السعودية تؤسس لمرحلة انتقالية في مسار تطوير القطاع الموسيقي

حزمة من المبادرات آخرها اعتماد أول دبلوم للموسيقى

تهدف السعودية إلى تطوير القطاع الموسيقي في البلاد على الأصعدة كافة (واس)
تهدف السعودية إلى تطوير القطاع الموسيقي في البلاد على الأصعدة كافة (واس)
TT

السعودية تؤسس لمرحلة انتقالية في مسار تطوير القطاع الموسيقي

تهدف السعودية إلى تطوير القطاع الموسيقي في البلاد على الأصعدة كافة (واس)
تهدف السعودية إلى تطوير القطاع الموسيقي في البلاد على الأصعدة كافة (واس)

تتجه السعودية لتطوير المشهد الموسيقي في البلاد على جميع الأصعدة وذلك عن طريق تقديم حزمة من المبادرات الرامية إلى تطوير البنية التحتية للثقافة الموسيقية واكتشاف المواهب وإبراز الفلكلور الموسيقي لمختلف المناطق، إضافة إلى تمكين الموسيقيين السعوديين وتأهيلهم للمشاركة في المحافل الدولية.

وتعمل وزارة الثقافة السعودية من خلال هيئة الموسيقى على دعم المبادرات التي تساهم في تحقيق مستهدفات تلك الاستراتيجية، عبر 5 ركائز أساسية هي «التعليم» حيث يتاح تعليم الموسيقى لجميع الأفراد باختلاف أعمارهم ومهاراتهم وخلفياتهم الاجتماعية.

تليها ركيزة «الإنتاج» الهادفة إلى دعم عملية إنشاء مركز إقليمي لإنتاج الموسيقى، لتعزيز الآثار الاجتماعية والاقتصادية وجذب المواهب المحلية والدولية، أما الركيزة الثالثة «فهي أداء العروض الموسيقية والنشر والتوزيع» التي ستعمل على إتاحة الوصول إلى العروض الموسيقية المحلية والعالمية ونشر أعمال الفنانين المحليين على نطاق واسع.

كما خصصت الهيئة ركيزة لـ«التوعية والدعم» وذلك من أجل الارتقاء بالموسيقى لتكون جزءا أساسيا من نمط الحياة الذي يعيشه الأفراد وتكون مسارا مهنيا ناجحا لمن يرغب في ممارستها، والركيزة الأخيرة هي «التراخيص» التي تأتي لضمان تطبيق أعلى مستويات الحماية لأعمال المحترفين في مجال الموسيقى وتطبيق جميع معايير الجودة وتقديم المكافآت القيمة على مستوى المنظومة.

تعمل المبادرات على إبراز الفلكلور الموسيقي السعودي - واس

استراتيجية تنمية القدرات الثقافية

وقد أطلقت وزارتا الثقافة والتعليم السعودية، في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي «استراتيجية تنمية القدرات الثقافية الرامية لربط مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل في القطاع الثقافي؛ حيث تعمل الاستراتيجية على إدراج الثقافة والفنون في جميع مراحل التعليم والتدريب التقني والمهني، وتطوير البيئة التعليمية، لتنمية القطاع الثقافي والارتقاء به».

ومن ضمن المستهدفات التي تعمل عليها الاستراتيجية تأهيل المعلمين في الفنون الموسيقية لينقلوها بدورهم إلى الطلاب في جميع المراحل الدراسية، إضافة إلى تطوير مناهج دراسية متخصصة بالموسيقى، يدرسها الطلاب، وتسهم في تأسيسهم على المهارات الموسيقية الأساسية التي يحتاجون إليها لتعلم أي آلة موسيقية.

وقد بدأت الاستراتيجية بإقامة برامج تأهيلية للمعلمين من ضمنها استقطاب أكثر من 15 ألف معلمة رياض أطفال من مختلف المناطق السعودية على عدة مراحل لتطوير كفاءاتهن، وبناء مهاراتهن المعرفية والأدائية المرتبطة بتنفيذ الأنشطة الموسيقية الموجهة للأطفال، من خلال التعرّف على خصائص الصوت والمصطلحات المرتبطة به؛ لبناء شخصية الطفل، وتكوين الذائقة الجمالية لديه.

