رحيل لور غريب الفنانة الدائمة المغامرة

عن عمر 93 عاماً وتجربة مغمسة باليوميات

أنت وأنا لور ومازن عمل مشترك (الشرق الأوسط)
أنت وأنا لور ومازن عمل مشترك (الشرق الأوسط)
TT

رحيل لور غريب الفنانة الدائمة المغامرة

أنت وأنا لور ومازن عمل مشترك (الشرق الأوسط)
أنت وأنا لور ومازن عمل مشترك (الشرق الأوسط)

عن 93 عاماً، رحلت عنا الكاتبة والرسامة اللبنانية لور غريب، زوجة الممثل اللبناني القدير والشهير أنطوان كرباج. وهي إذ بقيت أكثر من 50 عاماً صحافية وناقدة فنية في جريدة «النهار»؛ فليس من قارئ لهذه الصحيفة، إلا ويعرف نقد لور للأعمال التشكيلية وهي تطارد المعارض والحركة التشكيلية اللبنانية التي كانت هي جزءاً حيوياً منها، بصبر، وأناة، وشغف لا ينطفئ.
وُلدت في الشوف، في دير القمر، وانتقلت إلى بيروت لاستكمال تعليمها في الأدب الفرنسي. بدأت حياتها موظفة وشاعرة، فأصدرت ديوانها الأول بالفرنسية عام 1960، ثم تبعه آخر هو «إكليل شوك حول عنقي» بعد ذلك بسنوات. في الفترة نفسها، أقامت لور أول معرض فني لها سمته «أسود وأبيض»، وهما اللونان اللذان اعتمدتهما بشكل كبير في أعمالها التشكيلية؛ عندما اعتمدت الحبر الصيني أساساً في أعمالها. وهي تقول إن وقتاً طويلاً مضى في طفولتها كانت الألوان فيه غائبة عن الكتب المدرسية والرسومات.
عملت غريب في البداية في صحيفتي «لوريان» الفرنكوفونية، ثم «لوجور» مترجمة للنصوص الأدبية العربية إلى الفرنسية، وهي إذ تزوجت من القدير أنطوان كرباج، أصبحت على تماس مع عالم التمثيل والمسرح، لكنها بقيت على انخراطها في الرسم، دون أن ترى حدوداً كبرى بين الكلمة والشكل؛ فكل ما يعنيها التعبير، بمعناه الأسمى والأكثر حرية وتمرداً. وعلى طريقتها في الزخرفة بواسطة المنمنمات، والأشكال الطفولية، والوجوه التي تشبه الأقنعة الخارجة من الأساطير القديمة، ونظرات الفتيات الصغيرات، خطت الرسامة لنفسها طريقة تليق بصبر النساء وجَلَدهن الذي لا ينضب.
لور غريب ابنة زمنها، منخرطة في اليوميات، سواء في شِعرها أو في كتاباتها الصحافية أو في رسوماتها، حيث استلهمت قريتها، ومعاشها، والناس من حولها، خصوصاً حبها الكبير (أنطوان) الذي كانت له حصة الأسد من أعمالها، وكذلك أولادها، مازن ووليد ورولا، وأحفادها. لذلك لم يكن مستغرباً، وهي على أعتاب تسعيناتها، أن نراها بين المتظاهرين في «ثورة 17 أكتوبر 2019»، وهي تلتف بالعلم اللبناني، وتخاطب الشبان وتقول إنها فخورة بأحفادها، وسعيدة بأن ترى بلدها بين أيدٍ أمينة، والجيل الجديد يحيط بها، متمنية للأجيال المقبلة أن تجعل من لبنان جنة.
طفولية، عفوية، ظريفة، حزينة، حماسية، هي كل هذا. وبينما كان أحبة الثنائي لور وأنطوان قلقين على الممثل الذي عُرِف من بين الفنانين الأبرز حضوراً على المسرح وفي التلفزيون، في النصف الثاني من القرن العشرين ومطلع الحادي والعشرين، رحلت لور وسط أنباء الزلازل والمآسي والمخاوف التي لا ترحم.
اجتازت لور غريب مغامرة جديدة، مع ابنها الفنان ورسام «الكوميكس» مازن كرباج، تحت وقع الغارات والاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 2006. تبادلت الأم وابنها الكتابات والرسومات، ثم أعادا الكرَّة بهدوء وتركيز أكبر، بعد هدوء المعارك، ولما كانت النتائج مشجعة؛ فقد أقاما معرضهما المشترك الأول «أنت وأنا... حبر وورق»، ومعرضاً آخر «أنت وأنا والبابيي بان». وهكذا كرَّت سبحة المعارض المشتركة، بين جيلين، وأم وابنها، بحيث يرسم كل منهما، ثم يتبعه الآخر على اللوحة نفسها، ويتواليان على العمل الواحد، حتى يتمّاه، بما سمَّياه الرسم بأيادٍ أربع، كما يمكن العزف الثنائي على البيانو، بأربع أيدٍ أيضاً.
والجميل أن هذه الرسومات الثنائية التي رأيناها في معرض ثانٍ حمل اسم «أنت وأنا والبابيي بان»، وكذلك في قصص مصوَّرة بعنوان «غداً لن يأتي»، وكذلك معرض «أبجدية لور غريب ومازن كرباج» عام 2015.
اشتغلت غريب على أعمالها الفنية من كل ما وقع تحت يدها؛ قصاصات صحف، صور خطابات، خرز، خيطان، ورق، وحتى توابل المطبخ للتلوين. رسوماتها فيها خليط فوضوي لا يخلو من جاذبية، يمكنها أن تمزج بمهارة العبارات المكتوبة برسومات خطوطها المتعرجة، ووجوهها مع الكولاج، والرموز.
عايشت الحرب العالمية الأولى وهي صغيرة في الثامنة، وأسكنت الرعب في نفسها الهشة، لتعايش مختلف الحروب اللبنانية بعد ذلك. هذه الحروب، والمعاناة التي تظهر في مختلف أعمالها، رغم تحليها بالظرف وروح النكتة. امتلأت لوحاتها بالشخصيات والوجوه والكلمات والقصص والحكايات، وشيء من الثرثرة اللامتناهية، حتى وهي ترسم مع ابنها مازن، وكأنما ثمة حوار بينهما لا يمكن أن ينتهي.
شاركت في العديد من المعارض الفنية الفردية والجماعية في الجزائر وبغداد وأستراليا والهند وباريس وسويسرا وألمانيا وواشنطن، واشترى المتحف البريطاني أعمالها التي أصبحت جزءاً من مجموعته الدائمة.


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
TT

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

في سابقة جديدة، تسعى من خلالها وزارة الثقافة المصرية إلى تكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية» ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة»، التي من المقرر أن تشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذي رحلوا عن عالمنا خلال العام الماضي.

ووفق وزارة الثقافة المصرية، فإن الاحتفالية ستُقام، مساء الأربعاء المقبل، على المسرح الكبير في دار الأوبرا، من إخراج الفنان خالد جلال، وتتضمّن تكريم أسماء عددٍ من الرموز الفنية والثقافية الراحلة خلال 2024، التي أثرت الساحة المصرية بأعمالها الخالدة، من بينهم الفنان حسن يوسف، والفنان مصطفى فهمي، والكاتب والمخرج بشير الديك، والفنان أحمد عدوية، والفنان نبيل الحلفاوي، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والفنان صلاح السعدني، والفنان التشكيلي حلمي التوني.

أحمد عدوية (حساب نجله محمد في فيسبوك)

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري في تصريحات الأحد، إن الاحتفال بيوم الثقافة جاء ليكون مناسبة وطنية تكرم صُنّاع الهوية الثقافية المصرية، مشيراً إلى أن «هذا اليوم سيُعبِّر عن الثقافة بمعناها الأوسع والأشمل».

وأوضح الوزير أن «اختيار النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة للمكرمين تم بناءً على مسيرتهم المميزة وإسهاماتهم في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر». كما أشار إلى أن الدولة المصرية تهدف إلى أن يُصبح يوم الثقافة تقليداً سنوياً يُبرز إنجازات المتميزين من أبناء الوطن، ويحتفي بالرموز الفكرية والإبداعية التي تركت أثراً عظيماً في تاريخ الثقافة المصرية.

وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، رحل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، عن عمر ناهز 81 عاماً، وقدم الفنان الراحل المولود في محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1943 أكثر من 200 عمل فني.

صلاح السعدني (أرشيفية)

كما ودّعت مصر في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2024 كذلك الفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد رحلة طويلة مفعمة بالبهجة والحب، مُخلفاً حالة من الحزن في الوسط التشكيلي والثقافي المصري، فقد تميَّز التوني الحاصل على جوائز عربية وعالمية عدّة، بـ«اشتباكه» مع التراث المصري ومفرداته وقيمه ورموزه، واشتهر برسم عالم المرأة، الذي عدّه «عالماً لا ينفصل عن عالم الحب».

وفي وقت لاحق من العام نفسه، غيّب الموت الفنان المصري حسن يوسف الذي كان أحد أبرز الوجوه السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات عن عمر ناهز 90 عاماً. وبدأ يوسف المُلقب بـ«الولد الشقي» والمولود في القاهرة عام 1934، مشواره الفني من «المسرح القومي» ومنه إلى السينما التي قدم خلالها عدداً كبيراً من الأعمال من بينها «الخطايا»، و«الباب المفتوح»، و«للرجال فقط»، و«الشياطين الثلاثة»، و«مطلوب أرملة»، و«شاطئ المرح»، و«السيرك»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«فتاة الاستعراض»، و«7 أيام في الجنة»، و«كفاني يا قلب».

الفنان حسن يوسف وزوجته شمس البارودي (صفحة شمس على فيسبوك)

وعقب وفاة حسن يوسف بساعات رحل الفنان مصطفى فهمي، المشهور بلقب «برنس الشاشة»، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد صراع مع المرض.

وجدّدت وفاة الفنان نبيل الحلفاوي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحزن في الوسط الفني، فقد رحل بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

وطوى عام 2024 صفحته الأخيرة برحيل الكاتب والمخرج بشير الديك، إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى رحيل «أيقونة» الأغنية الشعبية المصرية أحمد عدوية، قبيل نهاية العام.