دمار ومآسٍ ومشاهد مؤلمة... وقرى اختفت من الوجود وبلدات تحولت إلى مدن أشباح... وجهود مستمرة لفرق البحث والإنقاذ تمسكا بالأمل في العثور على ناجين تحت آلاف الأطنان من ركام المباني المدمرة في غازي عنتاب إحدى الولايات العشر التي ضربها الزلزال.
غابت ملامح قرى وبلدات أهمها «إصلاحية» و«نورداغي»... انقطعت الطرق وحلت الخيام والحاويات محل البيوت، باتت قرى بأكملها أطلالا يبكي أهلها أيامهم الخوالي فيها، فلم يعد بإمكانهم أن يدخلوها بعدما حولها الزلزال المدمر إلى أثر من بعد عين.
أصحاب البيوت يرفضون الابتعاد عن أطلالها... تجلس «نورشان كوجا» أمام منزلها الريفي المحطم تعاني أحزان فقد كل ما كانت تملك، والصقيع الذي لا يرحم ولا يعبأ بحال من تضرروا من الزلزال ويقضون أيامهم في الشوارع.
قالت كوجا التي تقطن قرية «أطالار» التي أزيلت بشكل شبه كامل بفعل الزلزال المدمر إنها فقدت كل شيء. تتحدث والدموع تملأ عينيها: «فقدنا كل شيء... لا نعرف شيئا عن أقاربنا... دُمر بيتنا وغالبية بيوت القرية وانقطعنا عن العالم... لم يصل إلينا أحد... نقاوم البرد القاسي وننتظر أن تصل إلينا المساعدة... لم يقوموا بنصب الخيام في قريتنا ولا طعام ولا ماء ولا كهرباء».
بعض الناس في المناطق التي ضربها الزلزال في غازي عنتاب يحاولون مواصلة الحياة رغم الظروف القاسية متشبثين ببيوتهم، بعضهم يتجرأ أحيانا على دخول البيوت التي لم تتهدم بشكل كامل للحصول على بعض الاحتياجات.
في أول يومين لزلزال فجر الاثنين الماضي، قطع الطريق الرئيسي بين أضنة وغازي عنتاب، وتدمرت الطرق التي تربط نورداغي وعزلت عن العالم الخارجي، وكذلك بات من الصعب الوصول إلى إصلاحية ونزيب وغيرهما.
وبينما كانت «الشرق الأوسط» تتجول من منطقة إلى أخرى، كانت فرق الإنقاذ تعمل بكل طاقتها في اليوم السابع بعد الزلزال... مئات عمال المناجم تطوعوا للعمل مع فرق الإنقاذ، ونجحت جهودهم، بعد عمل محموم في انتشال الطفلة «إيكرا أرسلان» البالغة من العمر 13 عاماً في ساعة متأخرة من ليل السبت بعد أن أمضت 138 ساعة تحت أنقاض مبنى منهار في شارع «ياووز سليم».
انتشرت الفرق في 21 نقطة في نورداغي، والتقطت أصواتا من تحت الأنقاض... إذن فلا يزال هناك أحياء... وبين وقت وآخر، كان أعضاء فرق الإنقاذ يطلبون الصمت، ما يعني أن أجهزة الاستشعار التقطت صوتا أو حركة... وعليه يبدأ العمل المكثف الذي يستغرق ساعات من أجل إخراج من يوجد حيا من تحت الأنقاض.
بعد الزلزال العاتي، امتدت أيادي المساعدة لمداواة الجروح في منطقة نورداغي، التي يبلغ تعداد سكانها نحو 41 ألف نسمة، وقامت إدارة الطوارئ والكوارث التركية والهلال الأحمر ومنظمات مدنية أخرى بإنشاء منطقة للخيام، ثم بدأ العمل في محطة للحاويات في المنطقة، وحلت مشكلة الطعام والشراب، لكن لا تزال الشكاوى مستمرة من نقص دورات المياه والتدفئة بسبب قسوة الجو، ودرجات الحرارة التي عادة ما تكون تحت الصفر في النهار، وتزداد هبوطا في الليل.
وفي بلدة نزيب، الواقعة على بعد 45 كيلومترا من مركز مدينة غازي عنتاب التي يفوق عدد سكانها 96 ألفا، كانت فرق الإنقاذ تعمل بكل طاقتها في مواجهة تلاشي الأمل مع مرور الساعات، ونجحت بالفعل في انتشال الطفلة أيلول كيلتش صباح الأحد، بعد 146 ساعة تحت أنقاض مبنى مؤلف من 8 طوابق، وجهود استغرقت حوالي 9 ساعات حتى الوصول إليها وإخراجها سالمة وسط صيحات التهليل والتكبير من فرق الإنقاذ والمواطنين المتحلقين حول الحطام.
شكل رجال الإنقاذ سلسلة بشرية بعد وضع أيلول على نقالة ولفها ببطانية... سألها أحد رجال الإنقاذ: «هل أنت جائعة»، فردت «لا أنا ممتلئة، لقد أكلت»... نقلت أيلول بعد ذلك إلى مستشفى نزيب الحكومي.
أحد رجال الإنقاذ قال لـ«الشرق الأوسط»: «ليس فقط الزلزال الذي يشكل تحديا بل الطقس البارد، لكن أيضاً الوقت قضية يجب التغلب عليها في هذا الكفاح». وأضاف: «نحتاج إلى مزيد من أجهزة الحفر ومقصات قطع الحديد ومولدات الكهرباء».
انطلق حولنا صوت من مكبر صوت انطلق من سيارة للشرطة، يعلن الحاجة إلى 10 أفراد للمساعدة في إزالة وتحميل الأنقاض لنقلها من موقع بناء منهار.
وفي مركز مدينة غازي عنتاب، لم يكن الدمار ملحوظا بشكل كبير، لكن أحمد أكجون، الذي يعمل في أحد مقاهي المدينة، أكد أن هناك مئات الآلاف من المباني التي أصابتها الشروخ وتأثرت بالزلزال.
في المناطق المتضررة بشدة، أرسل رجال أعمال شاحنات محملة بالمواد الغذائية والاحتياجات الأخرى، سواء ملابس أو حفاضات الأطفال أو أغطية، مع جزء من الاحتياجات الطبية المطلوبة بشدة.
وفي هذه المناطق، هناك حاجة ماسة للأدوية والمعدات الطبية لمواجهة احتياجات العدد الكبير من المصابين، أو حتى المواطنين الذين يجلسون في الشوارع والخيام والمتطوعين في عمليات الإنقاذ.
العديد من المستشفيات تضرر بسبب الزلزال. الأطباء يعملون في الشارع والمناطق المفتوحة والخيام، بحسب رئيس «جمعية أطباء العائلة» في جنوب شرقي الأناضول الدكتور يعقوب شاهين، الذي أكد أن العديد من مباني مراكز صحة الأسرة تضرر... «ونادرا ما ندخل المباني لأن هناك توابع مستمرة للزلزال، أيضاً فقدنا بعض أطبائنا وموظفينا تحت الأنقاض».
تابع: «تحدثنا إلى أطباء العائلة في المنطقة، وهناك أطباء مستعدون للحضور من جميع أنحاء تركيا، لكن هناك مشاكل لوجيستية... جمعيتنا تخدم 76 مقاطعة... جميع الأطباء الآن توجهوا إلى أقسام الطوارئ».
تعد غازي عنتاب إحدى قلاع التصدير المهمة في تركيا، وتحتل المرتبة الثامنة بين كبرى الولايات في تركيا من حيث المساهمة والتأثير في الاقتصاد التركي. وتسهم الولايات العشر، التي ضربها زلزالا الاثنين الماضي، وهي كهرمان ماراش، هطاي، أديامان، كيليس، عثمانية، أضنة مالاطيا، غازي عنتاب، شانلي أورفا، ديار بكر، بنسبة 10.9 في المائة من صادرات تركيا بحسب الإحصائيات الرسمية للعام 2022، وسجلت غازي عنتاب 11.2 مليار دولار من إجمالي قيمة الصادرات، وهطاي 4.1 مليار دولار، وأضنة 3.1 مليار دولار. وتستحوذ غازي عنتاب وحدها على نسبة 4.4 في المائة من الصادرات التركية، وهطاي على 1.6 في المائة وأضنة على 1.2 في المائة. بينما نسبة واردات الولايات العشر من إجمالي واردات تركيا يبلغ نحو 6.7 في المائة.
مدن الخيام تسلب غازي عنتاب جمالها
قرى تحولت لأطلال ومدن فقدت معالمها في القلعة الثامنة لاقتصاد تركيا
مدن الخيام تسلب غازي عنتاب جمالها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة