لبنان ينال نصيبه من الزلزال... أضراراً ورعباً

إعلان حالة طوارئ بلدية وتوقع استمرار «الارتدادية» 48 ساعة

جنود لبنانيون يغادرون إلى تركيا للمساعدة في الإنقاذ (أ.ب)
جنود لبنانيون يغادرون إلى تركيا للمساعدة في الإنقاذ (أ.ب)
TT

لبنان ينال نصيبه من الزلزال... أضراراً ورعباً

جنود لبنانيون يغادرون إلى تركيا للمساعدة في الإنقاذ (أ.ب)
جنود لبنانيون يغادرون إلى تركيا للمساعدة في الإنقاذ (أ.ب)

نال اللبنانيون من الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، أمس (الاثنين)، نصيبهم من الخوف والرعب، خصوصاً سكان بيروت الذين لم ينسوا بعد الارتجاجات التي تسبب فيها انفجار المرفأ قبل نحو عامين والذي خلف ضحايا وجرحى وأضراراً في نصف مباني العاصمة.
فجر أمس استفاق اللبنانيون على هزّة أرضية بلغت 5 درجات واستمرّت نحو 40 ثانية، وتفاوتت قوتها بين منطقة وأخرى، لتزرع الهلع والذعر والرعب وتخرج مئات من منازلهم فجراً إلى الشوارع والأماكن البعيدة نسبياً من المباني، خصوصاً أنهم ظلوا لدقائق يشعرون بالهزات الارتدادية.
الزلزال لم يخلف في لبنان سوى أضرار مادية وتشققات في بعض الأبنية وسقوط جدار هنا وهناك، من دون أن يتعرض أي مواطن لإصابات، وفق ما أكد وزير الداخلية بسام مولوي، والأمين العام للصليب الأحمر اللبناني جورج كتانة.
وفي وقت أعلن فيه مولوي حالة طوارئ بلدية واستنفار كوادر البلديات واتحادات البلديات والقائمقامين، وإجراء مسح للأضرار الناتجة عن الهزة الأرضية التي ضربت لبنان، وتقديم المساعدة اللازمة لمنع وقوع أي ضرر قد يهدد حياة المواطنين وسلامتهم، كشف الأمين العام لـ«الهيئة العليا للإغاثة» اللواء محمد خير، لـ«الشرق الأوسط»، عن خطّة وطنية للكوارث منجزة منذ 4 سنوات، «يعمل بموجبها تلقائياً وعند حصول أي كارثة بيئية أو غيرها؛ كل من الوزارات المختصة والإدارات التابعة لها في المناطق»، ليلفت لاحقاً إلى أن هذه الخطّة «بدائية»، وتتضمن إرشادات وتوجيهات؛ «إذ إنه لا يمكن التنبّؤ بحدوث زلازل أو هزّات». وأشار خير إلى أن «التنسيق جار مع البلديات كافة، ومرجعية المواطنين اليوم البلدية في مناطقهم أو القائمقام».
وكانت «دائرة العلاقات العامة» في بلدية بيروت أعلنت في بيان أن محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود، بالتنسيق مع المجلس البلدي لمدينة بيروت، طلب من الدوائر الفنية المختصة في البلدية أن تكون على أهبة الاستعداد للتدخل عند حصول أي طارئ قد يحصل جراء العوامل الطبيعية أو غيرها، ولتجنب أي خطر أو ضرر قد يلحق بالمواطنين.
كما طلب المحافظ عبود من المواطنين وسكان العاصمة الاتصال فوراً ليصار إلى إرسال مهندسين وفنيين من مصلحة الهندسة في بلدية بيروت للكشف الفوري، عند رؤية أي تشققات أو تصدّعات ظاهرة في الأبنية أو المنازل على أثر الهزة الأرضية التي ضربت لبنان فجر الاثنين.
هذه الهزة القويّة التي لامست 5 درجات على مقياس «ريختر»، وما لحقتها من هزّات أخرى ارتدادية أخفّ، ستستمرّ إلى ما بعد ظهر اليوم (الثلاثاء) وربما إلى غد (الأربعاء)، وهي ارتدادات لزلزال كبير بلغت قوته 7.9 درجة على مقياس «ريختر»، ضرب جنوب تركيا، وكانت له ارتدادات قوية جداً على سوريا، وأخف على لبنان وقبرص والأردن والعراق ومصر، وفق ما أشارت إليه مديرة «المركز الوطني للجيوفيزياء»، مارلين البراكس، لـ«الشرق الأوسط». ولفتت إلى أن «الهزّات القوية تحدث الآن في تركيا ونشعر بها في لبنان، كذلك الهزّات الارتدادية الناتجة عنها، وهناك احتمال ضئيل جداً بحدوث هزة قوية في لبنان، وهذا الأمر مستقل عما حدث في تركيا، لكن هذا الاحتمال دائماً موجود قبل حدوث هذه الهزة وبعدها، كون لبنان يقع على خط (فالق المشرق)».
وعن الأسباب الرّئيسية المسببة للهزّة المدمّرة التي ضربت تركيا، أوضحت البراكس أن «السّبب وجود تركيا، وأيضاً لبنان وسوريا، على حدود صفيحتين تكتونيتين، والضغط الذي يكوّنه (فالق المشرق) يؤدّي إلى تحرّك الصفيحتين والطبقات الجوفية الباطنية، وتنتج عنه هزة أرضية». وطمأنت البراكس اللبنانيين بأن «كل الهزات التي يمكن أن تحدث ارتداداً للهزة الأولى ستأتي على درجات متدنية من القوة، ولن تشكّل أي خطر، ولا داعي للخوف، فحصول ارتدادات أمر طبيعي».
هذه الهزّة التي أرعبت اللبنانيين، فتحت الباب على مصراعيه على أسئلة عدّة حول الأبنية اللبنانية وهل هي مجهّزة لاحتمال حدوث زلازل أو هزّات، وعند إعطاء رخص البناء، هل يؤخذ في الحسبان احتمال حدوث أي هزّات. وقال رئيس «الجمعية اللبنانية للتخفيف من أخطار الزلازل» المهندس راشد سركيس، لـ«الشرق الأوسط»، إن لبنان «لم يتخذ أي تدابير بالنسبة إلى موضوع الزلازل حتى عام 1997؛ حيث قام وزير الأشغال العامة يومها المهندس علي حراجلي بوضع مراسيم وشروط فنية تفتح الأفق أمام التغيّرات الواجبة في النصوص القانونية والتنظيمية لمراعاة الحاجات التي تتطلّبها مقاومة الزلازل»، ليشير إلى أنه «في أواخر عام 2004 صدر قانون البناء الحالي الذي أتى على ذكر القوة الأفقية للزلازل التي يجب أخذها في الحسبان خلال دراسة الإنشاءات في الأبنية التي ستشيّد بموجبه. مع حد أدنى لا يمكن أن يقل عن 0.2G، وصدر بعده مباشرة في ربيع 2005 مرسوم السلامة العامة الذي فرض احترام معايير مقاومة الزلازل في الأبنية التي ستشيّد بعد صدور هذا المرسوم، من دون استثناء. أما في عام 2012؛ فقد جرى تعديل مرسوم السلامة العامة وجرى تحديد العامل الزلزالي بـ0.25G، على أن تخضع أبنية معيّنة لتدقيق فني، في حين يبقى الشرط الملزم لكل الأبنية بتوفير شروط مقاومة الزلازل».
ورداً على سؤال عما إذا كانت الرخص الهندسية تأخذ في الحسبان موضوع الهزات في لبنان، أكد سركيس أن «المهندس المسؤول يقدّم تعهداً يأخذ به على عاتقه كل المسؤولية لقيام البناء واحترام النصوص القانونية والتنظيمية المرافقة كافة، وأهمها مرسوم السلامة العامة في الأبنية والمنشآت، وهذا لا يكفي؛ لأن هناك بعضاً من منشئي الأبنية الذين لا يحترمون هذه المعايير ويتخطون في كثير من الأحيان إرادة المهندس المسؤول، كما أن هناك بعض المهندسين الذين يتهاونون في الأمر، مما يسبب إشكالات فنية ومهنية من دون حدود». ليكشف سركيس عن أن «خرقاً كبيراً مارسته السلطات في الوزارات؛ حيث نُفّذت مشاريع إنشاءات عدة من دون التدقيق الفني الذي كان ليوقف الكثير منها؛ لأنها لا تستوفي الشروط الفنية المقبولة ولا المعايير ذات الصلة».
وفي وقت أكد فيه سركيس أن لبنان معرّض بكل مناطقه للزلازل من دون استثناء أي بقعة فيه؛ «لأنه يشقه من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله فالق رئيسي تتشعب عنه فوالق ثانوية، وهو ممتد على طول الفالق وعرضه المنحسر»، أضاف: «من الطبيعي جداً أن تكون المناطق المحاذية للفوالق المعروفة (اليمونة - روم - سرغايا...) أكثر خطراً، في حين يبقى البناء غير المطابق للمعايير هو المكان الأكثر خطورة في هذه الحال».
وعن التقنيات الهندسية التي تستعمل لمقاومة الهزات، قال سركيس: «هناك معايير ومواصفات يجب اعتمادها في التصميم والتنفيذ؛ من أهمها وجود جدران حاملة بالاتجاهين تأخذ القوة الأفقية في حال حدوثها، والتشبيك الكامل بين أجزاء البناء العائدة للإنشاءات الخرسانية والمعدنية وما بينهما... وهناك برامج تساعد المهندسين على التدقيق في المعطيات التي يتوصلون إليها في التصميم التمهيدي، ويمكن بكل سهولة الوصول إلى بناء مقاوم للزلازل بشكل محترف ويطبّق المعايير من دون أدنى شك، فالبناء هذا يكون حاضراً لتحمل الزلزال مهما بلغت قوته، ويحمي القاطنين فيه».
ونظراً إلى هول المأساة التي حلت في تركيا، فقد قرر الجيش اللبناني إرسال فرقة من «فوج الهندسة» إلى تركيا للمساهمة في أعمال البحث والإنقاذ.


