امتعاض مسيحي من دور فرنسا في ملف الرئاسة اللبنانية

اتهامات لباريس بدعم مرشح «حزب الله» وتكريس الأمر الواقع

TT

امتعاض مسيحي من دور فرنسا في ملف الرئاسة اللبنانية

تبدي الأحزاب المسيحية في لبنان امتعاضها من طريقة مقاربة فرنسا للملف الرئاسي، رغم أن باريس كانت تعتبر «الأم الحنون» بالنسبة إلى اللبنانيين عموماً، والمسيحيين خصوصاً، لكنها تظهر اليوم وكأنها داعمة لفريق دون آخر، وتحديداً لصالح «حزب الله» ومرشحه رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية. وهذا ما عبّرت عنه معظم الكتل النيابية المسيحية بشكل مباشر وغير مباشر، معتبرة أن دعم فرنجية يعني تكريساً لواقع سيطرة «حزب الله» على لبنان.
وفيما يبدو واضحاً أن دعم باريس لفرنجية، الذي استقبلته الأسبوع الماضي، يتعارض مع توجهات معظم الأحزاب المسيحية، وأبرزها حزب «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» وحزب «الكتائب اللبنانية»، فإن المشكلة تكمن أيضاً في أن هذا الدعم ينسجم مع توجهات «الثنائي الشيعي» (حزب الله، وحركة أمل) ويتجاهل ما تطمح وتسعى له القوى المعارضة للحزب.
وبعدما كان رئيس «القوات» سمير جعجع قد شنّ هجوماً مزدوجاً، وإن كان بشكل غير مباشر على فرنسا وفرنجية، خلال وجود الأخير في باريس وبعد عودته منها، عبر إعلانه رفض دخول «رئيس ممانع» إلى القصر الرئاسي، فإن النائب في «الكتائب» نديم الجميل كان مباشراً في رسالته إلى باريس، داعياً إياها إلى التخلي عن دور «السمسار». وقال الجميل، يوم أمس، في تغريدة له على «تويتر»: «للأسف في السنوات الأخيرة لم تر فرنسا في لبنان سوى مصالح وصفقات، من التنقيب (عن النفط) وصولاً إلى المرفأ والبريد، وذلك على حساب مصلحة اللبنانيين». وأضاف: «على فرنسا أن تعود إلى دورها الطبيعي، دور الداعمة والأم الحنون للبنان، لا لأزلام إيران، وأن تتخلى عن دور السمسار الذي لا يليق بها وبتاريخها».
ومع حرص مصدر مسؤول في «التيار الوطني الحر» على عدم التوجه بالانتقاد المباشر إلى فرنسا، يتحدث عن رفض ما يعتبره تدخلاً خارجياً في الملف اللبناني، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة إلى التيار، فإن الاستحقاق الرئاسي لبناني سيادي بامتياز، وكل تدخل خارجي يجب أن يكون بطلب من كل اللبنانيين»، ويضيف: «المجتمع الدولي ممثلاً بأي دولة يمكن أن يساعد لبنان عندما يتوصل اللبنانيون إلى اتفاق حول البرنامج الإصلاحي، لكن الدخول في تفاصيل هوية المرشح هو انتقاص للسيادة الوطنية».
وفيما يذكّر المصدر بورقة الأولويات الرئاسية التي وضعها «التيار» وبحث بشأنها مع معظم الكتل النيابية باستثناء «القوات» نتيجة رفضها هذا الأمر، يعتبر أن المواصفات التي أدرجت في هذه الورقة لا تنطبق على فرنجية، وتحديداً ما يتعلق بالسلوك والنهج، ويقول في الوقت عينه: «انطلاقاً من تجربتنا مع الرئيس ميشال عون، فإننا نؤكد على أهمية البحث في هوية المرشح، وأيضاً صورة العهد بأكملها، التي يجب أن تتضمن الرئيس ورئيس الحكومة وبرنامج الحكومة، وبالتالي فإن أي محاولة لإعادة المنظومة والعقلية نفسها ستؤدي بنا إلى الأزمات نفسها».
ولا تختلف وجهة نظر «القوات» عن تلك التي يقدمها «التيار» مع تأكيد مصادره بأنهم لا يقاربون الأمور من زاوية مسيحية، إنما من زاوية وطنية. ومن هنا، تقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «مأخذنا هو على أي دولة تريد تكريس الواقع القائم والانهيار لولاية جديدة، لذا ننظر بعين الخشية لتكريس أمر واقع فاسد ومسلح أدى بنا إلى ما وصلنا إليه، في وقت نثمن فيه دور المملكة العربية السعودية انطلاقاً من حرصها على تطبيق اتفاق الطائف، ورفضها استمرار الوضع القائم من خلال ممارسات فريق الممانعة الذي يؤدي إلى تعليق الدستور، ويمنع قيام الدولة الحقيقية».
وفيما تؤكد المصادر على أنه يفترض أن يكون اللبنانيون مولجين بأمورهم الداخلية، تقول: «نريد من المجتمع الدولي أن يتدخل في لبنان لتطبيق القرارات الدولية، انطلاقاً من المصلحة اللبنانية العليا، وارتباط لبنان كعضو مؤسس للجامعة العربية، وفي الأمم المتحدة».
وبدا لافتاً منذ زيارة فرنجية إلى باريس ولقائه مسؤولين فرنسيين، التصعيد في مواقف حزب «القوات»، ولا سيما رئيسه سمير جعجع، الذي أكد العمل على بذل كل الجهود لمنع أي مرشّح أو ممثل لمحور «الممانعة» من الوصول إلى سدّة الرئاسة، معتبراً أن «وصول أي مرشّح من محور الممانعة أياً يكن اسمه يعني استمرار الأزمة الحاليّة لفترة 6 سنوات إضافيّة بشكل أعمق وأصعب».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

