الأمن الغذائي في اليمن يتراجع جراء تقلص المساعدات الأممية

تعويل على معونات «التحالف» وتحويلات المغتربين

يمنية تعاين أطباق مطبخها الفارغة بسبب الأزمات المعيشية (رويترز)
يمنية تعاين أطباق مطبخها الفارغة بسبب الأزمات المعيشية (رويترز)
TT

الأمن الغذائي في اليمن يتراجع جراء تقلص المساعدات الأممية

يمنية تعاين أطباق مطبخها الفارغة بسبب الأزمات المعيشية (رويترز)
يمنية تعاين أطباق مطبخها الفارغة بسبب الأزمات المعيشية (رويترز)

بينما يبحث محمد شمسان، من أهالي مديرية المقاطرة في محافظة لحج اليمنية (جنوب) عن عمل بالأجر اليومي، يمر يومياً على مقر توزيع المساعدات الأممية على أمل الحصول على سلة غذائية تخفف عنه عبء توفير المواد الأساسية لعائلته، ريثما يحصل على عمل جديد، إلا أنه يعود خائباً، بلا عمل أو سلة غذائية.

خسر شمسان سلته الغذائية المقدمة من جهات أممية في آخر مرة جرى فيها توزيع الحصص الغذائية بسبب سفره للعمل في منطقة بعيدة عن قريته، ولم تستطع زوجته الحضور بدلاً عنه لمرضها، ويخشى حالياً أن يكون اسمه قد سقط من قوائم المستفيدين من تلك المساعدات، ولا يرغب في أن يحدث ذلك في هذه الفترة التي يعاني فيها من البطالة.

وفي حين تشهد غالبية المحافظات اليمنية ارتفاعاً كبيراً في أسعار السلع الغذائية، وتدهوراً في سعر العملة المحلية، أعادت الأمم المتحدة، الأربعاء، التحذير من تداعيات تراجع الأمن الغذائي في المناطق المحررة، في حين أبدى خبراء اقتصاديون قلقهم من مخاطر جديدة يفرضها تنصل روسيا من اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود على اليمنيين.

مساعدات سعودية لليمن عبر مركز الملك سلمان (موقع مركز الملك سلمان)

وبين برنامج الغذاء العالمي أن أسعار المواد الغذائية في عدن، والمحافظات المحررة، ارتفعت بنسبة تصل إلى 26 في المائة خلال الشهر الماضي.

وذكر البرنامج أن أسعار الوقود سجلت ارتفاعاً كبيراً إلى جانب تدهور العملة المحلية في المناطق المحررة، بينما توقعت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) استمرار هذا الوضع حتى سبتمبر (أيلول) المقبل لأسباب اقتصادية ومناخية وإنسانية، بعد أن شهد الشهر الماضي انعداماً حاداً في الأمن الغذائي مقارنة بالشهرين السابقين.

وبحسب تقرير حديث لـ«فاو»، فإن التوقعات تشير إلى استمرار تدهور وضع الأمن الغذائي خلال الفترة من يوليو (تموز) الحالي إلى أوائل سبتمبر المقبل مصحوباً بغلاء المواد الأساسية المتوقع، وضعف القوة الشرائية لليمنيين، وآثار الظواهر المناخية المتطرفة، واستمرار الصراع، وانخفاض المساعدات الغذائية الإنسانية أمام تزايد الاحتياجات.

وتطرق تقرير «الفاو» إلى تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية، والتوقعات بحدوث نقص حاد في القمح وارتفاع أسعار الخبز، نتيجة انخفاض تدفق الواردات بعد انسحاب روسيا من مبادرة حبوب البحر الأسود.

غلاء وتراجع في المساعدات

أعلن برنامج الغذاء العالمي بداية الشهر الحالي عن تقليص المساعدات الغذائية في اليمن بنسبة 35 في المائة، محذراً من أن 6 ملايين شخص في «مرحلة الطوارئ» من تصنيف «انعدام الأمن الغذائي»، رغم أنه أعلن قبلها بأيام عن تلقيه مساهمة جديدة من الحكومة الأسترالية لدعم أنشطته في مواجهة هذه الأزمة انعدام الأمن الغذائي، بقيمة 2.68 مليون دولار أميركي، لتقديم الدعم لبعض أكثر الأسر تضرراً.

ويعيش سكان المحافظات المحررة موجة غلاء جديدة في مختلف السلع الأساسية على وقع أزمة مالية أثرت في الأسواق المحلية، رغم أحاديث الحكومة اليمنية عن توفر السلع الأساسية، حيث أعرب الأهالي في عدد من المحافظات عن عجزهم عن توفير الاحتياجات اليومية والأساسية.

ويؤكد مستشار وزارة الإدارة المحلية لشؤون الإغاثة جمال بلفقيه أن الوضع في اليمن ينتقل من سيئ إلى الأسوأ، بسبب استمرار الحرب من جهة، ومن جهة أخرى بسبب ضعف التمويل من المانحين الذي يتوقف على عوامل عدة؛ أولها شدة الاحتياج العالمي المتعلق بالحروب أو الكوارث، إضافة إلى انعدام الشفافية، وهو الأمر، أي انعدام الشفافية، الذي أفقد اليمن الاستفادة من الدعم الكبير الموجه له.

وأضاف بلفقيه في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنه وبتخفيضٍ قدره 35 في المائة، وبزيادة الميزانية التشغيلية للمنظمات ولأسباب التغيرات المناخية وارتفاع أسعار الغاز في أوروبا مع انحسار الأنهار، سينعكس الوضع بتردٍ اقتصادي مؤلم على اليمنيين الذين كان يفترض توجيه المساعدات لهم خلال العامين الماضيين للتنمية في الزراعة وصيد الأسماك وغير ذلك؛ لمواجهة مثل هذه الحالة.

تتهاوى العملة اليمنية باستمرار أمام العملات الأجنبية بسبب الحرب والأزمات المتواصلة (رويترز)

بلفقيه، وهو أيضاً منسق عام اللجنة العليا للإغاثة، أكد أن الحكومة حذرت سابقاً من حدوث أزمة غذائية بسبب التغيرات المناخية وارتفاع أسعار الغاز في أوروبا وانحسار الأنهار، وكان من المفترض توجيه المساعدات خلال العامين الماضيين إلى الزراعة والأسماك للاستفادة منها في رفع المعاناة عن اليمنيين ومواجهة مثل الحالة القائمة حالياً.

وتابع: «للأسف... هذا كله سينعكس في زيادة المعاناة المجتمعية، وخاصة في ظل تردي الوضع الاقتصادي، وسيكون له انعكاسات مؤلمة على اليمنيين».

التعويل على "التحالف" والمغتربين

بلفقيه قال إنه يعول على التحالف الداعم للشرعية بقيادة السعودية في الوقوف مع اليمنيين في مثل هذه الأزمات، كما أنه ناشد رجال الأعمال والتجار اليمنيين للمساهمة من خلال مؤسساتهم الخيرية في دعم اليمنيين الأشد فقراً، والتخفيف عن معاناتهم في مثل هذه الأوضاع المأساوية.

من جهته، قلَّل الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي من أثر خفض إنفاق برنامج الغذاء العالمي وغيره من المنظمات الأممية على الشعب اليمني، بحكم أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها خفض الإنفاق بسبب انخفاض التمويلات؛ لأن أساس استفادة اليمنيين من هذه المساعدات محدود جداً، حسب رأيه.

وأفاد العوبلي بأن رواتب موظفي «برنامج الغذاء العالمي» هي التي ستتأثر؛ لأن انخفاض التمويلات يعني بالضرورة انخفاض مستحقاتهم المادية، ومدى استفادتهم من الأزمة اليمنية التي قال إنهم يستفيدون منها.

نازحون في طوابير المعونات الغذائية أمام مقر أممي في محافظة حجة اليمنية (أ.ف.ب)

العوبلي عاد ونوه بأن اليمنيين هم من يتجرعون الارتفاع المتزايد في أسعار السلع والمواد الأساسية، والتي سيضيف قرار روسيا الأخير بالانسحاب من اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، أزمة جديدة ستسبب ارتفاعاً في أسعار القمح، والتي سيتحملها اليمنيون وذووهم المغتربون في الخارج.

العوبلي شدد على أن هؤلاء المغتربين هم من يمثلون الداعم الحقيقي والوحيد، حالياً للاقتصاد الوطني بفعل التحويلات التي يضخونها إلى الداخل اليمني، والتي تسهم في الحد من الأزمة الإنسانية لعدد كبير من اليمنيين، والتي تصل تقريباً إلى 4 مليارات دولار سنوياً.

يشار إلى أن السعودية تقع في مقدمة الدول التي تستضيف مغتربين يمنيين، حيث يصل عددهم فيها إلى ما يقارب 1.3 مليون مغترب.


مقالات ذات صلة

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني الزبيدي يثمن دور السعودية في دعم بلاده (سبأ)

الزبيدي يثمن جهود السعودية لإحلال السلام والاستقرار في اليمن

وسط تأكيد سعودي على استمرار تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لليمن، ثمّن عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عيدروس الزبيدي، سعي المملكة إلى حشد الجهود لإحلال السلام.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي خسائر بشرية بصفوف الحوثيين جراء استمرار خروقهم الميدانية (فيسبوك)

انقلابيو اليمن يشيّدون مقابر جديدة لقتلاهم ويوسّعون أخرى

خصصت الجماعة الحوثية مزيداً من الأموال لاستحداث مقابر جديدة لقتلاها، بالتزامن مع توسيعها لأخرى بعد امتلائها في عدد من مناطق العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
TT

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

رحبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، معتبرة أنه خطوة «تاريخية مهمة».

وقالت الحركة في بيان إنها «خطوة ... تشكل سابقة تاريخيّة مهمة، وتصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا»، من دون الإشارة إلى مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق محمد الضيف، قائد الجناح المسلح لـ«حماس».

ودعت الحركة في بيان «محكمة الجنايات الدولية إلى توسيع دائرة استهدافها بالمحاسبة، لكل قادة الاحتلال».

وعدّت «حماس» القرار «سابقة تاريخية مهمة»، وقالت إن هذه الخطوة تمثل «تصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا، وحالة التغاضي المريب عن انتهاكات بشعة يتعرض لها طيلة 46 عاماً من الاحتلال».

كما حثت الحركة الفلسطينية كل دول العالم على التعاون مع المحكمة الجنائية في جلب نتنياهو وغالانت، «والعمل فوراً لوقف جرائم الإبادة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة».

وفي وقت سابق اليوم، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت؛ لتورطهما في «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب»، منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وقال القيادي بحركة «حماس»، عزت الرشق، لوكالة «رويترز» للأنباء، إن أمر الجنائية الدولية يصب في المصلحة الفلسطينية.

وعدّ أن أمر «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو وغالانت يكشف عن «أن العدالة الدولية معنا، وأنها ضد الكيان الصهيوني».

من الجانب الإسرائيلي، قال رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، إن قرار المحكمة بإصدار أمري اعتقال بحق نتنياهو وغالانت «وصمة عار» للمحكمة. وندد زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد، أيضاً بخطوة المحكمة، ووصفها بأنها «مكافأة للإرهاب».

ونفى المسؤولان الإسرائيليان الاتهامات بارتكاب جرائم حرب. ولا تمتلك المحكمة قوة شرطة خاصة بها لتنفيذ أوامر الاعتقال، وتعتمد في ذلك على الدول الأعضاء بها.