قد يكون اسم آدم موصيري، رئيس تطبيق «إنستغرام» منذ 2018، معروفاً لدى مستخدمي التطبيق، البالغ عددهم أكثر من ملياري مستخدم، خصوصاً أن لديه أكثر من مليوني متابع على التطبيق نفسه. بيد أنه مع تعيينه الآن قائداً فعلياً للتطبيق الجديد «ثريدز»، الذي صعقت انطلاقته الصاروخية، تطبيق «تويتر»، تهافتت وسائل الإعلام، وكذلك الرأي العام، على محاولة التعرّف أكثر على شخصية هذا الرجل. بعض التحليلات أشارت إلى أن موصيري، قد يلعب دوراً حاسماً في تحويل منصة «ثريدز»، إلى منافس «قاتل» لتطبيق «تويتر»، وطموحات مالكه المثير للجدل، إيلون ماسك، خصوصاً أن بصمات موصيري السابقة على منتجات شركة «ميتا»، التي كانت تُدعى «فيسبوك» سابقاً، حاسمة في إظهار النجاحات التي حققها عملاق وسائل التواصل الاجتماعي، منذ نحو أكثر من عقد. ثم، على الرغم من أن مارك زوكربيرغ، هو الوجه الأبرز لشركة «ميتا»، فإن تطبيق «ثريدز» الذي يشبه «تويتر» ويقوم على خلفية تطبيق «إنستغرام»، أصبح التطبيق الأسرع نمواً في تاريخ الشركة، وهو يقع ضمن اختصاص رجل مختلف. فمَن هو آدم موصيري، البالغ 40 سنة؟ وكيف حقق هذا الصعود في مسيرته المهنية؟
وُلد آدم موصيري يوم 23 يناير (كانون الثاني) 1983، في ضاحية تشاباكوا بشمال مدينة نيويورك من عائلة يهودية. وهو الأخ الأكبر للملحن الموسيقي والممثل، إميل موصيري، الذي اعتنق مع شقيقه المسيحية، وهما يحتفلان بأعيادها أيضاً، بحسب عديد من المراجع والمقالات الصحفية الأميركية.
التحق آدم بمدرسة غالاتين للدراسات الفردية، بجامعة نيويورك لدراسة تصميم الإعلام والمعلومات، وتخرج بدرجة البكالوريوس في تصميم المعلومات في عام 2005. وفي عام 2003، أثناء دراسته في جامعة نيويورك، أسس موصيري شركة استشارات التصميم الخاصة به المسماة «بلانك موصيري»، التي ركزت على تصميم الغرافيك والتفاعل والمعارض. وكانت لشركته مكاتب في نيويورك وسان فرنسيسكو.
وفي عام 2007، انضم موصيري إلى شركة «نوك بوكس» بوصفه أول مصمم للشركة. ثم في عام 2008، انضم إلى «فيسبوك»، بوصفه مصمم منتج. وفي عام 2009، أصبح مديراً لتصميم المنتجات، وعام 2012 أصبح مدير التصميم لتطبيقات الأجهزة المحمولة الخاصة بالشركة. وبين عام 2012 و2016، أشرف على قسم موجز الأخبار على «فيسبوك»، ومن 2016 إلى منتصف 2018، شغل منصب نائب رئيس منتجات الشركة.
تقدر ثروة موصيري الشخصية اليوم بفضل وظائفه وأنشطته المتعددة، بأكثر من 120 مليون دولار أميركي، إذ كان راتبه الشخصي عن كل منصب، يتخطى 120 ألف دولار شهرياً. وإبان فترة عمله في «فيسبوك»، أشرف أيضاً على «فيسبوك هوم»، لكنها كانت محاولة فاشلة لإحضار الشركة شاشة رئيسية متنقلة إلى أجهزة «آندرويد».
وبعد الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، أخذ موصيري على عاتقه أن يصبح الناطق الرسمي لشركة «فيسبوك» عن «الأخبار المزيفة». ثم في مايو (أيار) 2018، عُيّن نائباً لرئيس تطبيق «إنستغرام»، ليتولى في 1 أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، منصب الرئيس المباشر للتطبيق، بعد استقالة مؤسسَي تطبيق مشاركة الصور، كيفن سيستروم ومايك كريغر، خلال سبتمبر (أيلول) 2018. وللعلم، يختلف لقب موصيري بوصفه رئيساً لـ«إنستغرام»، عن لقب الرئيس التنفيذي، إذ يحتفظ مارك زوكربيرغ، باللقب على كل منتجات شركة «ميتا».
الشبكة الاجتماعية
في أولى مشاركاته على «ثريدز» قال آدم موصيري: «ها نحن ذا»، ما يوحي بثقته في نجاح التطبيق. وحقاً، في غضون 5 أيام فقط، حصد «ثريدز» أكثر من 100 مليون مستخدم، ما أدى إلى إخراج معظم منافسيه المباشرين مثل «بلوسكاي» و«ماستودون» من السباق.
بالنسبة لموصيري - الذي يعمل مع زوكربيرغ منذ 2008 - فإن الانطلاقة السريعة للتطبيق، تمثل «أكثر أسبوع جنوني في العمل منذ سنوات عديدة»، بحسب ما نشره على التطبيق، في الأيام الأولى لانطلاقته. ومع أن «فيسبوك»، لا يزال يحتفظ برؤية زوكربيرغ الأصلية للشبكة الاجتماعية، فإنه كان قبل انضمام موصيري إلى الشركة، مجرد مكان لمشاركة الصور ونشر تحديثات باهتة، وكتابة رسائل أعياد الميلاد والتعازي... على صفحات الأصدقاء. ولكن في السنوات التي تلت ذلك، تحوّل موقع «فيسبوك» من مكان للحصول على التحديثات من الأصدقاء والأقارب، إلى مكان يمكنك فيه قراءة المقالات الإخبارية والتقارير المصورة، ويصار إلى ربطك بالحجج السياسية مع أشخاص لم تكن تعرفهم حتى.
وحقاً، كان لموصيري دور محوري في مثل هذه التغييرات، بعدما تولى منصب مدير تصميم المنتجات في عام 2009. ولاحقاً، مع تحول الهواتف إلى «ذكية»، منذ نجاح ستيف جوبز بإطلاق هاتف «آيفون»، تسلم موصيري إدارة التطبيقات على «فيسبوك». وبينما كان التطبيق يدور على إغراء المشتركين بتمضية أكبر قدر ممكن من الوقت على المنصة، ومتابعة تفاعلاتهم للحصول على عائدات الإعلانات، أشرف موصيري على موجز الأخبار المحوري على «فيسبوك»، بين عامي 2012 و2016، وهي الفترة التي شهدت تركيزاً متزايداً على جذب انتباه المستخدمين إلى السياسة والأخبار.
معالجة الأخبار المزيفة
ثم في السنوات التي تلت ذلك، اعترف مارك زوكربيرغ، بأنه كان يجب أن يأخذ المخاوف بشأن انتشار الأخبار المزيفة على المنصة بجدية أكبر قبل الانتخابات الأميركية 2016. وإثر صدور نتائجها وفوز دونالد ترمب، بالسباق الرئاسي متغلباً على هيلاري كلينتون، كان موصيري هو مَن كتب مدونة للشركة تتناول «الخداع والأخبار الكاذبة» على «فيسبوك». بل، لقد اعترف بأنه «عانى من الأرق» بسبب الدور الذي ربما لعبه موقع «فيسبوك» في انتشار العنف في ميانمار، إثر تقرير للأمم المتحدة يزعم أن المنصة، غذت الكراهية لمسلمي الروهينغا في تلك البلاد. وأيضاً، اعترف في عام 2018، عندما أصبح نائب رئيس المنتجات في الشركة، بأن «ربط العالم لن يكون دائماً أمراً جيداً». ويرى بعض المحللين، أنه ربما يكون هذا هو سبب رفض موصيري فكرة أن الأخبار والسياسة، يجب أن تكونا هما محور تركيز الموضوعات.
عام 2018، وبعد 6 سنوات على شراء زوكربيرغ تطبيق «إنستغرام» مقابل مليار دولار، واستقالة مؤسسيه السابقين، عيّن آدم موصيري، رئيساً له، وهو الآن لديه أكثر من ملياري مستخدم. غير أن فترة عمله لم تكن خالية من الجدل. إذ كان على «إنستغرام» أن يدافع بانتظام عن موقفه من الاعتدال، ومن نشر المواد التي يمكن أن تكون لديها تأثيرات مميتة، لا سيما العام الماضي، بعدما كشفت التحقيقات أن المراهقة البريطانية مولي راسل - التي شاهدت محتوى مؤذياً على المنصة - انتحرت لاحقاً بسببه.
ويذكر أن هذه هي التهمة نفسها التي وُجّهت إلى تطبيق «تيك توك» الصيني، الذي دفع موصيري «إنستغرام» للتشبه به، بعدما التقى عدداً من كبار المؤثرين والنجوم على التطبيق، أمثال كيم كارداشيان وكايلي جينر، للترويج للمنصة عبر نشر ما يسمى «ريلز» - أو بَكَرات الصور - على «إنستغرام». ولقد سعى هؤلاء إلى «مطالبة المشتركين بالكف عن أن يكونوا من جماعة «تيك توك»، والاكتفاء فقط بالصور الجميلة واللطيفة للأصدقاء»! وعلى الرغم من دفاعه عن تلك التغييرات، فإن موصيري اعترف لاحقاً بأن المنصة «ركزت بشكل زائد» على الفيديو في عام 2022.
«ثريدز» تطبيقه الشخصي
إلا أن إطلاق تطبيق «ثريدز»، يعد - بلا شك - أكبر وأهم لحظة في فترة تولي موصيري رئاسة «إنستغرام». مع الإشارة إلى أن هذا الأخير، بخلاف كل منتجات شركة «ميتا» التي حاولت تقليد تطبيقات سابقة - مثل قصص «سناب شات» و«ريلز» من «تيك توك» - كان التطبيق الخاص بموصيري شخصياً.
ومع بناء موصيري على خلفية «إنستغرام»، ضَمن ترحيل حسابات المشتركين، ما يساعده بسرعة على تجميع قاعدة مستخدمين ضخمة، تضم ممثلين ورياضيين ومشاهير وعلامات تجارية وملصقات عادية. ولقد علّق موصيري، الذي يعيش الآن في العاصمة البريطانية (لندن) مع زوجته مونيكا وأطفاله الثلاثة، عن شعبية «ثريدز» خلال الأسبوع الأول من إطلاقه بالقول: «إنه جنون، لا أستطيع أن أفهمه».
ومع ذلك، بدا أنه على أتم الاستعداد لتلبية طلبات تحديث التطبيق، وانفتاحه على الأمكنة التي يحتاج فيها إلى التحسينات في أيامه الأولى، بدءاً من الافتقار إلى القدرة على البحث عن موضوعات ومصطلحات محددة، إلى غياب خيار لتخصيص جدول المشتركين الزمني للأشخاص الذين تُجرى متابعتهم فقط. ولمّح موصيري إلى الإضافات المستقبلية ذات الأولوية الأقل، مثل علامات التصنيف، والموضوعات الشائعة، وعرض المنشورات المفضلة، وتحسين تطبيق سطح المكتب. ووفق الخبراء فإن رؤيته، تبدو منبثقة من تجربته في العمل على صفحة «فيسبوك». ذلك أنه كتب على «ثريدز» ما يلي: «لن نحبط أو نخفّض من شأن الأخبار أو السياسة»... «لن نحاكمهم كما فعلنا في الماضي».
وهنا يقول البعض، إن موصيري الذي ربما تطارده الخلافات التي دارت في السنوات الماضية، حول «أنه لا توجد أخبار أفضل من الأخبار السيئة»، قد يكون مضطراً للقبول بها، خصوصاً إذا استمر نمو «ثريدز» بهذا الشكل.
والده هاجر من مصر
عاش آدم موصيري الذي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية، طفولته بين إسرائيل وأميركا، وذلك بعدما هاجر والداه من مصر عام 1957، إثر «ثورة الضباط الأحرار» يوم 23 يوليو (تموز) 1952. والطريف أن آدم يرفض الكشف عن اسم والديه، ويتبع نهجاً محافظاً جداً في الكشف عن حياته الشخصية. إلا أنه قال لصحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية، إنه يحب أكلة «الملوخية» على الطريقة المصرية القديمة.
يذكر أن عائلة موصيري معروفة بين أبرز عائلات يهود مصر. وهي عائلة يهودية سفارادية (أي إسبانية الجذور) عاشت في إيطاليا. ثم استقرت في مصر خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر. وبحسب المؤرخ والباحث اللبناني المولد شاهين مكاريوس (1853 – 1910م)، فقد احتفظت العائلة بالجنسية الإيطالية، وحقَّق يوسف نسيم موصيري، الجد الأكبر للعائلة، ثروته من التجارة. وكان للعائلة، عديد من النجاحات في مصر، بعد انتقال نسيم موصيري، إليها عام 1750؛ وعلى سبيل المثال، أسست عائلة موصيري شركة فنادق مصر الكبرى، وبنت فنادق مصرية شهيرة، مثل: «مينا هاوس» و«سان ستيفانو» و«سافوي وكونتيننتال». وأيضاً أسس أبناء نسيم بك موصيري (إيلي، ويوسف، وجاك، وموريس) «بنك موصيري» في مصر، وكان نسيم بك يشغل موقعاً مميزاً ضمن الطائفة اليهودية في مصر. وفي عام 1915، أسس جوزيف موصيري شركة رائدة في صناعة السينما هي شركة «جوزي فيلم»، التي أسست وأدارت دور السينما واستوديو للإنتاج السينمائي، وكانت واحدة من أكبر الشركات الرائدة في صناعة السينما المصرية. وبعد وفاته عام 1876، أسَّس أبناؤه الأربعة «مؤسسة يوسف نسيم موصيري وأولاده». وتزوج الابن الأكبر نسيم بك موصيري (1848 - 1897) من ابنة يعقوب قطاوي، الذي تولى رئاسة الطائفة اليهودية في القاهرة، وكانت تسمى «الطائفة الإسرائيلية» حينذاك. وأصبح نسيم موصيري، نائب رئيس الطائفة، وهو منصب توارثته العائلة من بعده.
ولكن لم تحقِّق عائلة موصيري انطلاقتها الحقيقية إلا في أوائل القرن العشرين (1904) عندما أسَّس إيلي موصيري (1879 - 1940)، ابن نسيم (بك)، بالتعاون مع إخوته الثلاثة يوسف (1869 - 1934)، وجاك (1884 - 1934) وموريس، «بنك موصيري». وحقَّق إيلي مكانة مرموقة في عالم المال والأعمال في مصر، وكان قد درس الاقتصاد في بريطانيا وتزوج من ابنة فيليكس سوارس، أحد كبار الأغنياء المصريين اليهود. وكانت تربطه علاقات وثيقة بإسماعيل باشا صدقي، رئيس الوزراء المصري الأسبق، كما كانت له مصالح عديدة في فرنسا وعلاقات وثيقة ببيوت المال الأوروبية اليهودية مثل «روتشيلد» و«لازار» و«سليغمان»، كما كان يمثل المصالح الإيطالية في مصر.
أميركي ــ إسرائيلي يعيش في بريطانيا مع زوجته وأطفاله الثلاثة... ويحب «الملوخية» المصرية