مقالات ذات صلة

زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب تايوان

آسيا العاصمة التايوانية تايبيه (أرشيفية - إ.ب.أ)

زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب تايوان

ضرب زلزال بقوة 6.1 درجة جنوب شرقي تايوان اليوم (الأربعاء)، من دون ورود أي تقارير بعد عن وقوع أضرار.

«الشرق الأوسط» (تايبيه)
شؤون إقليمية زلزال مرمرة المدمر في 1999 خلّف 17 ألف قتيل بينهم ألف في إسطنبول إلى جانب دمار واسع (أرشيفية - إعلام تركي)

شيء مريب يحدث في أعماق بحر مرمرة... إسطنبول مهدَّدة بكارثة

هناك شيء مريب يحدث في أعماق بحر مرمرة في تركيا. الصدع الموجود تحت هذا الحوض المائي الداخلي يشهد زلازل تتزايد في القوة، تتحرك تدريجياً نحو الشرق.

روبن جورج أندروز
آسيا هيئة الأرصاد الجوية اليابانية تحذر من موجات تسونامي يصل ارتفاعها إلى ثلاثة أمتار (أ.ب)

اليابان: زلزال بقوة 7.6 قبالة الساحل الشمالي للبلاد... يتسبب بموجتي «تسونامي»

ضرب زلزال كبير الساحل الشمالي لليابان الاثنين سجّلت في أعقابه هيئة الأرصاد الجوية الوطنية موجتي تسونامي بلغ ارتفاعهما 40 سنتيمتراً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
علوم يؤكد الباحثون أن الصدوع التي تقع على أعماق سحيقة في باطن الأرض يمكن أن تلتحم من جديد بعد انكسارها نتيجة الهزات الأرضية (بيكسباي)

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

توصل فريق من علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة إلى أن الصدوع الزلزالية العميقة في باطن الأرض يمكن أن تلتئم في غضون ساعات بعد حدوث الهزات الأرضية القوية.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
آسيا جانب من الأضرار جراء زلزال ضرب إندونيسيا عام 2022 (أرشيفية - رويترز)

زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب غرب إندونيسيا

ضرب زلزال بقوة 6.6 درجة جزيرة صغيرة شمال غربي سومطرة في غرب إندونيسيا الخميس.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)

«التحالف» ينفذ ضربة «محدودة» على معدات عسكرية وصلت ميناء المكلا اليمني

لقطة من شريط فيديو نشره التحالف توثق المعدات العسكرية التي استهدفتها الضربة المحدودة (التحالف)
لقطة من شريط فيديو نشره التحالف توثق المعدات العسكرية التي استهدفتها الضربة المحدودة (التحالف)
TT

«التحالف» ينفذ ضربة «محدودة» على معدات عسكرية وصلت ميناء المكلا اليمني

لقطة من شريط فيديو نشره التحالف توثق المعدات العسكرية التي استهدفتها الضربة المحدودة (التحالف)
لقطة من شريط فيديو نشره التحالف توثق المعدات العسكرية التي استهدفتها الضربة المحدودة (التحالف)

أعلنت قيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية في اليمن تنفيذ ضربة جوية «محدودة» استهدفت دعما عسكريا خارجيا بميناء المكلا.

وقال المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف اللواء الركن تركي المالكي إنه «في يومي السبت والأحد الماضيين، رصد دخول سفينتين قادمتين من ميناء الفجيرة إلى ميناء المكلا دون الحصول على التصاريح الرسمية من قيادة القوات المشتركة للتحالف، حيث قام طاقم السفينتين بتعطيل أنظمة التتبع الخاصة بالسفينتين وإنزال كمية كبيرة من الأسلحة والعربات القتالية لدعم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي بالمحافظات الشرقية لليمن (حضرموت، المهرة) بهدف تأجيج الصراع، ما يعد مخالفة صريحة لفرض التهدئة والوصول لحلٍ سلمي، وكذلك انتهاكًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216».

وأوضح اللواء المالكي أنه «استنادًا لطلب فخامة رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني لقوات التحالف باتخاذ كافة التدابير العسكرية اللازمة لحماية المدنيين بمحافظتي (حضرموت والمهرة)، ولما تشكله هذه الأسلحة من خطورة وتصعيد يهدد الأمن والاستقرار، فقد قامت قوات التحالف الجوية صباح اليوم بتنفيذ عملية عسكرية (محدودة) استهدفت أسلحة وعربات قتالية أفرغت من السفينتين بميناء المكلا، بعد توثيق ذلك ومن ثم تنفيذ العملية العسكرية بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية وبما يكفل عدم حدوث أضرار جانبية».

وأكد اللواء المالكي «استمرار قيادة التحالف في خفض التصعيد وفرض التهدئة في محافظتي (حضرموت والمهرة) ومنع وصول أي دعم عسكري من أي دولة كانت لأي مكون يمني دون التنسيق مع الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف بهدف انجاح جهود المملكة والتحالف لتحقيق الأمن والاستقرار ومنع اتساع دائرة الصراع».


«التحالف» يطلب إخلاء ميناء المكلا اليمني استعدادا لتنفيذ عملية عسكرية

لقطة عامة لميناء المكلا اليمني (أرشيفية)
لقطة عامة لميناء المكلا اليمني (أرشيفية)
TT

«التحالف» يطلب إخلاء ميناء المكلا اليمني استعدادا لتنفيذ عملية عسكرية

لقطة عامة لميناء المكلا اليمني (أرشيفية)
لقطة عامة لميناء المكلا اليمني (أرشيفية)

دعا تحالف دعم الشرعية في اليمن، اليوم، جميع المدنيين إلى الإخلاء الفوري لميناء المكلا في محافظة حضرموت حتى إشعار آخر، مؤكدًا أن هذا الإجراء يأتي في إطار الحرص على سلامتهم.

وأوضح التحالف أن طلب الإخلاء يهدف إلى حماية الأرواح والممتلكات، وذلك بالتزامن مع الاستعداد لتنفيذ عملية عسكرية في محيط الميناء، داعيًا الجميع إلى الالتزام بالتعليمات الصادرة والتعاون لضمان أمنهم وسلامتهم.

وكان المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف اللواء الركن تركي المالكي، قد صرح السبت الماضي، أنه استجابة للطلب المُقدم من رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني الدكتور رشاد العليمي بشأن اتخاذ إجراءات فورية لحماية المدنيين بمحافظة (حضرموت) نتيجة للانتهاكات الإنسانية الجسيمة والمروّعة بحقهم من قبل العناصر المسلّحة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، واستمرارًا للجهود الدؤوبة والمشتركة للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في خفض التصعيد وخروج قوات الانتقالي وتسليم المعسكرات لقوات درع الوطن وتمكين السلطة المحلية من ممارسة مسؤولياتها فإن قوات التحالف تؤكد أن أي تحركات عسكرية تخالف هذه الجهود سيتم التعامل المباشر معها في حينه بهدف حماية أرواح المدنيين وانجاح الجهود السعودية الإماراتية.

وأكد اللواء المالكي استمرار موقف قيادة القوات المشتركة للتحالف الداعم والثابت للحكومة اليمنية الشرعية، كما أنها تهيب بالجميع تحمل المسؤولية الوطنية وضبط النفس والاستجابة لجهود الحلول السلمية لحفظ الأمن والاستقرار.


«أرض الصومال»... الاعتراف الإسرائيلي يؤجّج مخاوف «التهجير» و«القواعد العسكرية»

جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
TT

«أرض الصومال»... الاعتراف الإسرائيلي يؤجّج مخاوف «التهجير» و«القواعد العسكرية»

جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)

زاد الاعتراف الإسرائيلي الأخير بـ«أرض الصومال» كـ«دولة مستقلة» من مخاوف تهجير الفلسطينيين إلى الإقليم الانفصالي وإقامة قواعد عسكرية لإسرائيل بالمنطقة المطلة على ساحل البحر الأحمر.

وحذر رئيس وزراء الصومال، حمزة عبدي بري، من «إشعال الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي، بسبب خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أرض الصومال»، وقال إن هذه الخطوة «ستكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة من السودان والصومال وباقي البلدان».

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الجمعة، الاعتراف بـ«أرض الصومال» كـ«دولة مستقلة ذات سيادة»، في اعتراف رسمي هو الأول بـ«الإقليم الانفصالي» داخل الصومال، في خطوة اعتبر رئيس إقليم أرض الصومال، عبد الرحمن محمد عبد الله عرو، أنها «لحظة تاريخية».

ولاقى الاعتراف الإسرائيلي إدانات عربية وإسلامية وأفريقية، وأصدرت دول عربية وإسلامية، والجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومفوضية الاتحاد الأفريقي، بيانات أكدوا فيها رفضهم التام للخطوة الإسرائيلية.

وربط رئيس الوزراء الصومالي بين الاعتراف الإسرائيلي وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وقال في تصريحات متلفزة لقناة «القاهرة الإخبارية»، الأحد، إن «كل المؤشرات تؤكد أن نتنياهو يريد تهجير الغزيين إلى أرض الصومال»، وأكد أن «بلاده لن تقبل بهذا الأمر»، مشيراً إلى أن «الشعب الفلسطيني من حقه أن يعيش على أرضه، وأن تكون له دولته المستقلة».

ويرى بري أن الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» هو «جزء من خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي لإقامة ما يسمى بـ(إسرائيل الكبرى)»، وأشار إلى أن «إسرائيل تسعى لاستغلال الظروف السياسية والإقليمية الراهنة، معتبرة أن وجودها في شمال الصومال قد يتيح لها التحكم في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مع إمكانية إنشاء قواعد عسكرية في المنطقة».

وشددت الحكومة الصومالية، في بيان لها الجمعة، على «الرفض القاطع للاحتلال والتهجير القسري للفلسطينيين»، وأكدت أنها «لن تقبل أبداً بجعل الشعب الفلسطيني بلا جنسية»، كما أكدت «عدم السماح بإنشاء أي قواعد عسكرية أجنبية أو ترتيبات على أراضيها من شأنها جرّ الصومال إلى صراعات بالوكالة، أو استيراد العداوات الإقليمية والدولية».

