«كونشيرتو الهولوكوست والنكبة» في متحف درويش

«مصائر» للمدهون تنحت سردًا خاصًا حول فلسطين

«كونشيرتو الهولوكوست والنكبة» في متحف درويش
TT

«كونشيرتو الهولوكوست والنكبة» في متحف درويش

«كونشيرتو الهولوكوست والنكبة» في متحف درويش

أطلق الروائي الفلسطيني المقيم في بريطانيا ربعي المدهون، روايته الجديدة «مصائر.. كونشيرتو الهولوكوست والنكبة»، في متحف محمود درويش بمدينة رام الله الفلسطينية، وسط اهتمام على مستوى الحضور، والإعلام، والكتابة النقدية، واحتفاء مميز بصاحب «السيدة من تل أبيب» التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، في دورتها الثالثة عام 2010، الذي عاد إلى فلسطين، برواية جديدة قال عنها محاوره د. إيهاب بسيسو، بأنها «تحمل من الدهشة الكثير، وتطرح رؤى مغايرة، وهي رواية ذكية، ومغامرة، وجريئة، ولا تلهث وراء الشعار»، لافتًا إلى أن «مصائر»، تتبع بذكاء وحرفية سردية مصائر فلسطينية متعددة، وتتضمن عمقًا ملحوظًا، وأن «الكونشيرتو» وهو قالب موسيقي كلاسيكي، اعتمد كتقنية للعمل، كأنه «كونشيرتو» الحدث الذي ما زال متواصلاً دون انقطاع.
وقال بسيسو في تقديمه للمدهون، إن روايته الجديدة، تحمل مفردات الحنين، لكنه ليس ما اعتدنا عليه في السرد الفلسطيني، من حنين للبدايات، أي إلى ما كان قبل النكبة، بل حنين يحاول استئناف الحياة التي قطعت وبترت بفعل الحدث السياسي، وهو في هذه الرواية النكبة. ووصف بسيسو الحنين في «مصائر» ربعي المدهون، بـ«الحنين الفعّال» أو «المتفاعل». وقال إن الكاتب لا يتوقف فقط أمام المكان، بل يفتح أسئلة المصير، والبقاء، والهجرة، وغيرها أمام هذا المكان، في رحلة عودة إلى ما قبل النكبة، بتقنية سردية أراد لها أن تماثل حركات «الكونشيرتو».
تبدأ الرواية بالحركة الأولى أو الافتتاحية، عبر شخصية إيفانا الفلسطينية الأرمينية، مرورًا بابنتها جولي من الضابط البريطاني الذي أحبته وتزوجته فترة الانتداب البريطاني، وهاجرت معه مع ظهور ملامح النكبة إلى بريطانيا، وزوجها وليد دهمان، وهو الشخصية الروائية نفسها التي كانت محورية في «السيدة من تل أبيب»، في رحلة إلى الجذور، وتحديدا إلى عكا، لتنفيذ وصية إيفانا أردكيان، بحرق جثتها ونثر نصف رمادها في فضاء لندن، والنصف الآخر في فلسطين. وخلال رحلة تمتد عشرة أيام، هي الفترة الزمانية للرواية، ينتقل الفضاء المكاني إلى مدن متعددة في الجغرافيا الفلسطينية: حيفا، وعكا، والقدس، ويافا، وغزة، والمجدل عسقلان، بل ويتجاوز الجغرافيا الفلسطينية إلى باريس ومونتريال في كندا، عاكسا تعدد «مصائر» الفلسطينيين.
ثمة تفاصيل لا يمكن إغفالها حين نتحدث عن رواية المدهون الجديدة، حيث قدم لوحات نقدية، للانقسام الفلسطيني، عاجلة ومقتضبة، لكنها ذكية، ومنها حديثه عن عائلة دهمان، التي انقسمت بين «فتحاويي الدهامنة»، و«حمساويي الدهامنة»، في حين أراد الروائي المدهون لنصه الجديد، أن يكون مفتوحًا على معاني الحنين والذاكرة والعودة بتعدد صورها. ووصف بسيسو «مصائر» المدهون، «بالتجربة الروائية المميزة التي تنحت سردًا خاصًا ومغايرًا حول فلسطين والنكبة».
بدأ الحوار مع الروائي ربعي المدهون بسؤاله عن مفهوم الحنين في رواية «مصائر»، فأجاب صاحبها: «تناول موضوع الحنين في روايتي (مصائر)، جاء للخروج من الحالة التي اعتدنا عليها في التعاطي مع الأمور في بلادنا، ولكسر مفهوم الارتباط بالحنين التقليدي، والخروج من حالة البكاء على ما كان، وإعادة توظيف المكان، الذي تركه أصحابه، بمسائلته ومساءلة أصحابه الذين تخلوا عنه، وإعادة رسم الصورة مجددًا بشكل واقعي، وأكثر فهمًا للقضية الفلسطينية واستيعابا للمشاعر الإنسانية، ومشاعر الفلسطيني نفسه الذي يعود إلى بيته، ويتعرف عليه بخجل شديد، مع أنه صاحبه. حاولت الخروج بشكل آخر من الحنين المغلف ببلاغة لغوية تنقل القارئ إلى عالم آخر لم يعتد عليه. وهذا النوع من الحنين هو ما ينبغي أن نتعاطى معه بصورة فنية، وفي إطاره الفني».
وسئل المدهون عن محاكمته لإيفانا أردكيان الأرمينية الفلسطينية التي تزوجت من الضابط البريطاني قبل النكبة، وأنجبت منه جولي، فأجاب: «أنا لم أحاكم إيفانا في روايتي، بل هي من حاكمت نفسها، عندما قررت أن تطهر ماضيها، وتمحو من تاريخها هذه (الخيانة)، أي ارتباطها بضابط بريطاني في سن المراهقة، وهو ما وجدت فيه لاحقًا نوعًا من الخطيئة عملت على التخلص منها».
وأضاف: «اخترت شخصية (إيفانا) الأرمينية الفلسطينية، لاعتبارات كثيرة، منها إحساسي بضرورة إلقاء ضوء على شريحة من المواطنين الفلسطينيين تمثل جزءا من النسيج المجتمعي لعكا ما قبل النكبة. لا أدري إن كان الأدب الفلسطيني، والرواية تحديدا، قد تناول الأرمن. وكذلك لأن النكبة جمعت الفلسطينيين بمختلف فئاتهم ومنهم الأرمن. فنحن تعرضنا إلى مذبحة وهم تعرضوا إلى مذبحة وكذلك اليهود. وقد قررت التعاطي مع هذه المذابح».
وتحدث المدهون عن شخصيات ثانوية لعبت أدوارا قصيرة، لكنها لافتة، واستحضر المرشدة السياحية، فاطمة معارف، أو «الست معارف»، قائلا: «أتعامل في رواياتي مع الشخصيات الثانوية من دون تهميش. فهي تقوم بدور أساسي ومحوري، ولو بحضور غير طاغ. وأحرص دائمًا على أن تكون هذه الشخصيات بمستوى الشخصيات الأساسية والرئيسية».
وحول مشروعه الروائي، قال المدهون: «مشروعي يقوم على الخروج بثلاث روايات، وإن قدّر لي أن أعيش لأكمل الرواية الثالثة، فسأقدم صورة مغايرة ومشاهد بانورامية أخرى لـ(فلسطينيي الـ48)»، الذين بقوا في وطنهم ولم يغادروه.
من هنا ولدت شخصية «باقٍ هناك» في رواية مصائر. رجل يمثل الحالة التي عانى منها أهلنا في مناطق الـ48، الذين ظلوا لعشرات السنين، يعانون من قطيعة عربية، معظم العواصم استقبال من «عاشوا مع اليهود». ما أردت قوله روائيًا، هو أن هؤلاء الفلسطينيين هم أساس البقاء، وهم البقاء نفسه، ومن هنا جاءت تسمية «باقٍ هناك» الشخصية الرئيسية في الحركة الثانية من الرواية.
وتابع: «يهمني في مشروعي الروائي، النظر في كل المأساة الفلسطينية بصورة شاملة، من مبتدئها حتى منتهاها، في محاولة لإعادة الباقين في مكانهم (فلسطينيي الـ48) إلى السياق الحقيقي الذي ينبغي أن يكونوا فيه، فهم «الباقون هناك». لذا لم تكن مصادفة أن أهديت روايتي «مصائر» إلى «السيد (باقٍ هنا) المتخيل، وكل باقٍ هناك في الحقيقة، في الواقع وفي الرواية. لقد تطلب مني هذا المشروع القيام بجولات واسعة في مناطق الـ48، لأقدم تعبيرًا صادقًا عن المأساة الفلسطينية، ليس كحالات فردية.. وإنما بتغطية المسارات كافة دفعة واحدة، وأن أعالج المأساة الفلسطينية بشمولتيها أيضا».
وقدم المدهون برفقة الفنانة المسرحية ميساء الخطيب التي لم تظهر على المسرح، مقطعا من حوار وليد دهمان، بطل روايته، مع والدته المقمية في غزة، أجراه بعد وصوله إلى مسقط رأسه في مدينة المجدل عسقلان، التي اختفت معظم معالمها القديمة. وكان العرض بشكل مسرحي كما هو النص، الذي يشغل صفحتين (54 و55)، ويفيض بمشاعر، أطلقتها تقنيات سردية، كان من الصعب على دموع الحاضرين أن تمتنع عن الانهمار على الوجنتين. بعدها قام المدهون بمهر روايته بتوقيعه لجمهور متحف محمود درويش، بعد أن عزف لأكثر من ساعة ونصف «كونشيرتو» روائيًا مبدعًا بامتياز.



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.