«قانون الغاب» في الخرطوم... انفلات أمني وحالات نهب وترويع

TT

«قانون الغاب» في الخرطوم... انفلات أمني وحالات نهب وترويع

مشهد من مدينة أم درمان السودانية
مشهد من مدينة أم درمان السودانية

منذ بداية الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في 15 أبريل (نيسان)، اختفت الشرطة عن الأنظار وأُغلقت جميع أقسامها ودورها، لتتحول أحياء العاصمة وشوارعها وأسواقها إلى مرتع للعصابات، ما جعل السكان عرضة للنهب تحت تهديد السلاح دون حماية من السلطات.

ويشكو سكان من استشراء ظاهرة النهب بوتيرة متصاعدة خلال الأيام الماضية. ويقول مروان المكي، الذي يسكن حي كافوري بمدينة الخرطوم بحري، أحد أرقى أحياء العاصمة، إن عصابات مسلحة اقتحمت منزله ونهبت كل ما بداخله، بما في ذلك ثلاث سيارات. وأضاف في حديث لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «قوات (الدعم السريع)، التي تسيطر على مدينة بحري، لم توفر لنا الحماية من العصابات، ولم نرَ أثراً للشرطة، كما أن الجيش يقف متفرجاً»، مشيراً إلى وجود العديد من الحالات المماثلة بين جيرانه في الحي.

ودعا وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم أمس (الجمعة) ضباط وجنود الجيش المتقاعدين، القادرين على حمل السلاح، إلى التوجه لمقر أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم.

* الأيام الأولى للحرب

في الأيام الأولى لنشوب الصراع بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، كان التاجر كمال آدم يجلس أمام دكانه في سوق أم درمان، الذي يبيع فيه العطور بالتجزئة، عندما فاجأته مجموعة ممن وصفهم بالمنفلتين، وانهالوا عليه ضرباً بالعصي والسواطير قبل أن ينهبوا دكانه ويلوذوا بالفرار.

كُسرت يد كمال اليمنى في ذلك الهجوم، وأصيب بكدمات وجروح بالغة في أجزاء متفرقة من جسده. وقال لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «بهذه الحادثة فقدت بضاعتي وكل رأس مالي، لا وجود للشرطة لتسترد لي حقوقي، جميع أقسام الشرطة مغلقة ولا ندري أين ذهبوا، معظم التجار تعرضوا للنهب بهذه الطريقة».

وانتشرت مبادرة على مواقع التواصل الاجتماعي، أُطلق عليها «مفتاحك»، تتحدث عن سرقة مئات السيارات من أصحابها.

وطُلب من سكان في نقاط ارتكازات تابعة لقوات عسكرية دفع مبالغ نظير العبور. وأبلغ السوداني عوض الله محمد «وكالة أنباء العالم العربي» بأنه ورفقة معه أوقفتهم قوات عسكرية في نقطة تمركز لها أثناء عبورهم إلى شمال أم درمان بالقرب من جسر الحلفايا، وطالبوهم بدفع 150 ألف جنيه (نحو 163 دولاراً) (الدولار الأميركي = 570 جنيهاً سودانياً).

* نهب تحت تهديد السلاح

ويقول عدة أشخاص تعرضوا لاعتداءات من قوات عسكرية أو منفلتين، إن الدافع الأساسي كان النهب. من بين هؤلاء مختار السماني، الذي تسورت منزله مجموعة يبلغ عدد أفرادها ثمانية، جميعهم كانوا ملثمين ومدججين بالسلاح.

وقال جمعة لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «تسورت المجموعة حائط منزلي بعد الثانية منتصف الليل، واقتحمت غرفة نومي بعد أن كسر أفرادها الأقفال. أحدهم كان يحمل كلاش (بندقية كلاشنيكوف) جعله في وضع الاستعداد، وناداني باسمي طالباً مفتاح الخزينة ومعرفة مكان ذهب زوجتي. أخذوا جميع أموالي وذهب زوجتي واستولوا على سيارتي».

