الذكاء الصناعي... آفاق المستقبل

يوظف في نطاق واسع من التطبيقات الحياتية والصناعية

الذكاء الصناعي... آفاق المستقبل
TT

الذكاء الصناعي... آفاق المستقبل

الذكاء الصناعي... آفاق المستقبل

لقد تحول الذكاء الصناعي ببرامجه ونظمه، إلى تجارة هائلة بكل المقاييس.
وكشفت شركة «غارتنر» المتخصصة بالتحليلات والاستشارات في مجال التقنية، أن الزبائن حول العالم سينفقون 62.5 مليار دولار على برمجيات الذكاء الصناعي في عام 2022، لافتةً إلى أن 48 في المائة من مدراء مكاتب المعلومات إما استخدموا نوعاً من برمجيات الذكاء الصناعي أو يخططون لذلك العام المقبل.
جذب هذا الإنفاق الهائل عدداً كبيراً من الشركات الناشئة التي تركز عملها اليوم في منتجات الذكاء الصناعي. وكشف تقرير لشركة «سي. بي. إنسايتس» أن تمويل الذكاء الصناعي بلغ 15.1 مليار دولار في الربع الأول من العام الحالي، بعد ثلاثة أشهر من الاستثمارات التي بلغت 17.1 مليار في الشركات الناشئة المتخصصة بالذكاء الصناعي.
ذكاء طبيعي وصناعي
وعلينا أن نتعرف على جذور الذكاء الصناعي الذي يعايشنا اليوم، وعلى أنواعه، وحالات استخدامه الشعبية، واتجاهاته المحتملة. وتعتبر البيانات المحرك الرئيسي للذكاء الصناعي، لذا لا عجب أن المجالات المرتبطة به كتحليل البيانات، والتعلم الآلي، والذكاء التجاري، تشهد نمواً سريعاً بدورها.
ما هو الذكاء الصناعي تحديدا؟ ولماذا أصبح على هذا القدر من الأهمية والربحية في صناعة التقنية؟ بشكل أو بآخر، يمثل الذكاء الصناعي نقيضاً للذكاء الطبيعي. وإذا صح القول بأن المخلوقات الحية تولد بذكاء طبيعي، سيصح القول بأن الآلات التي يصنعها الإنسان تملك ذكاءً صناعياً، وهذا يعني أن أي «آلة مفكرة» تملك ذكاءً صناعياً.
وعرف جون ماكارثي، أحد أوائل رواد الذكاء الصناعي، الأخير على أنه «علم وهندسة صناعة الآلات الذكية». ولكن الأمر يختلف عند الممارسة، إذ يستخدم علماء الكومبيوتر مصطلح الذكاء الصناعي للإشارة إلى الآلات التي تقوم بالتفكير المتقدم الذي طوره البشر.
تُبرع الكومبيوترات في الحسابات والمدخلات، والتلاعب بها، وتوليد المخرجات كنتيجة لهذه العمليات. لم تكن أجهزة الكومبيوتر في الماضي ماهرة في أداء أنواع أخرى من العمل الذي يتقنه البشر كفهم اللغة ومعالجتها، وتعريف الأشياء باستخدام الرؤية، وابتكار الفن، أو التعلم من التجارب الماضية.
ولكن الوضع تغير. فقد أصبح العديد من أنظمة الكومبيوتر اليوم قادرة على التواصل مع البشر باستخدام الخطاب العادي، بالإضافة إلى التعرف على الوجوه وغيرها من الأشياء. تستخدم الكومبيوترات اليوم أيضاً تقنيات التعلم الآلي، خصوصاً التعلم العميق، بطرق تتيح لها التعلم من الماضي والتنبؤ للمستقبل.
أنواع الذكاء الصناعي
تطرح مجموعات عدة من علماء الكومبيوتر تصنيفات مختلفة لأنواع الذكاء الصناعي. ترتكز واحدة من أكثر التصنيفات شعبية على ثلاث فئات:
• الذكاء الصناعي الضيق: يعد مساعد «سيري» من آبل، ونظام «واتسون» من IBM، وبرنامج «ألفا غو» من غوغل أمثلة على الذكاء الصناعي الضيق والذي يعتبر شائعاً في عالمنا اليوم.
• الذكاء الصناعي العام، هو نوع نظري من الذكاء الصناعي يؤدي معظم المهام الفكرية بنفس مستوى أداء البشر. تجدون الأمثلة على هذا النوع في أفلام شهيرة كشخصية «هال» من فيلم «ملحمة الفضاء» (2001) أو «جارفيس» من «الرجل الحديدي». يعمل العديد من الباحثين اليوم على تطوير الذكاء الصناعي العام على أرض الواقع.
• الذكاء الصناعي الخارق: لا يزال في المرحلة النظرية أيضاً، ويملك قدرات تتفوق على تلك التي يملكها البشر. هذا النوع من الذكاء الصناعي لم يقترب بعد من التحول إلى حقيقة.

