النيجر: شكوك فرنسية إزاء نوايا واشنطن وتساهلها مع المجلس العسكري

ألمانيا بعد إيطاليا لا ترى حلاً عسكرياً وتقترح مخرجاً سياسياً لا ينص على رحيل الانقلابيين

سيارات محروقة أمام مقر حزب الرئيس المخلوع في نيامي (إ.ب.أ)
سيارات محروقة أمام مقر حزب الرئيس المخلوع في نيامي (إ.ب.أ)
TT

 النيجر: شكوك فرنسية إزاء نوايا واشنطن وتساهلها مع المجلس العسكري

سيارات محروقة أمام مقر حزب الرئيس المخلوع في نيامي (إ.ب.أ)
سيارات محروقة أمام مقر حزب الرئيس المخلوع في نيامي (إ.ب.أ)

من بين الدول الأربع الغربية التي لها حضور عسكري في النيجر: فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وإيطاليا، تجد الأولى نفسها معزولة إلى حد بعيد لجهة تمسكها بالسياسة الأكثر تشدداً إزاء المجلس العسكري الانقلابي، ووقوفها الصارم وراء المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس)، وعدم ممانعتها «الحل العسكري» الذي تلوّح به الأخيرة من أجل تحرير الرئيس محمد بازوم، وإعادة الانتظام الدستوري إلى النيجر.

وتجد باريس نفسها في وضع لا تحسد عليه؛ إذ إن التطورات الجارية في مستعمرتها السابقة تعد «انتكاسة استراتيجية». وإذا اضطرتها التطورات إلى سحب قواتها من النيجر، فإن ذلك سيعني تقليص حضورها العسكري بعد أن أجبرت على الخروج في 2022 و2023 من مالي وبوركينا فاسو.

آخر «طعنة» تعرضت لها باريس جاءت (الاثنين) من ألمانيا، وتحديداً من وزيرة التنمية سيفينيا شولتسه التي استبقت جولتها في غرب أفريقيا بتصريحات تشدد فيها على ضرورة البحث عن «حل سلمي» للأزمة الحالية.

صورة أرشيفية أخرى للرئيس المخلوع محمد بازوم في أبريل 2022 (د.ب.أ)

وقالت الوزيرة الألمانية لصحيفة «نويه أوسنابروكر تسايتونغ»، إن «الاحتجاج على الانقلاب في النيجر يجب ألا يعني إعلان حرب». والأهم من ذلك أن سيفينيا شولتسه تقترح حلاً يقوم على الاعتراف بسلطة الأمر الواقع العسكرية، ولكن مع الحصول منها على ضمانات بخصوص إجراء انتخابات جديدة ونزيهة، والإفراج عن الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم، وضمان عدم تعرضه للأذى.

وخففت الوزيرة الألمانية من خطورة الانقلاب، عادّة إياه «انقلاباً غير عادي إلى حد ما»، مضيفة أن هناك طرقاً عديدة للتعامل مع الأمر بشكل مختلف، مثل ضمان إجراء انتخابات جديدة على نحو سليم قريباً، أو التوقف عن احتجاز الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم، وضمان عدم تعرضه للأذى.

وتسبب الانقلاب العسكري الذي وقع في النيجر قبل أسبوعين ونصف في أزمة إقليمية. وقالت شولتسه: «لم يمت أحد جراءه حتى الآن. وهذا يجعل من السهل العثور على طرق دبلوماسية، وهو أمر ممكن بالتأكيد».

مؤيدون للانقلاب في نيامي ومعهم علم روسيا (أ.ف.ب)

تكمن أهمية كلام المسؤولة الألمانية في أنها المرة الأولى التي تعلن عاصمة غربية عن استعدادها للتعايش مع الانقلابيين مقابل ضمانات. وسبق لـ«إيكواس» أن سارت على هذا النهج بمناسبة الانقلابين اللذين حدثا في مالي (2021) وبوركينا فاسو (2022). واكتفت «المجموعة الاقتصادية» بفرض عقوبات عليهما من غير التهديد بالتدخل العسكري مع الحصول على وعود بإجراء انتخابات تشريعية نزيهة وفق أجنده محددة. ولكن في الحالتين، لم يجرِ احترام الوعود، وما زال العسكر ممسكين بالسلطة في باماكو وواغادوغو. والأمر نفسه ينسحب على غينيا. والدول الثلاث شكلت ما يشبه الجبهة للوقوف إلى جانب انقلابيي نيامي في حال نفذت «إيكواس» تهديداتها العسكرية.

لا يختلف موقف روما عن موقف برلين؛ فقد استبق وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تانيان الجميع في التشديد على ضرورة الحل السلمي. وقال قبل أسبوع لصحيفة «لا ستامبا» إنه «يتعين أن نعثر على حل للأزمة... وليس مكتوباً أنه لن يعثر على حل غير عسكري». مضيفاً أنه «لا يتعين على أوروبا أن تسمح بحدوث مواجهة مسلحة، ولا يتعين أن ينظر إلينا على أننا مستعمرون جدد».

رغم أهمية الموقفين الألماني والإيطالي، فإن ما يهم باريس بالدرجة الأولى هو السياسة الأميركية. والحال أن ثمة اختلافاً في المقاربة بين باريس وواشنطن. الأولى تقول إنها «تدعم كافة مقررات (إيكواس)» بما فيها تفعيل القوة الاحتياطية لاستخدامها المحتمل ضد الانقلابيين والتلويح بالتدخل العسكري رغم عدّه «الملاذ الأخير». بينما الثانية تشدد على الحل السياسي. وأبرز تعبير عن ذلك جاء في بيان لوزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن جاء فيه إن «الولايات المتحدة تقدر إصرار المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على استكشاف جميع الخيارات من أجل حلّ سلمي للأزمة».

بلينكن يصافح رئيس النيجر محمد بازوم خلال لقائهما في القصر الرئاسي في نيامي في 16 مارس 2023 (أ.ف.ب)

ورأى بلينكن في مناسبة أخرى أنه «ليس هناك من حل عسكري مقبول». وحتى اليوم، امتنعت الإدارة الأميركية عن عَدِّ ما حدث في نيامي «انقلاباً عسكرياً»، لأن أمراً كهذا سيلزمها بوقف مساعداتها لهذا البلد؛ حيث إنها اكتفت بتجميد بعض المساعدات المالية. كذلك، فإنها خضعت للمجلس العسكري عندما امتنع زعيم الانقلاب عبد الرحمن تياني عن مقابلة فيكتوريا نولاند مساعدة وزير الخارجية الأميركي عند زيارتها إلى نيامي. كما منعت من لقاء الرئيس المخلوع محمد بازوم.

ونقلت صحيفة «لو فيغارو» في عددها (الاثنين) عن مصادر دبلوماسية فرنسية قولها، إن الموافقة على تعيين كاثلين فيتزجيبون، سفيرة لبلادها في نيامي في 27 يوليو (تموز) أي في اليوم التالي للانقلاب، بعد عام ونصف على فراغ موقع السفير، «يمكن عَدُّه اعترافاً شبه رسمي» بالسلطات الجديدة. وفي ما يشبه التعبير عن الخيبة من واشنطن، قالت هذه المصادر إن الطرف الأميركي «قام بعكس ما كنا نأمل أن يقوم به».

وترى هذه المصادر أن واشنطن التي كانت تطالب سابقاً بالإفراج الفوري عن الرئيس بازوم وإعادته إلى موقعه الدستوري وتراجع الانقلابيين، خفضت من سقف مطالبها، وراحت تطالب فقط بتحسين شروط اعتقاله، وإطلاق سراحه، الأمر الذي تعده باريس خطوة أولى لقبول أميركي بالأمر الواقع.

* المصالح الأميركية

يذهب التشكيك الفرنسي بالنوايا الأميركية بعيداً؛ إذ ترى المصادر المشار إليها «أن هدف واشنطن بسيط، وهو المحافظة على قواعدها العسكرية... إذا كان المقابل لذلك تخلي واشنطن عن المطالبة بالعودة إلى الشرعية الدستورية، فهي لن تتردد في الاستجابة خصوصاً أن عسكر الانقلاب، على الأرجح، لا يرون في ذلك صعوبة؛ لأنهم يعون أنه من غير المساعدة الأميركية الميدانية التي توفرها لهم قدرات المراقبة الأميركية (من خلال القاعدة الجوية التي تنطلق منها المسيرات) فإن قدرتهم على محاربة الجهاديين ستتضاءل».

وتجدر الإشارة إلى أن القوات الأميركية تستفيد من قاعدتين: جوية تقع قريباً من مدينة أغاديس (شمال البلاد) وأخرى أرضية قريبة من نيامي؛ حيث ترابط مجموعات كوماندوس أميركية.

متحدث باسم المجلس العسكري يعلن التوجه لمحاكمة بازوم بجريمة «الخيانة العظمى» (أ.ف.ب)

ويبلغ عدد الجنود الأميركيين في القاعدتين نحو 1300 رجل. ومن المهم الإشارة إلى أن الانقلابيين لم يطالبوا برحيلهم، بعكس إمهالهم القوة الفرنسية المنتشرة خصوصاً في القسم العسكري من مطار نيامي، وفي منطقة المثلث الحدودي (بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو) مدة شهر للرحيل عن النيجر، بعد نقض الاتفاقات العسكرية المبرمة بين الطرفين.

وفي الرؤية الأميركية، فإن الخروج من النيجر يعني فتح المجال لتغلغل روسي، ولوصول ميليشيا «فاغنر»، الأمر الذي لا يرغب فيه لا الأوروبيون ولا الأميركيون. يضاف إلى ما سبق، أن الخروج الغربي من النيجر، يعني هزيمة سياسية بالدرجة الأولى، ولكن أيضاً خسارة اقتصادية واستراتيجية نظراً لما يختزنه باطن الأرض من ثروات مهمة مثل اليورانيوم والنفط والمعادن النادرة... وعيون الغربيين من جهة، والصين وروسيا من جهة ثانية على هذه الثروات.

ولكل هذه الأسباب، يرجح الجانب الفرنسي أن تكون واشنطن مستعدة للاعتراف بسلطة الأمر الواقع، وتجنب حرب غير مضمونة النتائج ومن شأنها رمي دول غرب أفريقيا في أتون المواجهات وإحداث انقسامات عميقة داخل «إيكواس»، وتعبيد الطريق للمنافسين، فضلاً على إفقار منطقة تعد أصلاً من الأفقر في العالم.

الرئيس المخلوع محمد بازوم يتحدث في الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي (رويترز)

بيد أن هذه الاعتبارات لا تشكل حلاً للأزمة النيجرية التي تفاعلت مع عزم الانقلابيين، كما أعلنوا ليل الأحد ــ الاثنين، على سوق الرئيس المخلوع أمام المحاكم ومحاكمته بتهمة «الخيانة العظمى»، أي السير بعكس ما يطلبه الأفارقة وواشنطن وباريس وبقية الأسرة الدولية التي تصر على الإفراج عنه.

وتحتار الدول المعنية بالشأن النيجري، إزاء كيفية التعامل مع الانقلابيين الذين يمارسون سياسة «هبة باردة، هبة ساخنة»، ويتأرجحون بين الانفتاح والاستعداد للتفاوض، وبين التشدد والانغلاق.


مقالات ذات صلة

النيجر تطرح مخزونها من اليورانيوم للبيع في السوق الدولية

أفريقيا الجنرال عبد الرحمن تياني (الثاني على اليسار) رئيس النظام العسكري في النيجر (أ.ف.ب)

النيجر تطرح مخزونها من اليورانيوم للبيع في السوق الدولية

أعلنت النيجر، الأحد، طرح اليورانيوم الذي تنتجه شركة «سومير» التابعة لشركة «أورانا» الفرنسية العملاقة قبل تأميمها في يونيو (حزيران)، للبيع في السوق الدولية.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
أفريقيا الجنرال عبد الرحمن تياني (الثاني على اليسار) رئيس النظام العسكري في النيجر والذي جاء إلى السلطة بانقلاب يُحيّي حشداً من الناس في نيامي في يوليو 2024 (أ.ف.ب) play-circle

تاريخ حافل بالاضطرابات... ما أبرز الانقلابات العسكرية في أفريقيا خلال العقد الأخير؟

تاريخ أفريقيا حافل بها... فيما يلي الانقلابات العسكرية الناجحة في السنوات العشر الأخيرة في القارة السمراء وآخرها انقلاب غينيا بيساو يوم الأربعاء 26 نوفمبر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شمال افريقيا سفير النيجر بالجزائر يسلم أوراق اعتماده للرئيس تبون (الرئاسة الجزائرية)

استئناف الحوار بين الجزائر والنيجر بعد تصاعد الأزمة في 2023

يسعى وفد من حكومة النيجر يزور الجزائر حالياً، لطي خلاف حاد نشأ في صيف 2023 بسبب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، واشتدت الأزمة باحتجاج نيامي على …

أفريقيا رئيس النيجر المخلوع محمد بازوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

النيجر نحو تنظيم «مؤتمر وطني» بشأن ميثاق انتقالي

أعلنت وزارة الداخلية في النيجر أن النظام العسكري الحاكم سينظّم «مؤتمراً وطنياً» من 15 حتى 19 فبراير (شباط)، يهدف خصوصاً لتحديد مدة للفترة الانتقالية.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
الولايات المتحدة​ قاعدة أغاديز (أرشيفية - أ.ب)

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

أعلن الجيش الأميركي، الاثنين، إنهاء سحب كل قواته من قاعدته الأخيرة في النيجر؛ تلبية لمطلب قادة الانقلاب العسكري في الدولة الأفريقية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بعد ساعات من استضافة ترمب اجتماعاً للسلام... القتال يحتدم في الكونغو

ترمب متوسطاً رئيس رواندا بول كاغامي (يسار) ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)
ترمب متوسطاً رئيس رواندا بول كاغامي (يسار) ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)
TT

بعد ساعات من استضافة ترمب اجتماعاً للسلام... القتال يحتدم في الكونغو

ترمب متوسطاً رئيس رواندا بول كاغامي (يسار) ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)
ترمب متوسطاً رئيس رواندا بول كاغامي (يسار) ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

احتدم القتال في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية اليوم (الجمعة)، بعد يوم واحد من استضافة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لزعيمي الكونغو ورواندا في واشنطن لتوقيع اتفاقات جديدة تهدف إلى إنهاء سنوات من الصراع في منطقة غنية بالمعادن، حسب ما نشرت «رويترز».

وأكد الرئيس الرواندي بول كاغامي، ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، أمس الخميس، التزامهما باتفاق السلام الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في يونيو (حزيران) لتوطيد الاستقرار، وفتح الباب أيضاً أمام المزيد من الاستثمارات الغربية في مجال التعدين.

وقال ترمب، الذي تدخلت إدارته في سلسلة من النزاعات حول العالم لتعزيز صورته صانعاً للسلام، وكذلك لتعزيز المصالح التجارية الأميركية: «إننا نضع حلاً لحرب دائرة منذ عقود».

ولكن على أرض الواقع، استمر القتال العنيف مع تبادل الاتهامات بين الأطراف المتحاربة.

وقالت حركة «23 مارس» المدعومة من رواندا، التي استولت على أكبر مدينتين في شرق الكونغو في وقت سابق من هذا العام، وغير ملزمة باتفاق واشنطن، إن القوات الموالية للحكومة تشن هجمات واسعة النطاق.

ومن ناحيته، قال متحدث باسم جيش الكونغو الديمقراطية إن الاشتباكات مستمرة، وإن القوات الرواندية تشن هجمات قصف.

ويقول محللون إن الجهود الدبلوماسية الأميركية أوقفت تصعيد القتال في شرق الكونغو لكنها فشلت في حل القضايا الجوهرية، مشيرين إلى عدم وفاء الكونغو ورواندا بالتعهدات التي قطعها الجانبان في اتفاق يونيو (حزيران).

وأظهرت مقاطع فيديو نشرت على الإنترنت الجمعة عشرات العائلات النازحة وهي تفر سيراً على الأقدام مع أخذ الأمتعة والماشية في إقليم جنوب كيفو بشرق الكونغو.

اقرأ أيضاً


بوركينا فاسو تعيد عقوبة الإعدام لمواجهة توسع الإرهاب

الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)
الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)
TT

بوركينا فاسو تعيد عقوبة الإعدام لمواجهة توسع الإرهاب

الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)
الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)

قررت السلطات العسكرية في بوركينا فاسو، الخميس، إعادة العمل بعقوبة الإعدام التي أُلغيت عام 2018، خصوصاً فيما يتعلق بتهمة الإرهاب والخيانة العظمى والتجسس، في وقت يعيش فيه البلد تصاعداً في الهجمات الإرهابية التي تنفذها مجموعة مرتبطة بتنظيمي «القاعدة» و«داعش».

وأُعلن القرار في بيان صادر عقب اجتماع مجلس الوزراء، وقالت الحكومة إنها صدّقت على «مشروع قانون العقوبات»، الذي يحدد عقوبات صارمة تجاه عدد كبير من الجرائم والجنايات، ذات الطابع الأمني والاقتصادي والسياسي.

وأضافت الحكومة موضحة أن مشروع القانون «يُعيد العمل بعقوبة الإعدام لعدد من الجرائم، من بينها الخيانة العظمى، والأعمال الإرهابية، وأعمال التجسس، وغيرها».

وقال وزير العدل وحقوق الإنسان، إداسو رودريغ بايالا، في بيان الحكومة، إن اعتماد هذا المشروع «يندرج ضمن الإصلاحات الواسعة التي يشهدها القطاع، بهدف تحقيق عدالة تلبي التطلعات العميقة للشعب».

كما يتضمن مشروع القانون الجديد تجريم «الترويج والممارسات المثلية والأفعال المرتبطة بها»، وفق ما أعلنته الحكومة، علماً بأنه سبق أن اعتمدت بوركينا فاسو في سبتمبر (أيلول) الماضي قانوناً يستهدف «مرتكبي الممارسات المثلية» بعقوبات تصل إلى خمس سنوات سجناً.

غرامات وأعمال مفيدة

أوضح الوزير رودريغ بايالا أن مشروع القانون اعتمد «العمل للمصلحة العامة» بوصفه عقوبة رئيسية، وهو ما يعني إحلال عقوبة تقوم على إلزام الشخص المحكوم عليه بأداء أعمال مفيدة للمجتمع، تحت إشراف السلطات، ووفق ضوابط قانونية محددة، محل بعض العقوبات التقليدية، مثل السجن أو الغرامة.

في غضون ذلك، شهدت الغرامات المالية المرتبطة بجميع المخالفات، سواء الجنح أو الجرائم، زيادة ملحوظة في مشروع القانون الجديد؛ إذ ارتفع الحد الأدنى للغرامة من 250 ألف فرنك أفريقي (450 دولاراً أميركياً) إلى 500 ألف فرنك أفريقي (900 دولار أميركي).

لقطة من فيديو لمعسكر تدريب لمقاتلي «القاعدة» في بوركينا فاسو (تواصل اجتماعي)

وأشار الوزير إلى أن العقوبات المتعلقة بسلامة المرور «رُفعت بشكل خاص، لأننا لاحظنا أن 90 إلى 95 في المائة من حوادث السير التي تفجع الأسر البوركينابية سببها المستخدمون أنفسهم»، على حد تعبيره.

وحول الجرائم الاقتصادية، مثل الاختلاس وأعمال الفساد، يمكن أن تصل العقوبات إلى السجن المؤبد عندما تتجاوز قيمة الأموال المختلسة، أو موضوع الجريمة، 5 مليارات فرنك أفريقي (نحو 9 ملايين دولار أميركي)، حسب الوزير.

في انتظار قرار البرلمان

من أجل أن يصبح مشروع القانون الجديد ساري المفعول، لا بد من موافقة الجمعية التشريعية الانتقالية التي أنشأتها السلطة العسكرية، بوصفها بديلاً للبرلمان الذي تم حله في أعقاب الانقلاب العسكري.

ويتوقع المراقبون أن مشروع القانون الجديد لن يجد أي مشكلة أمام الجمعية التشريعية الانتقالية، حيث تتماهى هذه الجمعية مع سياسات الحكومة، ولم يسبق أن رفضت أي قانون مقترح من طرف السلطة التنفيذية.

وحسب منظمة العفو الدولية، فإن آخر تنفيذ لعقوبة الإعدام في بوركينا فاسو كان عام 1988، خلال حكم الرئيس الأسبق توماس سانكارا، وهو أيقونة التحرر الأفريقي، ويتخذ منه الرئيس الحالي إبراهيم تراوري نموذجاً.

لكن عقوبة الإعدام أُلغيت في بوركينا فاسو منذ عام 2018، في عهد الحكومة المدنية برئاسة روش مارك كريستيان كابوري الذي أُطيح به في انقلاب عسكري عام 2021، ويحكم البلاد منذ 2022 الكابتن إبراهيم تراوري، ومنذ وصوله إلى السلطة، انتهج تراوري سياسات مناهضة للغرب، وابتعد عن فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، في الوقت الذي عزز فيه علاقاته مع روسيا.

توسع الإرهاب

رغم التحالف مع روسيا وإعادة هيكلة الجيش في بوركينا فاسو، لا يزال الإرهاب يتوسع في البلاد، حيث تشير تقارير إلى أن الجماعات الإرهابية تسيطر على أكثر من 40 في المائة من مساحة البلد الواقع في غرب أفريقيا.

وكثفت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، التابعة لتنظيم «القاعدة»، هجماتها في شمال وشرق بوركينا فاسو خلال الأسابيع الأخيرة، وأعلنت، الخميس، أنها سيطرت على ثكنة عسكرية في قرية باكاسولوغو، في ولاية كايا، الواقعة في الوسط الشرقي من بوركينا فاسو.

كما نشرت الجماعة الإرهابية مقطع فيديو دعائياً، الجمعة، يظهر معسكر تدريب لمقاتليه في بوركينا فاسو، ويكشف الفيديو عن وجود مئات المقاتلين في المعسكر، يرتدون ملابس شبه عسكرية، ويقومون بحركات قتالية.


النيجر تتهم «أورانو» الفرنسية بالتسبب في تلوث إشعاعي

منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
TT

النيجر تتهم «أورانو» الفرنسية بالتسبب في تلوث إشعاعي

منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)

اتهمت النيجر شركة «أورانو» الفرنسية للوقود النووي بـ«السلوك الاستغلالي» وارتكاب جرائم بيئية، في تصعيد جديد لنزاع محتدم حول السيطرة على مناجم اليورانيوم في الدولة الواقعة بغرب أفريقيا.

وذكرت الحكومة التي يقودها الجيش أن شركة «أورانو» يمكن أن تواجه إجراءات جنائية بتهمة ارتكاب «جرائم جماعية» بعد أن أفادت السلطات بالعثور على 400 برميل من المواد الأساسية المشعة في منطقة ماداويلة بالقرب من منطقة أرليت.

وقالت شركة «أورانو»، المملوكة بنسبة 90 بالمائة للدولة الفرنسية، إنها لم تتلقَّ أي إشعار رسمي بالإجراءات القانونية، ونفت العمل في منطقة ماداويلة.

وأضافت الشركة، في رد مكتوب على أسئلة وكالة «رويترز»، «(أورانو) لا تملك رخصة تشغيل لموقع ماداويلة، ولم تقم بأي عمليات هناك».

وقال وزير العدل أليو داوودا إن الإشعاع في المنطقة تجاوز المعدلات الطبيعية بشكل كبير؛ إذ بلغ نحو سبعة إلى عشرة ميكروسيفرت في الساعة، مقارنة بالمعدل المعتاد البالغ 0.5 ميكروسيفرت. ووجدت الفحوص مادتين مرتبطتين بمشاكل تنفسية يمكن أن تشكل ضرراً على صحة الناس.

يأتي هذا الخلاف عقب تأميم النيجر منجم «سومير» في يونيو (حزيران)، مما أدى إلى تجريد «أورانو» من حصتها البالغة 63.4 بالمائة.