كينيدي أراد مراقبة «ديمونة» لضمان عدم تحوله لمفاعل عسكري وجُوبه بالرفض

أرشيف إسرائيلي يكشف المواجهة الحادة للرئيس الأميركي مع بن غوريون وأشكول

صورة أرشيفية لمفاعل ديمونة (رويترز)
صورة أرشيفية لمفاعل ديمونة (رويترز)
TT

كينيدي أراد مراقبة «ديمونة» لضمان عدم تحوله لمفاعل عسكري وجُوبه بالرفض

صورة أرشيفية لمفاعل ديمونة (رويترز)
صورة أرشيفية لمفاعل ديمونة (رويترز)

كُشف النقاب عن وثيقة أخرى في أرشيف الدولة في إسرائيل، تلقي الضوء من جديد على الجهود الأميركية لمراقبة عمل المفاعل النووي في ديمونة، لغرض منع تحويله إلى مفاعل عسكري. وفيه طرح الأميركيون إرسال عالم الفيزياء اليهودي، أزيدور رابي، لزيارة فحص ومراقبة. لكن إسرائيل تملصت من الطلب والتفت عليه، إلى حين اغتيال الرئيس جون كينيدي، فتقلص الإلحاح الأميركي واستمر العمل في المفاعل كما هو مخطط له.

البروفسور رابي كان عالماً شهيراً في ذلك الوقت، فاز بجائزة نوبل على اختراعاته العلمية عام 1944، منها اكتشاف أشعة الليزر وشبكة الرادار. وقد حسب الرئيس كينيدي أن إسرائيل ستقبل به، كونه من يهود بولوني/مجري من العائلات التي هاجرت إلى الولايات المتحدة، وحافظت على علاقة جيدة بالجاليات اليهودية.

الفيزيائي الأميركي إيزيدور إسحاق رابي عام 1982 (غيتي)

إلا أن إسرائيل رفضته هو بالذات، كونه كان من قادة النضال العالمي ضد تطوير الأسلحة النووية، واشتهر برفضه أن يكون شريكاً في تطوير القنبلة النووية إبان الحرب العالمية الثانية.

الوثيقة التي كُشف عنها حديثاً، مؤرخة بيوم 21 مايو (أيار) 1963 ووقع عليها المستشار القضائي لوزارة الخارجية الأميركي، أبرام (إيف) تشايس، وجهها إلى المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، تيدي كوليك. وفيها يقترح إرسال البروفسور رابي لزيارة المفاعل، واتضح من جواب كوليك عليها بعد 3 أسابيع، أن إسرائيل مستعدة لقبول زيارة آخرين وليس رابي.

وكتب كوليك، أنه لا يستطيع تدوين سبب الرفض، لكنه أبدى استعداده للحديث عن الموضوع في جلسة مغلقة، أي في لقاء مباشر بينهما. ففهم الأميركيون الرسالة ولم يخفوا غضبهم ولم يوقفوا ضغوطهم. ثم جرى اغتيال كينيدي في نوفمبر (تشرين الثاني) 1963.

وجاءت هذه الوثيقة لتضيف معلومات إلى وثائق أخرى كان الأرشيف الإسرائيلي قد كشفها قبل أربع سنوات، فيها سلطت الأضواء للمرة الأولى على حجم وقوة المواجهة السياسية الحادة بين الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي وإدارته، وبين رئيسي الحكومة الإسرائيلية المتعاقبين في مطلع الستينات من القرن الماضي؛ ديفيد بن غوريون وليفي أشكول، على خلفية إطلاق البرنامج النووي الإسرائيلي.

وفي حينه، قام باحثان، البروفسور الإسرائيلي أفنير كوهين، المحاضر في دراسات منع الانتشار النووي، والمحلل الأميركي ويليام بار، مدير مشروع التوثيق النووي في أرشيف الأمن القومي بجامعة جورج واشنطن، بنشر قرابة 50 وثيقة سرية تتضمن الرسائل المتبادلة بين قادة البلدين وبروتوكولات توثق زيارات مفتشين أميركيين لمفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي عام 1964، ومذكرات أعدها مسؤولون في الإدارة الأميركية حول التعامل مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، وتقديرات وضعتها الاستخبارات الأميركية حول حقيقة ما يجري في المفاعل ومدى ملاءمته لصنع سلاح نووي، وتحديداً ما إذا كان يضم منشأة عزل البلوتونيوم.

كينيدي وبجانبه زوجته جاكلين قبيل اغتياله في دالاس بتكساس 22 نوفمبر 1963 (رويترز)

وتبين إحدى الوثائق أن المدير العلمي للمركز النووي الإسرائيلي (شوريك)، والوزير في إحدى حكومات اليمين، البروفسور يوفال نئمان، الذي كان مطلعاً على المراسلات السرية المذكورة أعلاه، قد أبلغ الباحثين كوهين وبار، قبل 25 عاماً، أن الإسرائيليين نظروا إلى الوضع حينها على أنه أزمة، وأن أشكول والمحيطين به نظروا إلى كينيدي «كمن يضع إنذاراً عسكرياً حقيقياً أمام إسرائيل»، مشيراً إلى أنه «كان هناك مسؤولون إسرائيليون، بينهم اللواء دان طولكوفسكي، تخوفوا فعلاً من أن يأمر كينيدي بإنزال قوة مظليين في ديمونة».

المعروف أن إسرائيل أقامت المفاعل النووي عام 1958 بمساعدة فرنسية. واكتشفته الولايات المتحدة وأعربت عن غضبها الشديد من الأمر، خصوصاً في إدارة كينيدي الذي يعده الباحثان «الرئيس الأميركي الأكثر التزاماً بمنع الانتشار النووي في الشرق الأوسط»، وقد بذل كل ما بوسعه من أجل منع إسرائيل من صنع سلاح نووي.

لكن بن غوريون، ولاحقاً أشكول، أصرا بالقدر نفسه، على استكمال مشروع ديمونة النووي. واعتبرا أن القدرة النووية الإسرائيلية كانت «بوليصة تأمين ضد تهديدات وجودية تقف إسرائيل أمامها». وعكست الرسائل بين كينيدي وبن غوريون وأشكول عام 1963 إصرار الجانبين، وكشفت مدى الإصرار الإسرائيلي والخدع الدبلوماسية التي اتبعتها تل أبيب حتى حققت مرادها في نهاية الأمر.

وتشير الوثائق إلى أن الولايات المتحدة كشفت أمر المفاعل بديمونة في عهد إدارة الرئيس دوايت آيزنهاور، في نهاية عام 1960 حين أصدرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تقديرات مفادها بأن «إنتاج بلوتونيوم لصنع سلاح هو على الأقل أحد الأهداف الرئيسية» لإنشاء مفاعل ديمونة، وأنه إذا صدّق العالم العربي أن إسرائيل تتسلح بقدرة نووية، فإن هذا الأمر سيقابل بالذهول وسيتم توجيه إصبع الاتهام، مباشرة، نحو الولايات المتحدة وفرنسا، بسبب ما يبدو أنه تأييد منهما لهذا المشروع. وعند انتخاب كينيدي، أبلغه آيزنهاور في يناير (كانون الثاني) 1961، أن إسرائيل والهند تتطلعان إلى تطوير سلاح نووي. وقال كريستيان هرتر، وزير خارجية آيزنهاور، إنه جرى مؤخراً اكتشاف مفاعل ديمونة الذي «سيتمكن في غضون سنتين من إنتاج 90 كيلوغراماً من البلوتونيوم بمستوى يكفي لصنع قنبلة نووية». وحث كينيدي على إرسال مفتشين إلى المفاعل.

ومنذ بداية ولايته، طالب كينيدي، بن غوريون، بإدخال مفتشين أميركيين إلى ديمونة، شرطاً لتحسين الأجواء بين الدولتين وللقاء قمة بينهما، لكن بن غوريون تهرب من الموضوع. ثم حل الحكومة الإسرائيلية.

وبعد تشكيل بن غوريون حكومته التالية، في أبريل (نيسان) 1961، أبلغت إسرائيل الإدارة الأميركية بأنها توافق على زيارة المفتشين لمفاعل ديمونة. والتقى مفتشان مع المهندس الرئيسي في ديمونة، لأن المدير لم يكن هناك، ودامت هذه الزيارة 40 دقيقة.

وفي مذكرة وُجهت إلى مساعد وزير الخارجية الأميركي في حينه، فيليب تلبوت، كتبا فيها أنهما لم يتأكدا ما إذا كانا قد وصلا إلى المفاعل، بصفتهما ضيفين أم زميلين للعلماء المضيفين، أو أنهما موجودان هناك بصفتهما مفتشين.


مقالات ذات صلة

واشنطن: لا نرى «أيّ سبب» لتعديل العقيدة النووية الأميركية

الولايات المتحدة​ البيت الأبيض (أرشيفية - رويترز)

واشنطن: لا نرى «أيّ سبب» لتعديل العقيدة النووية الأميركية

أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض اليوم الخميس أن الولايات المتحدة لا ترى «أيّ سبب» لتعديل عقيدتها النووية بعد ما قامت به روسيا في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن اجتمع مع الرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (ا.ف.ب)

بايدن وشي يحذران من «مخاطر» سيطرة الذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية

أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس الصيني شي جين بينغ، على ضرورة الحفاظ على السيطرة البشرية على قرار استخدام الأسلحة النووية.

«الشرق الأوسط» (ليما)
شؤون إقليمية صورة التقطها قمر «بلانت لابس» لحفريات تحت جبل قرب منشأة «نطنز» لتخصيب اليورانيوم وسط إيران في 14 أبريل 2023 (أ.ب)

تقرير: إسرائيل دمّرت منشأة إيرانية سرية لأبحاث الأسلحة النووية

كشف موقع «أكسيوس» الإخباري، اليوم الجمعة، نقلاً عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أن إسرائيل نفذت هجوماً استهدف منشأة سرية إيرانية في منطقة بارشين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي هائل (رويترز)

روسيا تُجري تجارب إطلاق صواريخ في محاكاة لرد على هجوم نووي

أجرت روسيا، الثلاثاء، تجارب إطلاق صواريخ على مسافات تصل إلى آلاف الأميال لمحاكاة رد نووي «هائل» على ضربة أولى للعدوّ.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
آسيا كيم جونغ أون يراقب إحدى التجارب الصاروخية (أرشيفية - رويترز)

هل يدفع الاستعراض النووي لزعيم كوريا الشمالية واشنطن لإعادة حساباتها؟

هناك إجماع مزداد بين المتخصصين في السياسات بواشنطن، حول ضرورة أن تعيد الإدارة الأميركية المقبلة التفكير في أهدافها الأساسية بشأن كوريا الشمالية

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

إسرائيل تنهي استخدام الاعتقال الاداري بحق المستوطنين اليهود في الضفة الغربية

 قوات إسرائيلية تقيم إجراءات أمنية في البلدة القديمة للخليل تحمي اللمستوطنين اليهود (د.ب.أ)
قوات إسرائيلية تقيم إجراءات أمنية في البلدة القديمة للخليل تحمي اللمستوطنين اليهود (د.ب.أ)
TT

إسرائيل تنهي استخدام الاعتقال الاداري بحق المستوطنين اليهود في الضفة الغربية

 قوات إسرائيلية تقيم إجراءات أمنية في البلدة القديمة للخليل تحمي اللمستوطنين اليهود (د.ب.أ)
قوات إسرائيلية تقيم إجراءات أمنية في البلدة القديمة للخليل تحمي اللمستوطنين اليهود (د.ب.أ)

أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليوم الجمعة، أنه قرر إنهاء استخدام الاعتقال الإداري بحق المستوطنين اليهود في الضفة الغربية المحتلة.

وقال كاتس في بيان إنه قرر "وقف استخدام مذكرات الاعتقال الإداري ضد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية في واقع تتعرض فيه المستوطنات اليهودية هناك لتهديدات إرهابية فلسطينية خطيرة، ويتم اتخاذ عقوبات دولية غير مبررة ضد المستوطنين".

وأضاف "ليس من المناسب لدولة إسرائيل أن تتخذ خطوة خطيرة من هذا النوع ضد سكان المستوطنات"، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

ووفقا لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بتسيلم، استخدمت إسرائيل الاعتقال الإداري "على نطاق واسع وبشكل روتيني" لاحتجاز آلاف الفلسطينيين لفترات طويلة. وعدّلت إسرائيل قانون المقاتلين غير الشرعيين في بداية الحرب في غزة، ما يسمح لها باحتجاز السجناء لمدة 45 يوما دون عملية إدارية، مقارنة بـ96 ساعة في السابق.

وقالت مصلحة السجون الإسرائيلية لمنظمة "هموكيد" غير الحكومية الإسرائيلية إنه حتى الأول من يوليو (تموز)، كان هناك 1402 فلسطيني محتجزين بموجب القانون، باستثناء أولئك الذين احتجزوا لفترة أولية مدتها 45 يوما دون أمر رسمي.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن "حوالي 20" مستوطنا محتجزين في الاعتقال الإداري.

وقال يوناتان مزراحي، مدير مراقبة المستوطنات في منظمة السلام الآن لوكالة الصحافة الفرنسية إنه "رغم أن الاعتقال الإداري يستخدم في الغالب في الضفة الغربية لاعتقال الفلسطينيين، كان إحدى الأدوات القليلة الفعالة لإزالة مؤقتة للتهديد بالعنف من قبل المستوطنين من خلال الاعتقال".

وقالت منظمة مراقبة المستوطنات في بيان "إن إلغاء أوامر الاعتقال الإداري للمستوطنين وحدهم هو خطوة مثيرة للسخرية وغير مترابطة، لتبيض وتطبيع الإرهاب اليهودي المتصاعد تحت غطاء الحرب".

ويأتي القرار بعدما أعلنت السلطات الأميركية الاثنين أنها ستفرض عقوبات على المنظمة الاستيطانية "أمانا" التي تنشط من أجل توسيع الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة وشركة البناء التابعة لها "بنياني بار أمانا" بسبب علاقاتها مع أفراد وبؤر استيطانية خاضعة للعقوبات جراء ارتكاب أعمال عنف في الضفة الغربية.

وتشهد الضفة الغربية تصاعدا في أعمال العنف منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والحرب المستمرة في قطاع غزة.

وسجل مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في تقريره الأخير أكثر من 300 حادثة مرتبطة بالمستوطنين في الضفة الغربية، في الفترة ما بين 1 أكتوبر و4 نوفمبر.

وباستثناء القدس الشرقية المحتلة، يعيش حوالي 490 ألف مستوطن في الضفة الغربية بالإضافة إلى ثلاثة ملايين فلسطيني.