الضائقة الاقتصادية تدفع شباناً لبنانيين إلى الانتحار

3 حالات خلال يومين... وأعمارهم تتراوح بين 16 و34 عاماً

الضائقة الاقتصادية تدفع شباناً لبنانيين إلى الانتحار
TT

الضائقة الاقتصادية تدفع شباناً لبنانيين إلى الانتحار

الضائقة الاقتصادية تدفع شباناً لبنانيين إلى الانتحار

بأسى، يطلب الشاب اللبناني موسى الشامي (32 عاماً) الذي أقدم على الانتحار، أمس، من صديقه الاعتناء بعائلته، وتحديداً طفلته جوري. يقول لصديقه في المقطع الصوتي المنتشر على مواقع التواصل: «لم أجد شخصاً غيرك أراسله، أنت أكثر من أعرفهم صاحب القلب القوي ويعرف كيف يتصرف، أنا موجود الآن أمام المبنى وسأقدم على الانتحار، اهدأ واعتن بنفسك وبدعاء (زوجته) وجواد (ابنه) وجوري (ابنته)... هم أمانة في عنقك».
والشامي واحد من 3 لبنانيين أقدموا على الانتحار خلال الساعات الـ48 الماضية. بات اللجوء إلى هذا الخيار شائعاً، رغم التحفّظ عن الإعلان كون الانتحار لا يزال «تابو» في البيئات الاجتماعية، كما يقول مختصون، وهو ظاهرة تشكل خطراً اجتماعياً كبيراً في ظل الضغوطات المالية والأزمات المعيشية التي يعاني منها اللبنانيون.
وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية، صباح الخميس، بالعثور على جثة موسى، وهو من مواليد 1991، ويتحدر من بلدة جرجوع في جنوب لبنان، قرب منزله في بلدة دير الزهراني، وكانت مصابة بطلق ناري.
وانتشر مقطع صوتي للشامي أثار حزناً بالغاً في البلاد. وأعاد سبب انتحاره إلى الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها، ويؤكد لصديقه أنه لم يعد قادراً على التحمل، في إشارة إلى الأعباء المالية التي باتت أكبر من قدراته، ويطلب من الجميع مسامحته، «وعدم التحدث عنه بسوء».
ويرسم ارتفاع حالات الانتحار قلقاً اجتماعياً، بالنظر إلى أن العنوان المتصدّر للأسباب هو الانهيار المالي والاقتصادي الذي يضرب لبنان، والتدهور المعيشي الذي بات يوصف بأنه مزرٍ.
وتتنوع الأسباب التي تدور جميعها ضمن خانة واحدة تتصل بالواقع المعيشي. تتكرر الرسالة التي كتبها الشامي وتختلف بالتوقيع، منهم من أثقل بديون لا يمكنه سدادها، وآخر لا يمكنه إعالة عائلته، ومنتحر لا وظيفة لديه، ومنتحر آخر لا مال لديه لتأمين الدواء لوالده، وآخر لا يمكنه استكمال العلاج الكيميائي في المستشفى.
- ظاهرة مقلقة
بالأرقام، يقدم على الانتحار شخص كل يومين، من هنا يُعتبر انتحار 3 أشخاص في 48 ساعة، «عدداً كبيراً جداً»، حسب ما أكدت المسؤولة عن خط الحياة في جمعية «Embrace» الإخصائية والمعالجة النفسية ريف رومانوس، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الأرقام في لبنان أقل من الواقع؛ «لأن موضوع الانتحار لا يزال من المحرّمات، فلا يتم الإعلان عن كل حالات الانتحار التي تحصل».
وتشير رومانوس، وهي المتخصّصة بالتعامل مع قضايا الانتحار، إلى أن أعداد المتّصلين بالجمعية على ازدياد، وهم ذوو أفكار انتحارية، ولا يستطيعون السيطرة عليها.
وتؤكد رومانوس أن الوضع الاقتصادي من العوامل التي تعتبر خطرة، وهي التي تؤدي للاستسلام عند البعض والانتحار. وتشير إلى أن أعمار المنتحرين في لبنان تتراوح بين 16 و34 سنة، وهم أكثر عرضة للانتحار من غيرهم.
وقبل 24 ساعة من حادثة انتحار الشامي، أقدم الشاب علي مشهور أبو حمدان على الانتحار أيضاً بإطلاق النار على نفسه من مسدّسه.
ويوم الجمعة الماضي، أقدم شاب من بلدة داريا في جبل لبنان (25 سنة)، على قتل زوجته خنقاً وطفله الوحيد حسين بالطريقة نفسها ثم انتحر. وقال السكان إن حسن كان عاطلاً عن العمل، ويعيش ظروفاً مرضية وعصبية صعبة، ويعاني من اضطراب نفسي بسبب الظروف المادية القاسية التي تلف البلاد.
وكانت زوجته المغدورة تعمل في قطاع التعليم الذي يعاني من تعطيل وإضرابات بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار. وقال السكان إنه بعد إقدام حسن على خنق الأم والطفل، رمى بنفسه عن سطح المنزل.
- تراجع في 2022
ورغم الارتفاع الملاحظ في حوادث الانتحار المسجّلة رسمياً خلال الأيّام والأسابيع المنصرمة، مما أعطى انطباعاً بارتفاع هذه الحوادث مقارنة بالفترة السّابقة، فإن «الدولية للمعلومات» الإحصائية تعاكس التقديرات، قائلة في بيان، إنّ مراجعة حوادث الانتحار بالأرقام تفيد بأن حوادث الانتحار تراجعت خلال عام 2022، مقارنة بعام 2021، وفقاً لما هو مبيّن في جدول نشرته.
وفي التفاصيل، وصل متوسّط حوادث الانتحار سنويّاً خلال الأعوام 2013 - 2022 إلى 143 حادثة، والعدد الأكبر سجّل في عام 2019؛ إذ بلغ 172 حادثة، أمّا العدد الأدنى فهو 111 حادثة سجّلت في عام 2013. هذا، ولو اعتمدنا العام 2011 كقاعدة انطلاق لتبيَّن لنا أن معدّل ارتفاع عدد حوادث الانتحار المسجّل رسمياً هو 32 في المائة خلال السنوات التسع الأخيرة (2014 - 2022).
وفي ظل غياب دولة تهتم بمواطنيها؛ إذ لا ضمان شيخوخة، بينما أسعار الدواء والسلع ترتفع، وتغيب أدنى مقوّمات الحياة بموازاة تفاقم الأزمة وتدنّي الرواتب، يلجأ بعض اللبنانيين لخيار الموت، وهو ما تحذر منه جمعية «Embrace» التي توفر النصائح عبر خط هاتفي (1546)، وتؤكد أن الأمل دائماً موجود حتى لو بنسبة 1 في المائة. ودعت رومانوس كل شخص يفكر بالانتحار إلى التواصل مع الجمعية أو مع أصدقائه، فالكلام دائماً يساعد لتجنب مصير الموت.


مقالات ذات صلة

ارتفاع حالات الانتحار في الجيش الأميركي عام 2023

الولايات المتحدة​ جنود أميركيون (رويترز - أرشيفية)

ارتفاع حالات الانتحار في الجيش الأميركي عام 2023

قال مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الأميركية، إن حالات الانتحار في الجيش الأميركي زادت عام 2023، وهو ما يمثل استمراراً لاتجاه طويل الأمد كافح البنتاغون للحد منه.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق نجومٌ في الصغر... ضحايا في الكبر

نجومٌ في الصغر... ضحايا في الكبر

من مايكل جاكسون إلى ليام باين، مروراً بماثيو بيري وغيرهم من النجوم... خيطان جمعا ما بينهم؛ الشهرة المبكّرة والوفاة التراجيدية التي تسببت بها تلك الشهرة.

كريستين حبيب (بيروت)
تكنولوجيا السيدة اتهمت روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي بدفع ابنها إلى الانتحار (رويترز)

سيدة تتهم روبوت دردشة بدفع ابنها إلى الانتحار

اتهمت سيدة أميركية روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي بدفع ابنها إلى الانتحار بعد أن أصبح «مهووساً به».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق السلامة أولاً وأخيراً (أ.ب)

«وعاء» نيويورك الشبيه بخلية يُرحِّب مجدّداً بالزوار... و«سلامتهم»

صعد السياح مجدّداً درجات منحوتة «الوعاء» في مانهاتن التي تتّخذ شكل خلية نحل، وذلك بعد إعادة إتاحة زيارتها أمام الجمهور للمرة الأولى منذ 3 سنوات.

«الشرق الأوسط» (مانهاتن (الولايات المتحدة))
يوميات الشرق وفق علم النفس فإنّ مَن ينتحرون من أماكن مرتفعة يرغبون في تحويل موتهم إلى فعلٍ عام (رويترز)

ليام باين ليس أوّل ضحاياها... الشرفةُ كوسيلة انتحارٍ حتميّ

أعادت حادثة سقوط المغني ليام باين من على شرفة الفندق وفياتٍ كثيرة مشابهة إلى الأذهان. فلماذا يختار بعض المشاهير الانتحار من أماكن مرتفعة؟

كريستين حبيب (بيروت)

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
TT

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

رحبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، معتبرة أنه خطوة «تاريخية مهمة».

وقالت الحركة في بيان إنها «خطوة ... تشكل سابقة تاريخيّة مهمة، وتصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا»، من دون الإشارة إلى مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق محمد الضيف، قائد الجناح المسلح لـ«حماس».

ودعت الحركة في بيان «محكمة الجنايات الدولية إلى توسيع دائرة استهدافها بالمحاسبة، لكل قادة الاحتلال».

وعدّت «حماس» القرار «سابقة تاريخية مهمة»، وقالت إن هذه الخطوة تمثل «تصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا، وحالة التغاضي المريب عن انتهاكات بشعة يتعرض لها طيلة 46 عاماً من الاحتلال».

كما حثت الحركة الفلسطينية كل دول العالم على التعاون مع المحكمة الجنائية في جلب نتنياهو وغالانت، «والعمل فوراً لوقف جرائم الإبادة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة».

وفي وقت سابق اليوم، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت؛ لتورطهما في «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب»، منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وقال القيادي بحركة «حماس»، عزت الرشق، لوكالة «رويترز» للأنباء، إن أمر الجنائية الدولية يصب في المصلحة الفلسطينية.

وعدّ أن أمر «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو وغالانت يكشف عن «أن العدالة الدولية معنا، وأنها ضد الكيان الصهيوني».

من الجانب الإسرائيلي، قال رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، إن قرار المحكمة بإصدار أمري اعتقال بحق نتنياهو وغالانت «وصمة عار» للمحكمة. وندد زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد، أيضاً بخطوة المحكمة، ووصفها بأنها «مكافأة للإرهاب».

ونفى المسؤولان الإسرائيليان الاتهامات بارتكاب جرائم حرب. ولا تمتلك المحكمة قوة شرطة خاصة بها لتنفيذ أوامر الاعتقال، وتعتمد في ذلك على الدول الأعضاء بها.