عمليات دعم هائلة لإنقاذ العالم من كارثة مصرفية

بإجمالي مالي يلامس 250 مليار دولار

وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في شهادتها أمام اللجنة المالية بالكونغرس مساء الخميس (أ.ب)
وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في شهادتها أمام اللجنة المالية بالكونغرس مساء الخميس (أ.ب)
TT

عمليات دعم هائلة لإنقاذ العالم من كارثة مصرفية

وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في شهادتها أمام اللجنة المالية بالكونغرس مساء الخميس (أ.ب)
وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في شهادتها أمام اللجنة المالية بالكونغرس مساء الخميس (أ.ب)

بقروض تلامس 100 مليار دولار، في الولايات المتحدة وأوروبا، إلى جانب تسهيلات مصرفية أخرى تفوق 150 مليار دولار، حاولت الجهات المالية الحاكمة بقوة لإنقاذ العالم من تداعي القطاع المصرفي العالمي جراء أزمة ثقة كادت أن تتسبب في «متوالية دومينو» من شأنها أن تسفر عن أزمة مالية عالمية جديدة.
ودعم البنك المركزي السويسري مصرف «كريدي سويس» بقرض بنحو 54 مليار دولار، في حين بلغت قيمة القروض التي منحها الاحتياطي الفيدرالي للبنوك الأميركية بموجب برنامج جديد كُشف النقاب عنه الأحد، نحو 12 مليار دولار، مع تحرك السلطات في واشنطن لتخفيف الضغوط عن النظام المالي في أعقاب انهيار «بنك سيليكون فالي». كما أسهم تمويل تلقاه بنك فيرست ريبابلك الأميركي وبلغت قيمته 30 مليار دولار، في تهدئة مخاوف السوق من انهيار مصرفي وشيك يوم الجمعة.
وضخت بنوك أميركية كبيرة التمويل في بنك فيرست ريبابلك ومقره سان فرانسيسكو مساء الخميس، بعدما هرعت البنوك لإنقاذ المصرف المتعثر الذي صار أحدث المتضررين في أزمة مصرفية آخذة في الاتساع إثر انهيار اثنين من المصارف الأميركية متوسطة الحجم خلال الأسبوع الماضي. ووفقاً لمصدر مطلع، فقد جرت عملية الإنقاذ بتنسيق من كبار المسؤولين بمَن فيهم وزيرة الخزانة جانيت يلين ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول والرئيس التنفيذي لـ«جيه بي مورغان تشيس» جيمي ديمون، الذين ناقشوا الحزمة هذا الأسبوع.
وجاءت الحزمة بعد أقل من يوم من حصول «كريدي سويس» على قرض طارئ من البنك المركزي السويسري يصل إلى 54 مليار دولار لتعزيز السيولة. وساعد هذا الدعم في إعادة الهدوء للأسواق العالمية بداية من الخميس بعد أسبوع محتدم لأسهم البنوك.
وأغلق سهم «فيرست ريبابلك» على ارتفاع بـ10 في المائة مساء الخميس على خلفية أنباء الإنقاذ، إلا أنه تراجع 17 في المائة في تداولات ما بعد إغلاق السوق، بعد أن قال البنك إنه سيعلق توزيعات الأرباح وأحجم عن الكشف عن مركزه النقدي ومقدار السيولة الطارئة التي يحتاج إليها.
ويرى المحللون أن السلطات تبدو حريصة على التعامل بسرعة مع المخاطر النظامية، لكنهم قلقون من أن احتمال حدوث أزمة في القطاع المصرفي لا يزال قائماً. ووفقاً لبيان، فإن عدداً من أكبر المصارف الأميركية شارك في عملية الإنقاذ، من بينها «جيه بي مورغان تشيس آند كو»، و«سيتي غروب»، و«بنك أوف أميركا»، و«ويلز فارغو آند كو»، و«غولدمان ساكس»، و«مورغان ستانلي».
ورغم أن الدعم حال دون حدوث انهيار وشيك، فقد شعر المستثمرون بالصدمة إزاء الإفصاحات المتأخرة عن المركز النقدي لـ«فيرست ريبابلك». وأظهرت بيانات يوم الخميس أن البنوك في الولايات المتحدة سعت للحصول على كميات قياسية من السيولة الطارئة من «الاحتياطي الفيدرالي» في الأيام الأخيرة.
وأعلن «الاحتياطي الفيدرالي»، في بيان الخميس، أن المبالغ المستحقة في إطار «برنامج التمويل المؤقت للبنوك» وصلت إلى 11.9 مليار دولار بحلول الأربعاء. وكان الاحتياطي الفيدرالي، بالتعاون مع وزارة الخزانة والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، قد كشف ليل الأحد عن برنامج القروض لتجنيب بنوك أخرى مشكلات السيولة التي دفعت «بنك سيليكون فالي» للانهيار.
ويوفر البرنامج تمويلاً إضافياً «للمساعدة في ضمان قدرة البنوك على تلبية احتياجات جميع المودعين»، كما جاء في بيان الفيدرالي. وأبلغت وزيرة الخزانة جانيت يلين أعضاء مجلس الشيوخ، الخميس، بأن السلطات تحركت بسرعة لحماية المودعين في بنكي «سيليكون فالي» و«سيغنتشر»، الذي انهار أيضاً، بعد أن رأت «خطراً جدياً بحصول عدوى» في القطاع المصرفي.
وانهار «بنك سيليكون فالي»، المقرض الرئيسي للشركات الناشئة في الولايات المتحدة منذ الثمانينات، بعد تهافت مفاجئ على سحب الودائع، ما دفع بالهيئات الناظمة لوضع اليد عليه الجمعة. وأعلنت وزارة الخزانة وبنك الاحتياطي الفيدرالي والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع الأحد، أنها ستغطي جميع المودعين في «بنك سيليكون فالي»، بينما قدّم الاحتياطي الفيدرالي أداة إقراض جديدة للمصارف في محاولة لمنع تكرار سيناريو «بنك سيليكون فالي».
وإلى جانب الدعم المباشر بالقروض، أظهرت بيانات من مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن البنوك سعت للحصول على سيولة طارئة بمبالغ قياسية خلال الأيام القليلة الماضية، ما أدى بدوره لتبديد جهود بذلها البنك المركزي على مدار أشهر لتقليص حجم ميزانيته.
وحصلت البنوك حتى يوم الأربعاء على 152.9 مليار دولار، وهو مبلغ مرتفع غير مسبوق، من نافذة الخصم لدى البنك المركزي الأميركي، وهو تسهيل تقليدي يعمل كملاذ أخير. وتجاوز الاقتراض من نافذة الخصم الرقم القياسي السابق البالغ 112 مليار دولار في خريف عام 2008، خلال المرحلة الأسوأ من الأزمة المالية.
ومع أن مبالغ الاقتراض تعد كبيرة، شعر بعض المحللين بالارتياح إزاءها وقالوا إن الأمر يقلص المخاوف من تفاقم الأحداث التي شهدتها الأيام الماضية إلى مستوى يمكن أن يؤدي إلى انهيار الاقتصاد بأكمله.
وقال توماس سيمونز، خبير اقتصاد سوق المال لدى بنك جيفريز الاستثماري: «الأرقام، كما نراها هنا، أكثر اتساقاً مع فكرة أن هذه مجرد مشكلة فردية لدى عدد قليل من البنوك». وأضاف أن جهود الدعم التي تبذلها الحكومة تبدو ناجعة، كما أن حجم المبالغ التي كشف عنها مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الخميس، تشير إلى «أنها ليست مشكلة ضخمة على مستوى النظام».
وأدت زيادة الإقراض الطارئ إلى توقف انكماش ميزانية مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بل والنمو بشكل ملحوظ. فبعد أن بلغت ذروة قرب 9 تريليونات دولار في الصيف الماضي، قبل أن يبدأ البنك المركزي اتخاذ إجراءات لتقليل حيازاته من سندات الخزانة والسندات المدعومة بالرهن العقاري، انخفض إجمالي الحيازات إلى 8.39 تريليون دولار في الثامن من مارس (آذار)، قبل أن يرتفع إلى نحو 8.7 تريليون دولار يوم الأربعاء، وهو الأعلى منذ نوفمبر (تشرين الثاني).
وأكدت وزيرة الخزانة الأميركية أمام أعضاء الكونغرس، الخميس، أنّ النظام المصرفي الأميركي لا يزال سليماً على الرغم من قلق الأسواق. وقالت يلين للجنة المالية في مجلس الشيوخ: «تُظهر إجراءات هذا الأسبوع التزامنا الراسخ بضمان بقاء نظامنا المالي قوياً، وأن تظلّ مدّخرات المودعين آمنة». وأضافت، خلال جلسة الاستماع التي تتطرّق إلى المقترحات الأخيرة في ميزانية الرئيس جو بايدن: «يمكنني أن أطمئن أعضاء اللجنة أنّ نظامنا المصرفي سليم». وأضافت يلين: «ستكون هناك نظرة فاحصة إلى ما حصل في المصارف (المتعثرة)، وما الذي سبب هذه المشكلة».


مقالات ذات صلة

«وول ستريت» ترحب بعودة ترمب بالجشع والقلق

الاقتصاد متداول في بورصة نيويورك يَعتَمِر قبعة دعم للجمهوري دونالد ترمب بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية (رويترز)

«وول ستريت» ترحب بعودة ترمب بالجشع والقلق

يتطلع مسؤولو «وول ستريت» إلى التنظيمات الصديقة للأعمال مع تحليلهم تداعيات فترة رئاسية ثانية لدونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد بيسنت يتحدث في فعالية حملة ترمب في آشيفيل بولاية نورث كارولاينا (رويترز)

أحد كبار جامعي تبرعات ترمب يسوّق نفسه لمنصب وزير الخزانة

يبحث سكوت بيسنت، أحد أبرز جامعي التبرعات لدونالد ترمب، عن مرشحين لشغل منصب نائبه بينما يضع نفسه في موقف وزير الخزانة، أحد أهم المناصب في حكومة الرئيس المنتخب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد ترمب يتحدث على شاشة بقاعة تداول بورصة «دويتشه» في فرانكفورت بألمانيا (أ.ب)

بعد فوز ترمب... مطالب عربية بميزات تنافسية بسبب توترات المنطقة

«الشرق الأوسط» استطلعت آراء خبراء اقتصاديين من عدة دول عربية حول رؤيتهم لأهم الإجراءات التي تجب مراعاتها من رئيس الولايات المتحدة للمنطقة العربية.

صبري ناجح (القاهرة)
الاقتصاد عرض خطاب مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب في فلوريدا على شاشة في لاس فيغاس (أ.ف.ب)

ترمب في خطاب النصر: سنساعد بلادنا على التعافي

شدّد ترمب على أهمية أولويات إدارته المقبلة، قائلاً: «سنبدأ تقليص الديون وتقليل الضرائب».

«الشرق الأوسط» (فلوريدا)
الاقتصاد لوحة تحمل اسم «وول ستريت» خارج «بورصة نيويورك»... (رويترز)

ارتفاع قوي لمؤشرات الأسهم الأميركية مع ترقب نتائج الانتخابات

ارتفع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بشكل قوي يوم الثلاثاء مع انتظار المتداولين نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية الحاسمة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )

أرباح أكبر شركة لصناعة الرقائق بالصين تقفز 58.3 % في الربع الثالث

شعار الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات في منشآتها بمنطقة بودونغ في شنغهاي (أ.ف.ب)
شعار الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات في منشآتها بمنطقة بودونغ في شنغهاي (أ.ف.ب)
TT

أرباح أكبر شركة لصناعة الرقائق بالصين تقفز 58.3 % في الربع الثالث

شعار الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات في منشآتها بمنطقة بودونغ في شنغهاي (أ.ف.ب)
شعار الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات في منشآتها بمنطقة بودونغ في شنغهاي (أ.ف.ب)

أعلنت أكبر شركة لصناعة الرقائق في الصين، الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات (SMIC)، الخميس، عن قفزة بنسبة 58.3 في المائة في صافي أرباح الربع الثالث، مع ظهور بوادر تعافٍ في القطاع بعد فترة ركود طويلة منذ أواخر 2022.

وبلغ صافي الدخل 148.8 مليون دولار «في فترة يوليو (تموز) - سبتمبر (أيلول)»، ولكنه كان أقل من تقديرات المحللين التي كانت تشير إلى 199.71 مليون دولار، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي».

وزادت الإيرادات خلال الفترة نفسها بنسبة 34 في المائة، لتصل إلى 2.17 مليار دولار، بما يتماشى مع التوقعات السوقية التي كانت تشير إلى 2.2 مليار دولار، وأعلنت الشركة عن هامش ربح إجمالي بلغ 20.5 في المائة، متجاوزة توجيهاتها السابقة التي تراوحت بين 18 و20 في المائة.

وأظهرت مبيعات أشباه الموصّلات العالمية زيادة بنسبة 23.2 في المائة، لتصل إلى 166 مليار دولار في الربع الثالث، مع نمو السوق الصينية بنسبة 22.9 في المائة، وفقاً لرابطة صناعة أشباه الموصلات.

وحظيت «SMIC» -التي تنتج بشكل رئيسي رقائق ناضجة لمنتجات إلكترونية أقل تطوراً- باهتمام بعد أن أظهرت تحليلات تفكيك الأجهزة أنها قامت بتصنيع رقائق متقدمة لهواتف «هواوي» الذكية الفاخرة، بما في ذلك «مايت 60» الذي جرى إطلاقه في أغسطس (آب) الماضي و«بورا 70»، الذي تم إصداره في أبريل (نيسان).

ومع ذلك، يعتقد المحللون أن إنتاج الرقائق المتقدمة لا يزال يُشكل جزءاً صغيراً من أعمال «SMIC»، ولم تستفد الشركة بشكل كبير بعد من ازدهار الذكاء الاصطناعي، الذي دفع الطلب على الرقائق المتقدمة، وزاد من قوة منافسيها مثل شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة (TSMC).

وبلغت نفقات رأس المال 1.2 مليار دولار في هذا الربع، مقارنة بـ2.13 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي.