لثلاثة أيام، بدءاً من اليوم الجمعة، ستكون مدينة ميونيخ، عاصمة منطقة بافاريا، مرتعاً للدبلوماسية العالمية بمناسبة انعقاد «مؤتمر الأمن» السنوي الذي تستضيفه المدينة في نسخته الـ59. عشرات من رؤساء الدول والحكومات عبر العالم سيلتقون للتباحث بشؤون العالم فيما الحرب متواصلة في القارة الأوروبية، وستدخل بعد أيام قليلة عامها الثاني. ووفق الأرقام التي وزعها المنظمون، فإن ما لا يقل عن 150 شخصية رئيسية ستشارك في النسخة الجديدة لمؤتمر الأمن.
إذا كان الشعار الدائم للمؤتمر يقول «السلام عبر الحوار»، فمن الواضح اليوم، كما قالت مصادر رئاسية فرنسية، في معرض تقديمها لمجريات المؤتمر وللخطوط العريضة التي سيركز عليها الرئيس إيمانويل ماكرون، أن لغة التفاوض والسلام «ليس زمنها» اليوم في الحرب الروسية على أوكرانيا، بينما الطرفان يتأهبان لمعاودة العمليات العسكرية على نطاق واسع مع انطلاق الربيع المقبل.
وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده منظم المؤتمر كريستوف هوسغين، أعرب عن أمله في ألا ينحصر المؤتمر في الجلسات الجماعية التي تلقى فيها كلمات كبار قادة الدول، فضلاً عن المنظمات الدولية والعديد من الخبراء، بل أن تشهد قاعات الفندق التاريخي الشهير «بايريشر هوف» محادثات جانبية. وفيما سيحضر الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني ورئيس الوزراء البريطاني ونائبة الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البولندي والأمين العام للحلف الأطلسي وكبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي والعشرات غيرهم من القادة عبر العالم، فإن المنظمين لم يوجهوا الدعوة للرئيس الروسي ولا للرئيس الإيراني. وأفادت مصادر المؤتمر بأن وزيري الخارجية والدفاع الأوكرانيين سوف يحضران، كما سيحضر رئيس الدبلوماسية الصينية الذي يقوم بجولة أوروبية واسعة قادته أول من أمس إلى باريس، وسوف ينهيها في موسكو.
يقول المنظمون، وكذلك المصادر الرئاسية الفرنسية، إن الحرب في أوكرانيا سوف تكون على رأس لائحة الموضوعات التي ستتم مناقشتها خلال الأيام الثلاثة. بيد أن هذا الملف الملتهب سيتم التطرق إليه من الباب الواسع بحسب مدير المؤتمر الذي اعتبر أن الإشكالية الرئيسية سوف تطرح على الشكل التالي: «كيف يمكن فرض احترام القانون الدولي القائم على قواعد» معروفة ومنع انتهاكه؟ ويتساءل كريستوف هوسغين: «هل سيقوم نظام تكون فيه السيادة لقوة الحق والقانون أم نظام يتحكم فيه حق القوة؟».
أما السؤال الإضافي المنتظرة مناقشته فيتناول «كيفية التعامل مع الأشخاص والقادة السياسيين الذي لا يحترمون دولة القانون» أو القانون الدولي. ويستبطن هذا السؤال المساعي التي يبذلها العديد من الدول الغربية بدفع من كييف لإيجاد هيئة أو محكمة خاصة لمحاكمة المسؤولين عن المجازر التي ارتكبت في أوكرانيا على أيدي القوات الروسية أو الميليشيات التابعة لها. ويأمل القادة الغربيون، بحسب مصادر معنية بالمؤتمر، أن يستفيدوا من الفرصة المتوافرة في ميونيخ من أجل ممارسة الضغوط الممكنة على الدول التي حرصت حتى اليوم على الامتناع عن التعبير عن تنديدها بـ«العملية العسكرية الخاصة» التي أطلقتها روسيا في 24 فبراير (شباط) من العام الماضي. وهذه الدول تعد بالعشرات وعلى رأسها الصين.
وحتى اليوم، تبنّت الصين موقفاً متأرجحاً؛ فمن جهة، تؤكد تمسكها برفض الحرب، وعدم سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها. بيد أنها في الوقت عينه، امتنعت دوماً عن إدانة الغزو الروسي، بل إنها دفعت باتجاه تعزيز تعاونها مع روسيا في مختلف المجالات.
وسيكون وزير الخارجية الصيني موضع اهتمام خاص بالطبع بسبب الحرب في أوكرانيا، وأيضاً بسبب المناطيد الصينية التي تحلق في فضاءات العديد من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تتهم بكين باستخدامها لأغراض التجسس. وقامت القوات الجوية الأميركية بإسقاط أربعة منها. وأفضت عملية المناطيد إلى توتير العلاقات الأميركية – الصينية، وإلى إلغاء الزيارة التي كان من المفترض أن يقوم بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى بكين. وحتى اليوم، لم يعرف ما إذا كان بلينكن الذي يصل إلى ميونيخ مع كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي، سيعوض عن لقاء بكين الملغى بلقاء في ميونيخ على هامش أعمال المؤتمر أم لا.
تقول المصادر المشار إليها، إن الغربيين سيحاولون الضغط على كبار المسؤولين من أميركا اللاتينية والأفارقة؛ لدفعهم لـ«اتخاذ مواقف أكثر وضوحاً من الحرب الدائرة في أوكرانيا، والاختيار ما بين دعم أنظمة متسلطة مثل النظامين الروسي والصيني، أو الاصطفاف إلى جانب المعسكر الليبرالي الدولي». وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عارضت أو امتنعت 35 دولة عن إدانة الغزو الروسي. والحال أن هذه الدول تمثل على الأقل نصف سكان العالم. كما أن أياً من دول أفريقيا أو أميركا اللاتينية تبنى فرض عقوبات على روسيا. ويسعى الغربيون إلى دفعهم لكي يأخذوا في الاعتبار أن أزمة الغذاء العالمية وأزمة الوقود والأزمة الاقتصادية بشكل عام لا يمكن فصلها عن الحرب التي أطلقتها روسيا.
وقالت مصادر الرئاسة الفرنسية إن الملف النووي الإيراني سيكون موضع تداول في ميونيخ، بالإضافة إلى مشاركة طهران في الحرب الروسية من خلال تزويدها موسكو بالمسيرات، وثمة من يؤكد أنها تزودها كذلك بالصواريخ الباليستية.
ليس سراً أن الغربيين يتخوفون من النشاط المتزايد لروسيا والصين في القارة الأفريقية.
وفيما خص موسكو، فقد برز ذلك من خلال الجولة الموسعة التي قام بها وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى العديد من العواصم الأوروبية. وتبدو باريس الأكثر تأثراً حتى اليوم من تزايد الحراك الروسي، إنْ مباشرة أو بالواسطة عبر مجموعة «فاغنر» التي يتوافر لها حضور قوي في جمهورية وسط أفريقيا وفي مالي وبوركينا فاسو وغيرها.
وفي الخريف الماضي، اضطرت باريس إلى سحب قوة «برخان» من مالي، على الرغم من أنها كانت توجد في هذا البلد منذ عام 2014، حيث كانت عوناً للحكومة المالية في محاربة التنظيمات المتطرفة. كذلك، فإن بوركينا فاسو أمهلت فرنسا مدة شهر لسحب قوة الكوماندوس المسماة «سابر»، والتي كانت متخصصة في ملاحقة قادة المجموعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي.
وعلم أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني سيكون حاضراً، فيما ألغى رئيس الوزراء اللبناني مشاركته بسبب تطور الأوضاع في لبنان. وأفادت باريس بأن قادة ما يسمى «مجموعة ويمار» التي تضم فرنسا وألمانيا وبولندا، سوف يعقدون اجتماعاً بمناسبة وجودهم الجماعي في ميونيخ.
«ميونيخ للأمن» السنوي ينطلق اليوم بحضور عشرات القادة... وغياب موسكو وطهران
الغربيون للاستفادة من المؤتمر للضغط على الدول الممتنعة عن إدانة الحرب الروسية
«ميونيخ للأمن» السنوي ينطلق اليوم بحضور عشرات القادة... وغياب موسكو وطهران
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة