إزالة الكروموسومات الزائدة في الخلايا السرطانية يمنع نمو الأورام الخبيثة

تطوير أدوية تجريبية لمكافحتها

إزالة الكروموسومات الزائدة في الخلايا السرطانية يمنع نمو الأورام الخبيثة
TT

إزالة الكروموسومات الزائدة في الخلايا السرطانية يمنع نمو الأورام الخبيثة

إزالة الكروموسومات الزائدة في الخلايا السرطانية يمنع نمو الأورام الخبيثة

تحتوي العديد من الخلايا السرطانية على عدد كبير جداً من الكروموسومات التي لها دور في تعزيز السرطان. ويمكن إعاقة نمو الورم في الخلايا السرطانية عن طريق القضاء على الكروموسومات الزائدة، وفقاً لدراسة حديثة. فقد وجد الباحثون أن هذه الكروموسومات الإضافية تلعب دوراً حيوياً في دعم نمو الأورام، لذا يمكن أن يؤدي استهدافها وإزالتها إلى منع تكون الأورام. ويقدم هذا الاكتشاف نهجاً جديداً واعداً لعلاج السرطان عن طريق القضاء الانتقائي على هذه الكروموسومات غير الطبيعية

لغز الكروموسومات الزائدة

ظل دور الكروموسومات الزائدة في السرطان لغزاً قديماً مع عدم اليقين بشأن ما إذا كانت هي التي تسبب السرطان أم أنها نتيجة له. ومع ذلك فإن دراسة حديثة نشرت في مجلة «ساينس» في 6 يوليو (تموز) الحالي 2023 بقيادة جيسون شيلتزر الأستاذ المساعد للجراحة في كلية الطب بجامعة ييل في الولايات المتحدة تلقي الضوء على هذا السؤال باستخدام تقنية هندسة الجينات المعروفة باسم كريسبر CRISPR لتحرير وقص الجينات -وهي إحدى تقنيات الهندسة الوراثية في البيولوجيا الجزيئية التي يمكن من خلالها تعديل جينومات الكائنات الحية.

وطوَّر الباحثون في الدراسة نهجاً جديداً لإزالة الكروموسومات بأكملها من الخلايا السرطانية ونجحوا في استهداف اختلال الصيغة الصبغية نتيجة وجود عدد غير طبيعي من الكروموسومات في الخلية aneuploidy، في ثلاثة أنواع من السرطانات هي سرطان الجلد والمعدة والمبيض باستخدام طريقتهم المبتكرة المسماة «استعادة الاضطرابات في الخلايا غير الصبغية باستخدام كريسبر» Disomy in Aneuploid cells CRISPR Restoring Targeting (ReDACT).

تقنية «كريسبر» للتحرير والقصّ الجيني

نهج جديد لإزالة الكروموسومات بأكملها من الخلايا السرطانية، في ثلاثة أنواع من السرطانات: سرطان الجلد وسرطان المعدة وسرطان المبيض

وركزت الدراسة بشكل خاص على إزالة نسخة ثالثة غير طبيعية من الجزء الممتد (الذراع q) من الكروموسوم 1 الذي كثيراً ما يُلاحظ في أنواع السرطان المختلفة المرتبطة بتطور المرض، وغالباً ما يحدث مبكراً في تطور السرطان. ومن اللافت للنظر أن القضاء على اختلال الصيغة الصبغية من جينومات هذه الخلايا السرطانية باستخدام استعادة الاضطرابات في الخلايا أضرَّ بشكل كبير بقدرتها الخبيثة وفقدانها القدرة على تكوين الأورام.

«إدمان الاختلال»

بناءً على تلك النتائج طرح الباحثون مفهوم «إدمان اختلال الصيغة الصبغية» aneuploidy addiction في الخلايا السرطانية مقارنة بالاكتشاف السابق لـ «إدمان الجينات الورمية» oncogene addiction مما يدل على أن القضاء على الجينات المسرطنة يعطل قدرات تكوين الأورام السرطانية.

وعندما درسوا دور نسخة إضافية من الكروموسوم q 1 في تعزيز السرطان وجدوا أن الجينات ذات التمثيل الزائد على ثلاثة كروموسومات بدلاً من الاثنين النموذجيين، تحفز نمو الخلايا السرطانية وقد كشف هذا الإفراط في التعبير الجيني عن ثغرة يمكن استهدافها في السرطانات التي تعاني من اختلال الصيغة الصبغية وعند استخدام «كريسبر» مرة أخرى أظهر العلماء أن الأنواع الأخرى من اختلال الصيغة الصبغية كانت أيضاً موجودة وقد اكتسبت الخلايا السرطانية التي تحتوي على أذرع إضافية من الكروموسومات 7 أو 8 زيادة في النمو أيضاً.

ومع ذلك، فإن اختلال الصيغة الصبغية للكروموسوم 1 يوفر فائدة أكبر وكانت الخلايا السرطانية «مدمنة» على هذا التغيير الذي كان ضرورياً للنمو السريع. وقد يكون هذا الإدمان على اختلال الصيغة الصبغية نقطة ضعف، إذ يحمل الذراع الأكبر للكروموسوم جيناً واحداً يمكن لبروتينه تنشيط بعض الأدوية، وإن الخلايا المختلة الصبغية تمتلك نسخة ثالثة من الجين لذا يجب أن تولد المزيد من الخلايا النشطة.

أدوية تجريبية

وعندما اختبر الباحثون اثنين من الأدوية على الخلايا السرطانية وجدوا أن الجزيئات تقتل نسبة أكبر من الخلايا التي كانت مختلة الصيغة الصبغية للذراع الطويلة للكروموسوم 1 حيث يستخدم أحد هذه الأدوية الآن في التجارب السريرية كعلاج للسرطان. وسيعمل بشكل أفضل مع المرضى الذين يعانون من اختلال الصيغة الصبغية للكروموسوم 1 في أورامهم كما يقول الباحثون.

من ناحية أخرى، يحذر عالم بيولوجيا السرطان وأخصائي علم الأمراض جينسونغ ليو من مركز إم دي أندرسون للسرطان بجامعة تكساس في الولايات المتحدة من أن اختلال الصيغة الصبغية هو مجرد واحد من الخلط الجينومي في الخلايا السرطانية ويضيف أن الخلايا السرطانية غالباً ما تكتسب مجموعات كاملة من الكروموسومات، وليس الكروموسومات الفردية فقط مما يؤدي إلى أعداد غير طبيعية من جميع الكروموسومات الـ23. ويضيف أن الباحثين «فقدوا شيئاً أساسياً» بالتركيز على اختلال الصيغة الصبغية، وأن استهداف اختلال الصيغة الصبغية قد لا يكون فعالاً نظراً للتغيرات الجينية العديدة في الخلايا السرطانية.



تنبؤات المستقبل... التاريخ يثبت صعوبة طرحها

مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة
مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة
TT

تنبؤات المستقبل... التاريخ يثبت صعوبة طرحها

مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة
مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة

عام 1974، نشرت مجلة «ساترداي ريفيو - Saturday Review» الأميركية الرصينة، التي كانت في عامها الـ50 آنذاك، عدة إصدارات بمناسبة ذكراها السنوية، تناولت كيف أدى القرن إلى حاضر قاتم من الحرب النووية الحرارية الوشيكة، والطفرة السكانية التي سرعان ما ستتجاوز قدرة الكوكب على إطعام سكانه، ونضوب الطاقة القابلة للاستغلال، وغيرها من التعثرات التي تهدد العالم.

الاكتظاظ السكاني وندرة النفط... تنبؤات ما قبل 50 عاماً

في الختام، قدمت المجلة إصداراً خيالياً غير معتاد مليئاً بالتنبؤات والمقترحات الخيالية والمعقدة أحياناً للعالم، لما بعد نصف قرن من الزمان في المستقبل. وكان أحد إصدارات الذكرى السنوية في عام 1974 مخصصاً بالكامل للطرق التي يمكن للعالم من خلالها استعادة ثقته. وأشرف على إصدار الإصدارات محرر المجلة نورمان كوزينز، وهو نفسه مثقف عام غزير الإنتاج وكان ذات يوم أشهر شخصية متفائلة في البلاد.

كان كوزينز وصف في عام 1979، كتابه الأكثر مبيعاً «تشريح المرض كما يراه المريض» كيف نجح في علاج نفسه، جزئياً، بعد تشخيص حالته بمرض مميت، من خلال التمتع بأفلام كوميدية مجنونة وضحكات عالية.

«مستقبليون» سابقون مشهورون

جمع كوزينز قائمة من كبار الشخصيات المشهورين على مستوى العالم، مثل أندريه ساخاروف، ونيل أرمسترونغ، وجاك كوستو، وإسحاق أسيموف، وكلير بوث لوس (المرأة الوحيدة).

وقد تراجعت بعض المشاكل التي كانوا يأملون أن يتمكن العالم من إيجاد مخرج منها، وخاصة ندرة النفط والاكتظاظ السكاني. وسواء كان ذلك بحكمة أو بغير حكمة، فقد حلت محل هذه المخاوف نقيضاتها الظاهرية الحالية.

وباء السمنة وحطام الوقود الأحفوري

في البلدان الغنية حالياً ظهرت مشكلات أخرى، إذ تتعامل اليوم مع أوبئة السمنة و«حطام» الوقود الأحفوري المفرط في الوفرة.

ومن المفارقة أن قيمة شركة «نوفو نورديسك»، المصنعة لعقاقير إنقاص الوزن أوزيمبيك وويجغفي تأتي فقط بعد قيم شركتي النفط والغاز الكبيرتين في العالم، «أرامكو» السعودية و«إكسون».

واليوم تصاب الدول بالذعر إزاء الانحدار العالمي في معدلات المواليد وتقلص أعداد السكان وشيخوخة السكان. وقد أكون مغروراً بقدر ما أصبت في توقعاتي، ولكنني أدرك أيضاً ما أغفلته توقعاتي المستقبلية.

40 % من البالغين لا يريدون الإنجاب

لقد توقعت أن معدلات المواليد المتقلصة سوف تجتاح العالم بأسره، ولكنني لم أتوقع أن يصبح عدد البالغين الذين سوف يختارون عدم إنجاب الأطفال على الإطلاق كبيراً، ففي بعض البلدان تصل نسبتهم إلى نحو 40 في المائة. لقد توقعت بشكل صحيح أن سياسة الطفل الواحد التي تنتهجها الصين سوف تدفع الأسر الصينية إلى الاستثمار بشكل متزايد في تعليم أطفالها من أجل إعدادهم للسوق العالمية. لم أكن أتوقع أن الملايين من الشباب الصينيين المتعلمين في الجامعات والذين يعانون من الإحباط المهني سوف يفضّلون البقاء عاطلين عن العمل لسنوات بدلاً من العمل في وظائف يعدّونها أدنى من مستواهم، أو أنهم سوف يظلون معتمدين على والديهم، غير متزوجين وليس لديهم أطفال.

ازدياد أجيال من غير المتعلمين

لم أكن أتوقع بالتأكيد أن الرخاء وانخفاض معدلات البطالة في أميركا سوف يثني الشباب عن الذهاب إلى الجامعة، أو أن «غير المتعلمين» سوف يلوّحون بعدم حصولهم على الشهادات الجامعية كفضيلة سياسية ثم يتفاخرون بها وبأنهم يمثلون طليعة النهضة الأميركية العظيمة.

صدمة المستقبل

الأشياء التي فاتتني لم تكن جامحة مثل بعض الرؤى الغريبة التي تخيلها طاقم المجلة في عام 1974.

* نبوءة نيل أرمسترونغ. تنبأ نيل أرمسترونغ (رائد الفضاء الأميركي) بوجود مجموعات كاملة من البشر يعيشون في محيط من مادة الميثان اللزجة تحت سطح كوكب المشتري الذي يمكنهم البقاء عليه. سوف يعملون في وظائفهم اليومية، ويتسوّقون ويحتفلون بينما يطفون في بدلات السباحة، ولكن فقط بعد إجراء عملية جراحية لاستبدال قلوب ورئات المستعمرين بأجهزة أكسجين قابلة للزرع. ومن الغريب أن أرمسترونغ، وهو مهندس طيران، رأى هذا باعتباره رؤية وردية لعام 2024.

* نبوءة أندريه ساخاروف. كما قدم أندريه ساخاروف، والد القنبلة الهيدروجينية السوفياتية والحائز على جائزة نوبل للسلام (1975)، أفكاراً حول كيفية إخراج الناس «من عالم صناعي مكتظ وغير مضياف للحياة البشرية والطبيعة».

كان ساخاروف يعتقد أن عالم عام 2024 سوف ينقسم إلى مناطق صناعية قاتمة وأحزمة خضراء مكتظة بالسكان حيث يقضي الناس معظم وقتهم. لكن سطح الأرض لن يكون كافياً لـ«7 مليارات نسمة في عام 2024» (كان ينقصه مليار). كما توقع ساخاروف مدناً شاسعة في الفضاء ستكون موطناً للمزارع والمصانع. أعتقد أن هذا يبدو وكأنه رؤية طوباوية إذا كانت الحياة البائسة على سطح الأرض أسوأ بكثير.

* نبوءة كلير بوث لوس، المحافظة السياسية ومدمنة عقار «إل إس دي»، والتي كانت كاتبة مسرحية وممثلة في الكونغرس وسفيرة في إيطاليا وزوجة لرجال أقوياء، أن التقدم البطيء للغاية الذي أحرزته النساء تمكن رؤيته في ملامح ماضيهن.

كانت لوس تعتقد أن المساواة للمرأة سوف تأتي، لكنها ستستغرق قرناً أو أكثر. وقد كتبت: «يؤسفني أن أقول إن الصورة التي أراها هناك ليست صورة المرأة الجالسة في الغرفة البيضاوية في البيت الأبيض في عام 2024».

إيمان مستقبلي

في الآونة الأخيرة، كنت أحاول أن أرى المستقبل من خلال قضاء بعض الوقت في مواقع بناء مراكز البيانات التي تنتشر في جميع أنحاء البلاد لالتقاط ملامح الطفرة في الذكاء الاصطناعي.

إن أحد التنبؤات المذهلة التي تحرك الأموال والسياسات اليوم أن العالم سينفق أكثر من تريليون دولار لبناء البنية الأساسية للبيانات (يتوقع سام ألتمان، مؤسس شركة «OpenAI» سبعة تريليونات دولار) للحوسبة من الجيل التالي التي يمكن أن تلغي التنبؤ البشري وتستبدله بنماذج تنبؤية تديرها الآلات.

ورغم أنه لا أحد يعرف إلى أين ستقود كل هذه القوة الحاسوبية، فإن العالم يراهن عليها بشدة مع ذلك. إن هذه الطفرة تجعل خيالي - وهو شيء كنت فخوراً به للغاية - يشعر بالضآلة والإرهاق.

رؤية مفعمة بالأمل لدحر التشاؤم

لقد جاء دافع كوزينز للتنبؤ بالمستقبل أكثر من منطلقات الذكاء العاطفي له والرؤى المفعمة بالأمل له وأمثاله الذين وظّفوا معرفتهم للانفصال عن الماضي، وأقل من منطلقات رؤيته للمستقبل المستنبطة من الحقائق المعروفة في زمنه.

ومن المفارقات، كما أشار كوزينز، أن التنبؤات لا تأخذ في الحسبان التفاؤل الذي يتوقعه الناس في المستقبل.

وأضاف، في حينه، أنه إذا كان لدى عدد كافٍ من الناس إيمان بأن الجنس البشري يتمتع بالقدر الكافي من الذكاء والطاقة للعمل معاً على حل المشاكل العالمية، فإنه استخلص أن «التوقعات المتشائمة للخبراء سوف تفقد قدرتها على الشلل أو الترهيب. لذا فإن أكبر مهمة تواجه البشرية في السنوات الـ50 المقبلة سوف تكون إثبات خطأ الخبراء [المتشائمين]».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».