اليمين الأوروبي ينبذ برلسكوني تمهيداً لاحتضان ميلوني

سيلفيو برلسكوني خلال حملته الانتخابية في 22 سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)
سيلفيو برلسكوني خلال حملته الانتخابية في 22 سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)
TT

اليمين الأوروبي ينبذ برلسكوني تمهيداً لاحتضان ميلوني

سيلفيو برلسكوني خلال حملته الانتخابية في 22 سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)
سيلفيو برلسكوني خلال حملته الانتخابية في 22 سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)

سيلفيو برلسكوني، الاسم الأكثر حضوراً في المشهد السياسي الإيطالي منذ ثلاثة عقود، والشخصية الإيطالية الأكثر إثارة للجدل في الداخل والخارج، يدنو من نهاية مسيرته السياسية، التي بدأت مطالع تسعينات القرن الماضي، عندما أسس حزب «فورزا إيطاليا»، الذي بدّل اسمه ثلاث مرات قبل أن يعود ليستقر على التسمية الأولى، وتولّى خلالها رئاسة الحكومة الإيطالية ثلاث مرات، فيما كان يخضع لما يزيد على 40 ملاحقة قضائية بتهم الفساد والاحتيال، والتهرب من دفع الضرائب، ورشوة القضاة والشهود، فضلاً عن الفضائح الجنسية التي غالباً ما كان يتباهى بها للتدليل على ذكوريته ومواهبه في الغواية.
درج برلسكوني، خلال وجوده على رأس الحكومة الإيطالية، على تعيين وزير للعدل مكلّف بصورة غير رسمية بتأجيل النظر في الدعاوى التي تلاحق «الفارس»، إلى أن تتجاوز مواقيت تقادم التهم الموجهة إليه، بحيث لم تصدر بحقه سوى إدانة نهائية واحدة بتهمة تزوير البيانات الضريبية.
وفي أواخر الأسبوع الماضي، وبعد أن كانت الأدلة الدامغة وعشرات الشهادات تنذر بإدانته بتهمة رشوة الذين كانوا يشاركونه حفلاته الجنسية الصاخبة مع قاصرات، صدر الحكم النهائي بتبرئته استناداً إلى مخالفات وأخطاء في الإجراءات القضائية. لكن متاعب برلسكوني هذه المرة جاءت من جهة أخرى؛ فـ«الحزب الشعبي الأوروبي»، الذي يضمّ أحزاب اليمين المحافظ قرّر نبذه، وبدأ يمهّد لإبعاده، في الوقت الذي كانت فيه رئيسة الحكومة الإيطالية جيورجيا ميلوني، وحليفته في الائتلاف اليميني، تردد في مجالسها الخاصة أنها قد ضاقت به ذرعاً، ولم تعد مستعدة للسماح له بزرع الألغام أمامها.
ومنذ نزوله إلى الملعب السياسي، كما يحلو له أن يردد، إلى اليوم، لم يتوقف برلسكوني عن لعب دور حاسم في السياسة الإيطالية. لكن التغيير الأساسي هو أن حزب «فورزا إيطاليا» الذي أسسه في عام 1994، والذي يمثّل «الحزب الشعبي الأوروبي» في إيطاليا، ضمرت شعبيته في السنوات الأخيرة إلى أن أصبح بقاؤه مرهوناً بصحة مؤسسه، الذي لم يعد يجد سبيلاً إلى الظهور سوى إحراج حليفته رئيسة الحكومة، التي كانت قد تولّت أول منصب عام لها كوزيرة للشباب في حكومته الثانية.
والمفارقة أن برلسكوني الذي يمثّل الجناح المعتدل في الحكومة الائتلافية التي تضمّ حزب «الرابطة» اليميني المتطرف الذي يتزعمه ماتّيو سالفيني، وحزب «إخوان إيطاليا» الذي قام على أنقاض الحركة الفاشية وترأسه ميلوني، قد عثر في الحرب الدائرة في أوكرانيا على الخنجر المناسب الذي يصوبّه إلى ظهر رئيسة الحكومة، كلما شعر بأنه مهمّش، أو أن آراءه لا يؤخذ بها.
ففي الأسبوع الماضي، وبعد أن أدلى بصوته في الانتخابات الإقليمية، سأله الصحافيون عن رأيه في اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والمستشار الألماني أولاف شولتس، واستبعدت عنه رئيسة الحكومة الإيطالية جيورجيا ميلوني، فردّ بقوله: «لو كنت رئيساً للوزراء لما اجتمعت أبداً بزيلينسكي، ولا تحدثت إليه، فيما نحن شهود على دمار بلاده ومقتل جنوده ومواطنيه». ثم أضاف برلسكوني، الذي تربطه صداقة وطيدة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن زيلينسكي يجب أن يرمي سلاحه لوقف المزيد من إهراق الدماء، متغاضياً عن أن بلاده هي التي تعرضت للاجتياح الروسي، ليطالب بعد ذلك بأن تكفّ الولايات المتحدة عن تمويل شراء الأسلحة والذخائر لأوكرانيا قائلاً: «كي نصل إلى السلام، على الرئيس الأميركي جو بايدن أن يتحدث إلى زيلينسكي ليقول له: «في تصرفك، بعد نهاية الحرب، خطة مارشال لإعمار أوكرانيا، لكن بشرط أن تعلن غداً وقف إطلاق النار، وإلا فإننا سنقطع عنك كل المساعدات المالية والعسكرية».
هذه التصريحات التي أحرجت رئيسة الحكومة الإيطالية، التي أكّدت مراراً على دعمها التام لأوكرانيا، واصطفافها بجانب التحالف الغربي، كان لها وقع القنبلة في أوساط «الحزب الشعبي الأوروبي»، الذي كان حتى الآن يغضّ الطرف عن شطحات برلسكوني، وكان قد برّر تحالفه مع اليمين المتطرف لتشكيل الحكومة، وهو أمر لم يحدث في أي بلد أوروبي آخر. وعندما ارتفعت أصوات الأحزاب اليسارية تندد بتصريحات برلسكوني في البرلمان الأوروبي الأسبوع الفائت، كان رئيس «الحزب الشعبي الأوروبي» مانفريد فيبير أول المصفقين لها، ليعلن بعد ساعات عن إلغاء المؤتمر الأوروبي للحزب، الذي كان مقرراً انعقاده في مدينة نابولي بدعوة من برلسكوني.
وفي غضون ذلك، بدأ المحافظون الأوروبيون بتوجيه رسائل مباشرة إلى رئيسة الحكومة الإيطالية، التي سبق أن ألمحوا إلى استعدادهم لاحتضان حزبها ضمن الحزب الشعبي، والتي كانت قد أبدت استعدادها للتجاوب مع تلك الدعوات.
وكان أحد الوزراء السابقين في حزب «فورزا إيطاليا» قد صرّح منذ أسابيع عندما قرر فك ارتباطه مع برلسكوني قائلاً: «منذ سنوات لم يعد هذا الحزب يمثّل التيار اليميني المعتدل والليبرالي والأوروبي، والتصريحات التي تصدر منذ فترة عن برلسكوني تدلّ على أنه ليس سوى ما كان دائماً: شركة أخرى من شركاته».
ويراهن «الحزب الشعبي الأوروبي» في الوقت الحاضر على أنطونيو تاجاني، وزير الخارجية الحالي، والرئيس الأسبق للبرلمان الأوروبي، للحفاظ على شعرة معاوية مع حزب برلسكوني. لكن الانتقادات اللاذعة التي صدرت عن زعيم «فورزا إيطاليا» ضد حلفائه الأوروبيين، تنذر بقطيعة وشيكة بين الطرفين، تفتح الباب واسعاً أمام جيورجيا ميلوني، التي قام انتصارها الساحق في الانتخابات الأخيرة على أنقاض حليفيها سالفيني وبرلسكوني.


مقالات ذات صلة

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن الدول واستقرارها

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن الدول واستقرارها». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

الاتحاد الأوروبي يطالب طهران بإلغاء عقوبة الإعدام بحق مواطن ألماني - إيراني

قال الاتحاد الأوروبي إنه «يدين بشدة» قرار القضاء الإيراني فرض عقوبة الإعدام بحق المواطن الألماني - الإيراني السجين جمشيد شارمهد، وفقاً لوكالة «الأنباء الألمانية». وأيدت المحكمة العليا الإيرانية يوم الأربعاء حكم الإعدام الصادر بحق شارمهد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد «النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

«النقد الدولي» يدعو البنوك المركزية الأوروبية لعدم التوقف عن رفع أسعار الفائدة

قال مدير صندوق النقد الدولي لمنطقة أوروبا اليوم (الجمعة)، إنه يتعين على البنوك المركزية الأوروبية أن تقضي على التضخم، وعدم «التوقف» عن رفع أسعار الفائدة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». وأوضح ألفريد كامر، خلال إفادة صحافية حول الاقتصاد الأوروبي في استوكهولم، «يجب قتل هذا الوحش (التضخم).

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم أوروبا تسجّل في 2022 أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة

أوروبا تسجّل في 2022 أعلى إنفاق عسكري منذ الحرب الباردة

سجّل الإنفاق العسكري في أوروبا عام 2022 ارتفاعاً بوتيرة سريعة غير مسبوقة، حيث وصل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا إلى مستويات لم تشهدها القارة منذ الحرب الباردة، وفق ما أفاد باحثون في مجال الأمن العالمي. وأوردت دراسة لـ«معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» أن ارتفاع الإنفاق الأوروبي على الجيوش ساهم بتسجيل الإنفاق العسكري العالمي رقماً قياسياً للمرة الثامنة توالياً حيث بلغ 2.24 تريليون دولار، أو 2.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وعززت أوروبا انفاقها على جيوشها عام 2022 بنسبة 13 في المائة أكثر مقارنة بالأشهر الـ12 السابقة، في عام طغى عليه الغزو الروسي لأوكرانيا. وهذه الزيادة هي الأكبر م

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.