العربية ليست مجرد تراث... بل مسرى حياة

العربية ليست مجرد تراث... بل مسرى حياة
TT

العربية ليست مجرد تراث... بل مسرى حياة

العربية ليست مجرد تراث... بل مسرى حياة

تحديات اللغة العربية واضحة وجليّة، فوسائل التواصل تتحدث بالحرف اللاتيني عن واقع اللغة العربية. ساد الانفصام بين اللسان واللغة، بات التعبير أعجميّاً، ما يؤشر لمأزق حقيقي.
مع الأسف تبدو محاولات المواجهة من باب الترميم والتسرع في معالجة مستجدّات التعبير بالمفردة الوافدة، في غياب معالجة جينية لغويّة مطلوبة.
الاعتماد في الحقيقة على المراصد اللغويّة في الجامعات، من خلال العمل على التشابك بينها، رصداً وتحليلاً على أن تتوّج عملها تواصلاً مع المجامع اللغويّة المركزيّة. لا يبدو أن هناك عملاً جماعياً متكاملاً، إذ تبدو منصّات البحث اللغويّ متفرّقة، رغم سرعة التواصل التقني الحاصل. هذا يستدعي من أهل اللغة التفاعل ومواكبة حركة التغييرات السريعة في الشبكات، وتفعيل العمل المعجميّ، اقتراضاً أو نحتاً، في مركزيّة تصون اللغة القادرة بغناها على تفعيل تعابيرها من تراثها وتفاعلها الحضاريّ.
لا شك بداءة في جدّية موقف حيوية اللغة العربية في مواجهة التحديات العالميّة التي نواجهها، إذ ليست المشكلة في اللغة العربية، بل في الناطقين بها، وفي أزمة الذين يعرقلون حركة مواكبتها للتغييرات الحاصلة في العالم، أقلّه على الصعيد التقنيّ وتوابعه، فيستبدلون بالمصطلح العربيّ، الأجنبيّ، في حين لا يكلّ الباحثون الغربيون عن الإبحار والغوص في قاموس العربية، لغة وتقاليد وعادات، وهذا كان واضحاً مثلاً في دورة كأس العالم، حيث انصرف الغربيون إلى دراسة المجتمع العربيّ في كلّ تجليّاته وتداعياته، فكما جاءت الرمزيّة في المبايعة الرياضيّة بالعباءة العربيّة، تقديراً ورسالة، فإنّ اللغة هي عباءة الروح، فيها دفء تراثنا في ردّ برد العولمة الكاسحة الماسحة، ترجمة وتعبيراً.
من هنا فإنّ العربية ليست مجرد تراث، بل مسرى حياة، تعبّر فيها الأبجديّة عن واقعيتها، ما يدعو العاملين باللغة إلى التمسّك بالحلم العربيّ في وحدة نطق وتعبير ولسان. لذا فإنّ تحديات اللغة العربية واضحة وجلية، فوسائل التواصل تتحدّث بالحرف اللاتيني عن واقع اللغة العربية. ساد الانفصام بين اللسان واللغة، بات التعبير أعجميّاً، ما يؤشر لمأزق حقيقي.
من هنا ضرورة الاعتماد، في الحقيقة، على المراصد اللغويّة في الجامعات، من خلال العمل على التشابك بينها، رصداً وتحليلاً على أن تتوّج عملها تواصلاً مع المجامع اللغويّة المركزيّة.
وفي الواقع، لا يبدو أن هناك عملاً جماعياً متكاملاً، إذ تبدو منصّات البحث اللغويّ متفرّقة، رغم سرعة التواصل التقني الحاصل. هذا يستدعي من أهل اللغة التفاعل، ومواكبة حركة التغييرات السريعة في الشبكات، وتفعيل العمل المعجميّ، اقتراضاً أو نحتاً، في مركزيّة تصون اللغة القادرة بغناها على تفعيل تعابيرها من تراثها وتفاعلها الحضاريّ.
* أستاذ محاضر في جامعات عدة ويشغل منصب رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الجنان


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

5 يوروات «عقاب» مدرسة ألمانية لكل تلميذ متأخر

الأعذار لم تعُد مقبولة (د.ب.أ)
الأعذار لم تعُد مقبولة (د.ب.أ)
TT

5 يوروات «عقاب» مدرسة ألمانية لكل تلميذ متأخر

الأعذار لم تعُد مقبولة (د.ب.أ)
الأعذار لم تعُد مقبولة (د.ب.أ)

قلَّة لم تتأخر عن موعد بدء الدراسة في الصباح، لأسباب مختلفة. لكنَّ اعتياد التلامذة على التأخر في جميع الأوقات يُحوّل المسألة إلى مشكلة فعلية.

في محاولة للتصدّي لذلك، بدأت مدرسة «دورير» الثانوية بمدينة نورمبرغ الألمانية، فرض غرامة تأخير مقدارها 5 يوروات على كل تلميذ يُخالف بشكل دائم، ودون عذر، لوائح الحضور في التوقيت المحدّد.

وذكرت «وكالة الأنباء الألمانية» أنه بعد مرور أشهر على تنفيذ هذه الخطوة، لم يكن المدير رينر جيسدورفر وحده الذي يرى أن الإجراء يحقق نتائج جيدة.

إذ يقول مجلس الطلاب إن عدد التلاميذ المتأخرين عن حضور الفصول الدراسية تَناقص بدرجة كبيرة منذ فرض الغرامة، يوضح جيسدورفر أن الإجراء الجديد لم يفرض في الواقع بوصفه نوعاً من العقوبة، مضيفاً: «ثمة كثير من التلاميذ الذين مهما كانت الأسباب التي لديهم، لا يأتون إلى المدرسة في الوقت المحدّد». ويتابع المدير أن أولئك الصغار لا يكترثون بما إذا كنت تهدّدهم بالطرد من المدرسة، لكنْ «دفع غرامة مقدارها 5 يوروات يزعجهم حقاً».

ويؤكد أن الخطوة الأخيرة التي تلجأ إليها المدرسة هي فرض الغرامة، إذا لم يساعد التحدث إلى أولياء الأمور، والمعلّمون والاختصاصيون النفسيون بالمدرسة، والعاملون في مجال التربية الاجتماعية على حلّ المشكلة.

وحتى الآن فُرضت الغرامة على حالات محدودة، وهي تنطبق فقط على التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم بين 9 سنوات و11 عاماً، وفق جيسدورفر، الذي يضيف أن فرض الغرامة في المقام الأول أدّى إلى زيادة الوعي بالمشكلة.

وتشير تقديرات مدير المدرسة إلى أن نحو من 5 إلى 10 في المائة من التلاميذ ليسوا مهتمّين بالتحصيل التعليمي في صفوفها، إلى حدِّ أن هذا الاتجاه قد يُعرّض فرصهم في التخرج للخطر.

بدورها، تقول متحدثة باسم وزارة التعليم بالولاية التي تقع فيها نورمبرغ، إن المسؤولية تتحمَّلها كل مدرسة حول تسجيل هذه المخالفات. وتضيف أنه في حالات استثنائية، يمكن للسلطات الإدارية لكل منطقة فرض غرامة، بناء على طلب المدارس أو السلطات الإشرافية عليها.

ويقول قطاع المدارس بالوزارة إن المدارس المحلية أبلغت عن تغيُّب التلاميذ عن الفصول الدراسية نحو 1500 مرة، خلال العام الماضي؛ إما بسبب تأخّرهم عن المدرسة أو التغيب طوال أيام الأسبوع، وهو رقم يسجل زيادة، مقارنةً بالعام السابق، إذ بلغ عدد مرات الإبلاغ 1250، علماً بأن الرقم بلغ، في عام 2019 قبل تفشّي جائحة «كورونا»، نحو 800 حالة.

أما رئيس نقابة المعلّمين الألمانية، ستيفان دول، فيقول إن إغلاق المدارس أبوابها خلال فترة تفشّي الجائحة، أسهم في فقدان بعض التلاميذ الاهتمام بمواصلة تعليمهم. في حين تشير جمعية مديري المدارس البافارية إلى زيادة عدد الشباب الذين يعانون متاعب نفسية إلى حدٍّ كبير منذ تفشّي الوباء؛ وهو أمر يمكن أن يؤدي بدوره إلى الخوف المرَضي من المدرسة أو التغيب منها.