«ركن فاروق»... استراحة ملكية بجوار مياه النيل

زيارة خاصة لعشاق المقتنيات النادرة

متحف «ركن فاروق» من العلامات المميزة على شاطئ النيل (موقع وزارة السياحة والآثار المصرية)
متحف «ركن فاروق» من العلامات المميزة على شاطئ النيل (موقع وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

«ركن فاروق»... استراحة ملكية بجوار مياه النيل

متحف «ركن فاروق» من العلامات المميزة على شاطئ النيل (موقع وزارة السياحة والآثار المصرية)
متحف «ركن فاروق» من العلامات المميزة على شاطئ النيل (موقع وزارة السياحة والآثار المصرية)

في إبحار عكس جريان مياه النيل، يمكن قطع 80 عاماً إلى الوراء، إلى جنوب القاهرة وتحديداً ضفة النيل غرب منطقة حلوان، حيث يقبع متحف «ركن فاروق»، الذي يعد إضافة ثقافية لزيارة العاصمة المصرية، تعرفك جانباً من الملامح الملكية، بما يضمه المتحف من مقتنيات الأسرة العلوية في مصر. يعد المتحف في الأساس استراحة ملكية أنشئت للملك فاروق (1920 - 1965)، إلى جانب أن المبنى نفسه من التحف المعمارية للمباني الملكية، لكونه صُمم على هيئة قارب يرسو على شاطئ النيل.
قصة المكان
يرجع تاريخ موقع المتحف لعام 1916 عندما اختار المهندس الإيطالي أرسان جوفان هذه البقعة لإنشاء كشك للشاي (كافيتريا) يتبع فندق «غراند أوتيل»، وفي عام 1932 انتقلت ملكية المكان للثري المصري محمد بك حافظ، وبعدها عام 1935 اشتراه الملك فاروق عن طريق أحد الوسطاء بمبلغ ألفي جنيه (كان مبلغاً ضخماً وقتها)، وتم ضمه إلى ممتلكات الملك الخاصة، ليتحول من كشك شاي لاستراحة شتوية للملك.

قاعة الطعام إحدى القاعات التي يضمها متحف «ركن فاروق» (صفحة المتحف على فيسبوك)

تم بناء الاستراحة فيما بين عامي 1941 و1942، وافتتحها الملك يوم 5 سبتمبر (أيلول) 1942، وأطلق عليها «ركن فاروق» أو «استراحة فاروق الملكية»، وهي مكونة من طابقين و«روف»، وتقع على مساحة ثلاثة أفدنة، حوالي 11600 متر. يشغل المبنى مساحة 440 متراً على شكل سفينة ‏ترسو على ضفة النيل، وبقية المساحة حديقة غنّاء، وصمم بالاستراحة خمسة مراسٍ نهرية على طول ضفة النيل لاستقبال اليخت الملكي، ونُقش ‏على البوابات الشعار الملكي.
بعد قيام ثورة 1952، كان نصيب الاستراحة خضوعها للحماية باعتبارها من ثروات الشعب وممتلكاته، وأنها ينبغي أن تؤول إليه.
وفي عام 1976 رأت الحكومة المصرية ممثلة في المجلس الأعلى للآثار، إدراج الاستراحة على قائمة الآثار والمتاحف التاريخية، وخضوعها لقانون حماية الآثار الذي يجرم التعدي عليها، لتتحول الاستراحة إلى متحف منذ ذلك التاريخ، ليكون شاهداً على واحدة من أهم الفترات التاريخية التي مرت بها مصر.

متحف «ركن فاروق» يحمل قيمة تاريخية بمقتنياته الملكية (موقع وزارة السياحة والآثار المصرية)

ظل المكان بين الفتح والإغلاق، حتى تم إغلاقه عام 2011، عقب ثورة يناير (كانون الثاني) عقب حالة الانفلات الأمني، ثم أعيد افتتاح المتحف بعد الانتهاء من مشروع تطويره وترميمه عام 2016، حيث تم تجهيزه وتطويره ووضع البطاقات التوضيحية لكل المقتنيات الأثرية داخل المتحف ضمن سيناريو العرض المتحفي، مع اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة.
أهم المقتنيات
يضم المتحف عدداً من القاعات، مثل: قاعة الاستقبال، وقاعة المدفأة، وقاعة الطعام، بالإضافة إلى شرفة كبيرة تطل على النيل وجناح للنوم. ويُعرض داخل هذه القاعات مجموعة ثمينة ونادرة من المقتنيات الملكية، من أثاث، وتحف، وتماثيل، وساعات، وأطقم ‏للمائدة عليها الشعار الملكي، وعديد من اللوحات الزيتية، وتليفون عليه العلم المصري، ومجموعة من القطع كنماذج ‏لمحاكاة المجموعات المصرية القديمة؛ مثل مجموعة الملك توت عنخ آمون، ومجموعة «يويا وتويا»، والتي صنعت ‏للملك فاروق خصيصاً، ومنقولة من استراحة الملك فاروق بمنطقة الهرم.
ومن أهم المعروضات بمتحف «ركن فاروق‏» لوحة «آية الكرسي» التي كتبت بماء الذهب، من إهداء الشيخ محمد عبد الرحمن، الذي يُعد واحداً من أشهر الخطاطين المصريين في القرن العشرين، حيث تم إهداؤها للملك فاروق يوم ‏افتتاح الاستراحة، وصورة فوتوغرافية لزفاف الملك فاروق والملكة ناريمان (1951)، وهي مزينة بإطار من الخشب المذهب يعلوه شكل التاج الملكي، وصورة فوتوغرافية نادرة للملك فاروق، وأخرى تجاورها يتم خلالها سرد حياة الملك وتاريخ توليه الحكم، ولوحة من الجلد أهديت من أحد أصحاب المطابع للملك فاروق يوم 6 مايو (أيار) 1947، في ذكرى جلوسه على العرش.
كما يضم سرير ‏المهد الخاص بالأمير أحمد فؤاد الثاني، ولوحة زيتية للملك فاروق في سن صغيرة، بالإضافة إلى كرسي خشب، ‏يحاكي كرسي عرش الملك توت عنخ آمون، وتمثالين للفلاحة المصرية من أعمال الفنان الفرنسي ‏‏تشارلز كوردييه، و«بارافان» من خشب الجوز التركي مُطّعم بالعاج والصدف، صُورت عليه مناظر من الفن ‏المصري القديم، ‏أبرزها محاكمة الموتى.‏
المفارقة، أنه على الرغم من حرص الملك فاروق على تأسيس الاستراحة وفق أحدث الطرز آنذاك، فإن آخر ملوك مصر لم يقم فيها طويلاً، أو بالأحرى لم يأتها زائراً سوى مرتين فقط، على الرغم من إعدادها بما يليق بالملوك والحكام.
حديقة المتحف
تضم الاستراحة الملكية حديقة كبيرة تطل على كورنيش النيل مباشرة، تضم أنواعاً مختلفة من النباتات النادرة، حيث تضم برجولة خشبية بها زهريات وأحواض زرع من الحجر الجيري، وتضم أكثر من 30 نوعاً من أشجار المانجو النادرة التي جُلبت من ألبانيا لزراعتها بالقصور الملكية.
وتتوسط حديقة المتحف نافورة (فسقية) مثمنة الشكل، من الرخام الأبيض الإيطالي الفاخر، صُممت على هيئة مجموعة عازفين، مكونة من رجلين وطفلين. فيما تخرج المياه من الآلات الموسيقية، وهي ذات شكل فريد مستوحى من الأساطير الإغريقية. واكتسبت هذه النافورة شهرة كبيرة من خلال ظهورها سينمائياً في فيلم «نهر الحب»، إنتاج عام 1960، في المشهد الشهير الذي جمع الفنان العالمي عمر الشريف بالفنانة الراحلة فاتن حمامة، خلال أدائهما رقصة الحياة.
الزيارة والوصول
يفتح متحف «ركن فاروق» أبوابه طوال أيام الأسبوع من الساعة 9 صباحاً إلى الساعة 3 مساء، مستقبلاً زواره من المصريين والأجانب، حيث يتم اصطحاب الزوار في جولات إرشادية للتعرف على قيمة المتحف التاريخية، وكذلك الثقافية، عبر التعريف بمقتنياته الملكية، ضمن سيناريو العرض المتحفي.
ولزيادة قيمته الثقافية، ينظم المتحف بشكل دوري ورشات عمل فنية وورشات لتعليم الحرف التقليدية، إلى جانب عقد أمسيات ثقافية ومعارض فنية لربط محبي الآثار المصرية بحضارتهم وتاريخهم. وتبلغ قيمة تذكرة الدخول للمصريين 20 جنيهاً، وللأجانب 100 جنيه مصري (نحو 3 دولارات).
أما عن كيفية الوصول للمتحف، فلها أكثر من طريقة عبر وسائل المواصلات العامة، التي تقصد منطقة حلوان عبر طريق كورنيش النيل، حيث يتم النزول أمام المتحف مباشرة، كما يمكن ركوب مترو الأنفاق في اتجاه حلوان، والنزول في محطة حلوان، ثم ركوب «تاكسي» أو «ميكروباص» لـ«ركن فاروق» مباشرة.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.