جاك لانغ: أنا أكثر رؤساء معهد العالم العربي شرعية

رغم تجاوزه الثمانين يطمح أن يتم اختياره للمرة الرابعة

مدير معهد العالم العربي جاك لانغ
مدير معهد العالم العربي جاك لانغ
TT

جاك لانغ: أنا أكثر رؤساء معهد العالم العربي شرعية

مدير معهد العالم العربي جاك لانغ
مدير معهد العالم العربي جاك لانغ

يشغل جاك لانغ وزير الثقافة الفرنسي السابق، منصب رئيس معهد العالم العربي منذ 2013، وهو يعد بذالك أكثر رؤساء هذه المؤسسة تعميراً، وبينما يتم الاستعداد لاختيار رئيس جديد، لم يخف الوزير السابق طموحه في الفوز بولاية رابعة، مذكراً بحصيلته «الإيجابية» وحبه للغة العربية، وعلاقته الجيدة بشخصيات من المشهد الثقافي العربي. الجديد هذه المرة هو المنافسة التي يواجهها، حيث تقدم عدة شخصيات سياسية ودبلوماسية لخلافته، من بينهم وزير الخارجية السابق والمقرب من الرئيس ماكرون، جان إيف لودريان. «الشرق الأوسط» التقته في مكتبه الذي يُطل على ضفاف نهر السين، ليشرح لنا الدوافع وراء ترشحه لولاية رابعة، فكان الحوار التالي:
> جاك لانغ، الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولند، كان قد عرض عليك منصباً في أسمى هيئات الدولة، وهو المجلس الاستشاري الأعلى، لكنك فضلت الإشراف على «معهد العالم العربي»، لماذا؟
- فعلاً لقد تشرفت بهذا العرض الذي خصّني به الرئيس السابق، خصوصاً أني أصلاً أستاذ قانون دولي، وكنت قد شاركت في السابق في مهمة مراجعة الدستور، لكني شكرته وقلت له لا أريد أن أحبس نفسي في قفص أي وظيفة مهما كانت سامية، بل أفضل العمل في الميدان. أحب التحديات والوضعيات الصعبة، وفي تلك الفترة كانت مؤسسة معهد العالم العربي تواجه مشكلات كثيرة، أهمها انعدام رؤية واضحة، وغياب المشروعات الكبيرة والأفكار الجديدة، والأزمات المادية، وبالنسبة لي كانت هذه كلها محفزات للمساهمة بخبرتي وزيراً للثقافة للنهوض بهذه المؤسسة، والسبب الأهم هو علاقتي القوية بمعهد العالم العربي، الذي كنت شاهداً على انطلاقه، وتابعت تطوره خطوة بخطوة.
> أنت على رأس هذه المؤسسة منذ عشر سنوات، ماذا تمثل بالنسبة لك، وما هي الحصيلة؟
- علاقتي بهذه المؤسسة لم تبدأ حين تسلمت مهامي رئيساً، بل قبل ذلك بسنوات حين عُينت وزيراً للثقافة في مايو (أيار) 1981. الكل يعلم أن هذه الفترة المعروفة بـ«المشروعات المعمارية الضخمة» شهدت تشييد صروح ثقافية كالهرم الزجاجي في متحف اللوفر، وأوبرا الباستيل، والمكتبة الوطنية الجديدة، ومركز بومبيدو، وغيرها كثير، ولكن قليلاً من يعلم بأن أول اقتراح تقدمت به للرئيس (ميتران) حين تسلمت مهامي تضمن إيجاد مقر لمعهد العالم العربي في قلب باريس، ثم قمت بإطلاق مسابقة للمعماريين الشباب لتصميم مبنى المعهد، فاز بها جون نوفيل وكان وقتها معمارياً مبتدئاً، وهو الآن أشهر من نار على علم، كما تعلمين، ولكل هذه الأسباب وغيرها أعدُّ نفسي أكثر رؤساء المعهد العربي شرعية.
> وهل يمكننا القول بأن الاهتمام بهذه المؤسسة يجد صّداه في علاقتك القوية بالعالم العربي؟
- تعلقي بهذه المؤسسّة هو أيضاً تعبير عن شغفي بكل مظاهر الثقافة العربية وتراثها، وقد حاولت من خلال تجربتي وزيراً للثقافة لسنوات أن أنقل للفرنسيين وللعالم جمال هذا التراث، والآن من خلال إشرافي على معهد العالم العربي. أذكر مثلاً أن أول شخصية قابلتها بعد حصولي على منصب وزير كان المخرج المصري الراحل يوسف شاهين، الذي كانت تربطني به علاقة صداقة واحترام، وأول ملف على مكتبي كوزير جديد كان دعم السينما العربية، حيث تّم تمويل عدة مشروعات ثنائية. وفي مايو 1989 وجهنا دعوة للرئيس الراحل عرفات لزيارة باريس. الزيارة لقيت معارضة من اليمين، حيث حاولت بعض الشخصيات مقاطعتها، وكانت وضعية شائكة بالنسبة لجميع الأطراف، فاقترحت أن يتم إجراء لقاء بين الرئيس الفلسطيني الراحل وشخصيات فرنسية من السياسة وعالم الثقافة في معهد العالم العربي، وكان وزير الخارجية رولان دوما متحمساً لهذه الفكرة، وقد تّم اللّقاء في ظروف جيدة. وأذكر أني قمت بعدها باصطحاب الرئيس عرفات إلى متحف اللوفر في زيارة تناقلتها وسائل الإعلام. وبالمناسبة سيتم تنظيم معرض خاص بالثقافة الفلسطينية قريباً يشرف عليه المثقف الفلسطيني إلياس صنبر.
> أعلنتم مؤخراً عن مشروعات جديدة قد تجعل من معهد العالم العربي قبلة جديدة للفن التشكيلي العربي، هل لنا من تفاصيل؟
- نحن بصّدد التحضير لمشروعات مهمة بمبلغ إجمالي يفوق الستة ملايين يورو على مدار ثلاث سنوات ستخصص لتوسيع متحف الفنون العربية. للتذكير نظمنا في السنوات الأخيرة عدة تظاهرات ناجحة كمعرض «الحج إلى مكّة»، الذي أقيم بالتعاون مع مكتبة الملك عبد العزيز العامة ومعرض «تراث سوريا والعراق»، أو «سيدات الطرب»، وحالياً «على طريق سمرقند»، إضافة إلى معرض «العُلا واحة العجائب في الجزيرة العربية»، وكان معرضاً مذهلاً حظي بإقبال كبير لدرجة أننا قررنا تمديده لأشهر عديدة. وقد يكون أهم أنجاز أعتبر نفسي فخوراً به هو ما حققناه للغة العربية بعد إنشاء شهادة الكفاءة الدولية «سيما»، وهي تعادل شهادة التوفيل الإنجليزية وسابقة من نوعها بالنسبة للّغة العربية في العالم بأسره، على أن مشروع المتحف الجديد في غاية الأهمية، لأنه سيمنح العالم أول وأهم مجموعة للفن التشكيلي العربي، فحالياً أكبر متحفين للفنون المعاصرة العربية هما متحف الشارقة بالإمارات ومتحف قطر، ونحن لا نتحدث عن متحف الفنون الإسلامية باللّوفر أو «البريتيش موزيوم» اللّذين يعرضان قطعاً تاريخية وأثرية تختلف طبعاً عن الفن التشكيلي.
> هل يمكن أن تحدثنا أكثر عن هذا المتحف الجديد؟
- متحف معهد العالم العربي موجود منذ مدة، لكننا سنقوم بتوسيعه، وتجديد البناء المشهدي بعد تلقينا هبة تقدر بـ1800 قطعة فنية من اللبناني كلود لومان، الذي خصّ هو وزوجته فرانس معهد العالم العربي بهذه الهبّة، مما سيرفع عدد مقتنيات المتحف إلى 3400 قطعة لفنانين عرب معروفين على الساحة العالمية منذ السنوات السبعين، أمثال الجزائري عبد الله بن عنتر واللبناني شفيق عبود والعراقي ضياء العزاوي واللبنانية إيتيل عدنان. سيشرف على هذا المتحف المديرة السابقة لمتحف مونتريال ناتالي بونديل، وطموحنا أن يصبح معهد العالم العربي مركزاً عالمياً للفنون التشكيلية العربية، وأن تكون لنا عدة فروع في العالم. الشّق الأول من عمليات توسيع المتحف تم تموليها من طرف جهات فرنسية، وقد تلقينا دعم الرئيس ماكرون ووزيرة الثقافة ريما عبد الملك، وأملنا ألا يبقى هذا المتحف بين جدران معهد العالم العربي، بل أن تتمكن مؤسسات عربية من الاستفادة من مجموعاته الفنية أيضاً في إطار عمليات إعارة وتبادل. هذه الأيام مثلاً نستعد لعرض مقتنيات متحفنا في الرباط بمتحف محمد الخامس، كما أننا في محادثات مع شركائنا السعوديين للبحث في مشروع إعارة أكثر من ألف قطعة فنية من مجموعات المعهد للمشاركة في فعاليات افتتاح معرض الفن المعاصر الجديد في الرياض. كل هذه المشروعات تجعلني أتحمس للعمل على مواصلة نشاطي على رأس هذه المؤسسة العريقة.
> كيف يتم تمويل مشروعات معهد العالم العربي؟
- اليوم جّل التمويلات التي تصلّنا هي فرنسية المصدر، سواء وزارة الخارجية (12 مليون سنوياً) أو وزارة الثقافة، ولم تعد الدول العربية تساهم مادياً إلا في مناسبات نادرة؛ حيث حصلنا مثلاً على دعم من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية في إطار برامج تعليم اللغة العربية في فرنسا، وبالمناسبة تربطنا بالسلطات السعودية علاقات طيبة للغاية، وقد كنت قد تعرفت على مشروع «العلا» منذ أكثر من اثنتي عشرة سنة حين كان في بداياته، وأعربت حينها عن إعجابي بالمشروع، وبعد سنوات طُلب مني المشاركة في المجلس الاستشاري، وقد سعدت بهذه الدعوة، وما زلت أذكر كلمات ولي العهد بمناسبة حفل أقيم بهذه المنطقة؛ حيث شكرني على دعمي، وأؤكد هنا بأني معجب بالتطور المذهل والسريع الذي يشهده هذا البلد وبكل مظاهر الثقافة التقليدية والمعاصرة وفنانيها الموهوبين المتألقين، وأنا أزور هذا البلد كل سنة، وألاحظ بعيني الثورة الثقافية الحاصلة الآن في كل الميادين. وبالمناسبة هناك مشروع تعاون كبير بين مهرجان البحر الأحمر ومعهد العالم العربي من أجل تنظيم مهرجان كبير لإحياء السينما العربية سينظم في شهر يونيو (حزيران) المقبل.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

3 مخرجات في لحظة سينمائية نادرة... «البحر الأحمر» يجمع بينوش وأمين ودعيبس

جولييت بينوش تتوسَّط شهد أمين وشيرين دعيبس (المهرجان)
جولييت بينوش تتوسَّط شهد أمين وشيرين دعيبس (المهرجان)
TT

3 مخرجات في لحظة سينمائية نادرة... «البحر الأحمر» يجمع بينوش وأمين ودعيبس

جولييت بينوش تتوسَّط شهد أمين وشيرين دعيبس (المهرجان)
جولييت بينوش تتوسَّط شهد أمين وشيرين دعيبس (المهرجان)

في لحظة نادرة، تجمع بين التجربة العالمية ونهضة السينما العربية، التقت في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» 3 سينمائيات، لكل منهن علاقة مباشرة مع «الأوسكار»، وهن: الممثلة الفرنسية الحائزة «الأوسكار» جولييت بينوش، التي تُعدّ من أبرز الوجوه في السينما الأوروبية، والمخرجة السعودية شهد أمين التي يُمثّل فيلمها «هجرة» السعودية في سباق «الأوسكار»، والمخرجة الفلسطينية - الأميركية شيرين دعيبس التي يُنافس فيلمها «اللي باقي منك» باسم الأردن في «الأوسكار».

جاء ذلك ضمن الجلسة الحوارية لبرنامج «نساء في الحركة»، الذي وُلد من مهرجان «كان» عام 2015 بكونه نافذة تطلّ منها النساء على النقاش العالمي حول الصورة، وصولاً إلى مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، إذ يحضر البرنامج للمرّة الأولى، ويحتفي بمرور عقد عليه، في جلسة حوارية جمعت النجمات الثلاث اللواتي ينتمين إلى خلفيات وثقافات وتجارب متباينة، لكن جمعتهن الأسئلة: كيف تُكتب الذاكرة؟ وكيف تتشكّل هوية المرأة في السينما؟ وكيف تستعيد السينما صوتها الإنساني وسط عالم يتغيَّر بسرعة؟

من التمثيل إلى الإخراج

وشكَّل انتقال الممثلة الفرنسية جولييت بينوش من التمثيل إلى الإخراج محوراً أساسياً في حديثها، خصوصاً عن الصعوبة الكامنة في «إخراج نفسها» داخل الفيلم.

تقول جولييت بينوش: «الممثل لا يستطيع أن يفصل نفسه عن الإخراج. العالمان متداخلان بشكل طبيعي»، مضيفة أنّ أداءها لم يكن خاضعاً لعملية توجيه ذاتي بقدر ما كان «محاولة لترك الحقيقة تمر عبر الجسد».

وتوقَّفت عند سؤال «الحقيقة في الصورة»، مشيرةً إلى أنّ لحظة نسيان المُتفرّج بأنّ ما يشاهده مجرّد صورة هي قلب التجربة السينمائية، وتتابع: «الحقيقة تنتمي إلى الإنسان. عندما تدخل الصورة في داخلك وتنسى أنها مصنوعة، عندها فقط تبدأ السينما».

المخرجة السعودية شهد أمين خلال الجلسة (المهرجان)

شهد أمين... الغرابة السينمائية

من ناحيتها، تناولت المخرجة السعودية شهد أمين فيلمها «هجرة» بإسهاب، وهو فيلم ينسج علاقته بين 3 أجيال نسائية. وقدَّمت مداخلة صريحة وحيوية، بدأت بسرد علاقتها بـ«غرابة أعمالها». قائلةً: «كل مرة أكتب فيلماً أقول إنّ الجميع سيحبه، ثم أصنعه، ويخرج غريباً جداً!».

وأضافت بابتسامة لا تخفي صدقها: «أقول لنفسي: (أرجوكِ اصنعي فيلماً طبيعياً)، لكن النهاية تكون دائماً لفيلم لا يُشبه أي فيلم آخر». وترى أمين أنّ هذا الاختلاف ليس هدفاً، بل نتيجة طبيعية لخياراتها الشخصية.

وبسؤالها عن دورها في إخراج المرأة السعودية من القوالب النمطية، تُجيب: «أنا لا أصنع أفلاماً لإثبات شيء عن المرأة السعودية أو لتغيير صورة ما، هذا ليس هدفي. أكبر خطأ يمكن أن أرتكبه هو أن أفرض أفكاري على الفيلم».

وعند سؤالها عن حضور الأجيال الثلاثة في فيلم «هجرة»، أجابت بتأمّل عميق: «كلّ ما نحن عليه اليوم صنعته أمّهاتنا وجداتنا. لا يمكن فَهْم الحاضر من دون العودة إلى الخلف».

أما عن المشهد السينمائي في السعودية اليوم، فرأت أنه يشهد واحدة من أسرع المراحل تطوراً على مستوى العالم، مضيفةً: «السعودية مكان ممتع لصناعة الأفلام. كلّ شيء جديد، وكلّ شيء يبدأ من الصفر. هناك مساحة لكلّ صوت».

كما حذّرت المخرجين الجدد من محاولة تقليد النموذج الأميركي: «لا حاجة لتكرار أحد... كن نفسك... كن غريباً إن أردت... ربما يجد أحدهم نفسه في هذا الغريب».

المخرجة شيرين دعيبس وتقاطعات الذاكرة والهوية (المهرجان)

شيرين دعيبس... صناعة الذاكرة

المحطة الثالثة حملت صوت المخرجة الفلسطينية - الأميركية شيرين دعيبس، التي تُشارك في المهرجان بفيلم «اللي باقي منك»، الذي يتناول أحداث فلسطين ما بعد النكبة. وهي المخرجة المعروفة باشتغالها على هوية المرأة العربية في سياقات الشتات. تطرَّقت دعيبس لفيلمها، بالقول: «وجدنا أنفسنا نصنع فيلماً عن النكبة بينما نشاهد نكبة أخرى تتكشَّف أمام عيوننا... نكبة بلا حدود».

ورأت أن البحث عن «فلسطين خارج فلسطين» كان عملية قاسية، لكنها ضرورة لصنع الفيلم، مضيفةً: «كان علينا أن نُعيد تشكيل الذاكرة بصرياً، ونبحث عن جذورنا في أماكن لا تمتلك الأرض نفسها».

وعن جذورها الشخصية، قالت بوضوح: «نشأت في عائلة فلسطينية - أردنية. أحمل الفرح والألم معاً. مشاركة هذا الإرث ليست خياراً، إنها واجب».

وفي تحليلها لتطوّر الدعم العالمي للسينما العربية، قالت شيرين دعيبس إنّ أوروبا والعالم العربي كانا أكثر دعماً من الولايات المتحدة، مضيفةً: «بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) أدركنا أن صورتنا تُروى من دوننا. وكان علينا أن نستعيد قصصنا». وأثنت على التحوّل السينمائي في السعودية، قائلة: «ما يحدث هنا استثنائي. الدعم الذي نراه في المنطقة خلال السنوات الأخيرة غير مسبوق».

ورغم اختلاف اللغات والخلفيات، تقاطعت مداخلات المخرجات الثلاث عند 3 محاور عميقة: الذاكرة بكونها منظوراً سردياً، والغرابة بوصفها توقيعاً، ورؤية الإنسان من الداخل. ويمكن القول إنّ جلسة «نساء في الحركة» في «البحر الأحمر» لم تكن مجرّد لقاء حول حضور المرأة في السينما، بل كانت مساحة لقراءة العالم من خلال العين النسائية؛ عين تتأمل الحقيقة، وتستعيد الذاكرة، وتتجاوز الخطاب التقليدي.


شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
TT

شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)

تزداد في بريطانيا تسمية الشوارع بأسماء طيور مثل القُبرات والزقزاق والزرازير، في وقت تشهد فيه أعداد هذه الأنواع تراجعاً مقلقاً.

فقد كشف تقرير لجمعية حماية الطيور الملكية، نقلته «الغارديان»، عن أنّ أسماء شوارع من قبيل «ممر القُبرة» و«جادة السمامة» باتت أكثر شيوعاً خلال العقدين الماضيين. وبالاستناد إلى بيانات «أو إس أوبن نيمز» بين عامَي 2004 و2024، تبيَّن أن الشوارع التي تحمل أسماء طائر القُبرة ارتفعت بنسبة 350 في المائة، وتلك التي تحمل اسم الزرزور بنسبة 156 في المائة، فيما ارتفعت أسماء الشوارع المرتبطة بطيور الزقزاق بنسبة 104 في المائة، رغم الانخفاض الكبير في أعداد هذه الطيور في البرّية.

ويشير التقرير إلى أنّ بريطانيا فقدت بين عامَي 1970 و2022 نحو 53 في المائة من القُبرات المتكاثرة، و62 في المائة من الزقزاق، و89 في المائة من العندليب.

وقالت المديرة التنفيذية للجمعية، بيكي سبيت، إنّ التحليل «يكشف عن أن البلديات والمطوّرين العقاريين لا يجدون غضاضة في تسمية الشوارع بأسماء الطبيعة التي نحبّها، بينما تبقى الجهود الرامية إلى منع اختفاء هذه الطيور من سمائنا بعيدة تماماً عن المستوى المطلوب».

ووصف تقرير «حالة الطبيعة 2023» المملكة المتحدة بأنها «واحدة من أكثر الدول استنزافاً للطبيعة على وجه الأرض»، مشيراً إلى الانهيار الحاد في أعداد الطيور البرية منذ سبعينات القرن الماضي.

كما أظهر تحليل الجمعية أنّ استخدام كلمة «مرج» في أسماء الشوارع زاد بنسبة 34 في المائة، في حين اختفت 97 في المائة من المروج البرّية منذ الثلاثينات. ودعت الجمعية الحكومة إلى تعزيز جهود حماية الطبيعة، مع دخول مشروع قانون التخطيط والبنية التحتية في إنجلترا مراحله النهائية.

