دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى الوحدة الوطنية، متهماً «الأعداء» بالسعي إلى إثارة الخلافات والارتياب بين المسؤولين الإيرانيين، وفي الوقت نفسه، حذر من تحول «الاختلافات القسرية» إلى «تصدعات»، منتقداً من يحاولون إثارة قضايا المرأة واختلاف الأجيال.
وقال خامنئي؛ في خطاب سنوي أمام قادة القوة الجوية في الجيش الإيراني، إن «الهدف الرئيسي للعدو تركيع الجمهورية الإسلامية على ركبتيها وتدميرها عبر إثارة الخلافات والارتياب». وأضاف: «أهم الواجبات أمام هذه الخطة القذرة حفظ استراتيجية الوحدة» وفق ما أورد موقعه الرسمي.
وفي إشارة ضمنية إلى التظاهرة الاحتفالية السنوية التي تحشد لها مؤسسات الدولة في ذكرى ثورة 1979، والتي تصادف السبت المقبل، قال خامنئي إن «الرسالة التي يوجهها الشعب للخصوم هي أن جهودهم لإشاعة الريبة وتدمير الوحدة الوطنية؛ قد أُجهضت».
ورأى خامنئي أن الشرط الأساسي لاستمرار «حياة وحيوية» الثورة هو «الاهتمام بـ(رفع) الاحتياجات»، من هنا دعا إلى التركيز والتأكيد على «الوحدة الوطنية» بوصفها «الحاجة الأساسية والمهمة» للبلاد. وقال إن «الوحدة الوطنية لعبت دوراً مهماً في انتصار وتقدم الثورة، وشكلت سداً وحائطاً أمام الأعداء» وأضاف: «يجب أن تتضاعف الثورة اليوم قدر الإمكان».
وقال صاحب كلمة الفصل في البلاد: «لا حرج في الخلافات السياسية والاختلاف في وجهات النظر والخلافات الطبيعية، لكن يجب ألا تنتهي بالقذف والافتراءات». ومع ذلك؛ قال في جزء من خطابه إن «خلق النظرة السلبية بين الجماعات السياسية، وعدم ثقة الناس بعضهم ببعض وبالحكومة، وإثارة الارتياب بين المؤسسات، ما هي إلا من بين الاستراتيجيات لتحقيق أهداف الحاقدين على إيران»، وتابع أن «خطة وهدف العدو ضد النظام هما تركيع الثورة». وأشار إلى تلقيه رسالة من الرئيس الأميركي قبل 15 عاماً (باراك أوباما) وقال: «كتب لي الرئيس الأميركي (قائلاً) إننا لا ننوي تغيير نظامكم». وأضاف: «لكننا كانت لدينا تقارير بأنهم يخططون للقضاء على الجمهورية الإسلامية».
وربط خامنئي بين «محاولات القضاء على النظام»، والدور الإقليمي الإيراني، وقال في هذا الصدد: «لقد أخرجت الجمهورية الإسلامية هذه المنطقة المهمة والاستراتيجية والمليئة بالفوائد من قبضتهم».
تمثل دعوة خامنئي إلى «الوحدة الوطنية» تراجعاً عن انتقادات وردت على لسانه في أبريل (نيسان) 2016، بعدما دعا الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، بشدة إلى حوار داخلي في الشهور الأولى من تنفيذ «خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)» بين الدول الكبرى وإيران حول برنامجها النووي في عام 2016، وحينذاك؛ شبه خامنئي دعاة الحوار الداخلي وإطلاق حوار داخلي على غرار المفاوضات النووية، بـ«مضخة الخطاب الأميركي».
يأتي خطاب خامنئي بعد أيام من إعلان القضاء الإيراني موافقة المرشد على «عفو» عن عشرات الآلاف من السجناء، بما يشمل بعض المعتقلين خلال احتجاجات «المرأة... الحرية... الحياة»، التي هزت إيران بعد وفاة الشابة مهسا أميني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، أثناء احتجازها لدى «شرطة الأخلاق»، ووضع القضاء الإيراني شروطاً عديدة على من يمكن أن يشملهم القرار، وألا يشمل من يواجهون تهماً قد تصل للإعدام، وكذلك يطلب من المعتقلين تقديم التزام خطي تعبيراً عن «الندم».
وكان أكثر من 160 مدينة مسرحاً للاحتجاجات التي ارتفع سقف مطالب المحتجين فيها إلى إطاحة النظام. ورغم انحسار الاحتجاجات؛ فإن بعض أحياء طهران لا تزال تردد هتافات ليلية، مثل: «الموت لخامنئي» و«الموت للديكتاتور».
ورأى خامنئي أن «عودة الديكتاتوريات في الثورات العالمية الكبيرة، مثل ثورتي فرنسا والاتحاد السوفياتي» سببها «إهمال الحاجات والمخاطر الأساسية والانشغال بالقضايا والنزاعات الشخصية»، مضيفاً أن الثورة في إيران «حصنت نفسها من هذه الآفات».
وتطرق خامنئي ضمناً إلى المطالب الشعبية للجيش الإيراني بالتدخل في الاحتجاجات لحماية الشعب من قمع قوات «الحرس الثوري»، خصوصاً بعد تداول أنباء عن حدوث انشقاقات في صفوف الأجهزة العسكرية، واعتقال عدد من العسكريين خلال الاحتجاجات. وقال خامنئي إن الجيش «أصبح أكثر ثورية، وإيماناً وإخلاصاً من الأيام الأولى (في الثورة)».
- اختلافات قسرية
في جزء آخر من كلامه، وجه خامنئي انتقادات ضمنية لأطراف داخلية رغم أنه أشار إلى وجود اختلافات في الداخل وصفها بـ«قسرية». وقال: «يجب ألا تتحول إلى فوالق (تصدعات)». وقال: «يطرحون قضية المرأة تارة؛ وتارة أخرى قضية الشيعة والسنة، وفي وقت آخر اختلاف الأجيال».
قبل خطاب خامنئي بثلاثة أيام، حذر الرئيس الإصلاحي الأسبق، محمد خاتمي، من اتساع الهوة بين الحكام والشعب، خصوصاً الشباب المحتجين. وقال: «الشعب يتخطى جيلنا والأجيال التي كانت حاضرة في الثورة وفي فترة الإصلاحات»، في إشارة إلى تسمية الفترة التي تولى فيها الرئاسة بين 1997 و2005.
وقدم خاتمي 15 مقترحاً في بيان بمناسبة ذكرى الثورة، رغم أنه بدا متشائماً بشأن طروحاته السابقة، قائلاً: «طلب الإصلاحات بالطريقة والنهج اللذين جرت تجربتهما، إذا لم نقل إنه أصبح مستحيلاً؛ ففي الأقل اصطدم بصخرة، ووصل إلى طريق مسدودة».
ومن بين المقترحات الدعوة إلى التضامن الوطني بمشاركة جميع التوجهات والميول والقوميات وإقامة انتخابات حرة وتنافسية، فضلاً عن إنهاء جميع النزاعات في المجتمع وإعادة الهدوء إلى الرأي العام، وإنهاء الإقامة الجبرية عن زعيمي التيار الإصلاحي ميرحسين موسوي ومهدي كروبي، وإغلاق جميع الملفات في المحاكم ضد رجال الدين والشخصيات الأكاديمية والعمالية والفنية والإعلامية والنقابية. وإعلان عفو عام لإطلاق السجناء السياسيين، والأشخاص الذين لا توجد أدلة موثوقة بشأن تورطهم في «أعمال الشغب» و«التمرد».
وشملت مقترحات خاتمي إصلاح أجهزة رقابية على البرلمان والحكومة، مثل «مجلس تشخيص مصلحة النظام» و«مجلس صيانة الدستور».
وتضمن بيان خاتمي تعبيراً عن الأسف لقضيتين: أولاهما عدم إبداء أي إشارة من المؤسسة الحاكمة حيال الإصلاح وتفادي الأخطاء، والثانية «يأس الشعب من النظام السياسي القائم». وقال: «الخطأ الكبير لنظام الحكم في البلاد هو إرضاء جزء صغير من المجتمع يعدّه موالياً له، على حساب زيادة استياء غالبية المجتمع الذين فقدوا الأمل في مستقبل أفضل».
وتباين بيان خاتمي مع بيان آخر لحليفه الإصلاحي، ميرحسين موسوي الذي دعا إلى صياغة دستور جديد وعرضه للاستفتاء، عبر انتخابات «حرة ونزيهة»، لانتقال السلطة إلى بديل للجمهورية الإسلامية. ورأى خاتمي إن الإصلاح ممكن بالعودة إلى روح الدستور الحالي، معلناً أن «إطاحة النظام غير ممكنة»، محذراً بأن دعوات الإطاحة ستؤدي إلى مزيد من «التضييق والاختناق».
وقال موسوي في بيان إن شعاره الذي رفعه في انتخابات الرئاسة عام 2009 بشأن العمل بالدستور دون أي نقص «لم يعد فاعلاً»، بينما تشهد البلاد «أزمات عديدة»، وصرح بأن «أزمة الأزمات هي الهيكل المتناقض والنظام الأساسي الذي لا تمكن استدامته».
- «كيهان» تهاجم خاتمي
ورغم الانقسام الواضح بين موسوي وخاتمي بشأن مستقبل النظام، فإن صحيفة «جوان» التابعة لـ«الحرس الثوري»، اتهمت خاتمي وموسوي بمتابعة «سياسة العصا والجزرة»، ووصفت خاتمي بأنه صاحب «الجزرة»، بينما يمسك حليفه موسوي «العصا» لتخطي «الجمهورية الإسلامية».
وهاجمت صحيفة «كيهان»، التابعة لمكتب المرشد الإيراني، في عددها الصادر الأربعاء، بياني موسوي وخاتمي. وطلب رئيس تحرير «كيهان»، حسين شريعتمداري، من خاتمي أن «يقرأ البيان الذي أُملي عليه مرة الأخرى»، وتساءل: «ألا تشعر بالخجل لأنك قلق على عنصر الجمهورية في النظام»، واتهمه بتكرار ما يقول مسؤولو دول «متخاصمة» مع إيران. وقال: «ما الاختلاف إذا حذفت اسمك من البيان ووضعت اسم نتنياهو؟». وأضاف شريعتمداري: «أنت (خاتمي) وموسوي تتحدثان كأنكما مدينان للثورة؟ قل لي: ما الخلفية الثورية في سجلك؟».
في المقابل، قال علي شكوري راد، المتحدث باسم «جبهة الإصلاحات»، في تغريدة على «تويتر»، إن «النقطة المشتركة بين رسالة خاتمي وبيان موسوي، شرح الوضع غير الملائم والمأزق السياسي الحالي في البلاد». وأضاف: «بينما لا توافق الهيئة الحاكمة الحالية على أي قبول للإصلاح أو الإطاحة؛ فإن موسوي رسم أفقاً، وخاتمي رسم مساراً». وأضاف: «كلاهما يسعى لتثبيت حكم الشعب وتعزيز الأمل».
خامنئي يدعو إلى «الوحدة الوطنية» ويحذر من «تصدعات»
ربط بين «محاولات القضاء على النظام» والدور الإقليمي لإيران
خامنئي يدعو إلى «الوحدة الوطنية» ويحذر من «تصدعات»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة