يُقال إن «رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة»؛ لكنّ رحلة «الألفي ميل» تتطلب إرادة قوية وعزيمة راسخة للتصدي لكل المخاطر والصعوبات.
هي مغامرة قرّرت الرحالة السعودية هيا السماري خوضها، فقطعت على مدار 5 أشهر الحدود المكسيكية وصولاً إلى كندا، فاجتازت الجبال، وسارت في الغابات والطرقات الوعرة على قدميها.
تجربة شيقة تخبرنا هيا السماري تفاصيلها وتتحدث إلى «الشرق الأوسط» عن شغفها بعالم الرحلات تقول: «منذ طفولتي وأنا أحب المغامرة، والاستكشاف، والرياضة، وعندما كبرت ازداد هذا الشغف تجاه الطبيعة والطرقات غير المألوفة».
وعن رحلة الألفي ميل، التي انطلقت بها مع الرحالة الكويتية فَي العمران تقول: «في 1 أبريل (نيسان) الماضي، بدأت رحلتنا سيراً على الأقدام».
ابتعاد عن الرفاهية وحياة المدينة
تتابع هيا: «أجبرتنا أحوال الطقس وتقلباته، من عواصف ثلجية، وحرائق، وغير ذلك على اختصار الطرقات وتغيير المسار أحياناً». ولدى سؤالها عن الدافع لخوض هذه الرحلة المليئة بالمخاطر، تجيب: «حبي للطبيعة وهذا الفضول داخلي دفعاني لتجربة العيش في كنفها لأشهر، بعيداً عن حياة البشر ويومياتهم في المدن المتطورة، حلمت بخوض هذه المغامرة. كنت أريد أن أعرف كيف سأتعايش معها، وكيف سأتأقلم مع الطبيعة بكل بساطتها، بعيداً كل البعد عن سبل الراحة والرفاهية، فانطلقت وأنا لا أحمل معي سوى أساسيات العيش، من أكل وشرب ومأوى».
وتتابع: «الرحلة من المكسيك إلى كندا لم تكن تحدياً بقدر ما كانت هدفاً لزيادة معنى التجربة في الحياة، وليكن لدي دافع جميل أستيقظ لأجله كل صباح، يقوّني ويشجعني لتحمّل البرد القارس والمطر الغزير وظروف الطبيعة الصعبة بشكل يومي».
26 غابة و3 حدائق وطنية
عن أبرز المحطات التي مرّت بها، توضح أن رحلتها تضمنت ثلاث ولايات أميركية هي، كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن، عبرت خلالها نحو 26 غابة ومجموعة من الحدائق الوطنية، من أبرزها ثلاث هي، حديقة «lpine lake wilderness»، وحديقة «Goat rocks wilderness» في واشنطن، وحديقة «Trinity alps wilderness» في كاليفورنيا.
عن ذلك تقول الرحالة إن «المرور بهذه الغابات والحدائق، كان أشبه بالمشي في عالم الأحلام، فالجبال الشاهقة منتصبة بين السحاب تحيطها بحيرات لا متناهية، وجمال طبيعي خلّاب لم أشهده من قبل».
الثلوج كانت الأصعب
تؤكد السماري أن العام الحالي 2023، يُعد الأصعب لقاطعي هذا المسار الطويل، وتضيف «ازدادت كمّية الثلوج المتساقطة عن المعدل الطبيعي لها بنسبة 200 في المائة، خصوصاً في ولاية كاليفورنيا». وتتابع «فاكتست الجبال بالكامل ثوبها الأبيض، واختلف مسارنا».
ولمواجهة ذلك، تفيد السماري بأنها كانت تستخدم، برفقة شريكتها الرحالة فَي العمران، مجموعة من الخرائط للبحث عن الطريق الأكثر سلامة وأماناً، ومن ثَمّ عبورها، قائلة: «فخورة أننا استطعنا المشي قدر المستطاع ونجحنا في اجتياز الثلوج خلال هذه السنة التاريخية بكل تغيراتها المناخية الصعبة».
شربنا من الينابيع وأكلنا طعاماً مجففاً
متطلبات العيش في الحياة البرية والظروف المناخية القاسية صعبة جداً، وعن النظام الغذائي اليومي الذي اتبعته السماري في رحلتها تقول: «كنا نأخذ الماء من البحيرات والينابيع الجبلية على الطريق، ومن ثم نضعه في مصفاة مياه حملناها معنا، أما بالنسبة للطعام فلقد خططنا له مسبقاً منذ أشهر».
وتوضح هيا أنهما كانتا تمران كل أسبوع بالمدن، مضيفة: «كنا نشحن طعامنا عبر البريد، وفي كل مدينة نمرّ بها كنا نتسلم شحنتنا الغذائية ونحملها معنا في حقائب الظهر، ونستهلك ما فيها إلى حين وصولنا لمدينة تالية». وتتابع: «غذاؤنا بمعظمه كان عبارة عن طعام مجفف، نطبخه بماء ساخن، وبعض الأحيان، خصوصاً في واشنطن، كانت الطبيعة تنعم علينا بالكثير من الفواكه، والتوت بأنواعه».
فلسفة الاستسلام لمجريات الطبيعة
أجمل ما خلصت إليه السماري بعد هذه الرحلة الطويلة الشيقة وغير المألوفة، ترى أن الاستسلام للطبيعة هو المكسب الأبرز، وتتابع «لا أستطيع التحكّم بالعوامل الطبيعية من حولي، لذا تعلمت الاستسلام لها، والتعايش معها، وأن أتقبلها كما تشاء أن تكون».
وبسؤالها عن خططها لما بعد هذه الرحلة تقول: «طموحاتي وخططي ليست تحديات بقدر ما هي رحلات لاكتشاف الروح والإنسان، والتعرف على قدراتي الجسدية والعقلية، فخططي هي عادة عبارة عن أحلام أريد عيشها على أرض الواقع، كما أريد خوضها بتفاصيلها... ويختلف الحلم مع كل مرحلة أمرّ بها في مسيرة حياتي».