حادثة السرقة في المتحف البريطاني تطيح بالمدير وتوقف نائبه

نيجيريا واليونان تجددان المطالبات بآثارهما

المتحف البريطاني بلندن (إ.ب.أ)
المتحف البريطاني بلندن (إ.ب.أ)
TT

حادثة السرقة في المتحف البريطاني تطيح بالمدير وتوقف نائبه

المتحف البريطاني بلندن (إ.ب.أ)
المتحف البريطاني بلندن (إ.ب.أ)

تداعيات حادثة سرقة آلاف القطع من مجموعة المتحف البريطاني وظهور بعضها للبيع على موقع «إي باي» ما زالت تتوالى، حيث أعلن مدير المتحف هارتويغ فيشر استقالته الفورية أمس، وتنحى نائبه جوناثان ويليامز حتى تنتهي التحقيقات الداخلية. وقَبِل مجلس الأمناء استقالة فيشر وعلق جورج أوزبورن، رئيس مجلس الأمناء، إن فيشر «تعامل بشرف، وإنه لم يشك أحد على الإطلاق في نزاهة هارتفيغ أو إخلاصه لعمله أو حبه للمتحف».

وقال أوزبورن، وهو وزير خزانة سابق، إن المتحف قام باسترجاع بعض القطع، وإن الجهود ما زالت مستمرة لإعادة البقية. وأضاف أن الشرطة تجري تحقيقاً جنائياً لمعرفة ما سُرق، تاركاً المجال مفتوحاً لأي مفاجآت قادمة وقال: «نعتقد أن الأمر يتعلق بنحو ألفي قطعة»، مؤكداً أن ذلك رقم مبدئي للغاية، وأن عملية البحث ما زالت مستمرة. كما أشار إلى أن المتحف نجح في استعادة بعض القطع دون ذكر أي تفاصيل حول ما تم استرداده أو كيفية الاسترداد.

وقال أوزبورن في إعلان السرقة: «إن أولويتنا الآن هي ثلاثة أضعاف: أولاً، استعادة الأشياء المسروقة؛ ثانياً، معرفة ما كان يمكن فعله لوقف ذلك، إن كان هناك أي شيء؛ وثالثاً، القيام بكل ما يلزم، من خلال الاستثمار في سجلات الأمن والتحصيل، للتأكد من عدم حدوث ذلك مرة أخرى».

هارتفيغ فيشر مدير المتحف البريطاني مع الخبير بيتر هيغز الذي اتهم بسرقة قطعة من المتحف وبيعها على الإنترنت (غيتي)

أكثر من سرقة

ولكن الأمر يبدو أكبر من مجرد حادث سرقة عارض في أحد أكبر المتاحف في العالم، فقد أثار الحادث الكثير من التساؤلات والشكوك حول إدارة المتحف وقصورها في حصر كل القطع الموجودة في مخازنه (تقدر بـ8 ملايين قطعة)، وأيضاً فشله في الاستجابة السريعة للشكوك التي أثارها تاجر الأنتيكات الهولندي إيتاي غرادل حول وجود القطع المسروقة للبيع على موقع «إي باي».

في حديثه لراديو «بي بي سي»، اعترف أوزبورن بقصور المتحف في تسجل وتوثيق كل القطع الموجودة فيه، مشيراً إلى أن ذلك القصور يمثل فرصة لأي شخص يعمل في المتحف وعلى علم بالقطع غير المسجلة. وقال إنه من الطبيعي ألا تكون هناك سجلات كاملة للقطع في مؤسسة بحجم المتحف البريطاني، مشيراً إلى أن المتحف حقق تقدماً في هذا الشأن أكثر من غيره.

وفي محاولته لتهدئة الرأي العام، أكد أوزبورن أن المتحف يتعاون مع الشرطة، مضيفاً أن هناك عملية حصر دقيقة قائمة لمعرفة القطع المفقودة، وأقر بضرورة تحسين الإجراءات الأمنية في المتحف. «من الواضح أن الأمر أضر بسمعة المتحف البريطاني، وأنا أعتذر بالنيابة»، مضيفاً أن المسؤولين بالمتحف كان عليهم فعل المزيد عندما وردت إليهم معلومات حول السرقة في عام 2021.

ينفي أوزبورن أي محاولات لإخفاء الحقيقة، قائلاً إنه يميل إلى أن كبار العاملين في المتحف اجتمعوا على رأي يرفض تصديق فكرة أن أحداً من داخل المتحف له يد في السرقة.

ويطالب الخبراء بنشر قائمة بالقطع المفقودة حتى يستطيعوا المساعدة في تعقب القطع، وقال الخبير الأثري كريستوس تسيروغيانيس من اليونيسكو لـ«بي بي سي»: «أعتقد أنها تعتبر أكبر عملية سرقة من متحف على حد علمي، العدد ضخم جداً بالنسبة لأي متحف في الحقيقة، ولكن هذا يحدث في المتحف البريطاني وهو ما يجعل الأمر أسوأ». وانتقد مسؤولي المتحف على توجيه الاهتمام بإقامة الفعاليات وطباعة الكتالوجات فاخرة الطباعة دون توجيه الجهود لتوثيق القطع الموجودة.

ومن جانبه، انتقد البروفسور دان هيكس، القيم الفني بمتحف بيت ريفرز بجامعة أوكسفورد، أساليب التوثيق في المتحف البريطاني، وقال لصحيفة «ذا غارديان» إن القضية كانت «كارثة تنتظر الحدوث».

استرداد القطع الأثرية

ما لا يريده أحد من المسؤولين في المتحف هو أن تكون الحادثة السبب في زيادة المطالبات الدولية باستعادة بعض القطع الموجودة في المتحف، ولكن هذا بالضبط ما حدث، وفي حقيقة الأمر لم تتوقف المطالبات سواء من مصر أو اليونان أو نيجيريا أو غيرها من الدول.

وكان رد الفعل اليوناني هو الأسرع، حيث قالت وزيرة الثقافة اليونانية، لينا ميندوني، في مقابلة حديثة مع صحيفة يونانية إن السرقة سوف «تعزز مطلب بلادنا الدائم والعادل بإعادة القطع الرخامية بشكل نهائي». وقال ميندوني: «إن فقدان وسرقة وتدهور القطع من مجموعات المتحف هو حدث خطير للغاية ومحزن بشكل خاص». وأوضحت أن «وزارة الثقافة تتابع تطورات الموضوع باهتمام كبير».

رخاميان إلجن أو رخاميات البارثينون محل مفاوضات مستمرة ما بين بريطانيا واليونان (رويترز)

ومن جانبه، علق الأثري اليوناني ديسبوينا كوتسومبا لمحطة «بي بي سي» أن آثار البارثينون غير آمنة في لندن، مشيراً للسبب الذي تقدمه الحكومة البريطانية ضد إعادة أي قطع أثرية لبلادها، وهو أنها ستكون في مكان غير آمن.

وجاء الرد الرسمي سريعاً على ذلك التعليق؛ إذ رفض عضو البرلمان البريطاني تيم لوتون، وهو رئيس اللجنة البرلمانية المعنية بالمتاحف، ادعاءات بأن المتحف البريطاني لم يعد وصياً موثوقاً به على مجموعته الهائلة، ووصف دعوات لإعادة القطع لبلدانها بأنه «انتهازية»، قائلاً إن البلدان الأخرى «يجب أن تجتمع معاً لمحاولة إعادة القطع المفقودة بدلاً من محاولة استغلال الوضع».

وقال أوزبورن إن المتحف البريطاني يلعب دوراً حيوياً في جمع المجموعات المهمة من جميع أنحاء العالم، مضيفاً: «في عصر يتم فيه تذكيرنا دائماً بما يفرقنا، فهو مكان يذكرنا بما هو مشترك بيننا».

برونزيات بنين في المتحف البريطاني ومطالبات بعودتها لنيجيريا (رويترز)

أما في نيجيريا فكانت حادثة السرقة دافعاً إضافياً لإعادة المطالبة بـ900 قطعة من برونزيات بنين، وقال أبا عيسى تيجاني، مدير اللجنة الوطنية النيجيرية للمتاحف والآثار، في حديث إلى «سكاي نيوز»: «من الصادم أن نسمع أن الدول والمتاحف التي أخبرتنا أن تماثيل بنين البرونزية لن تكون آمنة في نيجيريا، تحدث فيها سرقات هناك».

تمت إزالة القطع الأثرية التي يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر، من مدينة بنين بعد غزو القوات البريطانية للمملكة في نيجيريا الحديثة في عام 1897. وقال تيجاني إن وزيرة الفنون والثقافة والاقتصاد الإبداعي المعينة حديثاً في البلاد، هاناتو موسوا، ستكتب إلى المتحف البريطاني والحكومة البريطانية في غضون أسابيع للمطالبة بالإعادة الفورية لتحف بنين البرونزية.

هارتويغ فيشر وعملية تطوير المتحف

عندما عين هارتويغ فيشر مديراً للمتحف البريطاني كان ذلك في إطار خطة شاملة لإعادة تجديد مبنى المتحف، وإعادة عرض مجموعته بالكامل بحلول عام 2050، ورغم أن الأمر تأخر كثيراً فإن التطورات الأخيرة واستقالة فيشر ستتسببان في تعطيل خطط التطوير حتى الصيف المقبل على أقل تقدير، حين يتم تعيين بديل لفيشر.

تشير صحيفة «ذا آرت نيوزبير» إلى أن فيشر كان لديه موقف محافظ من إعادة القطع الأثرية لبلدانها، وأنه كان يشترك مع د.نيل مكروغر، المدير الأسبق للمتحف، في نظرية أن المتحف مؤسسة «من العالم وللعالم»، يجب الاحتفاظ بها للأبد، وركز بشكل أقل على التعويض وأكثر على التعاون الدولي والقروض. بالنسبة له، يمثل المخطط الرئيسي فرصة لجعل المتحف أكثر من مؤسسة عالمية، «من خلال الحوار».

المتحف البريطاني يواجه انتقادات بسبب سوء إدارته (رويترز)

وقبل تقديم استقالته قال فيشر، وهو مؤرخ فنون ألماني، في بيان: «خلال الأيام القليلة الماضية، كنت أراجع بالتفصيل الأحداث المرتبطة بسرقات من المتحف والتحقيق فيها»، بحسب ما ذكرت وكالة «د.ب.أ». وتابع فيشر في البيان: «من الواضح أن المتحف البريطاني لم يستجب بشكل شامل كما ينبغي فيما يتعلق بالتحذيرات في عام 2021، ومع المشكلة التي ظهرت الآن بالكامل». وأضاف: «المسؤولية عن هذا الفشل يجب أن تقع في نهاية الأمر على عاتق المدير».

وكان المتحف قد أعلن الأسبوع الماضي، أنه تم فصل أحد الموظفين دون أن يتخذ أي إجراءات قانونية ضده، وأن الشرطة تحقق في الأمر ولكنها لم تقم بأي اعتقالات.

وبحسب التقارير الصادرة حتى الآن يقترب عدد القطع الأثرية المفقودة من «ألفي قطعة»، ويعتقد أن القيمة الإجمالية لها قد تصل إلى «ملايين الجنيهات الإسترلينية». وتشمل القطع بحسب المعلومات التي نشرها المتحف «مجوهرات ذهبية وأحجاراً شبه كريمة وقطعاً زجاجية يعود تاريخها إلى القرن الـ15 قبل الميلاد إلى القرن الـ19 الميلادي».

وأعلن المتحف، في وقت سابق، أن القطع الأثرية كانت مخصصة لأغراض البحث والعمل الأكاديمي، وأنها لم تعرض للجمهور.


مقالات ذات صلة

متحف بنك إنجلترا.. فرصة للتعرف على تاريخ الأوراق النقدية ومستقبلها

يوميات الشرق متحف بنك إنجلترا يقع داخل البنك المركزي في وسط لندن (متحف بنك إنجلترا)

متحف بنك إنجلترا.. فرصة للتعرف على تاريخ الأوراق النقدية ومستقبلها

من عالم العملات الرقمية إلى أهمية العملة الورقية في حياتنا اليومية، ومن الاستدامة إلى التأكد أنه لدينا حرية الاختيار في طرق الدفع.

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق «مجمع 421 للفنون» كان مستودعاً للبضائع (المجمع)

أبوظبي تحول مستودعات بضائع إلى مهد للفن والابتكار

ليس متحف اللوفر في أبوظبي، وإن كان الأشهَر، هو الوجهة الثقافية الوحيدة بالعاصمة الإماراتية، بل هناك مواقع كثيرة تحولت إلى مهد للإبداع والابتكار.

