وسط توقعات وتحليلات تفيد بأن الصين قد تلجأ في نهاية المطاف إلى غزو تايوان، ومع خروج الرئيس الأميركي جو بايدن، عن السياسة المألوفة بالاحتفاظ بموقع غامض إزاء الدفاع عن تايوان، حيث أعلن مؤخراً أن القوات الأميركية ستدافع عن تايبيه في حالة تعرضها لغزو صيني، يبرز هذا التساؤل: هل يمكن أن تنجح واشنطن في ردع بكين عن مثل هذا الغزو؟
يقول الخبير العسكري الأميركي جاري أندرسون، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست»، إن الردع هو فن إقناع الآخر بأن بدء حرب ما لن يستحق ما سوف يتسبب فيه من تكاليف. وترغب الولايات المتحدة في ردع الصين عن غزو تايوان، لكنها تريد القيام بذلك دون بدء حرب باردة جديدة.
ومع ذلك، يبدو أن المفكرين الاستراتيجيين العسكريين أو المدنيين الأميركيين قد فكروا قليلاً في هذه المشكلة. ويبدو أن الجنرالات والأدميرالات أكثر اهتماماً بتضخيم التهديد العسكري من بكين لزيادة حصتهم من الميزانية، ويبدو أن الكثير من المدنيين عازمون على عدم الظهور بمظهر عدواني للغاية، حسبما أفاد تحليل لوكالة الأنباء الألمانية.
ويقول أندرسون: «نحن بحاجة إلى أن نسأل أنفسنا ما إذا كنا نريد نهج حرب باردة تجاه الصين أو إذا كنا نريد دفع بكين إلى موقف أقل مواجهة فيما يتعلق بتايوان والغرب على نطاق أوسع». ويعتقد البعض في الغرب أن الرئيس الصيني شي جينبينغ يريد «إعادة توحيد» تايوان لتعزيز إرثه كزعيم قادر على فعل ما لم يستطع ماو تسي تونغ، مؤسس جمهورية الصين الشعبية، القيام به. وإذا كان هذا هو الحال، فإن شي وحده يعلم الأمر على وجه اليقين. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فهناك سببان لبكين لمحاولة الاستيلاء على تايوان بالقوة.
وقد يكون الدافع الثاني هو نشوء أزمة اقتصادية أو سياسية كبرى، والتي قد تشجع شي أو خليفته المحتمل على خوض الحرب لصرف الانتباه عن المشكلات الداخلية. والثالث هو إعلان استقلال تايوان، وهو مؤشر خطر لا يمكن لأي قائد في البر الرئيسي تجاهله. ويرى أندرسون أن السياسة الأميركية تتمثل في ثني التايوانيين عن هذا المسار، لأن الردع الطبيعي قد لا ينجح في خضمّ اللحظة. وهذا أمر خطير لأن قضايا السيادة شديدة بشكل خاص في شرق آسيا.
ومع ذلك، في الحالتين الأوليين، يمكن أن يكون الردع الأميركي مثبطاً قوياً للصين لمهاجمة تايوان. والتحدي الذي يواجه الولايات المتحدة هو تأطير هذا الرادع لإظهار أنها لا تريد الحرب ولكنها ستقاتل وتنتصر إذا بدأت تلك الحرب. ويقول أندرسون إنه إذا قررت الصين غزو تايوان فمن المحتمل أن تحاول وضع منطقة حظر حولها كما فعل البريطانيون مع جزر فوكلاند في عام 1982. ومن شأن هذا أن يَقصُر الحرب على المنطقة المحيطة بالجزيرة، مما يسمح لبكين بممارسة التجارة كالمعتاد في أماكن أخرى من العالم.
وإذا أرادت الولايات المتحدة توفير ردع حقيقي، يجب على قادتها أن يوضحوا أن مثل هذه الحيلة لن تنجح، وأن أي حرب ستكون صراعاً إقليمياً كبيراً مع ضمان الحصار الكامل للصين. ومن شأن هذا أن يضع الصينيين في موقف يؤدي فيه الصراع إلى تفاقم أي أزمة داخلية قد تدفع الحزب الشيوعي الصيني إلى التفكير في مغامرة عسكرية. ويضيف أندرسون أن وسائل تحقيق مثل هذا الحصار ستكون عسكرية وبحرية في المقام الأول، لكنّ الآثار ستكون كارثية اقتصادياً على الصين، التي لديها اقتصاد قائم على التصدير. ومن شأن حصار لمدة عام أن يكلف الصين مئات المليارات من الدولارات من الصادرات إلى الولايات المتحدة وحدها. وعلاوة على ذلك، فإن الحصار من شأنه أن يعرّض أكثر من تريليوني دولار من النشاط الاقتصادي للخطر. وبما أن معظم هذه التجارة يذهب عن طريق البحر، فإن الحصار سيكون كارثة بالنسبة إلى الصين.
إن إغراء إبقاء الحروب محدودة وقابلة للإدارة أمر جذاب للقادة السياسيين الأميركيين، ولكنّ هذا النهج نادراً ما يتم بشكل جيد سياسياً أو عسكرياً. لقد قضى على آمال هاري ترومان في رئاسة ناجحة خلال الحرب الكورية. وسمح النهج الأميركي الضمني من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لإبقاء الحرب في فيتنام محدودة، للفيتناميين الشماليين بجس نبض الردود الأميركية بعناية.
ومن خلال مزيج بارع من التصعيد والتفاوض، تمكّن النظام الشيوعي في الشمال من إضعاف الإمكانات العسكرية الأميركية الساحقة إلى درجة يمكن التحكم فيها، مما سمح لهانوي بانتظار إرادة الشعب الأميركي لمواصلة ما بدا أنه صراع ميؤوس منه. وأدركت هانوي القيود المفروضة ذاتياً والتي كان الأميركيون يعملون في ظلها واستغلتها ببراعة.
وبالمثل، أدركت «طالبان» في أفغانستان أن الولايات المتحدة تنظر إلى الحرب ضدها على أنها عرض جانبي في «حربها العالمية على الإرهاب». وبعد عدة سنوات، أدرك الأصوليون أن بإمكانهم انتظار خروج الأميركيين. وساعد الخشخاش ودعم الباكستانيين، الذين كانوا يعارضون أي حكومة قوية تدعمها الولايات المتحدة في كابل، «طالبان» في تمويل جهودها طويلة الأجل. وأدت الأهداف المحدودة وعدم وجود التزام كامل مرة أخرى إلى فشل جهود واشنطن الحربية.
ولدى الولايات المتحدة القدرة على فرض حصار بالغواصات الهجومية والقوة الجوية. ومن المؤكد أن مثل هذه الحرب الاقتصادية ستضر بالولايات المتحدة، لكنها ستدمّر الصين على المدى الطويل. وهذا هو جوهر الردع. ويمكن للولايات المتحدة أن تبدأ في بناء موقف رادع موثوق به من خلال إعادة تشغيل سلسلة مناورات الحرب العالمية لكلية الحرب البحرية. وهناك أدلة جيدة على أن سلسلة المناورات جذبت انتباه المخططين السوفيات خلال الحرب الباردة، وأقنعتهم بأن الولايات المتحدة كانت جادة بشأن نيتها وقدرتها على تركيع الاتحاد السوفياتي اقتصادياً وعسكرياً من خلال العمل البحري والبري العدواني. ولم تهدد المناورات الاتحاد السوفياتي بشكل مباشر لأنها افترضت دائماً صراعاً يبدأه الاتحاد السوفياتي.
ويقول أندرسون إن من شأن هذه السلسلة من المناورات أن تُقنع الصينيين بأن الولايات المتحدة تستطيع أن تجعلهم يدفعون ثمناً باهظاً غير مقبول لمهاجمة تايوان. ويختتم تقريره بالقول: «لا أحد يريد حرباً صينية - أميركية بسبب تايوان، لكن أفضل طريقة لثني بكين عن بدء حرب هي إقناعها بأن الهجوم سيكون مكلفاً للغاية».
هل تنجح الولايات المتحدة في ردع «المارد» الصيني عن غزو تايوان؟
هل تنجح الولايات المتحدة في ردع «المارد» الصيني عن غزو تايوان؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة