حل لغز «البكتيريا النائمة» يُحصن البشر من أخطارها

باحثون اكتشفوا سر نشاطها بعد فترة خمول

حل لغز «البكتيريا النائمة» يُحصن البشر من أخطارها
TT
20

حل لغز «البكتيريا النائمة» يُحصن البشر من أخطارها

حل لغز «البكتيريا النائمة» يُحصن البشر من أخطارها

نجح باحثون أميركيون في حل لغز كيفية عودة نشاط البكتيريا الخاملة، مثل الجمرة الخبيثة، والمطثية العسيرة التي تسبب الإسهال والتهاب القولون، وهو ما قد يساعد في تصميم طرق لمنعها من البقاء كامنة لأشهر، حتى سنوات، قبل الاستيقاظ مرة أخرى والتسبب في تفشي المرض.

بكتيريا نائمة

ومنذ وصف علماء الأحياء الجراثيم البكتيرية، وهي البكتيريا النائمة الخاملة، لأول مرة منذ أكثر من 150 عاماً، كانوا مشغولين بكيفية عودتها للحياة من جديد، وهو اللغز الذي نجح الباحثون في كلية الطب بجامعة هارفارد الأميركية في حله، عبر اكتشاف نوع جديد من أجهزة الاستشعار الخلوية التي تسمح للجراثيم باكتشاف وجود العناصر الغذائية في بيئتها، بما يساعدها على العودة إلى الحياة.

وخلال الدراسة المنشورة في 28 أبريل (نيسان) الماضي، في مجلة «ساينس»، وصف الباحثون بالتفصيل آلية الاستيقاظ التي تعتمد على مستشعرات اكتشاف العناصر الغذائية، وقالوا إن هذه المستشعرات تتضاعف كقنوات عبر الغشاء وتبقى مغلقة أثناء السكون، ولكنها تنفتح بسرعة عندما تكتشف العناصر الغذائية، وبمجرد فتح القنوات، تسمح للأيونات المشحونة كهربائياً بالتدفق عبر غشاء الخلية، ما يؤدي إلى تشغيل عمليات التمثيل الغذائي بعد سنوات، حتى قرون، من السكون.

ويقول كبير مؤلفي الدراسة، ديفيد رودنر، أستاذ علم الأحياء الدقيقة بجامعة هارفارد: «الاكتشاف يحل لغزاً مضى عليه أكثر من قرن، وهو كيف تشعر البكتيريا بالتغيرات في بيئتها، وتتخذ الإجراءات اللازمة للخروج من السكون عندما تكون أنظمتها مغلقة تماماً داخل غلاف واقٍ؟».

وللبقاء على قيد الحياة في الظروف البيئية المعاكسة، تدخل بعض البكتيريا في حالة سكون وتصبح جراثيم، مع تعليق العمليات البيولوجية وطبقات من الدروع الواقية حول الخلية، وتسمح هذه الحصون الصغيرة الخاملة بيولوجياً للبكتيريا بالانتظار لفترات المجاعة وحماية نفسها من ويلات الحرارة الشديدة ونوبات الجفاف والأشعة فوق البنفسجية والمواد الكيميائية القاسية والمضادات الحيوية.

ولأكثر من قرن من الزمان، عرف العلماء أنه عندما تكتشف الجراثيم العناصر الغذائية في بيئتها، فإنها تتخلص بسرعة من طبقاتها الواقية وتعيد إشعال محركاتها الأيضية (محركات التمثيل الغذائي)، رغم أن المستشعر الذي يمكّنهم من اكتشاف العناصر الغذائية تم اكتشافه منذ ما يقرب من 50 عاماً، فإن وسائل إيصال إشارة الاستيقاظ، وكيفية تحفيز هذه الإشارة لإحياء البكتيريا ظلت لغزاً.

في معظم الحالات، تعتمد الإشارة على النشاط الأيضي، وغالباً ما تتضمن الجينات التي تشفر البروتينات لتكوين جزيئات إشارات محددة. ومع ذلك، يتم إغلاق جميع هذه العمليات داخل بكتيريا نائمة، ما يثير التساؤل حول كيفية تحفيز الإشارة للبكتيريا النائمة على الاستيقاظ.

يقظة ضارة

في هذه الدراسة، اكتشف رودنر وفريقه أن مستشعر المغذيات نفسه يتجمع في قناة تفتح الخلية احتياطياً للعمل. واستجابة للعناصر الغذائية، يتم فتح القناة، وهي قناة غشاء، ما يسمح للأيونات بالهروب من داخل البكتيريا غير النشطة، وتبدأ سلسلة من ردود الفعل التي تسمح للخلية النائمة بإلقاء درعها الواقي واستئناف النمو.

واستخدم العلماء طرقاً متعددة لمتابعة تقلبات وتحولات اللغز، وقاموا بنشر أدوات ذكاء صناعي للتنبؤ ببنية مجمع أجهزة الاستشعار المطوية بشكل معقد، وهي بنية مكونة من 5 نسخ من نفس بروتين المستشعر، وقاموا بتطبيق التعلم الآلي لتحديد التفاعلات بين الوحدات الفرعية التي تشكل القناة، كما استخدموا تقنيات تعديل الجينات لحثّ البكتيريا على إنتاج مستشعرات متحولة كطريقة لاختبار كيفية أداء التنبؤات المستندة إلى الكومبيوتر في الخلايا الحية.

يقول رودنر: «فهم كيفية عودة البكتيريا النائمة إلى الحياة ليس مجرد لغز محير فكرياً، لكنه لغز له آثار مهمة على صحة الإنسان، إذ إن عدداً من البكتيريا القادرة على الدخول في سبات عميق لفترات من الزمن هي عوامل خطرة، بل مميتة، مثل الجمرة الخبيثة».

ومن مسببات الأمراض الخطيرة الأخرى التي تدخل في سبات هي المطثية العسيرة، التي تسبب الإسهال والتهاب القولون الذي يهدد الحياة، ويحدث المرض الناتج عن المطثية العسيرة عادة بعد استخدام المضادات الحيوية التي تقتل كثيراً من البكتيريا المعوية، لكنها غير مجدية ضد الجراثيم الخاملة، وبعد العلاج، تستيقظ المطثية العسيرة من السكون ويمكن أن تزدهر، وتسبب غالباً عواقب وخيمة.

ويضيف: «فهم كيفية شعور الجراثيم بالمغذيات والخروج السريع من السكون يمكن أن يساعد الباحثين على تطوير طرق لإبقائها محاصرة داخل قشرتها الواقية، وغير قادرة على النمو والتكاثر وإفساد الطعام أو التسبب في المرض».

حل لغز عودة البكتيريا الخاملة إلى الحياة


مقالات ذات صلة

6 علامات تحذيرية بشأن النوم تخفي مشكلات وخيمة على صحتك الجسدية والعقلية

صحتك 6 علامات رئيسية تُنبئ بضرورة استشارة طبيبك بشأن نومك (رويترز)

6 علامات تحذيرية بشأن النوم تخفي مشكلات وخيمة على صحتك الجسدية والعقلية

أصبح من المعلوم أن الحصول على قسط كافٍ من النوم ضروري لتحسين صحة الإنسان، ومع ذلك، يعاني ملايين الأشخاص من أجل الحصول على الفترة الكافية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك طبيب ينظر إلى فحوصات التصوير المقطعي للدماغ في معهد بانر لألزهايمر في فينيكس (أ.ب)

5 إجراءات للوقاية من الاكتئاب والخرف والسكتة الدماغية

أكدت دراسة جديدة أن ما لا يقل عن 60 في المائة من حالات السكتة الدماغية، و40 في المائة من حالات الخرف، و35 في المائة من حالات الاكتئاب يمكن التصدي لها

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
رياضة عربية في السنوات الأخيرة شهد عالم الرياضة واللياقة البدنية تصاعداً لافتاً في شعبية رياضة البيلاتس (الشرق الأوسط)

ثورة البيلاتس: كيف غزت «الريفورمر» عالم اللياقة؟

في السنوات الأخيرة، شهد عالم الرياضة واللياقة البدنية تصاعداً لافتاً في شعبية رياضة البيلاتس، وتحديداً «بيلاتس ريفورمر»، التي تحوّلت من ممارسة علاجية إلى نمط حي

فاتن أبي فرج (بيروت )
صحتك سرطان القولون والمستقيم كان يُعتقد أنه يصيب الناس في مرحلة متقدمة من العمر ولكنه الآن يزداد بين الشباب (رويترز)