كانت الحكومة قد تراجعت في أكتوبر (تشرين الأول) عن دعم تعديل يُلزم بتركيب «طوب السمامات» في كلّ منزل جديد، رغم أنّ أسماء الشوارع المرتبطة بالسمامات ارتفعت بنسبة 58 في المائة.

وأكدت الجمعية أنه من «الممكن والضروري» تبنّي نظام تخطيط عمراني يُسهم في استعادة البيئة الطبيعية، مستشهدةً ببحث صادر عن مؤسّسة «مور إن كومون» يفيد بأنّ 20 في المائة فقط من البريطانيين يرون أنه ينبغي خفض المعايير البيئية لتشييد مزيد من المنازل.

من جانبه، قال مؤلّف كتاب «ليا الوقواق» عن تاريخ الطيور في أسماء الأماكن البريطانية، مايكل وارن، إنّ البريطانيين «يعشقون أسماء الطبيعة، ويعرف المطوّرون ذلك جيداً». لكنه أوضح أنّ رواج أسماء الطيور في المشروعات السكنية الجديدة «يخفي انفصالاً عميقاً يعانيه كثيرون عن الطبيعة، ويعطي انطباعاً مضلّلاً بأنّ كلّ شيء على ما يرام».

وأشار وارن إلى أنّ أسماء الأماكن كانت سابقاً تعكس الواقع البيئي، أما الأسماء الحديثة فهي «في أفضل الأحوال جميلة المظهر، لكنها في الحقيقة وسيلة خادعة ورخيصة وسهلة لخلق إيحاء بمعالجة تدهور الطبيعة من دون القيام بأيّ تحرّك فعلي».

وختمت سبيت: «يستحق الناس أن يستمتعوا بصوت العندليب في ذروة غنائه، أو بصيحات السمامات وهي تحلّق فوق رؤوسهم، بدلاً من العيش في شوارع صامتة تحمل أسماء ساخرة».


علي الكلثمي... المخرج السعودي الذي صاغ من السخرية رؤية سينمائية

علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
TT

علي الكلثمي... المخرج السعودي الذي صاغ من السخرية رؤية سينمائية

علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)

للمخرج السعودي علي الكلثمي أسلوب ساخر لا ينفصل عن شخصيته، ولا عن أعماله، ولا حتى عن طريقته في مقاربة أكثر الأسئلة الفنّية جدّية. بدا ذلك واضحاً في حديثه على المسرح خلال الجلسة الحوارية التي تناولت تجربته في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، في مزيج بين الخفّة والعمق، وبين اللعب والملاحظة الحادّة، ما يجعله قادراً على قول أكثر الأفكار تعقيداً بأبسط المفردات وأكثرها تلقائية.

الجلسة، التي بيعت تذاكرها بالكامل، وشهدت حضوراً كثيفاً من المهتمّين، لم تكن مجرّد لقاء عابر؛ إذ بدا واضحاً أنّ تجربة الكلثمي باتت اليوم محطَّ متابعة عربية وخليجية، مع حضور لافت لجمهور من الكويت وعُمان ودول أخرى. فهو يُعد أحد أبرز الأصوات التي خرجت من فضاء «يوتيوب» في السعودية، وبدأ رحلته السينمائية عبر الفيلم القصير «وسطي» عام 2016، كما يُعد أحد المساهمين في نقل السينما المحلّية إلى مرحلة جديدة من خلال فيلمه الطويل «مندوب الليل» الذي حصد جوائز عدّة.

من السخرية إلى المنهج

وحملت الجلسة كثيراً من الجدّية في التفاصيل التي قدَّمها الكلثمي عن عمله مع الممثلين. وكان لافتاً أنه بدأ إحدى إجاباته بنصيحة غير معتادة: «أنصح كلّ الخرّيجين أن يُجرّبوا التمثيل ولو في ورشة قصيرة. التجربة تُغيّر فهمك للممثل تماماً!». هذه الجملة وحدها كانت كافية لفتح باب واسع حول علاقته بالممثلين، وكيف أسهمت تجربته القصيرة في التمثيل، التي وصفها بـ«الكراش كورس»، في تغيير طريقته في التعامل مع الممثل أمام الكاميرا.