تصنيف شعبي
يرتكز تصنيف شعبي آخر على أربعة فئات مختلفة:
• الآلات «ردود الأفعال» Reactive machine التي تعتمد على تلقي المدخلات وإنتاج المخرجات ولكنها لا تملك ذاكرة ولا تتعلم من التجارب السابقة. تعتبر الروبوتات الافتراضية التي تتنافسون وإياها في الكثير من ألعاب الفيديو من أبرز الأمثلة على الآلات التفاعلية.
• آلات الذاكرة المحدودة التي تستطيع العودة بعض الشيء إلى الماضي. يضم الكثير من العربات التي تسير على الطرقات اليوم مزايا سلامة متقدمة تنتمي إلى هذه الفئة من الذكاء الصناعي. على سبيل المثال، عندما تصدر سيارتكم إنذاراً عند الاقتراب من عربة أخرى أو شخص يعبر من خلفكم، ينتج هذا الإنذار عن مجموعة محدودة من البيانات التاريخية التي استخدمتها السيارة للتوصل إلى هذه الخلاصات وتقديم المخرجات (النتائج).
1. آلات «نظرية العقل» التي تدرك وجود البشر وكيانات أخرى، وتملك دوافعها المستقلة الخاصة. يوافق معظم الباحثين على أن هذا النوع من الذكاء الصناعي ليس موجوداً بعد، بينما يؤمن آخرون أنه يجب ألا يعمل على تطويره.
2. آلات الوعي الذاتي التي تدرك وجودها وهويتها. قليلون هم الباحثون الذين يدعون وجود هذا النوع من الذكاء الصناعي اليوم، وقليلون هم من يدعمون هذا الادعاء، ولكن الأكيد أن فكرة تطوير الذكاء الصناعي ذي الوعي الذاتي تثير الكثير من الجدل.
قد تكون هذه التصنيفات مثيرة للاهتمام من الناحية النظرية، ولكن الشركات والمنظمات تركز بمعظمها على ما يمكنها فعله بواسطة الذكاء الصناعي، الأمر الذي يقودنا إلى نمط الذكاء الصناعي المربح.

تطبيقات الذكاء الصناعي
إن حالات استخدام الذكاء الصناعي وتطبيقاته لا تعد ولا تحصى، ولكن أكثرها شيوعاً اليوم هي التالية:
• محركات تقديم التوصية: سواء كنتم تتبضعون سترة جديدة، أو تبحثون عن فيلم لمشاهدته، أو تتصفحون التواصل الاجتماعي أو حتى تبحثون عن الحب الحقيقي، ستصطدمون حتماً بخوارزمية ذكاء تقدم لكم اقتراحات وتوصيات ذات صلة، حتى أن هذه النماذج قد تبرع في تحديد تفضيلات لا يعيها المستخدمون أنفسهم.
• معالجة اللغة الطبيعية: تعتبر معالجة اللغة الطبيعية فئة واسعة من الذكاء الصناعي تشمل تحويل الكلام إلى نص، وتحويل النص إلى كلام، وتعريف الكلمات المفتاح، واستخراج المعلومات، والترجمة وابتكار اللغة. يتيح هذا التطبيق للبشر وأجهزة الكومبيوتر التفاعل بواسطة اللغة البشرية العادية (عبر الصوت أو الطباعة) بدل الغوص في لغة البرمجة. تدخل قدرات تعلم آلي في أدوات معالجة اللغة الطبيعية، ما يعني أن هذه الأخيرة تشهد تحسناً مستمراً.
• تحليل المشاعر: لا يستطيع الذكاء الصناعي فهم اللغة البشرية فقط، بل يستطيع أيضاً تعريف المشاعر الكامنة في المحادثات البشرية. على سبيل المثال، يستطيع الذكاء الصناعي تحليل آلاف محادثات الدعم التقني أو التفاعلات على التواصل الاجتماعي وتحديد الزبائن الذي يمرون بأحاسيس شديدة الإيجابية أو السلبية. يتيح هذا النوع من التحليل لفرق دعم الزبائن التركيز على المستخدمين الذين قد يصرفون نظرهم عن العلامة التجارية أو الداعمين المتحمسين الذين قد يصبحوا مناصرين لها.
• أدوات المساعدة الافتراضية: يتفاعل الكثير منا مع «سيري» وأليكسا و«كورتانا» ومساعد غوغل بشكل يومي. ينظر المستخدمون غالباً إلى هذه الأدوات كتحصيل حاصل، ولكنها تقوم على تقنيات ذكاء صناعي متقدمة كمعالجة اللغة الطبيعية والتعلم الآلي.
• تجنب الاحتيال: تستخدم شركات الخدمات المالية والتجزئة غالباً تقنيات تعلم آلي متقدمة لرصد العمليات الاحتيالية. تبحث هذه التقنيات عن أنماط في البيانات المالية، وعندما تستشعر عملية مثيرة للشبهة أو مماثلة لنمط احتيالي معروف، تصدر إنذارات من شأنها أن تعطل أو تخفف من وطأة النشاط الجرمي.
• التعرف على الصورة: يستخدم الكثيرون منا تقنية التعرف على الوجه المدعومة بالذكاء الصناعي لفك قفل الهاتف. يشغل هذا النوع من الذكاء الصناعي العربات الذاتية القيادة أيضاً ويتيح المعالجة الآلية في الكثير من الصور والفحوصات الطبية.