وأضاف: «لم يكن أمامي خيار سوى الاستسلام؛ فالمقاومة قد تكلفني حياتي، ووضعت في الحسبان أطفالي وزوجتي، الذين عاشوا في حالة رعب في تلك اللحظات».

* الوقود يُنهب أيضاً

أما أنس السيفي، الذي يقيم في منطقة الثورة غرب أم درمان، فقد حصل أخيراً على وقود من السوق السوداء بعد معاناة استمرت عدة أيام للتنقل وتلبية احتياجات أسرته؛ لكن أثناء عبوره إلى منزله اعترضته دورية عسكرية ونهبت الوقود بعد ترويعه.

وارتفع سعر الوقود في السوق السوداء إلى 20 ألف جنيه للغالون الواحد، في حين يبلغ سعره في محطات الوقود 3500 جنيه فقط.

يقول السيفي، الذي تحدث لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «اشتريت الوقود بثمانين ألف جنيه بعد رحلة بحث مضنية؛ نهبوه في لمحة بصر، دون مراعاة للظروف التي نمر بها. توقفت أعمالنا بعد الحرب، والنقود التي بحوزتنا على وشك النفاد».

وتعرض حراس أمن في محطات وقود وبنوك ومواقع حيوية أخرى لاعتداءات، فقد بعضهم حياته بسببها، كما هو حال رقيب الشرطة السوداني إسماعيل كوكو، الذي أبلغت أرملته «وكالة أنباء العالم العربي» أنه قُتل بعد أسبوع من اندلاع الصراع في بنك بشرق الخرطوم كان يحرسه.

وأضافت: «لا نعلم أي شيء عن الحادثة، أو الجهة التي قتلته، ولم نتمكن من تشريح الجثمان. فقط، علمنا أنه تعرض لثلاث طعنات بآلة حادة أودت بحياته. دفناه وننتظر من الشرطة التحقيق في ملابسات مقتله».

وتعرضت معظم البنوك والمحال التجارية، سواء الواقعة في دائرة الاشتباكات أو المناطق الآمنة، للنهب على أيدي أشخاص يرتدون زي قوات «الدعم السريع» تارة، والزي المدني تارة أخرى.

ونفت قوات «الدعم السريع» مراراً صلتها بعمليات النهب، وتقول إنها كونت غرفة طوارئ لملاحقة من أسمتهم بالمخربين، وضبطت أكثر من مجموعة أشخاص ينهبون البيوت والمارة والبنوك والمحال التجارية، وينتحلون صفة قواتها.

لكن مهجة محمد، مديرة مستشفى التجاني الماحي، وهو أكبر مستشفى للأمراض النفسية والعقلية في البلاد، قالت في بيان إن قوات «الدعم السريع» تتمركز في المستشفى منذ بداية الحرب، وإنها احتلت المستشفى بعد تهديد أفراد النظام العام التابعين للشرطة المدنية بالقتل.

* قانون الغاب

ومع انتشار السلاح غير المقنن في أيدي العصابات بأحياء العاصمة، لجأ بعض السكان إلى اقتناء أسلحة نارية لحماية أنفسهم.

وقال أحد السكان، بعد أن طلب عدم نشر اسمه حرصاً على سلامته، لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إنه قرر شراء سلاح ناري بعدما شعر بالخطر «المتمثل في زحف المتفلتين نحو الأحياء»، مؤكداً أنه لم يسبق له اقتناء سلاح، «لكن ظروف الحرب الحالية التي يمر بها السودان تُحتم على كل فرد أن يُدافع عن نفسه وأسرته».

ووصف أوضاع العاصمة بأنها باتت «أشبه بقانون الغاب... غياب القانون، وغياب الدولة، يجعل الإنسان غير آمن حتى في بيته. والبلد أصبح يدار بقانون الغابة، حيث القوي يأكل الضعيف. لكي لا أكون الطرف الضعيف، قررت أن أتسلح».

وأوضح أن الأسلحة باتت متوفرة بكثرة في ضواحي مدن العاصمة الثلاث، قائلاً إنه حصل على السلاح بمساعدة صديق له، استطاع توفيره من أحد تُجار الأسلحة غير الرسميين.

وأضاف: «كنت أمام خيارين بين أنواع الأسلحة، إما سلاح صوتي أو سلاح ناري؛ فاخترت الأخير لفاعليته في أغراض الحماية الشخصية... لم يأخذ أمر توفير السلاح زمناً طويلاً؛ فبعد يومين من طلبه استلمته من صديقي. على الرغم من أن سعر السلاح يكاد يوازي راتبي الشهري، فإنني أراه ضرورياً لحفظ حياتي وحياة أسرتي».

واستطرد قائلاً: «اضطررت لاستدانة المبلغ المالي الذي اشتريت به السلاح، وهو 300 ألف جنيه سوداني. على الرغم من أن ظروف الحرب تجبر الإنسان على ادخار أي مبلغ مالي للاستفادة منه في مصروفات المعيشة، فإن الأمن في قائمة أولوياتي».


مقالات ذات صلة

توتر بين «الدعم السريع» وقوات جنوب السودان

شمال افريقيا صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

توتر بين «الدعم السريع» وقوات جنوب السودان

بينما أكدت تقارير في جوبا حدوث توتر بين «قوات الدعم السريع» وقوات دفاع جنوب السودان، في منطقة هجليج النفطية بولاية جنوب كردفان، نفت «الدعم السريع» وقوع.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا عناصر مسلحة من «قوات الدعم السريع» يستقلون سيارة في الخرطوم في 23 أبريل 2023 (لقطة من فيديو - أ.ف.ب) play-circle

10 قتلى بضربة مسيّرة استهدفت سوقاً في ولاية شمال دارفور

قُتِل 10 أشخاص في نهاية الأسبوع جرّاء ضربة بواسطة طائرة مسيّرة على سوق مزدحمة في ولاية شمال دارفور السودانية.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
شمال افريقيا سودانيون يعملون على إصلاح مولد كهربائي بورشة عمل بالمنطقة الصناعية في بورتسودان يوم 19 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)

قوى مدنية سودانية تطالب بتصنيف الإسلاميين «جماعة إرهابية»

وزعت قوى مدنية سودانية «خطابات عاجلة» على مسؤولين دوليين وإقليميين، طالبت فيها بتصنيف «الحركة الإسلامية» وحزب «المؤتمر الوطني» وواجهاتهما «منظماتٍ إرهابية».

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

توتر بين «الدعم السريع» وقوات جنوب السودان في هجليج

استبعدت «قوات الدعم السريع» حدوث اشتباكات مسلحة بينها وبين قوات جنوب السودان، على منطقة هجليج النفطية في ولاية جنوب كردفان.

أحمد يونس (كمبالا )
شمال افريقيا روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب)

روبيو يكثّف الدعوات لهدنة في السودان

وضع وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، مدى زمنياً من 10 أيام لتثبيت هدنة إنسانية في السودان، مع بداية العام المقبل، وهي المرة الأولى التي تضع فيها واشنطن.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

توتر بين «الدعم السريع» وقوات جنوب السودان

صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

توتر بين «الدعم السريع» وقوات جنوب السودان

صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

بينما أكدت تقارير في جوبا حدوث توتر بين «قوات الدعم السريع» وقوات دفاع جنوب السودان، في منطقة هجليج النفطية بولاية جنوب كردفان، نفت «الدعم السريع» وقوع أي اشتباكات مسلحة بين الجانبين.

وأفادت صحيفة «جوبا بوست» بأن توتراً حادّاً حدث ليل السبت - الأحد بين القوات الجنوبية الموكَلة إليها حماية حقول النفط في هجليج - باتفاق ثلاثي بين جوبا وبورتسودان ونيالا - و«قوات الدعم السريع» التي سيطرت على المنطقة، بعد انسحاب الجيش السوداني منها إلى الدولة الجارة.

