وفاة سجين في إب يكشف عن تحويل السجن المركزي إلى استثمار لصالح الانقلابيين

غضب في الأوساط الشعبية والحقوقية: استنكرت الواقعة وعدتها جريمة متعمدة

شعارات حوثية طمسها السكان في مدينة إب اليمنية (فيسبوك)
شعارات حوثية طمسها السكان في مدينة إب اليمنية (فيسبوك)
TT

وفاة سجين في إب يكشف عن تحويل السجن المركزي إلى استثمار لصالح الانقلابيين

شعارات حوثية طمسها السكان في مدينة إب اليمنية (فيسبوك)
شعارات حوثية طمسها السكان في مدينة إب اليمنية (فيسبوك)

جددت وفاة سجين في محافظة إب (وسط اليمن) التذكير بممارسات الانقلابيين الحوثيين في السجن المركزي، من انعدام الرعاية الصحية والمعاملة القاسية للسجناء، ومحاولات استقطابهم لتأييد مشروع الانقلاب، وتعريضهم لدروس طائفية، وعقد صفقات معهم للإفراج عنهم مقابل العمل مخبرين أو مقاتلين، وتحويل السجن إلى استثمار مالي وعقائدي لخدمة الانقلاب.

وبحسب أهالي مدينة إب، (198 كم جنوب العاصمة صنعاء)، فإن السجين فيصل الصبري، توفي بعد أيام من إصابته بجلطة دماغية داخل السجن، ولم يتم تقديم الرعاية الطبية له في السجن بسبب الإهمال المتعمد، وقصور الملحقات الصحية، وشحة المعدات الطبية في السجن.

وبعد مناشدات ومطالب، جرى نقل الصبري إلى «مستشفى الثورة» في مركز المحافظة، إلا أنه لم يتلقَ رعاية كافية، وتناقل الأهالي صورة له وهو ملقى على أرض المستشفى مصفد اليدين في حالة إغماء. ووفقاً لهم، فقد استمر على تلك الوضعية لوقت قبل أن يتلقى كشفاً طبياً غير كافٍ، لتتم إعادته إلى السجن دون أي تحسن ليفارق الحياة بعدها بساعات.

السجين علي الصبري تعرض لجلطة دماغية وتسبب إهمال الانقلابيين في وفاته دون تلقي العلاج (رويترز)

وتؤكد مصادر في المدينة أن الصبري كان يعاني من أمراض مزمنة، ورفضت إدارة السجن المكونة من عناصر وقيادات حوثية نقله إلى مستشفى لإجراء فحوصات ومعاينة طبية كافية لتشخيص حالته وإقرار برنامج علاجي له، خصوصاً مع تدهور حال الملحقات الصحية في السجن، واستمر في معاناته حتى باغتته الجلطة الدماغية.

وأثارت الواقعة غضباً في الأوساط الشعبية والحقوقية التي استنكرت الواقعة، وعدتها جريمة متعمدة، خصوصاً مع إهمال الانقلابيين الحوثيين كل المطالب والدعوات لتحسين الوحدة الصحية في السجن.

ودعت منظمة محلية للتحقيق في ملابسات وفاة الصبري متهمة المعنيين في السجن المركزي والمستشفى بإهماله واللامبالاة إزاء حاجته الضرورية للعلاج المطلوب لحالته الحرجة، وتركه مرمياً لساعات في أحد ممرات المستشفى.

اعتراف حوثي بالإهمال

وكشف قيادي حوثي عن افتقار السجن المركزي في إب لطبيب عام أو باطنية، ومماطلة قطاع الصحة الذي يديره الانقلابيون الحوثيون في تعيين كادر صحي لتقديم الرعاية الصحية لنزلاء السجن.

وأكد «أبو زنجبيل الحوثي» توفر مختبر متكامل بالأجهزة الحديثة ومعدات عيادة أسنان متكاملة إلى جانب الأجهزة والمعدات اللازمة لتشغيل الوحدة الصحية بشكل يوفر الرعاية الطبية للسجناء، إلا أنها متوقفة عن العمل بسبب إهمال مكتب الصحة في المحافظة، وهو تحت إدارة الميليشيات الحوثية.

وأضاف «أبو زنجبيل» أن المصحة النفسية والعقلية في السجن تضم أكثر من 160 من المرضى النفسيين من السجناء في سجون محافظات إب وتعز والضالع المجاورتين، إلا أنه لا يوجد فيها طبيب نفسي، ولا تتوفر الأدوية رغم وجود توجيهات خاصة بذلك منذ سنوات.

كما تم بناء حجر صحي لعزل المرضى المصابين بالأمراض المعدية كالسل والإيدز برعاية مصلحة السجون، إلا أنه لم يجرِ تقديم أي خدمات طبية أو علاجية سوى من كان لديه ملف لدى البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز قبل دخوله السجن.

ورغم ادعاء «أبو زنجبيل» أن توفر المعدات الطبية وتجهيز الوحدات الصحية في مختلف السجون، بما فيها السجن المركزي في إب، «جاء بسبب حرص وجهود القيادات الحوثية التي تدير قطاع السجون وقطاع وزارة الداخلية، فإن عدداً من رواد مواقع التواصل الاجتماعي سخروا من هذا الادعاء باعتباره محاولة لتجميل وجه الميليشيات».

وأوضح رواد مواقع التواصل أن السجون كانت تحتوي منذ ما قبل الانقلاب على وحدات صحية مجهزة من قبل مؤسسات الدولة المختلفة، وبتعاون وتمويل من جهات ومنظمات دولية، وأن تدهور السجون وأوضاع السجناء الصحية بدأ منذ الانقلاب وسيطرة الميليشيات الحوثية على السجون.

نزلاء في السجن المركزي في إب لعدوى الكوليرا في ظل إهمال طبي متعمد من الانقلابيين الحوثيين (فيسبوك)

واستشهدوا بتعرض شاب من مدينة إب للاعتداء بالضرب المبرح من قبل عناصر حوثية في السجن المركزي خلال شهر رمضان الماضي، عندما كان يقوم بتنظيم مبادرة مجتمعية لتوزيع وجبات إفطار للسجناء، إضافة إلى عشرات الدلائل والمؤشرات على تعمد الميليشيات الحوثية إهمال السجون وإساءة معاملة نزلائها.

اختلاط ومخدرات

وطبقاً لمصادر قانونية في إب، فإن عدداً من نزلاء السجن المركزي يشتكون من اختلاط السجناء داخل عنابر وزنازين السجن، من دون تمييز بين تصنيفات المسجونين والتهم المنسوبة إليهم، حيث يختلط السجناء الخطرون بالسجناء على ذمة قضايا سرقة واختلاس، بل وحتى بالسجناء الذين لم تصدر ضدهم أحكام قضائية، إضافة إلى وجود سجناء حديثي السن.

وتروي المصادر لـ«الشرق الأوسط» ما ينقله السجناء لأقاربهم أو موكليهم من أحاديث عن ترويج وبيع المخدرات داخل السجن، وأن دخول كثير من المواد، سواء المسموح بها أو الممنوعات، يجري بإشراف المسؤولين عن السجن وبمقابل مادي، مشيرة إلى تحويل الميليشيات السجن إلى استثمار خاص بالمشرفين عليه.

وطبقاً للمصادر، فإنه لوحظ تحول خطير على بعض السجناء بسبب استمرار التعسفات ضدهم ورفض الإفراج عنهم من جهة، واختلاطهم بسجناء خطرين من جهة ثانية، وتولد رغبة لدى عدد منهم للعمل لصالح الميليشيات مقابل الإفراج عنهم.

واعتدت الميليشيات منتصف الشهر الماضي، على عدد من السجناء بسبب رفضهم متابعة قناة «المسيرة» التابعة للميليشيات والاستماع لخطاب زعيمها عبد الملك الحوثي، مستخدمة القنابل المسيلة للدموع والهراوات والأسلاك.

قادة حوثيون في زيارة للسجن المركزي في إب (إعلام حوثي)

وأفرجت الميليشيات الحوثية خلال السنوات الماضية، عن عشرات السجناء في السجن المركزي بالمحافظة مقابل العمل لصالحها إما مقاتلين في الجبهات أو مخبرين في أوساط المواطنين، أو مرافقين للقادة الحوثيين المكلفين بأعمال الجباية وتحصيل الإتاوات والسطو على الأراضي والعقارات.

وشهدت المدينة مظاهرات عارمة قوبلت بأعمال قمع عنيفة منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بعد وفاة أحد المختطفين على ذمة مناهضة مشروع الميليشيات وانتقادها من خلال تسجيلات فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تزال أعمال الاختطاف والملاحقة مستمرة.


مقالات ذات صلة

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
شؤون إقليمية مشاهد من حيفا لنظام القبة الحديدية الإسرائيلي خلال اعتراض صواريخ (أرشيفية - رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أنه اعترض صاروخاً أطلق من اليمن، بعد وقت قصير من انطلاق صفارات الإنذار في مناطق من البلاد.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي عنصر حوثي يحمل مجسماً لصاروخ وهمي في صنعاء خلال تجمع لأتباع الجماعة (أ.ف.ب)

الحوثيون يتبنون أولى هجمات السنة الجديدة باتجاه إسرائيل

تبنّت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران أولى هجماتها في السنة الميلادية الجديدة باتجاه إسرائيل، الجمعة استمرارا لتصعيدها الذي تزعم أنه يأتي لمناصرة الفلسطينيين.

علي ربيع (عدن)
شؤون إقليمية رجال قبائل مسلّحون على مركبات مزودة بمدافع رشاشة خلال تجمع مناهض لأميركا وإسرائيل لحشد مقاتلين حوثيين على مشارف صنعاء 24 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ ومسيّرة أُطلقا من اليمن

قال الجيش الإسرائيلي، اليوم الجمعة، إنه أسقط صاروخاً وطائرة مسيّرة أُطلقا من اليمن، في أحدث هجوم يتبناه الحوثيون يستهدف الدولة العبرية خلال الأسابيع الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

سكان صنعاء يتخوفون من انهيار معيشي جراء التصعيد مع إسرائيل

تزداد مخاوف السكان في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء يوماً بعد آخر من التدهور للأوضاع الإنسانية والمعيشية والأمنية جراء التصعيد الحوثي مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».