق شرق الكونغو مع تصاعد عمليات حركة «23 مارس»، وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة التي أسّسها توماس لوبانغا، وذلك خلال أشهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني).

المحلل السياسي التشادي، الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، يرى أن «اتفاق واشنطن» بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، خطوة تحمل قدراً من الأمل، لكنه يبقى أملاً هشاً للغاية، موضحاً أنه رغم أن التوقيع الرسمي يمنح الانطباع بأن البلدين دخلا مرحلة جديدة من التهدئة، فإن الواقع في شرق الكونغو يكشف عن أن الطريق إلى السلام ما زال طويلاً وشائكاً.

ولفت إلى أنه رغم التوقيع، عادت الاشتباكات إلى الاشتعال في مناطق كيفو، وهو ما يدل على أن المشكلة أعمق بكثير من اتفاق يعلن من واشنطن، مشدداً على أن «السلام في شرق الكونغو يحتاج أكثر من توقيع، ويحتاج إلى آليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، وتعامل مباشر مع مطالب المجتمعات المحلية التي عاشت سنوات من الإهمال والصراع».

ترمب يحيي حفل توقيع «اتفاق السلام» مع بول كاغامي وفيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

والاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية، هو الأحدث ضمن سلسلة تفاهمات بإطار سلام في يونيو (حزيران) الماضي بواشنطن، بخلاف إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاق في 19 يوليو الماضي.

ووسط ذلك التقدم، رحبت مصر في بيان لـ«الخارجية»، الجمعة، بتوقيع اتفاقات السلام والازدهار في واشنطن بين الكونغو الديمقراطية رواندا، مؤكدة أنه «يمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء حالة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، بما يسهم في دعم جهود إحلال السلام، وترسيخ أسس المصالحة وإفساح المجال للتنمية الشاملة في المنطقة».

وأمام هذا الواقع والتفاؤل المصري، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أنه يمكن الحفاظ على الاتفاق وتجاوز عثراته عبر خطوات عملية وواضحة، أهمها تنفيذ البنود الأمنية بشكل جدي، خصوصاً انسحاب القوات الرواندية ووقف أي دعم للجماعات المسلحة، وبناء ثقة مع سكان شرق الكونغو عبر تحسين الأمن، وإشراكهم في أي ترتيبات ميدانية، باعتبارهم الأكثر تأثراً، ودون رضاهم سيظل الاتفاق هشاً.

ويعتقد أن الأمل المصري بشأن اعتبار الاتفاق خطوة مهمة لإنهاء التوتر بين البلدين، يعود إلى «احتمال تجاوز حالة الانسداد السياسي التي سادت لسنوات»، مؤكداً أن «هذه الخطوة يُمكن أن تترجم إلى استقرار فعلي إذا بدأ الطرفان بتنفيذ البنود الأكثر حساسية، وهي الانسحاب التدريجي للقوات، ووقف دعم الجماعات المسلحة، والانتقال من منطق المواجهة إلى منطق التعاون».

وشدد على أنه يمكن أن يستمر اتفاق السلام إذا تحول إلى عملية تنفيذ ملزمة تشارك فيها الأطراف الإقليمية والدولية، لكن إن بقي الوضع الميداني على حاله، أو استُخدم الاتفاق غطاءً لإعادة تموضع قوات أو جماعات مسلحة، فسيظل مجرد هدنة مؤقتة معرضة للانهيار في أي وقت.