تقرير: سفير أميركا لدى الأمم المتحدة يبدأ غداً جولة تشمل إسرائيل والأردن

السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
TT

تقرير: سفير أميركا لدى الأمم المتحدة يبدأ غداً جولة تشمل إسرائيل والأردن

السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)

أوردت وكالة «بلومبرغ» أن السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، سيبدأ، غداً (السبت)، جولة في الشرق الأوسط تستمر أربعة أيام تشمل إسرائيل والأردن.

وقالت الوكالة إن والتز سيلتقي أثناء زيارته لإسرائيل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس إسحاق هرتسوغ.

ويلتقي أثناء زيارته للأردن بالملك عبد الله الثاني ووزير الخارجية أيمن الصفدي لمناقشة دور الأردن في تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.


فرنسا: نظرة إيجابية إلى التحولات في سوريا رغم النواقص والصعوبات

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

فرنسا: نظرة إيجابية إلى التحولات في سوريا رغم النواقص والصعوبات

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)

في قراءتها للوضع في سوريا، بعد مرور عام على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وفراره إلى موسكو، تختار باريس المقاربة الإيجابية، رغم وجود تحفظات وعلامات استفهام حول مستقبل البلاد. هي تفضل قطعاً رؤية الكأس نصف الملآنة على الكأس نصف الفارغة. وتريد باريس أن تؤكد، بداية، أنها كانت سبّاقة في مواكبة الوضع في سوريا منذ الأيام الأولى؛ حيث أرسلت وفداً دبلوماسياً إلى سوريا بعد 9 أيام فقط على سقوط دمشق بأيدي فصائل المعارضة السابقة، فيما كان وزير خارجيتها، جان نويل بارو، أول من زار العاصمة السورية (مع نظيرته الألمانية) يوم 3 يناير (كانون الثاني). وكانت المحطة الثالثة في تحرك باريس باتجاه دمشق انعقاد مؤتمر لدعم سوريا في العاصمة الفرنسية بداية شهر فبراير (شباط).

تُوّج الحراك الدبلوماسي الفرنسي بزيارة الرئيس أحمد الشرع إلى باريس يوم 7 مايو (أيار)، وكان الرئيس إيمانويل ماكرون أول رئيس غربي يلتقيه الشرع. وخلاصة كل ذلك أن باريس «قررت الانخراط إلى جانب النظام الجديد في دمشق رغبة منها في التأثير عليه ودفع العملية الانتقالية في الاتجاه الصحيح المتلائم مع مصالح السوريين والمصالح الفرنسية الأمنية والإقليمية». وتشدد باريس على أهمية إضفاء نوع من الشرعية على الشرع من خلال استقباله في قصر الإليزيه ومناشدة ماكرون لرفع العقوبات التي كانت تخنق سوريا.

