بكين وموسكو تتعهدان بنظام عالمي جديد... وواشنطن: علاقاتهما أشبه بـ«زواج مصلحة»

«الرفيق شي» لـ«الصديق العزيز» بوتين لدى مغادرته: هناك تغييرات لم تحدث منذ 100 عام... عندما نكون معاً فإننا نقود هذه التغييرات

الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بموسكو أمس في 21 مارس (إ.ب.أ)
الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بموسكو أمس في 21 مارس (إ.ب.أ)
TT

بكين وموسكو تتعهدان بنظام عالمي جديد... وواشنطن: علاقاتهما أشبه بـ«زواج مصلحة»

الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بموسكو أمس في 21 مارس (إ.ب.أ)
الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بموسكو أمس في 21 مارس (إ.ب.أ)

مع استعداد الرئيس الصيني شي جينبينغ لمغادرة موسكو، بعد قمة جمعته لثلاثة أيام بـ«صديقه العزيز» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في موسكو، انطلقت صافرات الإنذار في أنحاء العاصمة الأوكرانية كييف، وفي شمال وشرق أوكرانيا، مع ورود تقارير عن هجمات بطائرات مسيرة.
وقالت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، اليوم (الأربعاء)، إن القوات الروسية شنت «غارة جوية ضخمة» خلال الليل، بينما كان شي في موسكو، بإطلاق 21 طائرة مسيرة من طراز «شاهد - 136». وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي: «إذا كانت الصين تريد الاضطلاع بدور بنَّاء هنا في هذا الصراع (الحرب الأوكرانية)، فيجب أن تضغط على روسيا لسحب قواتها من أوكرانيا والأراضي ذات السيادة الأوكرانية»، مشيراً إلى أنه ينبغي على شي التحدث للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
من جهته، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه «دعا» الصين إلى الحوار و«ينتظر رداً» من بكين. وأضاف خلال مؤتمر صحافي: «عرضنا على الصين أن تصبح شريكاً» في البحث عن تسوية للنزاع في أوكرانيا. وتابع زيلينسكي مخاطباً الصينيين: «ندعوكم إلى الحوار. ننتظر ردكم»، مضيفاً: «نتلقى إشارات، لكن لا شيء ملموساً» في هذه المرحلة.
غادر الرئيس الصيني موسكو، اليوم، بعد أن أظهر التضامن بشكل كبير مع نظيره، الرئيس الروسي، في مواجهة الغرب، وانتهت الزيارة بتعهد الزعيمين بالعمل معاً لتشكيل نظام عالمي جديد. وهيمنت قضايا الطاقة والتجارة على القمة التي استمرت ساعات عدة بين شي وبوتين.
وقال شي لبوتين لدى مغادرته: «الآن هناك تغييرات لم تحدث منذ 100 عام. عندما نكون معاً فإننا نقود هذه التغييرات». ورد بوتين بالقول: «أتفق معك». وأضاف شي: «اعتنِ بنفسك يا صديقي العزيز من فضلك». لكن لهجة بوتين كانت مختلفة تماماً مع ضيفه الذي وصفه بـ«الصديق العزيز» و«الرفيق شي». حتى إن الزعيمين شربا خلال عشاء دولة أقيم في «الكرملين» نخب «رخاء ورفاه» الشعبين الروسي والصيني. وقال بوتين خلال هذا العشاء إنه يرى «إمكانات غير محدودة» في التعاون الروسي - الصيني.
وعن الزيارة، قال بيان صادر عن الصين: «إنهما (الزعيمان) يتشاركان في الرأي القائل إن هذه العلاقة قد تجاوزت النطاق الثنائي بكثير، واكتسبت أهمية بالغة للمشهد العالمي ومستقبل البشرية». وقال بوتين في تصريح نشره موقع «الكرملين» الإلكتروني: «إننا نعمل في تضامن على تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب وأكثر عدلاً وديمقراطية يجب أن يقوم على أساس الدور المركزي للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها والقانون الدولي وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة».
ووصفت واشنطن العلاقات بين بكين وموسكو بعد القمة بين بوتين وشي بأنها أشبه بـ«زواج مصلحة»، وليست تحالفاً حقيقياً. وقال شي إنه أجرى «محادثات بناءة» في «الكرملين»، في اليوم الثاني من زيارته الرسمية التي استمرت 3 أيام، مشيراً بالأخص إلى توسيع التعاون الاقتصادي مع روسيا.
وبعد القمة، أشاد الزعيمان بدخول العلاقة «الخاصة» بين بلديهما «حقبة جديدة». وتعد رحلة شي إلى موسكو دعماً مهماً للرئيس الروسي الذي صدرت بحقه، الأسبوع الماضي، مذكرة توقيف من «المحكمة الجنائية الدولية»، على خلفية «ترحيل» أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني، وبعد زيارة استمرت 3 أيام شهدت توقيع البلدين اتفاقيات بشأن تمديد الشراكة الاستراتيجية، دون وجود إشارة على التوصل لانفراجة فيما يتعلق بإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وهيمنت قضايا الطاقة والتجارة على المحادثات التي استمرت ساعات عدة. وبالإضافة إلى القضايا الاستراتيجية، تطرق الاجتماع بين بوتين وشي إلى مسألة تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين، خصوصاً فيما يتعلق بالمواد النفطية. تأتي زيارة الرئيس الصيني لروسيا في حين أعادت موسكو توجيه اقتصادها بشكل كبير نحو الصين، في مواجهة العقوبات الغربية الشديدة التي تستهدفها.
وفي هذا الإطار، أعلن بوتين أن بكين وموسكو توصلتا إلى اتفاق بشأن مشروع خط أنابيب الغاز الضخم «قوة سيبيريا 2» الذي سيربط سيبيريا بشمال غربي الصين. وقال الرئيس الروسي: «كل الاتفاقات أُبرمت»، موضحاً أنه «مع دخول (المشروع) حيز الخدمة، سيمر 50 مليار متر مكعب من الغاز» عبر خط أنابيب الغاز هذا الذي يهدف إلى زيادة كبيرة في عمليات التسليم الروسية إلى الصين.
وفي وقت سابق، أكد بوتين لنظيره الصيني أن موسكو يمكنها تلبية «الطلب المتزايد» للصين على مصادر الطاقة. وفي دليل على ذلك، أعلنت شركة «غازبروم» الروسية العملاقة، أمس (الثلاثاء)، تسليم شحنات يومية قياسية إلى بكين الاثنين عبر خط أنابيب «قوة سيبيريا»، الذي يمر في الشرق الأقصى الروسي باتجاه شمال شرقي الصين.
ولم يأتِ شي على ذكر الصراع في أوكرانيا تقريباً طوال زيارته التي استمرت 3 أيام، وقال إن الصين لديها «موقف محايد». ورد «البيت الأبيض» قائلاً إن موقف الصين ليس محايداً، وحث بكين على الضغط على روسيا من أجل إنهاء أكبر صراع تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وشكك وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الاثنين، بمقترحات بكين «للسلام» في أوكرانيا، وقال: «على العالم ألا ينخدع بأي قرار تكتيكي من جانب روسيا، بدعم من الصين أو أي دولة أخرى، بتجميد الحرب بشروطها». وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، اليوم، إن بكين تؤيد تهدئة التوترات الناجمة عن الأزمة الأوكرانية وإجراء محادثات سلام لحلها، مشددة على معارضتها لما سمته «صب الزيت على النار».
وذكرت المتحدثة عبر حسابها على «تويتر» أن الصين ليست لديها «أجندة أنانية» بخصوص قضية أوكرانيا، التي تشن فيها روسيا عملية عسكرية منذ أكثر من عام. وأضافت: «لم ننحز لطرف، ولم نصب الزيت على النار، أو نستغل الوضع لتحقيق مكاسب أنانية. كل ما فعلناه يتلخص في دعم محادثات السلام».
أعلن «الكرملين»، اليوم، أنه لم يُفاجأ برد الغرب «العدائي» بعد القمة. وقال المتحدث باسم «الكرملين»، ديمتري بيسكوف: «فيما يتعلق برد الفعل الجماعي الصادر عن دول الغرب، فإن طبيعة رد فعلهم غير الودي والعدائي على جميع القضايا، ليست مفاجئة لأحد».
أشاد بوتين بالرئيس الصيني بسبب خطة السلام التي اقترحها الشهر الماضي، وألقى باللوم على كييف والغرب في رفضها. وقال بوتين: «نعتقد أن بنوداً كثيرة في خطة السلام التي طرحتها الصين تتماشى مع المواقف الروسية، ويمكن اعتبارها أساساً لتسوية سلمية حين يكونون جاهزين لذلك في الغرب وفي كييف. لكننا لا نرى، حتى الآن، مثل هذا الاستعداد من جانبهم».
ويرى الغرب أن خطة السلام الصينية ما هي إلا حيلة لكسب الوقت لبوتين لإعادة تنظيم قواته وتعزيز قبضته على الأراضي التي احتلها في أوكرانيا. وقال كيربي إن الولايات المتحدة لا تريد وقف إطلاق النار في أوكرانيا؛ لأنه سيسمح لروسيا بالاحتفاظ بمكاسبها الإقليمية والسماح لبوتين بإعادة تجميع قواته. وأضاف كيربي أن «وقف إطلاق النار في الوقت الحالي، وتجميد الخطوط في مكانها، يمنحانه أساساً الوقت والمساحة التي يحتاج إليها لمحاولة إعادة التجهيز بالعتاد والقوات والتعويض عن إنفاق الموارد».
ولا تتضمن خطة الصين المكونة من 12 نقطة تفاصيل محددة حول كيفية إنهاء الحرب الدموية المستمرة منذ عام، وأودت بحياة عشرات الآلاف، وأجبرت الملايين على الفرار. وتضمن بيان مشترك للزعيمين اتهامات مألوفة للغرب، مفادها أن واشنطن تقوض الاستقرار العالمي، وأن «حلف شمال الأطلسي» يقتحم منطقة آسيا والمحيط الهادي.
وهاجم الزعيمان الغرب بشدة، متهمين الولايات المتحدة بـ«تقويض» الأمن العالمي للحفاظ على «أفضليتها العسكرية»، بينما أعربا عن «قلقهما» من الوجود المتزايد لـ«حلف شمال الأطلسي» في آسيا. وقالت روسيا والصين إنهما ترفضان حدوث أي حرب نووية، في حين وصل التوتر مع الغرب إلى أوْجِه، وأكدتا أن الجميع سيكون خاسراً في مواجهة مماثلة.
وأوضح البلدان في الإعلان المشترك أنه لا يمكن أن يكون هناك رابحون في حرب نووية، وأن «حرباً مثل هذه» يجب ألا تحدث أبداً. وأتت تصريحات بوتين وشي عقب محادثات ثنائية في «الكرملين»، كانت تهدف قبل كل شيء إلى إظهار متانة العلاقات بين روسيا والصين، في سياق التوترات الشديدة بين هذين البلدين والغربيين. وقال شي: «وقعنا إعلاناً حول تعميق الشراكة الاستراتيجية وعلاقات ثنائية تدخل حقبة جديدة»، بينما أشاد بوتين بالعلاقات «الخاصة» بين بكين وموسكو، التي تظهر وحدتهما في مواجهة الغربيين.



أكثر من 800 مجموعة مالية أوروبية تتعامل مع شركات مرتبطة بمستوطنات إسرائيلية

وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل (رويترز)
وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل (رويترز)
TT

أكثر من 800 مجموعة مالية أوروبية تتعامل مع شركات مرتبطة بمستوطنات إسرائيلية

وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل (رويترز)
وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل (رويترز)

أظهرت دراسة أجرتها منظمات للمجتمع المدني، اليوم الثلاثاء، أن أكثر من 800 مؤسسة مالية أوروبية لها علاقات تجارية بشركات مرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية.

ووفقاً لـ«رويترز»، وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل، ويأمل بعض المستوطنين أن يساعدهم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في تحقيق حلم فرض السيادة على الضفة الغربية التي يعدها الفلسطينيون محور دولة لهم في المستقبل.

وأدى العنف المتزايد للمستوطنين إلى فرض عقوبات أميركية، وقالت بعض الشركات إنها ستوقف أعمالها في الضفة الغربية المحتلة.

وأفاد تقرير تحالف منظمات «لا تشتري من الاحتلال» بأن 822 مؤسسة مالية في المجمل أقامت علاقات هذا العام مع 58 شركة «ضالعة بنشاط» في المستوطنات الإسرائيلية ارتفاعاً من 776 مؤسسة في 2023.

ودعت منظمات المجتمع المدني إلى تشديد التدقيق وسحب الاستثمارات إذا لزم الأمر.

وقال أندرو بريستون، من منظمة المساعدات الشعبية النرويجية، وهي واحدة من 25 منظمة مجتمع مدني أوروبية وفلسطينية أجرت البحث: «المؤشر هو أن الأمور تسير في الاتجاه الخطأ».

وقال لنادي جنيف للصحافة حيث قُدم التقرير: «نرى أنه يجب على المؤسسات المالية الأوروبية معاودة تقييم نهجها بشكل عاجل تجاه الشركات الضالعة في الاحتلال غير القانوني».

ولم ترد وزارة المالية الإسرائيلية بعد على طلب للتعليق.

ويبلغ طول الضفة الغربية نحو 100 كيلومتر وعرضها 50، وتقع في لب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ استيلاء إسرائيل عليها في حرب عام 1967.

وتعد معظم الدول الضفة الغربية أرضاً محتلة، وأن المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وهو الموقف الذي أيدته أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة في يوليو (تموز).

وأفاد التقرير بأن بنوكاً كبرى منها «بي إن بي باريبا» و«إتش إس بي سي» من بين الشركات الأوروبية المدرجة على القائمة. ولم ترد البنوك بعد على طلب للتعليق.

وأفاد التقرير بأن الشركات الضالعة بنشاط في المستوطنات وعددها 58 تشمل شركة كاتربيلر لصناعة الآلات الثقيلة، بالإضافة إلى موقعي السفر «بوكينغ» و«إكسبيديا». ولم ترد أي من هذه الشركات بعد على طلب للتعليق.

وقالت «بوكينغ» في وقت سابق إنها حدثت إرشاداتها لمنح العملاء مزيداً من المعلومات لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن المناطق المتنازع عليها والمتأثرة بالصراع. وقالت «إكسبيديا» إن أماكن الإقامة الخاصة بها محددة بوضوح على أنها مستوطنات إسرائيلية تقع في الأراضي الفلسطينية.

وكثير من الشركات المذكورة في التقرير، ولكن ليس كلها، مدرج أيضاً في قاعدة بيانات الأمم المتحدة للشركات التي تتعامل مع المستوطنات الإسرائيلية.

وذكر التقرير أن بعض المؤسسات المالية سحبت استثماراتها من شركات مرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية في السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك صندوق التقاعد النرويجي (كيه إل بي).