اجتماع الحكومة الصومالية الجمعة بعد الخطوة الإسرائيلية (وكالة أنباء الصومال)

ويعتقد الباحث والمحلل السياسي من إقليم أرض الصومال، نعمان حسن، أن «حكومة الإقليم لن تقبل بتهجير الفلسطينيين إليه»، وقال إن «السلطة في (أرض الصومال) أعلنت بوضوح رفضها التهجير، باعتبار أنه سيعرقل أي حلول سياسية أمام استكمال الاعتراف بالإقليم كدولة مستقلة»، منوهاً بأن «هناك رفضاً شعبياً أيضاً لهذا الطرح».

وفي الوقت ذاته، فإن حسن يرى، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «حكومة (أرض الصومال) لن تمانع إقامة قواعد عسكرية إسرائيلية على أرض الإقليم، شريطة ألا تضر بدول الجوار»، وقال إن «الإقليم يحتاج أن يكون جاهزاً لأي تدخل من الخارج، على وقع التطورات الأخيرة، خصوصاً مع الرفض العربي والإسلامي للاعتراف الإسرائيلي».

ويظل الاعتراف بالاستقلال «الهدف الأساسي الذي تسعى إليه حكومة (أرض الصومال)»، وفق نعمان حسن، الذي عدّ أن «هذه الخطوة لن تضر بمصالح أي دولة أخرى».

في حين يرى المحلل السياسي الصومالي، حسن محمد حاج، أن الاعتراف الإسرائيلي «يثير مخاوف من تأثيره على إعادة تشكيل الخريطة الديمغرافية للإقليم، من خلال فتح الباب أمام التهجير للسكان المحليين أو للفلسطينيين إلى أرض الإقليم، بذرائع مثل التنمية أو إقامة مناطق أمنية ومرافق سيادية».

وأشار حاج، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «المخاوف تتزايد من تحول الاعتراف إلى مدخل لإقامة قواعد عسكرية أو مرافق استخباراتية إسرائيلية على ساحل البحر الأحمر ومنطقة باب المندب»، عاداً أن ذلك «سيضع الإقليم في قلب صراع المحاور الدولية، ويحوله من قضية داخل الصومال إلى ساحة لتنافس إقليمي ودولي»، وأشار إلى أن «مخاطر سيناريوهات (التهجير والعسكرة) ستمتد أثرها للمحيط الإقليمي والأفريقي بتأجيج التوترات القبلية وإضعاف فرص الحلول السياسية الشاملة».

وينظر عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، والمستشار بـ«الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية»، اللواء عادل العمدة، إلى تأثير ما يحدث في «أرض الصومال» باعتبار أنه «يرسخ لمفاهيم سلبية عن الانفصال لدى الحركات التي تشجع على ذلك، ما يعزز من مسألة التفتيت والتقسيم بين الدول الأفريقية»، وقال إن «تقسيم الصومال سيؤثر على الاستقرار الإقليمي والدولي؛ لارتباط هذه المنطقة بمصالح استراتيجية لغالبية دول العالم».

ويعتقد العمدة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «إسرائيل تريد من خطوة الاعتراف بـ(أرض الصومال)، فتح جبهة جديدة من الصراع في المنطقة، للفت أنظار المجتمع الدولي عما يحدث في قطاع غزة»، وقال إن «الحفاظ على وحدة الصومال وسيادته جزء من الحفاظ على الأمن القومي العربي والمصري في منطقة البحر الأحمر».

ويعوّل الصومال على الدعم الإقليمي والعالمي لسيادته في مواجهة التحركات الإسرائيلية، وفق بري الذي قال في تصريحاته إن بلاده «تستخدم القنوات الدبلوماسية كخيار لمواجهة قرار نتنياهو»، إلى جانب «استخدام الإجراءات القانونية للدفاع عن وحدة» بلاده، لافتاً إلى أن «الدستور لا يسمح لـ(أرض الصومال) بالقيام بهذا الفعل».

ويعلن إقليم أرض الصومال انفصاله من جانب واحد عن جمهورية الصومال الفيدرالية منذ عام 1991، ولم يحظَ باعتراف دولي طوال هذه الفترة.