شكل الاستجواب الساخن من مجلس النواب الأميركي للرئيس التنفيذي لشركة «تيك توك»، شو تشيو، أحدث فصل فيما يمكن تسميتها «الحرب التكنولوجية الباردة» بين الولايات المتحدة والصين، في ظلّ المخاوف من التهديدات الأمنية التي يمثلها التطبيق الخاص بالفيديوهات القصيرة على بيانات الأميركيين، فضلاً على الشكوك المتزايدة حيال آثاره على الصحة النفسية والعقلية للأطفال والمراهقين.
وأخضع أعضاءُ لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب الرئيسَ التنفيذي للشركة، وهو مواطن يحمل الجنسية السنغافورية، لاستجواب يمكن أن يقرر مصير منصة الوسائط الاجتماعية في الولايات المتحدة، التي تملكها شركة «بايت دانس» الصينية. وتشكل «معركة تيك توك» محاولة للكشف عن الآثار المترتبة على ملايين المتابعين الأميركيين للمنصة. ووجهت إليه أسئلة تركزت حول ممارسات خصوصية المستهلك، وأمن البيانات لدى «تيك توك»، وتأثير المنصة على الأطفال، وعلاقتها بالحزب الشيوعي الصيني.
وكان تشيو (40 عاماً) أصدر مقطع فيديو عبر «تيك توك» أعلن فيه أن التطبيق جمع أكثر من 150 مليون مستخدم أميركي، أو «نحو نصف الولايات المتحدة»، على حد تعبيره. وتفيد شركة «سنسور تاور» الأميركية لتحليل بيانات منصات التواصل الاجتماعي بأن «تيك توك» كان التطبيق الأكثر تحميلاً في الولايات المتحدة خلال عامي 2021 و2022.
وفي مستهل الجلسة، أصدر تشو وعوداً واسعة النطاق لحماية بيانات المستخدمين الأميركيين، والحفاظ على أمان المراهقين، والبقاء بعيداً من أي نفوذ حكومي. وقال: «اسمحوا لي أن أصرح بذلك بشكل لا لبس فيه: شركة (بايت دانس) ليست وكيلاً للصين أو أي دولة أخرى»، ذاهباً إلى حد الدفاع عن هيكل «بايت دانس» عبر تحديد «خطوات» اتخذتها الشركة والخطط التي تتخذها لتبديد المخاوف من تمكن الحكومة الصينية من الوصول إلى بيانات مستخدمي «تيك توك» من خلال تأثيرها المحتمل على «بايت دانس». وتعهد بإقامة «جدار حماية» لبيانات المستخدمين الأميركيين من أي «وصول أجنبي غير مصرح به». وقال للمشرعين: «لا نعتقد أن الحظر؛ الذي يضر بالشركات الأميركية الصغيرة، وباقتصاد البلاد، ويسكت أصوات أكثر من 150 مليون أميركي، ويقلل من المنافسة في سوق مركزة بشكل متزايد، هو الحل لمشكلة قابلة للحل». وأكد أن «(تيك توك) تدعم أيضاً تشريعات لإنشاء قانون خصوصية بيانات وطني يؤثر على كل الشركات الأميركية، بالإضافة إلى التحديثات المحتملة لقانون الخصوصية الخاص بالأطفال المعروف باسم (سي أو بي بي آي)، أو (قانون حماية خصوصية الأطفال عبر الإنترنت)»، موضحاً أن «تحركات (تيك توك) للحفاظ على أمان المستخدمين من خلال الإشراف على المحتوى، مع إبراز أن الشركة أنفقت مليار دولار عام 2021 على الثقة والأمان، تعكس أكبر نفقات العمالة (في تيك توك) بالولايات المتحدة».
على صفيح ساخن
ووجد تشيو نفسه على صفيح ساخن بعدما بدأ استجوابه من طرف 29 مشرعاً جمهورياً و23 مشرعاً ديمقراطياً لا يوجد بينهم سوى القليل من الخلافات، في ظل الدعوات المتزايدة لحظر التطبيق في الولايات المتحدة بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي على خلفية علاقاته بالصين من خلال «بايت دانس». وتحدث عن مطالبة المسؤولين الفيدراليين الأميركيين لمالكي التطبيق الصينيين ببيع حصتهم في منصة التواصل الاجتماعي، أو المخاطرة بمواجهة حظر أميركي للتطبيق.
وفي تصريح لاذع، قالت رئيسة اللجنة؛ النائبة الجمهورية كاثي رودجرز، إن «الشعب الأميركي اليوم يراقب»، واصفة منصة «تيك توك» بأنها «سلاح من الحزب الشيوعي الصيني». وأضافت أن «الحظر مجرد وسيلة قصيرة المدى للتعامل مع (تيك توك)»، متسائلة عما إذا كانت أقوال تشيو قادرة على تغيير رأيها ورأي كثير من الأعضاء الآخرين في اللجنة حيال الأخطار التي تمثلها «تيك توك». وأضافت: «والأسوأ أننا نعلم أن شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل (تيك توك)، تستخدم خوارزميات ضارة لاستغلال الأطفال من أجل الربح، وتعرّضهم لمحتوى خطير على الإنترنت». وحذرت تشيو بالقول: «سوف أذكرك بأن الإدلاء بتصريحات كاذبة ومضللة للكونغرس جريمة فيدرالية».
من جانبه؛ عبّر النائب الديمقراطي فرنك بالوني عن المخاوف الأمنية التي عبرت عنها رودجرز بشأن «تيك توك»، متحدثاً إلى تشو: «لا أعتقد أنك ستشهد كثيراً من الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين حول (تيك توك)». وأضاف: «ما أزال أعتقد أن الحكومة الشيوعية في بكين ستظل مسيطرة ولديها القدرة على التأثير فيما تفعله»، متسائلاً عما إذا كانت «تيك توك» تحاول تصوير نفسها على أنها «شركة حميدة تؤدي فقط خدمة عامة (…). أنا لا أصدق ذلك».
«كسب الثقة»
وردّ تشيو بأنه «لم يكن نهجنا قط هو الرفض أو التقليل من أهمية أي من هذه المخاوف»، مضيفاً: «خاطبناهم بإجراءات حقيقية. علينا كسب ثقتك».
وقال النائب الجمهوري بوب لاتا إن «(تيك توك) محمية من الدعاوى القانونية الناشئة عن وفاة فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات شاركت في (تحدي حبس الأنفاس) الذي كان شائعاً على (تيك توك)»، متسائلاً عن «سبب وجوب حماية (تيك توك) بموجب القانون الفيدرالي» الذي يحمي مواقع الإنترنت عندما يضخم «المحتوى الخطير والمهدِّد للحياة للأطفال».
وسألت النائبة الديمقراطية ديانا ديجيت: «كيف يمكن أن تسمح (تيك توك) للمعلومات الخاطئة حول العلاجات الصحية المنزلية بالانتشار على موقعها؟».
مواجهة الحظر
وتوالى المشرّعون الجمهوريون والديمقراطيون على استجواب تشيو حول الخشية من أن تكون بكين تستخدم التطبيق لأغراض التجسس أو الترويج لدعايتها. وذكره أحدهم بأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنذرت الشركة بأن «تتخلى عن ملكيتها الصينية؛ وإلا فستواجه حظراً تاماً في الولايات المتحدة». وسيكون الحظر، إذا طُبّق، خطوة غير مسبوقة تتخذها الحكومة الأميركية بحق شركة أصبحت مصدر الترفيه الأكثر مشاهدة في الولايات المتحدة بعد «نتفليكس»، خصوصاً بين الشباب.
وعرض المشرعون أيضاً للمخاوف المتعلقة بـ«تيك توك» عقب التحذيرات التي أصدرها «مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)» والمسؤولون في لجنة الاتصالات الفيدرالية، من أن «بايت دانس» يمكنها مشاركة بيانات مستخدمي «تيك توك»، مثل سجل التصفح والموقع والمعرفات الحيوية، مع الحكومة الصينية. ويقول مسؤولو البيت الأبيض إن هناك «مخاوف أمنية وطنية مشروعة فيما يتعلق بسلامة البيانات».
وأعلن تشيو أنه يخطط لتوضيح كيف تذهب جهود حماية البيانات والأمن في الشركة «أبعد من أي شيء» تفعله وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى ومنافسي الترفيه عبر الإنترنت.
وفي إطار مشروع بقيمة 1.5 مليار دولار يطلق عليه اسم «بروجيكت تكساس»، وهو قيد التنفيذ، توجه البيانات الواردة من المستخدمين الأميركيين إلى خوادم تتحكم فيها شركة «أوراكل» في «سيليكون فالي»، والتي دخلت في شراكة معها في محاولة لتجنب فرض حظر على مستوى البلاد. وينظر المشرعون الأميركيون في مشروعات قوانين كثيرة في الكونغرس من شأنها حظر منصة «تيك توك» تماماً؛ عادة عن طريق حظر تعامل الشركات الأميركية معها. ويمكن أن يسمح البعض أيضاً للحكومة بحظر أو تقييد التطبيقات الأخرى التي لها علاقات بحكومات أجنبية معادية.