يرى الكلثمي أنّ الممثل لحظة وصوله إلى موقع التصوير يكون «مكشوفاً بالكامل». هذه النظرة العميقة لطبيعة الوقوف أمام الكاميرا جعلته يؤمن بأنّ المخرج لا يمكنه قيادة الأداء من دون أن يكون قادراً على الشعور بذلك الخوف الإنساني الخام. لذلك، فإنّ أول ما يمنحه للممثل ليس التوجيه، بل الثقة. يضيف: «أول ما يحتاج إليه هو أن يشعر أنك لن تحاكمه. أنك شبكة الأمان التي تحميه حين يُغامر».

علي الكلثمي على السجادة الحمراء في المهرجان (البحر الأحمر)

يُصرّ الكلثمي على أنّ العمل الجوهري لا يتم في موقع التصوير، بل قبله. وهي فكرة تُشكّل أحد أعمدة منهجه الإخراجي. وقدَّم مثالاً على ذلك من خلال علاقته المهنية الطويلة مع الممثل محمد الدوخي (بطل «مندوب الليل»)، التي تمتد لسنوات.

في التحضير للشخصيات، كانا يستحضران أشخاصاً من الماضي، ويقولان: «تتذكر فلان؟ هذا ظله... طيف منه». هنا يظهر الجانب الإنساني عند الكلثمي، الذي يرى في التفاصيل الصغيرة والعلاقات العابرة مادة حقيقية لبناء الشخصية. فليست الحكايات الكبيرة ما تصنع صدق الأداء، بل هشاشة التفاصيل التي لا ينتبه لها أحد.

ويتعمَّق هذا المنهج عبر أداة إضافية يستخدمها تحت إطار البحث عن تفاصيل الشخصية. فهو يرى أنّ الممثل مُطالب بمعرفة دفاتر الشخصية، وكتاباتها، وطريقة تفكيرها، وحتى ما يمكن أن تستمع إليه في عزلتها. ليس ذلك بهدف خلق صورة مُكتملة، بل بهدف فتح مسارات داخلية تُساعد الممثل على الوصول إلى جوهر الشخصية.

النصّ بصوت المُخرج

ومن أكثر جوانب الجلسة إثارة للانتباه، اعتراف الكلثمي بأنه يحب أن يقرأ النصّ للممثل بعد أن ينتهي الأخير من قراءته. ورغم أنه يصرّ على أن ذلك ليس لتلقينه الأداء، فإنه يراه «نافذة إضافية» تمنح الممثل فرصة للدخول إلى العالم الداخلي للشخصية. يقول: «أقرأ النص بصوتي، وأمثّل الشخصية أمامه، ليس لأريه كيف يؤدّي، بل لأفتح له نافذة يُطل من خلالها على عالم الشخصية».

هذا النهج، الذي يجمع بين الحسّ التمثيلي والقدرة على الإصغاء، يعكس رؤية الكلثمي لموقعه في الصناعة، كما ظهر بوضوح في الجلسة التي امتدَّت لنحو ساعة، وحاوره فيها الصحافي أحمد العياد. فهو لا يضع نفسه في موضع السلطة، بل في موضع الشريك الذي يُمهّد للممثل الطريق بدل أن يفرض عليه مساراً واحداً.

من «يوتيوب» إلى السينما

الحضور الواسع للكلثمي في الجلسة يعكس مساراً غير تقليدي في السينما السعودية. فالمخرج الذي خرج من عباءة المحتوى الرقمي لا يحمل عقدة الانتقال إلى السينما، ولا يضع بينهما طبقية، بل يرى أنّ لكل وسيط لغته وجمهوره، والفنان الحقيقي لا ينتمي إلى منصة بقدر ما ينتمي إلى صدق التجربة. وقد بدا هذا المبدأ حاضراً في ردوده، وفي التواضع الذي يتعامل به مع مشواره، سواء في البدايات مع «وسطي»، أو في نجاحات «مندوب الليل» التي نقلته إلى دائرة الضوء السينمائية.

لم تكن الجلسة مجرّد استعراض لسيرة مخرج شاب، وإنما درس في فَهْم الممثل، وفي التحضير، وفي الدور الذي يمكن أن يلعبه التعاون في رفع جودة صناعة كاملة. وربما كانت أيضاً نافذة إلى روح الكلثمي نفسه: فنان يسخر من كلّ شيء، لكنه لا يسخر من الفنّ.