بدأت الولايات المتحدة الأميركية خطوات التقرب نحو الصين، وسط ضبابية اقتصادية عالمية، تحتاج إلى التعاون الوثيق بينهما، للتغلب على التحديات الجمة في أكبر اقتصادين في العالم.
ودعت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، بكين، السبت، إلى «الحوار المباشر» مع واشنطن إذا كانت لديهما مخاوف بشأن ممارسات اقتصادية، وأكّدت أنه من الضروري أنّ تواصل الصين والولايات المتحدة العمل معاً بشأن تمويل مكافحة التغير المناخي.
وقالت يلين، التي تواصل اجتماعاتها مع كبار المسؤولين الصينيين في بكين، لنائب رئيس مجلس الدولة، هي ليفينغ، إن المستوى القياسي الذي سجلته التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة والصين في عام 2022 على الرغم من التوترات في الآونة الأخيرة أظهر أن هناك «فرصة كبيرة أمام شركاتنا للتعاون في التجارة والاستثمار».
فيما صرح نائب رئيس الوزراء الصيني، هي ليفينغ، خلال لقائه يلين، أن بلاده تأسف لـ«الحوادث غير المتوقعة» التي أضرت بالعلاقات مع الولايات المتحدة.
وقال: «للأسف، بسبب بعض الحوادث غير المتوقعة مثل ذلك المتعلق بالمنطاد، كان هناك بعض المشاكل في تنفيذ التوافق الذي توصل إليه رئيسا الدولتين» في قمة العام الماضي. ويشير هي ليفينغ إلى حادث المنطاد الصيني الذي أسقطته الولايات المتحدة قبالة ساحلها الشرقي في فبراير وتعتقد واشنطن أنه كان يستخدم لأغراض التجسس على الولايات المتحدة.
غير أن يلين أشارت إلى أنه من المهم الاستمرار في التشاور حول مجالات الاهتمام المشترك وكذلك حول الخلافات.
وعلى الرغم من الحديث عن فك الارتباط الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين، تظهر بيانات حديثة علاقة تجارية قوية في جوهرها، إذ سجلت التجارة الثنائية مستوى قياسياً بلغ 690 مليار دولار العام الماضي.
وقالت يلين إن الولايات المتحدة ستواصل التعبير مباشرة عن مخاوفها إزاء ممارسات اقتصادية معينة، وستتخذ إجراءات محددة لحماية أمنها القومي. كما حثت الصين على عدم السماح لأي خلافات «أن تؤدي إلى سوء تفاهم، ولا سيما ما يتعلق بقلة الاتصالات، وهو ما يمكن أن يؤدي دون داعٍ إلى تدهور علاقتنا الاقتصادية والمالية الثنائية».
وشهدت الأعوام الماضية ارتفاعاً في حدة التوتر بين واشنطن وبكين، مع اعتبار كل من الرئيسين؛ السابق دونالد ترمب، والحالي جو بايدن، أن الصين تشكّل التهديد الأبرز على المدى الطويل لتفوق الولايات المتحدة عالمياً. إلا أن إدارة الديمقراطي بايدن سعت في الآونة الأخيرة إلى تخفيف حدة التوتر مع الصين وإدارة التنافس بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.
وتأتي زيارة يلين بعد أيام معدودة من تصريحات للرئيس الصيني شي جينبينغ، تعهد فيها أن تلتزم حكومته تنفيذ الإجراءات اللازمة لحماية المستثمرين الأجانب.
ولدى الولايات المتحدة الأميركية استثمارات بمليارات الدولارات في الصين، وفي حال خروج تلك الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة من ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فمن المتوقع أن ينعكس سلباً على مؤشرات النمو الاقتصادية والبطالة، وهو ما استدعى تأكيداً من الرئيس الصيني حين قال إن «التنمية هي الأولوية القصوى للحزب الشيوعي الصيني في حكم البلاد وإنعاشها... وسنواصل تشجيع الانفتاح رفيع المستوى بقوة، وتوفير حماية أفضل لحقوق ومصالح المستثمرين الأجانب وفقاً للقانون».
وجاءت تصريحات الرئيس الصيني في ظل بيانات اقتصادية محبطة وتوقعات دون المأمول للنمو، حتى بعد رفع القيود الاحترازية لـ«كوفيد». فضلاً عن تقارير مالية تظهر تراجع جاذبية السوق الصينية للشركات الأوروبية، كان آخرها تباطؤ وتيرة نمو نشاط قطاع التصنيع في الصين خلال الشهر الماضي. وتراجع مؤشر مديري مشتريات قطاع التصنيع الصادر عن مؤسسة كايشين إلى 50.5 نقطة مقابل 50.9 نقطة خلال مايو الماضي.
وفرضت إدارة بايدن العام الماضي قيوداً على تصدير أشباه الموصلات ومكونات التكنولوجيا الأميركية إلى الصين. وقبل ذلك، كانت قد أبقت على رسوم جمركية فرضها ترمب على منتجات تصدّرها الصين إلى الولايات المتحدة.
إصلاحات للسوق
ودعت يلين إلى إصلاحات للسوق في الصين، وانتقدت الإجراءات الصارمة التي اتخذتها بكين في الآونة الأخيرة ضد الشركات الأميركية والضوابط التي فرضتها على تصدير بعض المعادن، في حين دعاها رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ إلى «التوصل لتسوية مع الصين» وإعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الصحيح.
وقالت يلين للمسؤول الصيني في اجتماع: «نسعى إلى منافسة اقتصادية سليمة لا تعتمد على مبدأ الفائز يأخذ كل شيء، لكن على مجموعة من القواعد العادلة يستفيد منها البلدان بمرور الوقت». ووصفت وزارة الخزانة الاجتماع بأنه كان «صريحاً وبناء».
فيما صدر بيان من الجانب الصيني يدعو إلى تعزيز الاتصالات والتوافق بشأن القضايا الاقتصادية و«تبادل وجهات النظر العميقة والصريحة والواقعية، من أجل بث الاستقرار والطاقة الإيجابية في العلاقات الاقتصادية الصينية الأميركية».
وأضاف البيان أن «الصين تأمل أن تتخذ الولايات المتحدة موقفاً عقلانياً وعملياً، وأن تتوصل إلى تسوية مع الصين وتدفع العلاقات الصينية الأميركية إلى مسارها الصحيح في القريب العاجل».
وتناولت يلين أيضاً الاقتصاد الصيني المخطط مركزياً، ودعت بكين إلى العودة إلى الممارسات القائمة على السوق التي عززت نموها السريع في السنوات الماضية. وقالت لرجال الأعمال الأميركيين في بكين: «التحول نحو إصلاحات السوق سيكون في مصلحة الصين».
وأضافت: «النهج القائم على السوق ساعد في تحفيز النمو السريع في الصين وساعد على انتشال مئات الملايين من الناس من براثن الفقر. إنها قصة نجاح اقتصادي رائعة».
وأشارت يلين إلى أن الطبقة المتوسطة الهائلة والمتنامية في الصين توفر سوقاً كبيرة للسلع والخدمات الأميركية، وأكدت أن الإجراءات التي تستهدف واشنطن بها الصين تستند إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي.
وقالت: «نسعى للتنوع وليس الفصل... فصل أكبر اقتصادين في العالم من شأنه أن يزعزع استقرار الاقتصاد العالمي، وسيكون من المستحيل عملياً التعامل معه».
قضايا المناخ
وقالت يلين لمسؤولي الحكومة الصينية وخبراء المناخ إن الولايات المتحدة والصين يجب أن تتعاونا معاً لمكافحة «التهديد الوجودي» الذي يشكله تغير المناخ.
وأوضحت يلين أن التعاون السابق بين البلدين بشأن تغير المناخ جعل من الممكن إحراز تقدم عالمي مثل اتفاق باريس للمناخ عام 2015، مضيفة أن الحكومتين تريدان دعم الأسواق الناشئة والدول النامية في إطار المساعي لتحقيق الأهداف المناخية.
وقالت يلين، في كلمة تم إعدادها مسبقاً لإلقائها خلال مباحثات حول المناخ في بكين، إن «استمرار التعاون بين الولايات المتحدة والصين في تمويل أهداف المناخ أمر بالغ الأهمية».
ولطالما قالت الصين، التي تصنفها الأمم المتحدة ضمن الدول النامية، إن مسؤولية مساعدة الدول الفقيرة على تحمل تكلفة مواجهة تغير المناخ تقع على عاتق الدول المتقدمة. لكن بكين تقول إنها يمكن أن تساهم في مواجهة «الخسائر والأضرار» الناجمة عن تغير المناخ على أساس طوعي.
ونظراً لحجم البلدين، يعد التعاون بين الولايات المتحدة والصين أمراً حيوياً للجهود الدولية لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ.