الأحزاب اللبنانية مستعدة للانتخابات المحلية

شكوك حول إجرائها في موعدها بسبب حاجتها للتمويل

وزير الداخلية حدد موعد الانتخابات البلدية مايو المقبل (الوكالة المركزية)
وزير الداخلية حدد موعد الانتخابات البلدية مايو المقبل (الوكالة المركزية)
TT

الأحزاب اللبنانية مستعدة للانتخابات المحلية

وزير الداخلية حدد موعد الانتخابات البلدية مايو المقبل (الوكالة المركزية)
وزير الداخلية حدد موعد الانتخابات البلدية مايو المقبل (الوكالة المركزية)

رغم توقيع وزير الداخلية والبلديات اللبناني بسام مولوي قبل نحو أسبوع قرار فتح باب الترشيحات إلى الانتخابات البلديّة والاختياريّة، لا يزال كثيرون يشككون في إجراء هذه الانتخابات التي تم أصلاً تأجيلها العام الماضي، خاصة أنه حتى الساعة لم يتحدد مصدر تمويلها في ظل تقاذف المسؤولية في هذا الملف بين مجلس النواب والحكومة.
صحيح أن معظم الأحزاب تؤكد علناً تمسكها بإجراء الاستحقاق في موعده احتراماً للمهل الدستورية، إلا أن بعضها بات يستعد لتأمين نصاب جلسة تشريعية يتم تخصيصها حصراً لتمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية.
وتُجمع الأحزاب الكبيرة والمعنيون بالشأن الانتخابي على أن هذه الانتخابات بعكس تلك التشريعية والنقابية، ويغلب عليها الطابع العائلي والمناطقي ما خلا المدن والبلدات الكبيرة.
وبدأ القسم الأكبر من الأحزاب الاستعداد جدياً لهذا الاستحقاق منذ نحو شهر. ويؤكد النائب عن «التيار الوطني الحر» أسعد درغام أنهم يعملون على أساس أن الانتخابات حاصلة في موعدها و«نحن جاهزون لخوضها». ولفت درغام في تصريح إلى «الشرق الأوسط» إلى أن «المعارك البلدية - الاختيارية بمعظمها مناطقية - عائلية، وهي في المدن الكبيرة حصراً قد تتخذ طابعاً سياسياً معيناً». ويضيف: «في عكار مثلاً التيار قد يكون موجوداً على أكثر من لائحة لأن المعارك عائلية بمعظمها، ما يُرجح أن تُترك الحرية للناخبين بالتصويت للائحة التي يفضلونها».
ورغم الاستعدادات الحزبية العونية الناشطة، يشدد درغام على وجوب أن «نكون واقعيين بعيدين عن الشعبوية، فلا إمكانيات مالية - لوجيستية - تقنية لإجراء الانتخابات ما لم يحصل تغيير جذري... فالمعطيات الراهنة لا توحي بأن الانتخابات حاصلة في موعدها»، موضحاً أن «تكتل التغيير والإصلاح» سيدرس ما إذا كان سيشارك في جلسة نيابية للتمديد للمجالس البلدية والاختيارية «إذا وجد أن هناك استحالة لإنجاز الاستحقاق لأنه لا يمكن أن نقبل بشل البلد من دون بلديات ومخاتير. لكن القرار النهائي يعود للتكتل».
أما من جهة «القوات اللبنانية»، فيشير رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات اللبنانية» شارل جبور إلى أن «الجهوزية دائماً موجودة لدى (القوات) لخوض الاستحقاقات كافة، وما يحصل قبيل كل استحقاق هو تزخيم الماكينات لأننا موجودون بشكل دائم في المناطق والبلدات وفي تواصل مستمر لا ينقطع مع الناس»، موضحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الانتخابات بالنسبة لـ(القوات) تبدأ عند إقفال صناديق الاقتراع».
ويضيف: «لا شك أن الانتخابات البلدية في نهاية المطاف تختلف عن النيابية والطلابية والنقابية، فهي تتخذ في معظم المناطق طابعاً عائلياً، وبقدر ما تكبر البلدة بقدر ما يصبح منسوب التسييس أكبر، وبقدر ما تصغر يكبر العامل العائلي». ويرى جبور أن «هناك أحزاباً، وبخاصة تلك الموالية، لا مصلحة لها بحصول الانتخابات بعد الانهيار الحاصل. فمثلاً (أمل) و(حزب الله) يستطيعان ضبط إيقاع حركتهما ضمن مشروع انتخابي نيابي، ولكن عند كل انتخابات بلدية نرى تناقضاً ومواجهات داخل البلدات والقوى حيث يوجدان».
وهنا تؤكد مصادر «الثنائي الشيعي» (أي أمل وحزب الله) أن «العمل الفعلي للانتخابات البلدية والاختيارية بدأ في شهر مارس (آذار)، وإن كان لدى الحزب بعكس الحركة ماكينات تعمل على مدار العام أما (أمل) فتقوم بتشكيل لجان قبيل كل استحقاق». وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «في عام 2004 شهدت الانتخابات البلدية منافسة كبيرة بين (حزب الله) و(أمل). فتقرر عام 2010 التفاهم على خوض الاستحقاق على لوائح موحدة على أساس تثبيت نتائج انتخابات 2004 وهذا مستمر حتى اليوم».
ولا ينفك الحزب «التقدمي الاشتراكي» يؤكد تمسكه بـ«إجراء الانتخابات البلدية بمواعيدها دون التذرع بأي سبب كان مالياً أو غير مالي»، وتوضح مصادره أن «موقف الحزب الثابت هو انتظام العمل بكل المؤسسات بدءاً برئاسة الجمهورية وصولاً لآخر بلدية ومختار». وتشير المصادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هذه الانتخابات لا تُخاض بالمعنى السياسي إلا في المدن والبلدات الكبرى، لكن في باقي المناطق يغلب عليها الطابع العائلي، لذلك سنكون كما العادة داعمين لتطلعات الناس في هذا الاستحقاق على قاعدة التنافس لإنماء البلدات، وسنشجع قدر الإمكان على إشراك الجيل الشاب بفاعلية في هذه الانتخابات».
وكما معظم الأحزاب بدأت المكاتب الكتائبية الموزعة في معظم المناطق اللبنانية العمل على الاستحقاق البلدي - الاختياري. وتشدد مصادر «الكتائب» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أنه «لا يجب إلغاء الانتخابات أو أي استحقاق دستوري آخر سواء أكان استحقاقاً يخدمنا حزبياً أم لا، فهناك مهل دستورية يفترض على الجميع احترامها»، مؤكدة «القدرة والجهوزية لخوض الانتخابات في كل المناطق والقرى، وإن كما نستشعر محاولات جدية بالسياسة لتأجيل الانتخابات».
وليس جديداً، بحسب الباحث في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، أن «تكون الانتخابات البلدية - الاختيارية ذا طابع عائلي، باعتبار أنه تاريخياً لطالما كان لهذا الاستحقاق خلفيات عائلية محلية مع عدد محدود من المناطق حيث لها طابع سياسي»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «لطالما تجنبت الأحزاب السياسية خوض هذه الانتخابات، باعتبار أنه إذا كان في بلدة معينة شعبية كبيرة لحزب ما، فإن يخوض مناصروه هذا الاستحقاق على لوائح متنافسة يجعل الحزب يتجنب دعم لائحة بوجه أخرى». ويضيف: «عام 1963 حصلت انتخابات وانتهت ولاية المجالس عام 1967، ورغم وجود انتظام عام بوقتها واستقرار سياسي تم تأجيل الاستحقاق حتى عام 1998». ويرى أنه كما في ذلك الوقت كذلك في المرحلة الراهنة تحاول الأحزاب الهروب من هذه الانتخابات باعتبارها غير مهيأة لها». ويقول: «حتى ولو لم تحصل انتخابات ولم يتم التمديد لتعذر عقد جلسة تشريعية فلا خوف من فراغ، إذ يمكن اللجوء ولو بعد حين للتمديد بمفعول رجعي وهناك سوابق في هذا المجال حين انتهت ولاية المجالس البلدية والاختيارية في مايو (أيار) 1967 وتم التمديد إلى يونيو (حزيران) 1969 وانتهت الولاية وصدر قانون بالتمديد في يوليو (تموز) 1971، أي استمرت بالعمل سنتين وشهراً من دون قانون».
وبحسب الشركة «الدولية للمعلومات» يبلغ عدد البلديات حالياً 1058.29، منها مستحدثة بعد عام 2016 و109 منحلات، فيما يصل عدد أعضاء المجالس البلدية إلى 12500.


مقالات ذات صلة

25 حزباً موريتانياً تتنافس في انتخابات «توافقية» سابقة لأوانها

العالم 25 حزباً موريتانياً تتنافس في انتخابات «توافقية» سابقة لأوانها

25 حزباً موريتانياً تتنافس في انتخابات «توافقية» سابقة لأوانها

انطلقت فجر أمس، الحملة الانتخابية للاستحقاقات التشريعية والجهوية والمحلية، التي تنظم بشكل متزامن في موريتانيا يوم 13 مايو (أيار) المقبل، والتي يتنافسُ فيها 25 حزباً سياسياً ضمن أكثر من ألفي لائحة انتخابية، لنيل ثقة 1.7 مليون ناخب موريتاني. وكان من المفترض أن تنظم الانتخابات في شهر أغسطس (آب) المقبل، لكن تم تعجيلها إلى شهر مايو، بموجب اتفاق سياسي بين أحزاب الموالاة والمعارضة، تفادياً لتنظيمها في موسم الأمطار، حيث تنتشر الفيضانات والعواصف، ما يمنع الوصول إلى مناطق نائية من البلد، وهو ما تسبب في مشاكل كبيرة خلال الانتخابات السابقة (2018). وبموجب الاتفاق السياسي نفسه الذي أشرفت عليه وزارة الداخلية

الشيخ محمد (نواكشوط)
العالم 25 حزباً موريتانياً تتنافس في انتخابات «توافقية» مبكرة

25 حزباً موريتانياً تتنافس في انتخابات «توافقية» مبكرة

انطلقت فجر اليوم (الجمعة) الحملة الانتخابية للاستحقاقات التشريعية والجهوية والمحلية، التي تنظم بشكل متزامن في موريتانيا يوم 13 مايو (أيار) المقبل، والتي يتنافسُ فيها 25 حزباً سياسياً ضمن أكثر من ألفي لائحة انتخابية، لنيل ثقة 1.7 مليون ناخب موريتاني. وكان من المفترض أن تنظم الانتخابات في شهر أغسطس (آب) المقبل، لكن جرى تعجيلها إلى شهر مايو، بموجب اتفاق سياسي بين أحزاب الموالاة والمعارضة، تفادياً لتنظيمها في موسم الأمطار، حين تكثر الفيضانات والعواصف، ما يمنع الوصول إلى مناطق نائية من البلاد، وهو ما تسبب في مشكلات كبيرة خلال الانتخابات السابقة (2018). وبموجب الاتفاق السياسي نفسه الذي أشرفت عليه وز

الشيخ محمد (نواكشوط)
العالم «تجمع الأحرار» المغربي يفوز بمقعد نيابي في انتخابات جزئية

«تجمع الأحرار» المغربي يفوز بمقعد نيابي في انتخابات جزئية

فاز حزب «التجمع الوطني للأحرار» المغربي، متزعم الائتلاف الحكومي، بمقعد نيابي جديد عقب الانتخابات الجزئية، التي أُجريت أمس بالدائرة الانتخابية في مدينة بني ملال، الواقعة جنوب شرقي الدار البيضاء. وحصل مرشح الحزب عبد الرحيم الشطبي على أعلى عدد من الأصوات، حسب النتائج التي أعلنت عنها السلطات مساء (الخميس)، حيث حصل على 17 ألفاً و536 صوتاً، في حين حصل مرشح حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض على 2972 صوتاً، بينما حل مرشح «الحركة الشعبية» في المرتبة الثالثة بـ2259. ويشغل الشطبي، الذي فاز بمقعد نيابي، منصب المنسق الجهوي لحزب التجمع الوطني للأحرار في جهة بني ملال - خنيفرة. وشهدت الانتخابات الجزئية مشاركة ضعي

«الشرق الأوسط» (الرباط)
العالم ما الدور المرتقب للقبائل الليبية في الانتخابات المُنتظرة؟

ما الدور المرتقب للقبائل الليبية في الانتخابات المُنتظرة؟

أعادت التحركات الجارية في ليبيا حالياً باتجاه السعي لإجراء الانتخابات العام الجاري، القبائل إلى دائرة الضوء، وسط توقع سياسيين بأنه سيكون لها دور في السباق المنتظر، إذا توفر التوافق المطلوب بين الأفرقاء، والذي تعمل عليه البعثة الأممية. ويرى سياسيون أن الاستحقاق المنتظر يعد بوابة للقبائل في عموم ليبيا، لاستعادة جزء من نفوذها الذي فقدته خلال السنوات الماضية على خلفية انخراطها في حسابات الصراع السياسي والعسكري.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم إردوغان يلغي أنشطته الانتخابية اليوم بسبب إنفلونزا المعدة

إردوغان يلغي أنشطته الانتخابية اليوم بسبب إنفلونزا المعدة

قطع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس (الثلاثاء)، مقابلة تلفزيونية مباشرة قبل أن يعود ويعتذر متحدثاً عن إصابته بإنفلونزا المعدة، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. ألقى الزعيم البالغ التاسعة والستين ثلاثة خطابات انتخابية، أمس، قبل انتخابات رئاسية وتشريعية في 14 مايو (أيار) تبدو نتائجها غير محسومة. وكان مقرراً أن يُنهي إردوغان الأمسية بمقابلة مباشرة مشتركة مع قناتي «Ulke» و«Kanal 7»، وقد بدأ ظهوره التلفزيوني بعد تأخير لأكثر من 90 دقيقة، ثم قطعه بعد عشر دقائق خلال طرح سؤال عليه. وعاد إردوغان بعد 15 دقيقة واعتذر قائلاً إنه أصيب بوعكة. وأوضح: «أمس واليوم كان هناك عمل كثير.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.