الارتفاع في سرطان القولون بين الشباب قد يكون مرتبطاً بالطفولة... ما العلاقة؟

تشير دراسة جديدة رائدة إلى أن بكتيريا تعيش في الأمعاء قد تكون وراء الارتفاع الأخير في حالات سرطان القولون والمستقيم المبكر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك الأشخاص المصابون بمتلازمة التمثيل الغذائي كانوا أكثر عرضة للإصابة بالخرف في سن مبكرة بنسبة 24 % (رويترز)

متلازمة التمثيل الغذائي تزيد خطر الإصابة بالخرف المبكر... كيف تحمي نفسك؟

كشفت دراسة جديدة أن كيفية إدارة مجموعة من الحالات الصحية المعروفة باسم متلازمة التمثيل الغذائي لها تأثير كبير على احتمال إصابتك بالخرف في سن مبكرة.

«الشرق الأوسط» (سيول)

شرائح الخشب لتصفية البكتيريا والبلاستيك الميكروي من الماء

شرائح الخشب لتصفية البكتيريا والبلاستيك الميكروي من الماء
TT
20

شرائح الخشب لتصفية البكتيريا والبلاستيك الميكروي من الماء

شرائح الخشب لتصفية البكتيريا والبلاستيك الميكروي من الماء

يمكن لشرائح الخشب أن تعمل مرشحات مياه لتزيل البكتيريا وجسيمات البلاستيك الميكروية (الميكرون - 1 من الألف من الملليمتر) بكفاءة تزيد على 99 في المائة، كما كتب ماثيو سباركس (*)

وسيلة رخيصة

وكانت أبحاث سابقة دققت في طرق أكثر تعقيداً لصنع مرشحات خشبية تتضمن معالجات كيميائية معقدة، لكن هذه الطرق غير عملية في البلدان منخفضة الدخل، حيث تتسبب الأمراض المنقولة بالمياه في مئات الآلاف من الوفيات سنوياً، وفقاً لأنطوني سانشيز فيرير وجينيفر غيريرو بارا من الجامعة التقنية في ميونيخ.

ولجعل مرشحات المياه أكثر سهولة في الاستخدام؛ اختبر الباحثون أقراصاً خشبية قطرها 5 سنتيمترات وسمكها ملليمتر واحد. كوانت الأقراص فعالة في إزالة الجسيمات التي يبلغ عرضها نحو 100 نانومتر فأكثر - وهو ما يكفي لالتقاط الكثير من اللدائن الدقيقة والبكتيريا مثل الإشريكية القولونية، كما جاء في الدراسة المنشورة في مجلة «علوم وتكنولوجيا الخشب»، (doi.org/phj2).

وبينما يمكن لبعض الملوثات الأصغر حجماً، مثل الفيروسات، أن تظل قادرة على المرور، فإن المرشحات الخشبية لا تزال قادرة على إنقاذ أرواح كثيرة، كما يقول الباحثون.

أوعية الخشب لترشيح الملوثات

يتكون الخشب من أوعية من نسيج الخشب، تنقل الماء من جذور الأشجار إلى أوراقها. يبلغ طول كل وعاء ملليمترات أو سنتيمترات فقط، لكن الماء يمكن أن ينتقل إلى الأوعية المجاورة من خلال ثقوب صغيرة في جدرانه تُسمى الحفر. ويقول سانشيز فيرير إن هذه الحفر هي التي تسمح للخشب بالعمل مرشحاً. ويضيف: «لدى الخشب هذا النوع من الشبكة، التي تعمل بشكل طبيعي كغربال».

أفضل أخشاب الأشجار

اختبر الباحثون شرائح من شجر الحور الأصفر (Liriodendron tulipifera)، والزان الأوروبي (Fagus sylvatica)، والتنوب دوغلاس (Pseudotsuga menziesii)، والتنوب الفضي (Abies alba). وكان اثنان منهما رائدين بوضوح: إذ أزال الزان الأوروبي ما بين 99.7 و99.9 في المائة من الجسيمات النانوية، بينما أزال التنوب الفضي ما بين 99.3 و99.7 في المائة. لكن الماء كان يتدفق أسرع عبر خشب الزان؛ لذا كان الخيار المفضل للباحثين.

* مجلة «نيو ساينتست» - خدمات «تريبيون ميديا»