لكن الباشا طبيق، مستشار قائد «الدعم السريع»، قال في تغريدة على «فيسبوك» إن ما تناولته صحفٌ ووسائل إعلام سودانية موالية للجيش بشأن وقوع «اشتباكات في هجليج لا أساس له من الصحة». من جهة أخرى، تواصلت عمليات إجلاء العاملين في المنظمات الإنسانية والأممية من كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان، التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» بالاشتراك مع حليفتها «قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان - تيار عبد العزيز الحلو».


تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
TT

تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)

جدد مجلس الأمن الدولي ولايةَ «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر (كانون الأول) 2026، وسط مسار سلام يراوح في مكانه رغم تعدد الاتفاقات، مع عودة العنف مجدداً إلى صدارة المشهد.

هذه الخطوة الدولية، التي تضمنت دعوات إلى انسحاب حركة «23 مارس (إم 23)» المتمردة من مناطق احتلتها، يراها خبير في الشؤون الأفريقية، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، دفعةً لجهود السلام في شرق الكونغو الذي يعاني صراعات على مدى عقود عدة، موضحاً أن «غيابها يعني مزيداً من الفوضى؛ لكن مع التمديد يمكن تقديم دعم إضافي لمسار السلام المتعثر حالياً، على الرغم من الاتفاقات؛ لأسباب مرتبطة بعدم وجود تفاهمات حقيقية على الأرض».

وتتصدر أزمة شرق الكونغو، الممتدة منذ 3 عقود، الاهتمامات الأفريقية. وبحث وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، ونظيره الرواندي، أوليفييه أندوهونجيريهي، في لقاء بالقاهرة، سبلَ إرساء الاستقرار والسلم والأمن في منطقة شرق الكونغو، مؤكداً دعمَ مصر الكامل الجهودَ كافة الرامية إلى تثبيت الأمن والاستقرار، وفق بيان من «الخارجية المصرية» الأحد.

وجاء اللقاء عقب قرار مجلس الأمن الدولي تمديد ولاية «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر 2026، مع الحفاظ على سقف القوات المصرح به عند 11 ألفاً و500 فرد عسكري، و600 مراقب عسكري وضابط أركان، و443 فرد شرطة، و1270 فرداً من وحدات الشرطة المشكّلة، ومطالبة رواندا بوقف دعمها حركة «إم 23» المتمردة.

ويرى المحلل السياسي التشادي الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، أن تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» يمكن أن يشكل دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو، «إذا اقترن بتغييرات عملية في أسلوب عملها، وتعاون حقيقي مع السلطات المحلية والمجتمعات المتضررة... فالوجود الأممي يوفر غطاء دولياً لحماية المدنيين، ودعماً لوجيستياً ومؤسساتياً للجيش والشرطة، كما يساهم في مراقبة حقوق الإنسان، وتهيئة بيئة أفضل أمناً للعمل الإنساني والحوار السياسي. لكن نجاح التجديد لا يعتمد على الاستمرار الشكلي، إنما على معالجة أسباب الصراع المزمنة، مثل ضعف الدولة، وتعدد الجماعات المسلحة، والتنافس على الموارد، وانعدام الثقة بين السكان والبعثة»، وفق عيسى.

وإذا ركزت «مونوسكو» على «دعم حلول سياسية محلية، وتعزيز المصالحة، وبناء قدرات مؤسسات الدولة، والاستجابة لمطالب السكان بشأن الحماية والشفافية، فقد ينعكس التجديد إيجاباً على الاستقرار»؛ يضيف عيسى، موضحاً: «أما إذا استمر الشعور بعدم الفاعلية أو غياب التنسيق، فقد يحد ذلك من أثرها... لذلك؛ يكون التجديد فرصة حقيقية للسلام عندما يُستثمر لإصلاح الأداء وتوجيه الجهود نحو جذور الأزمة».

ويسلط القرار الدولي الضوء على «الأزمة الأمنية والإنسانية المتدهورة بسرعة» في شرق الكونغو الديمقراطية بسبب هجوم حركة «23 مارس» في شمال وجنوب كيفو «بدعم وبمشاركة مباشرة من قوات الدفاع الرواندية»، وفق بيان «المجلس».

وقالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، جنيفر لوسيتا، مساء الجمعة، إن «المفاوضات التي تقودها تعطلت مرة أخرى بسبب تقدم حركة (23 مارس) المدعومة من قوات الدفاع الرواندية».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود، وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتَين في الإقليم. وشنّت «23 مارس»، بدعم من رواندا، هجوماً جديداً في بداية ديسمبر الحالي بإقليم جنوب كيفو شرق البلاد على طول الحدود مع بوروندي، وأحكمت سيطرتها على بلدة أوفيرا الاستراتيجية في 11 ديسمبر الحالي.

وجاء التقدم الأخير للحركة في شرق الكونغو الغني بالمعادن بعد أسبوع من لقاء الرئيسَين؛ الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي والرواندي بول كاغامي الرئيسَ الأميركي دونالد ترمب في واشنطن خلال وقت سابق من هذا الشهر، وأكدا التزامهما اتفاق سلام توسطت فيه الولايات المتحدة.

ووسط أنباء عن انسحاب الحركة من المنطقة المحتلة حديثاً، قال مسؤولون في «الصليب الأحمر»، الخميس الماضي، إن «شهر ديسمبر هو الأعلى حدة في النزاع».

ويعدّ الاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية بواشنطن في مطلع ديسمبر الحالي هو الأحدث ضمن سلسلة «تفاهماتٍ بإطار» أُبرمت خلال يونيو (حزيران) الماضي في واشنطن، إضافة إلى «إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة»، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاقٍ يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن المطالب الدولية بانسحاب «23 مارس» من المناطق التي سيطرت عليها في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، تعبر عن ضغط سياسي ودبلوماسي متصاعد، «لكنها لا تعني بالضرورة أن الانسحاب يمكن تحقيقه قريباً». وأوضح أن «الحركة» ما زالت «تمتلك قوة عسكرية على الأرض، وتستفيد من تعقيدات المشهد الإقليمي، وضعف سلطة الدولة في بعض المناطق؛ مما يجعل استجابتها للضغوط وحدها أمراً غير مضمون».

وأضاف: «كما أن تجارب سابقة أظهرت أن بيانات الإدانة والمطالب الدولية لا تتحول سريعاً إلى واقع ميداني ما لم تُدعم بآليات تنفيذ واضحة، مثل عقوبات فعالة، أو ضغط إقليمي من الدول المؤثرة، أو تقدم حقيقي في المسارات التفاوضية».

في المقابل؛ قد يصبح الانسحاب ممكناً، وفق صالح إسحاق عيسى، «إذا ترافقت هذه المطالب مع تحرك منسق من (الاتحاد الأفريقي)، ومع ضمانات أمنية وسياسية تعالج دوافع الحركة، إضافة إلى تعزيز قدرات الدولة الكونغولية على بسط سيطرتها بعد أي انسحاب؛ لتفادي فراغ أمني». لذلك؛ «يبقى تحقيق الانسحاب القريب مرتبطاً بمدى جدية المجتمعَين الدولي والإقليمي في الانتقال من المطالبة إلى الفعل، وبإيجاد تسوية أوسع تعالج جذور الصراع»؛ وفق ما خلص إليه عيسى، وسط تفاقم الأزمة بشرق الكونغو.


ليبيا: «مفوضية الانتخابات» لإعلان نتائج المرحلة الثالثة من استحقاق البلديات

صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)
صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)
TT

ليبيا: «مفوضية الانتخابات» لإعلان نتائج المرحلة الثالثة من استحقاق البلديات

صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)
صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)

تستعد المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا لإعلان نتائج المرحلة الثالثة من انتخابات المجالس البلدية التي أُجريت مؤخراً في مدن شرق البلاد وجنوبها.

وأعلنت المفوضية في بيان، الأحد، أن مركزها للعدّ والإحصاء استكمل إدخال جميع بيانات استمارات النتائج الواردة من المكاتب الانتخابية، في إطار الإجراءات الفنية المعتمدة و«وفق أعلى معايير الدقة والمراجعة»، مشيرة إلى أن «العمل حالياً متوقف عند انتظار أحكام القضاء المختص بشأن الطعون المقدمة؛ التزاماً بمبدأ سيادة القانون، وضماناً لنزاهة وشفافية العملية الانتخابية».

ونفت المفوضية ما جرى تداوله بشأن صدور النتائج الأولية لهذه الانتخابات، مؤكدة أن الإعلان عن أي نتائج سيتم فقط عبر القنوات الرسمية للمفوضية، وبعد استكمال جميع المراحل القانونية والإجرائية، مجددة «التزامها بإطلاع الجميع على أي مستجدات في حينها وبكل شفافية».

وتنتظر المفوضية أحكام المحاكم المختصة في 7 طعون بالبلديات التي أجريت بها عملية الاقتراع السبت الماضي؛ لإعلان النتائج الأولية.

من جهة أخرى، أدانت لجنة متابعة الأجهزة الرقابية بمجلس النواب بشرق ليبيا، الهجوم الذي استهدف مقر «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» في مدينة جنزور بالعاصمة طرابلس، وعدّته «اعتداءً خطيراً على مؤسسات الدولة، ومحاولة لإفشال جهود مكافحة الفساد وتقويض ثقة المواطنين».

وطالبت اللجنة، في بيان مساء السبت، بفتح تحقيق عاجل وشفاف لملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة، مع اتخاذ إجراءات لحماية المؤسسات الرقابية، مؤكدة تضامنها الكامل مع العاملين بالهيئة، واستمرار دعمها لمسار الإصلاح وبناء دولة القانون.

وكان مقر هيئة مكافحة الفساد في جنزور بغرب ليبيا، تعرض لهجوم الأسبوع الماضي، أدى إلى أضرار مادية دون إصابات بشرية، وسط تعهدات بتحقيق سريع وإدانات رسمية؛ باعتباره استهدافاً مباشراً لمؤسسة رقابية معنية بحماية المال العام.

وفي شأن يتعلق بالأرصدة الليبية المجمدة في الخارج، قال رئيس لجنة التحقق من الأموال الليبية المجمّدة بالخارج بمجلس النواب، يوسف العقوري، إنه «يتابع باهتمام بالغ، إحاطة مجلس الأمن الدولي التي عُقدت الجمعة، وذلك في إطار متابعة ملف الأموال الليبية المجمّدة في الخارج، وما يحيط به من تجاوزات خطيرة».

ونقل العقوري مساء السبت، عن السفير عمار بن جمعة، المندوب الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، قوله إن «الأرصدة المالية الليبية المجمّدة تتعرض للتآكل وسوء الاستخدام من قبل بعض المؤسسات المالية الأجنبية المودعة لديها، في خرق واضح للقانون الدولي وللقرارات الأممية ذات الصلة».

وقال العقوري إن السفير الجزائري، طالب باسم بلاده وباسم المجموعة الأفريقية، «بضرورة إجراء عملية محاسبة شاملة وشفافة، ومساءلة الجهات المسؤولة عن هذه الانتهاكات، مع إلزامها بتعويض الدولة الليبية عن أي خسائر لحقت بهذه الأرصدة».

ورحب العقوري بـ«الدعم الدولي لموقف ليبيا الذي يطالب بتدقيق مالي لجميع الأرصدة، وتعويضها عن أي مخالفات بشأنها»، وأضاف أن «أي تلاعب أو سوء إدارة لهذه الأرصدة، يُعدّ اعتداءً مباشراً على السيادة الليبية وحقوق الأجيال القادمة».

وانتهى إلى أن اللجنة «لن تتهاون في هذا الملف، وستتخذ كل الإجراءات البرلمانية والقانونية والدولية اللازمة لملاحقة المتسببين، وضمان حماية الأموال الليبية واسترداد حقوق الدولة كاملة بالتنسيق الكامل مع الدول الصديقة الأعضاء في مجلس الأمن».