إطلاق أول دبلوم معتمد للموسيقى

وكجزء من خطة السعودية لتعليم الموسيقى في مختلف القطاعات التعليمية دشن معهد البيت الموسيقي في الرياض أول برنامج دبلوم موسيقي معتمد في السعودية لتأهيل الخريجين للعمل بصفتهم معلمي موسيقى بالمدارس دعما لاستراتيجية التنمية الثقافية وتطوير هواة الموسيقى أكاديميا ليتمكنوا من نقل معارفهم إلى الآخرين.

وخلال تدشين برنامج الدبلوم الموسيقي قال معتز الشبانة المدير التنفيذي للمعهد إن البرنامج الذي يقدمه المعهد سيبدأ من العام الدراسي وستكون مدة الدراسة فيه عامين، وهو الأول من نوعه في السعودية، وسيمثل نقلة نوعية في مجال تعليم الموسيقى محلياً.

وأضاف الشبانة أن الدبلوم يأتي جزءا من جهود المعهد لتعزيز الثقافة الموسيقية، واستطاع خلال السنوات الماضية تحقيق إنجازات ملموسة في مجال تعليم وتطوير الموسيقى، ومنها على سبيل المثال تدريب وتأهيل الفرقة الوطنية السعودية والكورال الوطني، وتقديم مجموعة كبيرة من المواهب والفنانين والموسيقيين والفرق الموسيقية.

وسيعمل المعهد على تعليم الموسيقى ضمن برامج تنتهي بشهادات أكاديمية معتمدة تتوافق مع أفضل المناهج التعليمية العالمية، وتدريب وتأهيل الفرق الموسيقية وإدارتها، وتقديم الاستشارات الموسيقية، إضافة إلى إقامة الفعاليات والعروض الموسيقية، وصناعة الهوية الصوتية، وإعداد الحقائب التدريبية، وكذلك تقديم الدورات الموسيقية الحرة.

المؤتمر الصحفي في أثناء إطلاق أول دبلوم للموسيقى في السعودية (معهد البيت الموسيقي)

برامج استقطاب المواهب

وإضافة إلى الخطط السعودية لتأسيس النشء في المهارات الموسيقية وتأهيلهم من خلال المناهج الدراسية، عملت هيئة الموسيقى كذلك على استقطاب المواهب الحالية ودعمهم ومساعدتهم على بدء مسيرتهم الفنية، وذلك من خلال برامج عدة آخرها برنامج «موجة» بالتعاون مع منصة أنغامي، حيث يقدم سلسلة من ورشات العمل المختارة بعناية يشرف عليها نُخبة من المدربين والخبراء في هذا المجال؛ لتزويدهم بالمهارات الأساسية التي تساعدهم في الانطلاق نحو الاحترافية المهنية في عالم الموسيقى، مستهدفاً بذلك تخريج ما يصل إلى 100 موهبة استثنائية في عالم الفن والموسيقى.

ويأتي البرنامج ضمن إطار عمل شامل، مُصمم لتوجيه الفنانين الطموحين إلى إنشاء موسيقى فريدة، من خلال تقديم رحلة متكاملة لهم لاكتشاف جوانب مختلفة منها كتابة الأغاني، والتلحين، والإنتاج، والتوزيع والدمج، بإشراف ذوي الخبرة من المنتجين ومهندسي الصوت، والمغنّين والملحّنين.

وصرح رئيس قسم الإنتاج في «أنغامي» كميل أبي خليل لـ«الشرق الأوسط» بأن البرنامج سيأخذ المشهد الموسيقي السعودي إلى بُعد آخر يثري هذا القطاع الأساسي عن طريق صقل وتعزيز مهارات الفنّانين المحليين ولتمكينهم من إحداث الأثر المنتظر على المسرح العالمي، وستتمكن المواهب من إظهار قدراتهم على المستوى العالمي، ما سيساعد في ترسيخ دور السعودية بوصفها مركزا موسيقيا ناشطا ومبتكرا على الخريطة الإقليمية والدولية.

وأكد كميل أن منصة أنغامي ستعمل على نشر الأعمال الناجمة عن هذا البرنامج وتسويقها لمستخدمي المنصة لإحداث فرق على المسرح العالمي وإطلاق المسيرة المهنية للمواهب الموسيقية في المنطقة وعلى النطاق الأوسع.

وأوضح أبي خليل أن كل المواهب مرحب بها، ونشجع من يجد لديه موهبة موسيقية على التقديم في البرنامج، فلا فرق في المعايير؛ إن كان أكاديميا أو يملك موهبة ويرغب في صقلها سواء من خريجي الموسيقى أو الفنانين أو الموسيقيين أو حتى من الهواة من ذوي المواهب الفطرية.

وتابع أن البرنامج جاء امتدادا لنجاح برامج سابقة عملنا فيها بالسعودية وآخرها كان برنامج صوت السعودية الذي حقق نجاحا باهرا وأطلق العديد من الفنانين والمواهب السعودية، كما أن «أنغامي» حرصت مع هيئة الموسيقى على متابعة الجهود في سبيل مساعدة وتنمية العدد الأكبر من هذه المواهب لخلق هيئة حاضنة للموسيقى في السعودية وتنمية هذا القطاع وتمكين الفنانين والموسيقيين.

من جهته، قال أحمد الرشيد، العضو المنتدب لأنغامي السعودية، إن المنصة تدعم رؤية المملكة والقطاع الحكومي في تمكين المجتمع السعودي ودعم المواهب المحلية وصقل مواهبهم، ونطمح نحو أي تعاون يعزز القدرات والمواهب المحلية الواعدة وتمكين السعودية من الوجود في المشهد الموسيقي العالمي.


مقالات ذات صلة

تكريم عمر خيرت في الدورة الأولى لـ«مهرجان الأوبرا» بقطر

يوميات الشرق الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)

تكريم عمر خيرت في الدورة الأولى لـ«مهرجان الأوبرا» بقطر

يستهل «مهرجان الأوبرا العربية» فعاليات دورته الأولى في قطر بتكريم الموسيقار المصري عمر خيرت، وذلك تحت رعاية وتنظيم «المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم».

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق المغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيلي يقدم عرضاً خلال قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 (أ.ف.ب)

«صوت ملاك»... ترمب يشيد بأندريا بوتشيلي

أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب مساء الجمعة بالمغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيلي وقال إن لديه «صوت ملاك».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الوتر السادس ملّاط خلال احتفالها في إطلاق {حياتي الثالثة} (منال ملاط)

منال ملّاط لـ«الشرق الأوسط»: التجارب لا تكسرنا... بل تزيدنا قوة

تكمل الفنانة منال ملّاط نجاحاتها في المجال الفني. أصدرت أخيراً «ميني ألبوم» غنائياً بعنوان: «حياتي الثالثة»، ويتضمن 5 أغنيات.

فيفيان حداد (بيروت)
الوتر السادس برأي صبري أن نجاح الفنان لا يتحقق من مرة واحدة فقط (حسابه على {إنستغرام})

رامي صبري: أحافظ على هويتي الفنية ولا أنظر إلى الأرقام ونسب الاستماع

يرى الفنان رامي صبري أن ألبومه الجديد «أنا بحبك إنت» قد حقق كل ما كان يطمح إليه، مؤكداً أنه قدم من خلاله رؤيته الفنية الكاملة

محمود إبراهيم (القاهرة)
يوميات الشرق وادي صفار معروف بمكانته التاريخية وموقعه الحيوي (موسم الدرعية)

رابح صقر وناصر نايف يفتتحان «صدى الوادي» بليلة طربية في وادي صفار

يُقدّم برنامج «صدى الوادي» سلسلة من الحفلات التي تستضيف أبرز الفنانين في العالم العربي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

تكريم عمر خيرت في الدورة الأولى لـ«مهرجان الأوبرا» بقطر

الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)
الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)
TT

تكريم عمر خيرت في الدورة الأولى لـ«مهرجان الأوبرا» بقطر

الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)
الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)

يستهل «مهرجان الأوبرا العربية» فعاليات دورته الأولى في قطر بتكريم الموسيقار المصري عمر خيرت، وذلك برعاية وتنظيم «المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم» (الألكسو)، حيث اختيرت مصر ضيف شرف المهرجان بوصفها صاحبة أقدم دار أوبرا في العالم العربي.

وتنطلق الدورة الأولى للمهرجان بالتعاون مع المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) خلال الفترة من 8 حتى 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وقد تقرَّر تكريم عمر خيرت «تقديراً لعطائه وعرفاناً بدوره الرائد في إثراء ساحة الإبداع العربي»، وفق بيان لوزارة الثقافة المصرية. ويقدِّم «أوركسترا القاهرة السيمفوني» بقيادة المايسترو أحمد عاطف حفلاً يتضمن مجموعة من المؤلفات المصرية لكل من علي إسماعيل، وفؤاد الظاهري، ويوسف شوقي، وعمار الشريعي، وحسن أبو السعود، وعمر خيرت، وأندريا رايدر.

وعدَّ الدكتور علاء عبد السلام، رئيس «دار الأوبرا المصرية»، اختيار الأوبرا المصرية ضيف شرف الدورة الأولى «تأكيداً لأعرقيَّتها عربياً»، مشيراً إلى أن ذلك «يُبرز عمق العلاقات بين الأشقاء ويعكس التطلعات إلى مستقبل أكثر إشراقاً للفنون في المنطقة». وأضاف أن «احتضان دولة قطر للمهرجان خطوة ثقافية رائدة تعكس تقديرها للمسار الفني العربي، وتُبرز أهمية تلاقي التجارب والمؤسسات الفنية في فضاء واحد تُصاغ فيه مشروعات جديدة وتُفتح آفاق رحبة للتعاون والإبداع».

«دار الأوبرا المصرية» ضيف شرف «مهرجان الأوبرا» بقطر (وزارة الثقافة المصرية)

وقال الناقد الفني المصري أحمد السماحي إن «عمر خيرت يستحق هذا التكريم عن جدارة؛ فهو منذ بداياته يقدِّم نغمة مختلفة ومتجددة، وعمل على تطوير الموسيقى المصرية من خلال توزيعاته أولاً ثم من خلال مؤلفاته». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «خيرت من أوائل من ساهموا في تطوير التوزيع الموسيقي في الوطن العربي، ونجح في جذب أجيال واسعة، خصوصاً من الشباب، إلى الموسيقى، وقدّم ألبومات موسيقية خالصة بأسلوب متفرد حظيت بنجاح وانتشار كبيرين».

وقدّم عمر خيرت عدداً كبيراً من الألبومات والمقطوعات التي ارتبطت بالدراما والسينما، وغنَّى من أعماله نجوم الطرب في مصر والعالم العربي، مثل علي الحجار، ومحمد الحلو، ومدحت صالح، وحنان ماضي، ولطيفة. ومن أشهر مقطوعاته السينمائية «قضية عم أحمد»، و«إعدام ميت»، و«ليلة القبض على فاطمة»، و«عفواً أيها القانون»، ومن موسيقاه في الدراما «ضمير أبلة حكمت»، و«البخيل وأنا»، و«غوايش».

وكان مؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية، الذي عقد دورته الـ24 في الرباط (المغرب)، قد أقر إقامة «مهرجان الأوبرا العربية» في قطر، واختيرت «دار الأوبرا المصرية» ضيف شرف دورته الأولى بالنظر إلى أسبقيتها التاريخية، إذ أسَّست مصر أول دار أوبرا في الوطن العربي، وفق بيان وزارة الثقافة.

ويرى الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين أن «تكريم عمر خيرت في (مهرجان الأوبرا العربية) الأول يعكس القيمة الكبيرة التي يُمثِّلها في الموسيقى العربية، وليس المصرية فقط»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الاختيار موفَّق جداً، سواء في تكريم خيرت أو في اختيار (دار الأوبرا المصرية) ضيفَ شرفٍ بوصفها الأقدم عربياً».

أُنشئت «دار الأوبرا المصرية» عام 1869 على يد الخديو إسماعيل ضمن احتفالات افتتاح قناة السويس. وبعد أكثر من قرن كانت فيه الأوبرا الخديوية المنارة الثقافية الأبرز في الشرق الأوسط وأفريقيا؛ احترق مبناها في أكتوبر (تشرين الأول) 1971. ومن ثَمَّ اختيرت أرض الجزيرة مقراً للمبنى الجديد بالتنسيق مع هيئة التعاون الدولية اليابانية (JICA) والاتفاق على تصميم معماري إسلامي حديث، ليُفتتح المبنى الجديد في 10 أكتوبر 1988.


«حجر رشيد»... رحلة الأثر الذي فك طلاسم الحضارة المصرية

«حجر رشيد» فيلم وثائقي جديد بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)
«حجر رشيد» فيلم وثائقي جديد بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)
TT

«حجر رشيد»... رحلة الأثر الذي فك طلاسم الحضارة المصرية

«حجر رشيد» فيلم وثائقي جديد بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)
«حجر رشيد» فيلم وثائقي جديد بمكتبة الإسكندرية (مكتبة الإسكندرية)

تحت عنوان «حجر رشيد: مفتاح الحضارة المصرية»، أنتجت مكتبة الإسكندرية فيلماً وثائقياً جديداً هو الخمسون ضمن مشروع «عارف... أصلك مستقبلك» الذي يتناول موضوعات تاريخية وبيئية، ورموزاً في مجالات شتى، ويقدم رحلة بصرية شيقة تمزج بين دقة المعلومة التاريخية وسحر الحكاية.

الفيلم الأحدث بسلسلة الأفلام الوثائقية يتناول حجر رشيد؛ ليس كمجرد قطعة أثرية؛ بل كقصة حضارة خالدة ألهمت العالم أجمع، من خلال استعراض أن الحضارة المصرية قد بدأت قبل عملية التدوين.

يستعرض الفيلم تطور أنظمة الكتابة المصرية القديمة، عبر الخطوط الثلاثة المنقوشة على الحجر، وهي: الهيروغليفية (الرسم المقدس)، والهيراطيقية (خط الكهنة)، والديموطيقية (الخط الشعبي)، وصولاً إلى القبطية التي مثلت الجسر الصوتي للغة المصرية القديمة.

ويتتبع الفيلم رحلة الحجر الأثري، بدءاً من معبد «سايس» بمحافظة الغربية، ومروراً باستخدامه كحجر بناء في قلعة «قايتباي» ببرج رشيد خلال العصور الوسطى، حتى اكتشافه عام 1799 على يد الملازم الفرنسي بيار بوشار.

ويسرد الفيلم قصة الصراع اللاحق عليه بين القوات الفرنسية والإنجليزية، الذي انتهى بوجود الحجر في المتحف البريطاني حالياً.

ويُبرز الفيلم المعركة العلمية الطويلة التي دارت لفك طلاسم الحجر، مسلطاً الضوء على جهود العلماء الأوائل، مثل السويدي يوهان أكربلاد، والإنجليزي توماس يانغ. ويُظهر الوثائقي كيف نجح العبقري الفرنسي جان فرنسوا شامبليون في تحقيق الانتصار العلمي. ويكشف أن تفوق شامبليون جاء نتيجة إجادته للغة القبطية التي استخدمها لربط الصوت بالصورة في النصوص القديمة. ففي سبتمبر (أيلول) 1822، أعلن شامبليون نجاحه في فك أول رموز الكتابة المصرية القديمة. وبهذا الإنجاز، تحول حجر رشيد رسمياً من مجرد وثيقة ملكية قديمة للإعفاء من الضرائب إلى أيقونة عالمية، ومفتاح جوهري لفهم التراث الإنساني.

الكتابة المصرية القديمة ظلت لغزاً لزمن طويل (مكتبة الإسكندرية)

ووفق مدير مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، بقطاع التواصل الثقافي في مكتبة الإسكندرية، الدكتور أيمن سليمان، فإن الاهتمام بإنتاج فيلم عن حجر رشيد يعود لأهمية هذا الحجر، ودوره في الكشف عن أسرار الحضارة المصرية القديمة، بعد فك طلاسم لغتها ومعرفة أبجديتها، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «فمن خلال لوحة تعود للعصر اليوناني– البطلمي عبارة عن مرسوم ملكي للإعفاء من الضرائب، وُضعت في كل المعابد تقريباً، نقل جزء منها لإعادة بناء قلعة قايتباي على نهر النيل بمدينة رشيد، استطاع العلماء فك رموز الكتابة المصرية»؛ لافتاً إلى أن عالم الآثار الفرنسي جان فرنسوا شامبليون (1790– 1832) استطاع أن يترجم ويكشف عن اللغة المصرية القديمة، نظراً لمعرفته اليونانية والقبطية، وبالمقارنة استطاع أن يترجم منطوق اللفظ والكلمة من الخط المصري القديم؛ سواء المقدس (الهيروغليفي) أو الخط الشعبي (الديموطيقي).

وقدمت سلسلة «عارف... أصلك مستقبلك» 49 فيلماً وثائقياً من قبل، من بينها أفلام: «وادي حيتان»، و«بورتريهات الفيوم»، و«أبو العباس المرسي»، و«الألعاب في مصر القديمة»، و«حديقة الزهرية»، و«توت عنخ آمون الملك الذهبي»، و«أمير الخرائط».


«مَن الذي لا يزال حيّاً» يوثق أحوال الفلسطينيين الفارين من «جحيم غزة»

عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً ضمن فعاليات «مهرجان القاهرة السينمائي» (الشركة المنتجة)
عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً ضمن فعاليات «مهرجان القاهرة السينمائي» (الشركة المنتجة)
TT

«مَن الذي لا يزال حيّاً» يوثق أحوال الفلسطينيين الفارين من «جحيم غزة»

عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً ضمن فعاليات «مهرجان القاهرة السينمائي» (الشركة المنتجة)
عرض الفيلم للمرة الأولى عربياً ضمن فعاليات «مهرجان القاهرة السينمائي» (الشركة المنتجة)

لم يكن المخرج السويسري نيكولا واديموف يدرك أن اندلاع «حرب غزة» سيقلب أولوياته رأساً على عقب، لكنه وجد نفسه عاجزاً عن التفكير في أي شيء آخر. فالرجل الذي يصوّر في فلسطين منذ نحو 30 عاماً، ويعرف كثيرين بين غزة والضفة، عاش طوال الأسابيع الأولى للحرب تحت وطأة الخوف على أصدقائه العالقين تحت القصف، كما يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط».

ويصف واديموف فكرة أن يكون أولئك الذين يعرفهم جيداً تحت النار من دون أن يعرف مصيرهم بأنها كانت «أمراً لا يُحتمل». ورغم محاولته الاستمرار في مشروعاته الأخرى، سرعان ما اكتشف أن «العقل والقلب كانا في غزة»، وأن المضي في أي مشروع آخر «أصبح مستحيلاً». عندها قرر تجميد جميع أعماله، وحاول مرتين الذهاب إلى غزة ولم ينجح، قبل أن تقوده الصدفة إلى القاهرة، حيث التقى صديقه الفلسطيني جودات هوّاري الذي خرج من القطاع بعد بدء الحرب.

يتذكر واديموف حالة صديقه النفسية في تلك الفترة، ويقول: «وجدته منهاراً كلياً، نفسياً وذهنياً، والصدمة التي رأيته فيها كانت الشرارة التي ألهمتني فكرة الفيلم، والحاجة الملحّة إلى أن تُسمَع هذه الأصوات، خصوصاً في الغرب، حيث تعمل ماكينة سياسية وإعلامية منذ سنوات طويلة على خلق مسافة بين الجمهور والفلسطينيين، وتقديمهم باعتبارهم أرقاماً، إلى حد أن التعاطف معهم بات أصعب مما ينبغي أن يكون».

الفيلم عَرض قصصاً لشخصيات فلسطينية (الشركة المنتجة)

من ذلك اللقاء وُلدت نواة فيلمه «مَن الذي لا يزال حيّاً» الذي عُرض في النسخة الماضية من مهرجان «القاهرة السينمائي»، فقد عرّفه صديقه الفلسطيني على آخرين من أبناء غزة المقيمين في القاهرة، فسجّل أصواتهم أولاً، ومن ثَّم بدأت بينهم فكرة بناء فيلم كامل، قبل أن يضمّ شخصيات أخرى يعرفها هو شخصياً من غزة، ليكتمل الفريق المكوّن من 9 أشخاص.