الأولويات الفرنسية في سوريا

بناءً على ما سبق، دارت الأولويات الفرنسية حول 4 محاور أولها المحور الأمني وأول مكوناته العمل على دفع سوريا إلى الانضمام إلى التحالف الدولي في الحرب ضد «داعش»، الأمر الذي تم رسمياً في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. والغرض من ذلك منع عودة الحركات والتنظيمات المتشددة. ويتوازى ذلك مع اهتمامين: التخلص من الأسلحة الكيماوية التي ما زالت تمتلكها سوريا ومحاربة إنتاج وتهريب المخدرات. ورغم أن هذا النشاط ما زال قائماً جزئياً، فإن باريس ترى أن السلطات السورية حققت «نتائج مهمة» في محاربته.

يتمثل المحور الثاني في دعم العملية الانتقالية، وأبرز معالمها تمسك باريس بأن تشمل جميع المكونات المجتمعية الإثنية والدينية، انطلاقاً من مبدأ قوامه أن الاستقرار «لا يمكن توافره إن لم يشعر كل مكوّن بالأمن ويتمتع بكامل الحقوق». وفي هذا السياق، تؤكد باريس أنها لعبت دوراً مهماً في التقريب بين «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المُشكَّلة في غالبيتها من الأكراد، وبين نظام الحكم في دمشق، وكان باكورة مساهمتها توقيع اتفاق مارس (آذار) الماضي الذي أُلحق باتفاق آخر نهاية الشهر الماضي. لكن باريس تعترف بأن «الوضع لم يسوَّ» كلياً بين الجانبين، رغم أنه تم تجنب وقوع اشتباكات واسعة بينهما. وتنظر باريس بكثير من الأسى، من جهة، لما حصل في شهر مارس الماضي من انتهاكات في منطقة الساحل العلوية، وما تبعها في يوليو (تموز) في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية. وفي الحالتين كان هناك دور لعناصر من السلطات السورية في هذه الأحداث التي أدانتها باريس وأكدت ضرورة محاسبة المسؤولين عنها انطلاقاً من مبدأ عدم الإفلات من العقاب.

متظاهرون في مدينة حماة الجمعة 5 ديسمبر بمناسبة الذكرى الأولى لسقوط نظام الرئيس بشار الأسد (رويترز)

ويندرج تحت المحور الأمني الانتهاكات المتلاحقة التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي السورية، وهي انتهاكات تدينها فرنسا. وأشارت المصادر الدبلوماسية إلى أن باريس دعمت الجهود الأميركية للتوصل إلى اتفاقات أمنية بين سوريا وإسرائيل، وأنها، لهذا الغرض، استضافت لقاءات متعددة جمعت وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بحضور المبعوث الأميركي توم برّاك. ولا تنسى باريس الدور الذي تقوم به لترسيم الحدود اللبنانية ــ السورية التي لم ترسّم منذ استقلال البلدين عن فرنسا في أربعينات القرن الماضي. يبقى أن باريس تشدد على أمرين إضافيين: الدعم الذي وفّرته للسكان إنسانياً وتربوياً واقتصادياً، من جهة، ومن جهة ثانية تفعيل التعاون الثقافي.

عقدة «المشاركة الجماعية»

رغم النظرة الإيجابية الإجمالية الفرنسية، فإن باريس لا تكتم قلقها سواء بشأن الأحداث الأمنية المتنقلة أو لصعوبة إعادة إطلاق الاقتصاد وعدم اكتمال عملية الانتقال السياسية. كذلك تتوقف باريس مطولاً عند عقدة «المشاركة الجماعية» لكل الأطراف في بنية الدولة السورية الجديدة وعلاقة المكوّنات ببعضها، وهي تنطلق من مبدأ تحديد «المعايير» الواجب الأخذ بها. وبرأيها أن الأخذ بالمعايير الأوروبية يبيّن بلا شك النواقص والعيوب وهذه كثيرة أكان بالنسبة لعلاقة المركز مع الأقليات أو بالنسبة للتعيينات في المراكز الحكومية والعسكرية أو بالنسبة لآلية الانتخاب النيابية والسلطات المعطاة للرئاسة أو لحضور المرأة أو لسيطرة السلطات على الأجهزة الأمنية وكذلك بالنسبة للعمل من أجل العدالة الانتقالية الضرورية.

ورغم ذلك كله تعتبر باريس أن العملية الانتقالية بكل شوائبها جاءت أقل درامية مما كان متوقعاً، وأن المخاوف من قيام «جمهورية إسلامية» لا تحترم الأقليات وحقوق المرأة ولا التوجهات الليبرالية لم تتحقق. والخلاصة التي كونتها باريس هي أنه يمكن النظر إلى الوضع السوري من مختلف الزوايا وهي نظرة تؤكد أن ثمة «أموراً إيجابية في العملية الانتقالية».

وتؤكد المصادر أن باريس على حوار متواصل مع السلطات السورية، بما في ذلك ما يخص استكمال أعضاء مجلس النواب والمقاعد المخصصة للنساء والدستور الانتقالي والعدالة الانتقالية وقانون الأحزاب... وكلها مسائل بالغة الأهمية في نظر فرنسا.

وتنظر باريس بقلق، بحسب المصادر الدبلوماسية، لما تقوم به إسرائيل في سوريا. وتؤكد المصادر أن موقف باريس «واضح ويقوم على دعوة إسرائيل لسحب قواتها من الأراضي التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد والعودة إلى خط فك الاشتباك لعام 1974». وتضيف المصادر أن باريس أعربت مراراً عن قلقها من التطورات الجارية وأن هناك مصادر قلق للطرفين يتعين التعامل معها. وتبدو باريس سعيدة بأن الملف السوري يحظى بنوع من الإجماع الدولي باعتبار أن «سوريا مستقرة تعد ضرورة للتوازنات الإقليمية والدولية». وتبدو باريس كذلك سعيدة بالانخراط الأميركي إلى جانب استقرار سوريا بما في ذلك ما تقوم به إسرائيل في هذا البلد والذي يهدد الحكومة السورية.


مسؤولون يرفضون التعليق على الغارة الأميركية التي قتلت عميلاً سرياً سورياً

آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

مسؤولون يرفضون التعليق على الغارة الأميركية التي قتلت عميلاً سرياً سورياً

آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

رفض ممثلو وزارتي الدفاع والداخلية السوريتين، ومبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا توم برّاك، الجمعة، التعليق على ما تردد من أنباء حول غارة شنتها قوات أميركية وجماعة سورية محلية، بهدف القبض على مسؤول في تنظيم «داعش»، وأسفرت عن مقتل خالد المسعود الذي كان يعمل في جمع معلومات استخباراتية بشكل سري عن المتطرفين، طبقاً لما قاله أفراد أسرته ومسؤولون سوريون لوكالة «أسوشيتد برس».

ووقَّعت الغارة في مدينة الضمير ، التي تقع شرق دمشق، في نحو الساعة الثالثة صباح يوم 19 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين استيقظ السكان على صوت آليات ثقيلة وطائرات.

وقال السكان إن القوات الأميركية نفذت الغارة بالتعاون مع «الجيش السوري الحر»، وهو فصيل معارض دربته الولايات المتحدة وكان قد حارب ضد الرئيس المخلوع بشار الأسد، ويتبع رسمياً الآن لوزارة الدفاع السورية.

وكان المسعود يتجسس على «داعش» منذ سنوات، بالنيابة عن فصائل مسلحة بقيادة الشرع ثم لصالح الحكومة المؤقتة التي تشكلت بعد سقوط الأسد قبل عام.

ولم يعلق أي من المسؤولين الحكوميين الأميركيين والسوريين على مقتل المسعود؛ ما يشير إلى عدم رغبة أي من الطرفين في أن يعرقل الحادث تحسين العلاقات بين الجانبين.