إذا كنت محباً للأدب والسينما، فإن زيارة سريعة عند وجودك بالقاهرة إلى «متحف نجيب محفوظ»، ستكون إضافة ثقافية لرحلتك إلى العاصمة المصرية، التي تمكّنك من التعرف على عالم الأديب المصري الحاصل على جائزة «نوبل للآداب» عام 1988، وسيرته وأعماله وجوائزه، بعد أن خرج المتحف إلى النور قبل نحو 3 أعوام.
ونجيب محفوظ (1911 - 2006)، هو أحد أشهر الروائيين العرب، اتبع الخط الواقعي في معظم كتاباته التي كانت تهتم بتصوير المجتمع المصري في أنماط حياته المختلفة داخل الحارة الشعبية، وخاصة في الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، بالإضافة إلى النضال الوطني من أجل استقلال مصر من الاحتلال الإنجليزي، كما أنه أكثر أديب عربي نُقلت أعماله إلى السينما والتلفزيون، وتجلى ذلك في روايات مثل «القاهرة الجديدة» و«خان الخليلي» و«زقاق المدق» و«بداية ونهاية»، والثلاثية المكونة من «بين القصرين» و«قصر الشوق» و«السكرية».
يحتل المتحف مبنى تكية «محمد بك أبو الدهب»؛ ذلك المبنى الأثري المكون من طابقين ويعود تاريخه إلى عام 1188هـ/ 1774م، والذي تم تخصيصه من جانب وزارة الثقافة المصرية لاحتضان المتحف منذ منتصف عام 2019، وتم اختياره تحديداً؛ نظراً لقربه من المنزل الذي وُلد فيه محفوظ بحي الجمالية في القاهرة، ولكونه يتوسط منطقة القاهرة التاريخية التي استوحى منها الأديب الراحل شخصيات وأماكن أغلب رواياته.
مقتنيات نجيب محفوظ الشخصية
كيفية الوصول
يقع المتحف في منطقة الأزهر والغورية على بعد خطوات قليلة من الجامع الأزهر الشريف، وهو مكان يسهل الوصول إليه في قلب القاهرة؛ إذ يمكن للزائر الوصول إليه بأكثر من طريقة، منها سلك «كوبري الأزهر» والوصول إلى نهايته، ثم السير لخطوات قليلة، كما يمكن استقلال «مترو الأنفاق» حتى محطة «العتبة»، ومنها استقلال «تاكسي» أو خطوط المواصلات العامة إلى منطقة الأزهر في دقائق معدودة.
استكشف المتحف
يتكون المتحف من عدة أجنحة أو غرف، بالتجول بينها يتعرف الزائر على حياة أديب «نوبل» الشخصية، وكيف أصبح أيقونة خالدة لفن الرواية؛ إذ يصطحب الزائر فيها مجموعة من العاملين الشباب الذين يقدمون المعلومات المُفصلة عن صاحب المتحف.
الدور الأرضي من المتحف يضم قاعة للندوات يتم استخدامها لاستضافة الندوات والمؤتمرات أو المعارض الفنية وحفلات التوقيع، ومكتبة سمعية بصرية، ومكتبة عامة، ومكتبة نقدية تضم أهم الأبحاث والدراسات عن أعمال نجيب محفوظ، إلى جانب مكتبة لمؤلفاته بالعربية، وأخرى لمؤلفاته المترجمة بعدة لغات، التي يتم إهداء جزء منها من جانب السفارات الأجنبية بالقاهرة.
تبدأ الرحلة في الطابق العلوي مع قاعة «الحارة»، التي تعرض علاقة نجيب محفوظ بالحارة المصرية، وكيف ألهمته جلّ أعماله، عبر ما تقدمه القاعة من مادة فيلمية عن الحارة وعلاقة محفوظ بها؛ إذ يتعرف الزائر على أن تلك العلاقة بدأت منذ نشأته في حي الجمالية الشعبي؛ لذا كانت الحارة مصدر إلهام أساسياً في معظم رواياته، فجسّد من خلالها ملامح الشخصية المصرية مكوناً عالماً تتشابك فيه القصص والحكايات الغنية بتفاصيل الروح المصرية.
متحف نجيب محفوظ
ثاني القاعات تحمل عنوان «أصداء السيرة»، وتمثل القاعة الجانب الشخصي من حياة محفوظ من خلال آراء النقاد، وتصميم القاعة يقسمها إلى قاعتين متصلتين تتناولان حياة محفوظ بجميع مراحلها؛ إذ تحتوي القاعة على عدد من أهم مقتنيات الأديب الراحل الشخصية، مثل ملابسه، ومنها حلته وقبعته وحذاؤه، وصور تذكارية للأديب الراحل مع الزعماء والشخصيات العامة، إلى جانب الأوسمة والشهادات التي نالها خلال حياته.
ثالث القاعات تحمل اسم «التجليات»، التي تتناول سلسلة من النقاشات التي قدمها مع الكاتب الراحل جمال الغيطاني في الحلقات التلفزيونية «تجليات مصرية»، وهو ما سيراه الزوار من خلال المواد الفيلمية المعروضة من حوار محفوظ والغيطاني.
تجاور قاعة «التجليات» قاعة «السينما»، حيث نجد مكتب أديب «نوبل» الشخصي، وخلفه شاشة كبيرة تعرض مشاهد من بعض رواياته التي تحولت إلى أفلام سينمائية، وتهدف القاعة إلى التعرف على علاقته بالسينما، والتعرف على محتويات مكتبة محفوظ الشخصية، وأهم الكتب التي أهدتها أسرته إلى المتحف.
شهادة جائزة «نوبل» في الأدب
وبالوصول إلى قاعة «نوبل»، يكون الزائر داخل واحدة من أبرز قاعات المتحف، التي تتكون من «فاترينة» عرض تتوسط القاعة تعرض شهادة «نوبل» التي حصل عليها محفوظ عام 1988، وصورة طبق الأصل من ميدالية الجائزة التي حصل عليها، ونص خطبة محفوظ التي تم إلقاؤها عند تسلم الجائزة، إلى جانب عرض للشخصيات الحائزة على جائزة «نوبل» في الأدب منذ تأسيس الجائزة.
تتوالى القاعات لنجد قاعة «رثاء»، التي تضم تمثالاً نصفياً لمحفوظ أمام جدار يحمل جُملاً مختارة من أقواله عن الحياة والموت.
أما قاعة «فيلموغرافيا»، فتحتوي على مشاهد من رواياته التي تحولت لأعمال سينمائية، وصور لأشهر شخصيات أعماله.
ويمكن التعرف على السنوات الأخيرة من حياة أديب «نوبل» من خلال قاعة «أحلام الرحيل»، التي تستعرض المراحل المتقدمة من حياة محفوظ، والمحاولة الغادرة لاغتياله وما ترتب عليها من مشكلات صحية أثرت في قدرته على الكتابة، وحتى وفاته، كما تعرض بعض المقتنيات الخاصة بمحفوظ، كجهاز السمع والعدسة المكبرة وبعض الكراسات التي كان يتدرب فيها على الكتابة بعد إصابة يديه عقب محاولة الاغتيال.
مواعيد الزيارة
يفتح المتحف أبوابه كل أيام الأسبوع ما عدا يوم الثلاثاء من كل أسبوع، وتبدأ مواعيد الزيارة من الساعة 9 صباحاً حتى 3 ظهراً. أما أسعار التذاكر، فهي للزوار الأجانب 20 جنيهاً (أقل من دولار).
وعلى الرغم من أن زيارة متحف محفوظ لا تستغرق وقتاً طويلاً،
فإنها بمثابة وجبة ثقافية وأدبية دسمة تشبع رغبات محبي الأدب والسينما.
ونرشح لك بعد الانتهاء من رحلتك داخل المتحف، أن تستكمل رحلتك في منطقة الأزهر والغورية والحسين؛ إذ يمكنك زيارة «مجموعة السلطان الغوري»، التي تجاور المتحف مباشرة، والاستمتاع بعروضها الثقافية والفنية مساءً، أو التوجه في جولة بشارع «المعز لدين الله»؛ أكبر متحف مفتوح بالعالم.