تقوم فكرة فيلم «مَن الذي لا يزال حيّاً» على «إعادة البشر إلى الواجهة في لحظة يُراد لهم فيها أن يتحولوا إلى أرقام»، كما يقول واديموف، مضيفاً أن «الفيلم يقدّم 9 فلسطينيين من غزة: كتّاباً وصحافيين وفنانين وطلاباً ومديرين ومؤثّرين تتراوح أعمارهم بين 14 و62 عاماً، جميعهم فقدوا بيوتهم وأعمالهم وذكرياتهم تحت القصف، وتحولوا إلى لاجئين».

ويشير إلى أنه شعر تجاههم بما يشبه «العائلة الصغيرة» التي ستحمل الفيلم على عاتقها. وبينما كان من المقرر تصويره في سويسرا، فإن رفض منح الحكومة أبطال الفيلم التسعة تأشيرات دخول دفعه إلى نقل الخطة إلى جنوب أفريقيا، وهي من الدول القليلة التي تستقبل الفلسطينيين من دون تأشيرة.

المخرج السويسري نيكولا واديموف (الشرق الأوسط)

ويرى واديموف أن لهذا القرار بعداً رمزياً مهماً بالنظر إلى «العلاقة التاريخية والأخوّة» بين جنوب أفريقيا وفلسطين، مستحضراً رمزية مانديلا وعرفات ونضالهما، قبل أن يمضي الفريق هناك 3 أسابيع لإنجاز التصوير.

ويعترف بأن الفيلم «كان امتحاناً قاسياً على الصعيد النفسي، ليس لي فقط، بل لكل المشاركين. استعادة الذكريات في خضم الصدمة ليست خطوة بسيطة. عادةً يعمل العلاج النفسي على إبعاد تلك الذكريات أو وضعها في مكان آمن حتى يستطيع الإنسان أن يتعافى، في حين طلبتُ العكس من المشاركين بأن يغوصوا في ذواتهم ويستدعوا ما يحاولون نسيانه».

الفيلم صُوّر في جنوب أفريقيا لعدم تمكن فريق العمل من الحصول على تأشيرات سويسرا (الشركة المنتجة)

ويضيف أنه كان يدرك أن ذلك «خطر عليهم»، لكن البيئة التي كوّنها الفريق كانت حاضنة وقائمة على الدعم المتبادل. «كنا بمثابة عائلة قوية نتشارك كل شيء، وكانوا يدعمون بعضهم طوال الوقت»، مؤكداً أن الشخصيات أمام الكاميرا لم تكن بحاجة إلى توجيه، فـ«الصدق جعل حضورهم أقوى من حضور الممثلين».

ورغم حساسية الموضوع، يوضح واديموف أن الهدف لم يكن نقل المعلومات، فالعالم - من وجهة نظره - «يعرف كل شيء»، والجميع شاهد تفاصيل الإبادة «دقيقة بدقيقة عبر وسائل التواصل»، لكن المشكلة، كما يقول، «ليست في المعرفة، بل في الإحساس. فالناس يعرفون لكنهم لا يشعرون. لذلك اعتبرت أن وظيفة الفيلم ليست إخبار الجمهور بما حدث، بل مساعدته على الشعور به؛ لأن المعرفة بلا تعاطف لا تغيّر شيئاً».

وعن المناخ السياسي في سويسرا تجاه ما يحدث في غزة وصعوبات التمويل، يتحدث بوضوح عن «انقسام البلاد إلى شطرين»، لكنه يؤكد أن هذا الانقسام لم ينعكس على تمويل الفيلم؛ إذ حصل على دعم المؤسسات الثقافية الفيدرالية والتلفزيون السويسري، الذي يصفه بأنه «شجاع ويقوم بواجبه». ويضيف: «أصدقائي دعموا خياري منذ البداية. مَن حولي يقفون في الجانب الصحيح من التاريخ، ولا أحتفظ بصداقات مع أشخاص يلتزمون الصمت أمام الإبادة؛ لأن الصمت تواطؤ».