برعاية كردية: مركز في شمال شرقي سوريا لتأهيل أطفال «داعش»

يضم أكثر من 50 طفلاً من جنسيات عدّة بينها الأميركية والألمانية والبريطانية والفرنسية

أطفال في أحد صفوف المركز (أ.ف.ب)
أطفال في أحد صفوف المركز (أ.ف.ب)
TT

برعاية كردية: مركز في شمال شرقي سوريا لتأهيل أطفال «داعش»

أطفال في أحد صفوف المركز (أ.ف.ب)
أطفال في أحد صفوف المركز (أ.ف.ب)

داخل مركز متخصّص في شمال شرقي سوريا، يلعب أطفال كرة القدم، بينما يستمع آخرون لدروس باللغتين الإنجليزية والعربية، في إطار مساعي الإدارة الذاتية الكردية لإعادة تأهيل جيل من أبناء عناصر التنظيم الإرهابي (داعش) بعيداً عن تعاليمه.
ومركز «أوركش للتأهيل والإصلاح» قرب مدينة القامشلي المخصّص للأطفال الأجانب، هو الثاني من نوعه في مناطق الإدارة الكردية في شمال شرقي سوريا، حيث تعجّ سجون ومخيمات بأفراد من عائلات التنظيم المتطرف من أكثر من 60 جنسية.
ويقول مدير مشروع إعادة التأهيل، آراس درويش لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إن هدف المركز هو «تهيئة الأطفال لناحية تقبّل الآخرين والاندماج في مجتمعاتهم مستقبلاً، والعيش بشكل أفضل وسليم، والتصرف في المجتمع في السياق الطبيعي».

ويضمّ المركز الذي افتُتح قبل 6 أشهر أكثر من 50 طفلاً من جنسيات عدة، بينها الألمانية والفرنسية والبريطانية والأميركية. وقد نُقلوا من سجن «غويران»، الذي شهد قبل أكثر من عام هجوماً للتنظيم أودى بحياة مئات، وكذلك من مخيمي «روج» و«الهول»، حيث تُحتجز عائلات عناصر «داعش».
ويقدم المركز دعماً نفسياً لأطفال ذكور تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً. وتتنوّع الدروس بين اللغتين العربية والإنجليزية والرياضيات والرسم، وحتى الموسيقى. كما يتدرّب الأطفال على لعبة الشطرنج، ويُسمح لهم بمشاهدة أفلام وثائقية ورسوم متحركة.
ويوضح درويش: «هدفنا تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والتعليمي»، مشيراً -على سبيل المثال- إلى أن دروس الرسم تساعدهم على التعبير عما يدور داخلهم، وعن صور وذكريات... وفي قاعات التدريس، عُلقت عشرات الرسومات على الجدران، بعضها يجسّد أشجاراً أو منازل وملاعب كرة قدم أو حتى سيارات.
وتشرح المرشدة النفسية في المركز ريم الحسن (28 عاماً) لوكالة «الصحافة الفرنسية»: «نشهد فرقاً كبيراً بين ما كان عليه الأطفال لدى مجيئهم واليوم. في البداية، لم يكن لديهم تواصل بصري، ورفض بعضهم تلقي الدروس من معلمات».
وتوضح: «لكنّ الوضع اليوم أفضل. نشهد تحسناً تدريجياً وإن كان بطيئاً»، مضيفة: «نقدّم الدعم النفسي من خلال جلسات جماعية وأخرى فردية، من أجل تجاوز القاسم المشترك بين الأطفال جميعاً، وهو: التشدد».
ليست مهمة إعادة التأهيل سهلة، إذ يواجه الفريق التعليمي تحدّيات عدة، بينها تعدّد الجنسيات واللغات التي يتحدّث بها الأطفال. ومنذ إعلان القضاء على التنظيم الإرهابي في 2019، تطالب الإدارة الذاتية الكردية الدول المعنية باستعادة رعاياها من أفراد عائلات التنظيم المحتجزين في مخيمي «الهول» و«روج».
ويؤوي مخيم «الهول» وحده، وفق الأمم المتحدة، 56 ألف شخص، غالبيتهم نساء وأطفال، بينهم أكثر من 10 آلاف من عائلات مقاتلي التنظيم الأجانب.
وتحذّر منظمة «سايف ذي تشيلدرن» غير الحكومية التي تعنى بحقوق الأطفال، من أن 7 آلاف طفل أجنبي ما زالوا عالقين «في خطر» في المخيمين، خصوصاً «الهول»، في ظل حوادث أمنية، بينها جرائم قتل وهجمات تطول حراساً وحتى عاملين إنسانيين. ويخشى المسؤولون الأكراد من نشوء الأطفال في المخيمين، «حيث لا تزال أفكار التنظيم مزروعة بشدة».
ويتألف مركز «أوركش للتأهيل والإصلاح»، المحاط بكاميرات مراقبة ويخضع لحراسة أمنية مشددة، من مبنى رئيسي من طبقتين تضمان قاعات التدريس وغرف نوم وصالات ترفيه. وتجاور المبنى غرف للطعام.
في الباحة الخارجية، يتفيأ بعض الأطفال الظلال تحت أشجار، بينما يلهو آخرون بمكعّب روبيك. ويشكل مصير الأطفال بعد إتمامهم 18 عاماً أحد التحديات التي تنتظر الإدارة الذاتية.
ويقول الرئيس المشترك لمكتب شؤون العدل والإصلاح في الإدارة الكردية، خالد رمو: «هناك خياران؛ إما وضع برنامج تأهيل جديد يناسب أعمارهم، أو ممارسة ضغوط دبلوماسية من أجل أن تستعيدهم دولهم».
ويشرح: «لا نرغب في وجود الأطفال بشكل دائم في المراكز، لكن الجهود الدبلوماسية بطيئة، وأطفال كُثر بحاجة إلى تأهيل».
وتُكرّر الإدارة الذاتية مناشدتها المجتمع الدولي تقديم الدعم، من أجل بناء مراكز إعادة تأهيل جديدة، باعتبار أنّ ملف عائلات التنظيم «ليس خاصاً بالإدارة الذاتية، بل هو ملف دولي وإقليمي» معقد.
ويرى رمو أنّ نجاح مراكز التأهيل «بمثابة إنقاذ للمنطقة من ظهور جيل جديد متطرف».


مقالات ذات صلة

تركيا: لا مكان لـ«الوحدات الكردية» في سوريا الجديدة

المشرق العربي حديث جانبي بين وزيري الخارجية التركي هاكان فيدان والأميركي أنتوني بلينكن خلال مؤتمر وزراء خارجية دول مجموعة الاتصال العربية حول سوريا في العاصمة الأردنية عمان السبت (رويترز)

تركيا: لا مكان لـ«الوحدات الكردية» في سوريا الجديدة

أكدت تركيا أن «وحدات حماية الشعب الكردية» لن يكون لها مكان في سوريا في ظل إدارتها الجديدة... وتحولت التطورات في سوريا إلى مادة للسجال بين إردوغان والمعارضة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.