سودانيون يعيشون أوضاعاً مأساوية في دول اللجوء بعد نفاد مدخراتهم

ارتفاع عدد المهاجرين إلى 10 ملايين منذ بداية الحرب

سودانيون وأجانب يغادرون الخرطوم بسبب المعارك المحتدمة (أ.ف.ب)
سودانيون وأجانب يغادرون الخرطوم بسبب المعارك المحتدمة (أ.ف.ب)
TT

سودانيون يعيشون أوضاعاً مأساوية في دول اللجوء بعد نفاد مدخراتهم

سودانيون وأجانب يغادرون الخرطوم بسبب المعارك المحتدمة (أ.ف.ب)
سودانيون وأجانب يغادرون الخرطوم بسبب المعارك المحتدمة (أ.ف.ب)

كانت آمنة، وهي ربة منزل في العقد الخامس من العمر، تتوقع انتهاء الحرب العنيفة بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، خلال أيام معدودات من اندلاعها في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، خصوصاً أن تصريحات قادة الجيش كانت تؤكد أن أمد الحرب لن يتعدي بضعة أيام. ودفعها هذا الاعتقاد إلى الرحيل إلى مصر طلباً لعلاج من حالة الفشل الكلوي المزمن الذي تعانيه. ولكن بعد شهر من المعارك استطاع زوجها وأبناؤها إقناعها بضرورة السفر، لا سيما بعد تدهور حالتها الصحية ومعاناتها من مضاعفات المرض.

وتواجه المرأة الخمسينية وزوجها الآن أوضاعاً قاسية في العاصمة المصرية القاهرة التي لجأوا إليها، إذ استنفدا مدخراتهما تماماً، ودخلا في حيرة من أمرهما، لأنهما لا يستطيعان الرجوع إلى السودان بسبب الحاجة لرعاية طبية مستمرة غير متوافرة في السودان مع استمرار الحرب التي أدت إلى تدمير معظم المشافي التي كانت تقدم هذه الرعاية والخدمة الطبية، وفي ذات الوقت لا يملكان ما يمكنهما من البقاء في مصر.

لا تعدو حالة آمنة – التي طلبت الإشارة إليها بالاسم الأول فقط - الوحيدة، فهناك مرضى سودانيون كثر لجأوا إلى مصر طلباً للعلاج يعانون نفس الأزمة، لا سيما أن الحرب التي زعم أنها ستنتهي في أيام عدة، تطاولت لـ5 أشهر دون أن يحقق أحد الطرفين نصراً عسكرياً حاسماً، وما زالت المبادرات التي تقودها دول الجوار والوساطة السعودية الأميركية ووساطة دول مجموعة «إيغاد» تراوح مكانها لعدم جدية الطرفين في إنهاء القتال.

فارّون من القتال بدارفور في منطقة حدودية بين السودان وتشاد (أ.ف.ب)

معاناة اللاجئين

يعاني اللاجئون السودانيون عامة في الدول التي اتجهوا إليها، فطوال 5 أشهر هي فترة الحرب لم يصرف العاملون رواتبهم، ما خلق أوضاعاً مأساوية بالنسبة لهم ولمن يعولون، لا سيما اللاجئون منهم، بالإضافة إلى آخرين توقفت أعمالهم فأصبحوا فقراء فجأة، بمن فيهم رجال أعمال. واضطر الكثيرون إلى بيع مقتنياتهم، وإرسال عائداتها إلى أقربائهم اللاجئين في دول مختلفة، بيد أن البعض دفعتهم أوضاعهم الاقتصادية للعودة إلى البلاد رغم أن مناطقهم لا تزال تعاني ويلات الحرب، واختاروا مواجهة الموت بالرصاص على الموت جوعاً في دول اللجوء.

وأثرت الحرب بشكل كبير على أوضاع السودانيين العاملين بالخارج، وزادت مسؤولياتهم تجاه أسرهم. وقال الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج، مكين حامد تيراب، لـ«الشرق الأوسط» إن أعباء السودانيين العاملين في الخارج قد تضاعفت بصورة كبيرة، لا سيما في دول الوجود الكثيف للعمالة السودانية، مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج عامة، بجانب مصر التي لجأ إليها المتضررون من الحرب بحكم قربها الجرافي، بينما سهلت دول مثل السعودية إجراءات الزيارة للأقارب من الدرجة الأولى.

سودانيون يتزاحمون على فرع أحد البنوك في مدينة بورتسوان الساحلية بعد توقف غالبية المصارف في الخرطوم بسبب الحرب (أ.ف.ب)

تعطل المصارف

ووفقاً لتيراب، فقد تزامن سوء الأوضاع الاقتصادية وزيادة أعباء المهاجرين الاقتصادية، مع خروج الجهاز المصرفي في السودان عن العمل ودمار بنيته التحتية بسبب الحرب. وأصبحت التحويلات المالية تتم عبر «السوق السوداء»، وعبر تطبيق بنك الخرطوم للتحويلات المالية المعروف بـ«بنكك»، والذي يواجه هو الآخر صعوبات تؤدي لتعطله كثيراً من الأحيان.

ويشير تيراب في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى جانب سوء أوضاع السودانيين بالخارج، إذ ازدادت أعدادهم بعد الحرب لا سيما بين فئة الشباب وأصحاب الخبرات الذين غادروا البلاد بحثاً عن فرصة عمل، فواجهوا أوضاعاً صعبة. ووفقاً للمسؤول عن إدارة أوضاع السودانيين بالخارج، فإن عددهم ارتفع إلى 10 ملايين مهاجر، بعد أن كان في حدود 8.5 مليون قبل الحرب، أي بزيادة تقدر بمليون ونصف المليون بعد الحرب، وهي أرقام تقديرية يتم جمعها من مصادر مختلفة.

وأسهمت الجاليات السودانية في الخارج في التقليل من آثار فشل الدولة ومآسي الحرب، فالمغتربون والمهاجرون بذلوا جهوداً فوق طاقتهم، واستنفذوا مدخراتهم لإعاشة أهلهم وذويهم في السودان، ولعبوا دوراً كبيراً في توفير بعض احتياجات اللاجئين، كما كان لهم دور كبير في توفير العلاج للمحتاجين عبر جمع مساهمات مالية أو جمعيات توفر العلاج، وهو ما عده الأمين العام لجهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج دوراً مهماً قام به المغتربون تجاه السودان، قائلاً: «الدولة السودانية حملت المغتربين المسؤولية عن فشلها خلال العقود الخمسة الماضية، على حسابهم وحساب أسرهم».

هروب جماعي من الخرطوم مع استمرار القتال (أ.ف.ب)

مفوضية المهاجرين

وقبل اشتعال الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع» أجاز الجهاز التنفيذي تغيير اسم جهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج إلى مفوضية المهاجرين السودانيين، وجرت إجازة القانون الخاص بها، لكن لم يجرِ تدشينها بسبب اندلاع الحرب. وحول هذا الموضوع قال تيراب: «أنشئت البوابة الإلكترونية الخاصة بالمفوضية بشراكة ألمانية وهي أكبر مشروع استراتيجي بعد ثورة ديسمبر (كانون الأول) في عام 2018، وكان من المفترض أن يكون جسماً حكومياً كبيراً يستوعب طاقات وإمكانات المنظمات على المستويين الإقليمي والدولي».


مقالات ذات صلة

ود مدني... سيناريوهات متطابقة في الحرب السودانية

تحليل إخباري قائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال زيارة لجنوده في منطقة البطانة (صفحة الجيش على «فيسبوك»)

ود مدني... سيناريوهات متطابقة في الحرب السودانية

دخل الجيش السوداني مدينة ود مدني الاستراتيجية بوسط البلاد في 11 يناير (كانون الثاني) الجاري، بعد أن كانت «قوات الدعم السريع» قد انسحبت منها.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجيش السوداني يواصل تقدمه في ولاية الجزيرة

تواصل سقوط مدن ولاية الجزيرة وسط السودان تباعاً في يد الجيش السوداني والفصائل المسلحة المتحالفة معه، من دون أي معارك.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا خيام نازحين سودانيين في بعض الدول (المنظمة الدولية للهجرة)

هل تفتح انتصارات البرهان الباب لعودة سودانيين من مصر؟

«انتصارات البرهان» الأخيرة تفاعل معها سودانيون يقيمون في ضاحية فيصل بمحافظة الجيزة بمصر، عبر احتفالات واسعة للجالية السودانية.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان خلال زيارة لجنود الجيش في منطقة البطانة (صفحة القوات المسلحة السودانية عبر «فيسبوك»)

الجيش السوداني يسيطر على مجمع الرواد السكني في الخرطوم

أعلن الجيش السوداني، الأحد، السيطرة على مجمع الرواد السكني في الخرطوم، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا احتفالات شعبية في مدينة بورتسودان بعد سيطرة الجيش على مدينة ود مدني السبت (أ.ف.ب)

الجيش السوداني يحقق «انتصاراً كبيراً» ويستعيد عاصمة الجزيرة

أعلن الجيش السوداني، السبت، استعادة مدينة «ود مدني» عاصمة ولاية الجزيرة (وسط) من قبضة «قوات الدعم السريع»، التي سيطرت عليها منذ أكثر من عام.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

ود مدني... سيناريوهات متطابقة في الحرب السودانية

قائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال زيارة لجنوده في منطقة البطانة (صفحة الجيش على «فيسبوك»)
قائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال زيارة لجنوده في منطقة البطانة (صفحة الجيش على «فيسبوك»)
TT

ود مدني... سيناريوهات متطابقة في الحرب السودانية

قائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال زيارة لجنوده في منطقة البطانة (صفحة الجيش على «فيسبوك»)
قائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال زيارة لجنوده في منطقة البطانة (صفحة الجيش على «فيسبوك»)

دخل الجيش السوداني مدينة ود مدني الاستراتيجية بوسط البلاد في 11 يناير (كانون الثاني) الجاري، بعد أن كانت «قوات الدعم السريع» قد انسحبت منها. وكانت «قوات الدعم السريع» قد استولت على المدينة نفسها قبل نحو عام في 18 ديسمبر (كانون الأول) 2023، بعد أن كان الجيش قد انسحب منها أيضاً، في سيناريو مشابه لما حدث يوم السبت الماضي. أما المفارقة في المشهدين هي أن القائد العسكري الذي قاد دخول المدينة العام الماضي على رأس «قوات الدعم السريع» حين كان أحد قادتها، هو نفسه الذي دخلها قبل يومين على رأس قوات الجيش، بعد أن انسلخ عن «الدعم السريع» وانضم إلى الجيش. هذا الضابط هو أبو عاقلة كيكل قائد فصيل مسلح يدعى «درع السودان».

في 8 يناير الجاري، بدأ هجوم الجيش على مدينة ود مدني عبر عملية عسكرية كبيرة شنها الجيش بالتعاون مع حركات مسلحة حليفة له. وتقدمت القوات المهاجمة باتجاه المدينة من عدة محاور، هي محور «ميجر 5» ومحور «الخياري» من جهة الشرق عند مدينة الفاو في ولاية القضارف، ومحور مدينة «المناقل» الذي تحرك أيضاً من جهتين، ومحور «ود الحداد» في غرب ولاية الجزيرة، وهي قوات قادمة من ولاية سنار المجاورة.

معارك تكتيكية

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

واستطاع الجيش والقوات المتحالفة معه بقيادة فصيل «درع السودان»، تحقيق انتصارات تكتيكية في جهات الشرق والغرب والجنوب، حيث أزال الجيش خلالها تجمعات «قوات الدعم السريع» في عدد من البلدات الصغيرة والقرى في تلك المناطق، لكنه لم يجد مقاومة كبيرة كان يتوقعها. ثم توالت انسحابات «قوات الدعم السريع» شمالاً، ما عدا عمليات محدودة في جهتي سنار والمناقل ومعارك كر وفر في بلدات أم القرى، وود المهيدي، والشبارقة على تخوم مدينة ود مدني عاصمة إقليم ولاية الجزيرة.

وخاض الجيش معارك تكتيكية ضد «قوات الدعم السريع» استمرت ثلاثة أيام، وبعدها مباشرة دخل مدينة ود مدني بـ«سهولة مدهشة» وفق وصف شهود. كما عبرت قوات الجيش جسر «حنتوب» دون مقاومة تذكر، ولم تجد مقاومة في داخل المدينة أيضاً، ثم ظهر قائد «درع السودان» أبو عاقلة كيكل ليعلن للناس «تحرير» ود مدني، في وقت تلاشت فيه «قوات الدعم السريع» التي كانت تتمركز بكثافة في المدينة.

وشبّه الكثيرون سيناريو استعادة ود مدني بسيناريو استيلاء «الدعم السريع» عليها قبل نحو عام، إذ خاضت حينها «قوات الدعم السريع» القادمة من جهة الخرطوم، طوال ثلاثة أيام معارك على أطراف عند منطقة حنتوب، ثم انفتح الطريق الوحيد أمامها إلى داخل المدينة عبر جسر «حنتوب» فعبرته من دون مقاومة تذكر، وحين وصلت مقر قيادة «الفرقة الأولى مشاة» التابعة للجيش في وسط المدينة، وجدته خالياً فسيطرت عليه من دون قتال، وهو ما تكرر قبل يومين عندما عاد الجيش للمقر العسكري ذاته، أيضاً من دون قتال.

دور «درع السودان»

أرشيفية للقائد المنشق أبو عاقلة كيكل (الثالث من اليسار) مع «الدعم السريع» قبل انضمامه للجيش (مواقع التواصل)

ويرجع محللون «كلمة السر» في تطابق أحداث ود مدني وتبادل السيطرة عليها، إلى دور قائد قوات «درع السودان» أبو عاقلة كيكل، وهو ضابط متقاعد من الجيش برتبة رائد؛ إذ إن الرجل قاد السيطرة على المدينة في المرتين، الأولى حين كان مع «قوات الدعم السريع» وهزم الجيش، والثانية عندما كان مع الجيش وهزم «قوات الدعم السريع».

ونشأت قوات «درع السودان» في ديسمبر (كانون الأول) 2022، تحت أعين قيادة الجيش في منطقة سهل البطانة بولاية الجزيرة، بوصفها رد فعل لاتفاقية «سلام جوبا» التي مثلت صُلحاً بين الحكومة المركزية وحركات مسلحة من غرب السودان بشكل أساسي. وكان الغرض من نشأة «درع السودان»، وفق ما ذكر مؤسسها كيكل وقتها، هو إعادة التوازن مع الحركات المسلحة الموقعة على «سلام جوبا».

وفي أغسطس (آب) 2023، أي بعد اشتعال الحرب بأربعة أشهر، فاجأ كيكل الجميع وأعلن انحيازه إلى «قوات الدعم السريع» بدافع «مناصرة قضايا الهامش ومحاربة الإسلاميين»، فسارعت «قوات الدعم السريع» بمنح كيكل رتبة لواء. وظهر كيكل في مدينة ود مدني 18 ديسمبر معلناً «تحريرها» من سيطرة الجيش وتسليمها لـ«قوات الدعم السريع»، بعد أن لعبت قواته دوراً رئيسياً في السيطرة على المدينة الاستراتيجية؛ لكونه يعرف جغرافيا المنطقة جيداً. ثم حقق كيكل مفاجأة أخرى بإعلانه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الانسلاخ مرة أخرى بكامل قواته عن «الدعم السريع» والانحياز للجيش، وقاتل إلى جانبه حتى استرداد المدينة يوم السبت 11 يناير الحالي.

«الدخول من باب الخروج»

سودانيون يحتفلون في بورتسودان بسيطرة الجيش على مدينة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة (أ.ف.ب)

وشبه المحلل السياسي محمد لطيف أحداث ود مدني بأحداث رواية «الدخول من باب الخروج»، حيث تبادل الجيش و«الدعم السريع» دخول المدينة والانسحاب منها بسرعة مفاجئة في المرتين. واعتبر لطيف ظهور كيكل في الحالتين تأكيداً للتطابق بين عمليتي الدخول والخروج، قائلاً: «كيكل قبل أكثر من عام، ظهر في مقر الفرقة الأولى معلناً الاستيلاء على المدينة، ثم ظهر مرة أخرى الآن في المقر نفسه معلناً استعادة ود مدني للجيش».

واستبعد لطيف حدوث تسوية بين الجانبين المتحاربين، في ظل تردد أحاديث عن تحسن موقف الجيش التفاوضي، وقال إن اعتراف قائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي» بالهزيمة في ود مدني وتعهده باستمرار الحرب، يقطع الطريق أمام احتمالات التفاوض مع الجيش. وأضاف لطيف أن استعادة الجيش لمدينة ود مدني تعد «أكبر انتصار يحققه الجيش منذ بداية الحرب، وتعيد التوازن المعنوي والعسكري، وربما تجعله أكثر استعداداً للتفاوض مع الطرف الآخر لإنهاء الحرب».