سباق تسلح متسارع على تخوم الحرب الأوكرانية

دول بارزة عززت نفقاتها العسكرية قبل المعارك وبعدها

سباق تسلح متسارع على تخوم الحرب الأوكرانية
TT

سباق تسلح متسارع على تخوم الحرب الأوكرانية

سباق تسلح متسارع على تخوم الحرب الأوكرانية

أجبر النزاع الروسي- الغربي على الساحة الأوكرانية منذ انطلاقه بدايات العام الماضي، العالم على إعادة حساباته في كثير من المجالات. فبالإضافة إلى الأزمات التي فجرتها في قطاعات الطاقة أو الغذاء، فضلاً عن موجة التضخم العالمية، أدخلت المواجهات دولاً مختلفة في سباق تسلح غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة.
وأظهرت إحصائيات متخصصة وإفادات رسمية، زيادة كثير من الدول -سواء على تخوم الحرب في أوكرانيا أو على بعد آلاف الأميال منها- إنفاقها العسكري بنسب قياسية، تتسابق التقارير ومراكز الفكر والدراسات في العالم من أجل رصدها وتحليلها. وذكر تقرير لـ«معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام» (SIPRI) أنه للمرة الأولى يتجاوز حجم الإنفاق العسكري عالمياً (تدريباً، وتسليحاً، وأجوراً) تريليوني دولار، حسبما تم رصده في عام 2021؛ العام السابق على الحرب. وجاءت قيمة تجارة السلاح فقط في العام نفسه 592 مليار دولار.
أشار التقرير الصادر يوم 13 مارس (آذار) الحالي، إلى التأثير البالغ للحرب الروسية- الأوكرانية على تدفقات الأسلحة إلى أوروبا؛ إذ كشف أن واردات الدول الأوروبية من الأسلحة الرئيسية زادت بنسبة 47 في المائة بين الفترتين الخماسيتين (2013- 2017) و(2018- 2022). وأوضح أن الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) زادت وارداتها من الأسلحة في عام 2022 بنسبة 65 في المائة، سعياً لتعزيز ترساناتها التي واجهت صعوبات حقيقية في الوفاء بمتطلبات القتال على الجبهة الأوكرانية.
وفي الفترة من 2013 إلى 2017 مقابل الفترة من 2018 إلى 2022، زادت حصة الولايات المتحدة من صادرات الأسلحة العالمية من 33 إلى 40 في المائة، بينما انخفضت حصة روسيا من 22 إلى 16 في المائة، وسجلت فرنسا نسبة 11 في المائة مقابل 7 في المائة سابقاً، وفقاً للبيانات الجديدة حول عمليات نقل الأسلحة العالمية التي نشرها «معهد استوكهولم». وتزداد صادرات الأسلحة الأميركية والفرنسية مع انخفاض الصادرات الروسية، وهو ما أرجعه التقرير إلى أن «روسيا ستعطي الأولوية لتزويد قواتها المسلحة، وسيظل الطلب من الدول الأخرى منخفضاً بسبب العقوبات التجارية عليها، وزيادة الضغط من الولايات المتحدة وحلفائها على عدم شراء الأسلحة الروسية».
وتعد روسيا خامس أكبر منفق على السلاح في العالم، بعد أن وصل إنفاقها قبل بدء الحرب إلى 4.1 في المائة من الناتج المحلي، ليصبح العام الثالث على التوالي في نمو التسلح الروسي، كما تعد أكبر قوة نووية عالمياً، وفقاً لعدد الرؤوس النووية التي تمتلكها.

مأزق أوروبي
ومنذ بداية الحرب الأوكرانية أعادت الدول الأوروبية تقييم قدراتها العسكرية من مخزون الأسلحة والذخيرة ومنظومات الصواريخ، وأيضاً خطوط الإمداد وحتى معدل الإنفاق العسكري، إذ واجهت تلك الدول مأزقاً حقيقياً مع انطلاق الهجوم الروسي في فبراير (شباط) من العام الماضي. وبيَّنت إحصاءات لحلف «الناتو» أن 9 دول فقط من أصل 30 دولة في الحلف تمكنت من الوصول إلى نسبة إنفاق عسكري تبلغ 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2022، وهي النسبة التي يطالب الحلف أعضاءه بتخصيصها للشؤون الدفاعية.
وفي يونيو (حزيران) الماضي، أكد المستشار الألماني أولاف شولتس أن بلاده سوف تمتلك أكبر جيش أوروبي تقليدي في «الناتو» بفضل الاستثمارات الضخمة التي أقرها، بعد الموافقة على إنشاء صندوق استثنائي بقيمة 100 مليار يورو، بينما تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تمتلك بلاده حالياً أقوى الجيوش داخل الاتحاد الأوروبي، بتخصيص أكثر من 400 مليار يورو بين عامي 2024 و2030 للإنفاق العسكري، بينما أعلنت بريطانيا زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5 في المائة من الناتج المحلي بحلول عام 2030.
أما بولندا، فقد أقرت قانوناً يسمح بزيادة حجم الجيش من 114 ألف فرد إلى 250 ألف فرد خلال 12 سنة، كما سارعت لشراء الأسلحة من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، بعد زيادة إنفاقها العسكري إلى 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، بما يعادل تقريباً 100 مليار يورو، في حين قررت المجر التي تجمعها بروسيا علاقات جيدة، إعادة النظر في ميزانيتها العسكرية، وفقاً لتصريح رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، بضرورة «إضافة زيادة جذرية» في القدرات الدفاعية لبلاده.
من جانبهما، قررت فنلندا والسويد -على الرغم من قربهما الجغرافي من موسكو- الانضمام إلى حلف «الناتو»، وقررت الدنمارك تخصيص 940 مليون يورو إضافية لقواتها المسلحة خلال عامي 2022 و2023.
وعلى الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، كانت واشنطن على موعد مع زيادة قياسية في إنفاقها العسكري، ففي ديسمبر (كانون الأول) الماضي تم إقرار ميزانية الدفاع الأميركي لعام 2023، بمبلغ 858 مليار دولار، بزيادة 45 مليار دولار عن الميزانية التي طرحها الرئيس الأميركي جو بايدن، وذلك بهدف زيادة رواتب الجنود بنسبة 4.6 في المائة، وزيادة الإنفاق على الأسلحة والطائرات، في ظل استمرار الدعم الأميركي لأوكرانيا.

تحولات جوهرية
أما أبرز التحولات الجوهرية التي فرضتها الحرب، فقد شهدتها أوكرانيا التي أصبحت –حسب تقرير «معهد استوكهولم»- ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم في عام 2022، نتيجة للمساعدات العسكرية من الولايات المتحدة وكثير من الدول الأوروبية، في أعقاب الغزو الروسي في فبراير 2022. ووفقاً للتقرير فقد شهدت أوكرانيا ارتفاعاً لإنفاقها الدفاعي بنسبة 72 في المائة، منذ أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في 2014، على الرغم من أنها استوردت من عام 1991 حتى نهاية 2021، شحنات محدودة من الأسلحة الرئيسية.
ويرى ريتشارد وايتز، كبير زملاء ومدير مركز التحليل السياسي العسكري في معهد «هدسون» بالولايات المتحدة، أن الحرب الروسية الأوكرانية فرضت على العالم وعلى القارة الأوروبية واقعاً مغايراً لما عهدته على مدى عقود، وأنها «وضعت حداً لما عُرفت بحقبة ما بعد الحرب الباردة». وأضاف وايتز لـ«الشرق الأوسط» أن الحرب «غيرت نظرية الأمن الأوروبي برمتها»، والتي كانت تراهن على أن القارة بمأمن من قتال واسع على أراضيها، واستطاعت منذ تسعينات القرن الماضي أن تأسس جسور تعاون مع روسيا، إلا أنها واجهت موقفاً مفاجئاً باندلاع الحرب على الحدود الشرقية لحلف «الناتو»، بينما كثير من الدول الأوروبية الكبرى غير مستعدة عسكرياً لمواجهة الموقف الذي فرضته موسكو.
وأوضح الخبير العسكري الأميركي أن الغزو الروسي لأوكرانيا «أشعل سباق التسلح عالمياً من جديد»؛ خصوصاً لدى الدول الأوروبية، ودفعها إلى التخلي عن سياسة خفض الإنفاق العسكري التي كانت متبعة منذ الحرب الباردة، وبدأت دول كثيرة في تعديل خططها المستقبلية لكي تواجه تحديات تعزيز جيوشها الوطنية، وتوفير احتياجاتها من الأسلحة والذخائر، في ظل زيادات ضخمة في ميزانيات الدفاع للسنوات الخمس المقبلة.
وحسب تقرير حول الدروس المستفادة في العام الأول من الحرب في أوكرانيا، أجراه معهد Royal United Services Institute (RUSI) البريطاني، ونشر في الأول من مارس الحالي، فإن الدول الأوروبية «واجهت مأزقاً حقيقياً لتوفير إمدادات القوات الأوكرانية، من أجل الصمود في وجه الهجومي الروسي»، وأوضح أن ألمانيا التي كان شطرها الغربي وحده يمتلك آلاف الدبابات في الثمانينات من القرن الماضي، لديها الآن 321 دبابة فقط.
وفي مفارقة لافتة، أضاف التقرير أن «عدد القذائف التي أطلقتها القوات الروسية في منطقة دونباس بأوكرانيا من قذائف المدفعية الثقيلة في أسبوع واحد، يعادل ما استخدمته قوات الجيش الفرنسي في 13 عاماً من التدريب والانتشار في أفغانستان ولبنان ومالي والعراق، وأن الوضع يبدو أكثر حرجاً» بالنسبة للمملكة المتحدة التي لا يكاد يصل مخزونها بالكامل من قذائف المدفعية «عيار 155 ملم» إلى ما يطلقه الجيش الروسي في يومين فقط في منطقة دونباس.

مراجعة العقائد العسكرية
لم تفرض مجريات الحرب في أوكرانيا سباقاً للتسلح فحسب؛ بل فرضت إعادة النظر في كثير من التصورات بشأن المواجهات المسلحة في العالم بشكل عام، وعلى الجبهة الأوروبية بشكل خاص، وهو ما يعتقد اللواء أركان حرب ياسر هاشم، رئيس القسم السياسي العسكري بمعهد الأمن العالمي وشؤون الدفاع (IGSDA)، أنه سيغير كثيراً من القرارات السياسية والعقائد العسكرية الأوروبية في المرحلة المقبلة، بالنظر إلى أن تكتيكات الحرب التقليدية واستخدام الأسلحة الثقيلة، والعمليات البرية التي تجيدها القوات الروسية: «فرضت على الدول الأوروبية مراجعة خططها، سواء في التسليح أو الإنفاق العسكري وتدريب القوات».
وأضاف هاشم لـ«الشرق الأوسط» أن سباق التسلح العالمي «صار حقيقة وواقعاً»، وأن كل المؤشرات تؤكد أن العالم «يتجه إلى تنافس مفتوح لامتلاك أدوات القوة المناسبة التي تسهم في تأمين متطلبات أمن كل دولة»، وأن الحرب الروسية الأوكرانية دفعت كل دول العالم، وفي القلب منها الدول الأوروبية، إلى مراجعة خططها المستقبلية، وخصوصاً الدول المجاورة لروسيا، والتي «ربما تكون هدفاً في مرحلة تالية من المواجهات».
وتابع الخبير العسكري بأن «الحرب الروسية- الأوكرانية تأتي في صدارة الأسباب التي دفعت باتجاه سباق تسلح عالمي؛ لكنها ليست الوحيدة»؛ مشيراً إلى أن هناك موجات عالمية لتحديث الصناعات العسكرية وتحديث ترسانة الأسلحة، وغالباً ما يحدث ذلك كل 20 عاماً، والعالم يمر حالياً بواحدة من تلك الموجات التحديثية لأنظمة التسليح.
ويشير هاشم كذلك إلى أن ما يثيره النشاط الكبير للصين في رفع قدراتها العسكرية وتأهيل جيشها بصورة لافتة، يساهم في زيادة حدة الترقب أميركياً وعالمياً؛ خصوصاً في ظل وجود حلفاء لواشنطن على الصعيد الآسيوي يحذرون من مخططات بكين، ومن بينهم اليابان وكوريا الجنوبية.

سباق آسيوي للتسلح
وعلى الرغم من أن الجبهة الآسيوية تبدو بعيدة، على الأقل جغرافياً، عن نطاق المواجهات العسكرية في أوكرانيا، فإن سباقاً للتسلح لا يقل ضراوة في شرق أكبر قارات العالم؛ خصوصاً مع اتجاه الصين إلى تحديث ترسانتها العسكرية. ففي مارس الماضي أمر الرئيس الصيني شي جينبينغ، بتحديث القوات المسلحة بشكل كامل بحلول عام 2035، مشدداً على أن يصبح الجيش الصيني قوة عسكرية «متفوقة عالمياً» بإمكانها «خوض الحروب وتحقيق النصر فيها» بحلول عام 2049.
وفي هذا الصدد، يقول ريتشارد وايتز إن آثار الصراع «لن تقتصر على جيران أوكرانيا، فالصين والهند وتايوان والولايات المتحدة تراقب من كثب الآثار المترتبة على آلاف الكيلومترات إلى الشرق، لدرجة أن بعض المسؤولين الأميركيين يتحدثون عن التعامل مع المسارح الأمنية الأوروبية والآسيوية على أنها مترابطة، أو ربما في مرحلة ما على أنها واحدة».
ويعتقد وايتز أن الصين «ما زالت متأخرة جداً» عن بلوغ مستوى المخزون النووي الأميركي الذي يحتوي 5500 رأس نووي، ولكن في الوقت نفسه ينظر إلى تسارع وتيرة التسلح النووي الصيني على أنه «أحد أخطر التهديدات للتفوق العسكري الغربي». وأشار إلى أن الولايات المتحدة تحتفظ بتفوق كبير في كثير من القدرات البحرية؛ إذ لديها 11 حاملة طائرات مقابل حاملتين للصين، كما تتفوق في أعداد الغواصات والمدمرات والطرادات والسفن الحربية الكبيرة العاملة بالطاقة النووية.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إنها تتوقع أن تضاعف الصين حجم ترسانتها النووية 4 مرات بحلول نهاية العقد الحالي، وأن الصين «تنوي على الأغلب أن يكون لديها ألف رأس نووي على الأقل بحلول عام 2030»، وهو ما وصفته وسائل إعلام صينية رسمية بأنه «محض تكهنات متهورة ومتحيزة».

طموحات الصين
في المقابل، يرى اللواء ياسر هاشم أن «الصين تسير بخطى كبيرة لإثبات وجودها على الساحة العسكرية الدولية، فهي تمتلك واحدة من أكبر الصناعات العسكرية عالمياً، كما أنها تتحرك وفق هدف استراتيجي واضح، وهو حرمان الولايات المتحدة من الوجود بحرية في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادي، وتشكيل تهديد على القواعد الأميركية في كوريا الجنوبية واليابان». كما يعتقد أن «الصين حتى الآن تتبع أسلوب رد الفعل العسكري المتمهل؛ لكنها تتحرك بوتيرة متسارعة لبناء قدرات عسكرية كبيرة، مثل زيادة حاملات الطائرات، ومضاعفة أعداد قطعها البحرية، وهي تخوض سباقاً استراتيجياً قوياً مع واشنطن، وتسعى لتعويض فارق القدرات التسليحية لصالح الولايات المتحدة عبر امتلاك تقنيات متقدمة، وتوظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في خدمة الأغراض العسكرية».
وتتوقع البحرية الأميركية أن يزداد عدد السفن الحربية التي تمتلكها البحرية الصينية بنسبة 40 في المائة بين عامي 2020 و2040. وتنشر الصين بيانات رسمية لإنفاقها العسكري؛ لكن تقديرات الغرب للدعم المالي الذي تقدمه الصين لقواتها المسلحة أعلى من الأرقام التي تعلنها بكين بكثير. ويعتقد على نطاق واسع في الغرب أن الصين تنفق على قواتها المسلحة أكثر من أي بلد آخر عدا الولايات المتحدة.
وليس بعيداً عن الصين، قررت اليابان زيادة إنفاقها العسكري إلى الضعف تقريباً خلال السنوات الخمس المقبلة، بينما تخطط كوريا الجنوبية للحصول على التكنولوجيا النووية للاستخدامات العسكرية، من أجل الدفاع عن نفسها أمام جارتها الشمالية.
كما قررت تايوان تمديد مدة الخدمة العسكرية من 4 أشهر إلى سنة، من أجل الاستجابة العاجلة لأي خطر طارئ، بينما قررت إندونيسيا الحصول على طائرات «رافال» الفرنسية، وشراء مقاتلات «إف 35» الأميركية. وذكر معهد كوريا الجنوبية لتحليلات الدفاع، في تقرير نُشر في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن «كوريا الشمالية تسعى لتنفيذ خطة لامتلاك 300 سلاح نووي في السنوات المقبلة، بينما قدر معهد استوكهولم الدولي العام الماضي، أن لدي بيونغ يانغ 20 سلاحاً نووياً، وما يكفي من المواد الانشطارية لتكوين 55 سلاحاً نووياً». وإذا نجحت كوريا الشمالية في تحقيق هدفها فستتفوق على دول نووية كبرى، مثل فرنسا والمملكة المتحدة، وتأتي في الترتيب بعد روسيا والولايات المتحدة والصين في تصنيفات المخزون النووي. ودفعت تلك التقديرات رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، إلى التعهد بتعزيز قدرات بلاده العسكرية؛ مشيراً إلى أن بلاده «يمكن أن تنشر أسلحة نووية تكتيكية أو تمتلك أسلحة نووية خاصة بها».



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.