مالك القعقور (أبوظبي)
علوم صور أنشأها «نموذج الطبيعة الكبير» للذكاء الاصطناعي

أول متحف فني للذكاء الاصطناعي في العالم يتحدى العقول

مَعْلَم يلتقي فيه الخيال البشري بإبداع الآلة

جيسوس دياز (واشنطن)
يوميات الشرق مصحف بالخط الكوفي من العراق أو إيران في الفترة ما بين 1000 و1100 ميلادياً (المكتبة البريطانية)

معرض طرق الحرير... أوسع من طريق وأكثر من الحرير

ماذا تتخيل عندما تفكر في طريق الحرير؟ توابل، قوافل الجمال التي تعبر الكثبان الصحراوية ورحلات التجار حاملة البضائع النفيسة بين الشرق والغرب عبر طريق واحد؟

عبير مشخص (لندن)
يوميات الشرق أيقونة «العذراء والطفل» من القرن السادس (أ.ب)

لمسات فرنسية أميركية على قسم الفنّ البيزنطي ومذاهب الشرق المسيحية في اللوفر

أعلن متحف اللوفر اختياره مجموعة فرنسية أميركية لتصميم سينوغرافيا العرض في قسمه الجديد المخصَّص لفنون بيزنطية ومذاهب الشرق المسيحية.

«الشرق الأوسط» (باريس)

عائلة بريطانية تريد شراء مزرعة للتنقيب عن جثة

أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)
أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)
TT

عائلة بريطانية تريد شراء مزرعة للتنقيب عن جثة

أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)
أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)

تسعى عائلة امرأة اختُطفت وقُتلت في مزرعة، إلى شراء الأرض للتنقيب عن جثتها بعد 55 عاماً من مقتلها.

يُذكر أنه لم يجرِ العثور على جثة موريال ماكاي منذ مقتلها عام 1969 في مزرعة ستوكينغ، بالقرب من منطقة بيشوبس ستورتفورد، في هيرتفوردشاير، وفق «بي بي سي» البريطانية.

وأنفقت شرطة العاصمة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث، التي استمرت لمدة ثمانية أيام في الموقع، خلال يوليو (تموز) الماضي، لكن الجهود لم تسفر عن شيء، في النهاية.

وقال مارك داير، وهو حفيد السيدة ماكاي، إنه مستعد لدفع أكثر من مليون جنيه إسترليني لشراء ما وصفه بأنه «أكثر مكان شرير على وجه الأرض».

واعترف داير بأن ذلك سيكون «أمراً صعباً» من الناحية العاطفية، لكنه قال إنه قد يكون ضرورياً للوصول إلى نهاية القصة.

وجَرَت عمليات التنقيب، في يوليو، بعد أن قدّم آخِر القتلة الباقين على قيد الحياة، والذي يعيش الآن في ترينيداد، معلومات عن مكان دفن السيدة ماكاي المزعوم، غير أن السلطات لم تسمح لنظام الدين حسين بالعودة إلى المملكة المتحدة، للمساعدة في عملية البحث، وهو ما عدَّته عائلة الضحية يشكل عائقاً أمام جهود البحث.

وفي تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، قال إيان ماكاي، ابن الضحية: «يعتمد كل ذلك على رغبة مالك المزرعة في البيع»، مضيفاً أن «شراء مزرعة روكس فارم سيكون استجابة عاطفية تسمح للعائلة بالمساعدة في البحث بشكل صحيح، على أمل الوصول إلى الجثة، وإنهاء القصة».

وجرى الاتصال بأصحاب المزرعة، للتعليق.

وقال داير إنه إذا اشترت عائلته المزرعة في المستقبل، فإن الملكية ستكون «انتقالية» فقط، موضحاً أنهم سيشترونه، وسيستأجرون متخصصين لإجراء تنقيب عن جثة السيدة ماكاي، ثم يقومون ببيع المزرعة مرة أخرى. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1970، حُكم على نظام الدين وشقيقه آرثر حسين بالسجن المؤبد؛ للاختطاف واحتجاز السيدة ماكاي، التي كانت تبلغ من العمر 55 عاماً آنذاك، مقابل الحصول على فدية بقيمة مليون جنيه إسترليني، قبل قتلها.

وكانت ماكاي قد تعرضت للاختطاف بالخطأ، في 29 ديسمبر (كانون الأول) 1969، حيث اعتقد الشقيقان أنها زوجة رجل الأعمال الكبير، وقطب الإعلام روبرت مردوخ.

وفي وقت سابق من هذا العام، سافر ابن الضحية إلى ترينيداد برفقة شقيقته ديان، وأوضح لهم نظام الدين حينها خريطة المكان الذي دُفن فيه جثة والدتهما.