استخدامات صناعية وخدمية
• الصيانة التنبئية: تعتمد صناعات كثيرة كالتصنيع، والنفط والغاز، والنقل، والطاقة على الآلات التي تحتاج لمبالغ طائلة لصيانتها. تستخدم الشركات اليوم مزيجاً من تقنيات التعرف على الأجسام والتعلم الآلي للتنبؤ بموعد تعطل التجهيزات الآلية بهدف وضع جداول زمنية مسبقة للصيانة.
• التحاليل التنبئية: تستطيع الخوارزميات التنبئية تحليل أي نوع من البيانات التجارية وتستخدمها كقاعدة لتقدير احتمالية الأحداث المستقبلية. شهدت التحاليل التنبئية بعض التقدم، بحيث إنها لم تعد تكتفي بالتنبؤ، بل باتت تقدم توصيات لما يجب على الشركة أن تحضر نفسها له مستقبلاً.
• العربات الذاتية القيادة: تضم معظم العربات الحديثة بعض المزايا الآلية كالمساعدة في الركن، والتمركز، والسير القابل للتكيف. لا تزال العربات الآلية باهظة ونادرة نسبياً، ولكنها موجودة على الطرقات، فضلاً عن أن تقنية الذكاء الصناعي التي تشغلها تشهد تحسناً وتراجعاً في الكلفة كل يوم.
• الروبوتيات: تعتبر الروبوتات الصناعية من أولى تطبيقات الذكاء الصناعي، ولكنها لا تزال من أهم فئات سوق الذكاء الصناعي، فضلاً عن أن الروبوتات الاستهلاكية، كالمكانس الكهربائية، وجزازات العشب وغيرها من التطبيقات أصبحت أكثر شيوعاً بين المستهلكين.
طبعاً، هذه ليست إلا أمثلة قليلة على استخدامات الذكاء الصناعي لأن هذه التقنية باتت تذوب في حياتنا اليومية بأشكال كثيرة لا ندركها في معظم الأحيان.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

روسيا تعرض بقايا ماموث محفوظة بشكل جيد عمرها 50 ألف سنة

الماموث «إيانا» عمرها 50 ألف عام (رويترز)
الماموث «إيانا» عمرها 50 ألف عام (رويترز)
TT

روسيا تعرض بقايا ماموث محفوظة بشكل جيد عمرها 50 ألف سنة

الماموث «إيانا» عمرها 50 ألف عام (رويترز)
الماموث «إيانا» عمرها 50 ألف عام (رويترز)

عرضت روسيا، اليوم (الاثنين)، بقايا محفوظة بشكل جيد لماموث صغير عمرها 50 ألف عام، عُثر عليها خلال الصيف الفائت في أقصى الشمال الروسي، في أحدث اكتشاف علمي مهم في هذه المنطقة النائية من البلاد.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أُطلق على أنثى الماموث اسم «إيانا» نسبةً إلى النهر الذي وُجدت في حوضه، في ياقوتيا، وهي منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة في أقصى الشرق الروسي.

وعُرضت البقايا أمام المجتمع العلمي، الاثنين، في الجامعة الفيدرالية الشمالية الشرقية في ياكوتسك، العاصمة الإقليمية، على ما أعلنت المؤسسة الجامعية في بيان.

وأوضح رئيس الجامعة أناتولي نيكولاييف، في البيان: «فوجئنا جميعاً بحالة الحفظ الاستثنائية لهذا الماموث؛ إذ لا يوجد أي نقص عند الرأس أو الجذع أو الأذنين أو الشدق، ولم يكن هناك أي ضرر أو تشوه واضح».

ويبلغ وزن «إيانا» التي قد تكون أفضل عينة ماموث محفوظة في العالم وفق الجامعة، 180 كيلوغراماً، وارتفاعها 120 سنتيمتراً وطولها أقل من مترين.

وأشارت الجامعة إلى أن «هذا الاكتشاف الفريد سيوفّر معلومات عن تكوين الماموث وخصائصه التكيفية والظروف البيئية القديمة لموائله وجوانب أخرى».

ويُفترض أن تحدد دراسات أخرى خصوصاً عمر «إيانا» الدقيق، الذي يُقدّر بـ«سنة أو أكثر قليلاً».

واكتُشفت بقاياها العائدة إلى 50 ألف عام، خلال الصيف الفائت على أراضي محطة أبحاث باتاغايكا، حيث عُثر سابقاً على بقايا أخرى لحيوانات من حقبة ما قبل التاريخ.

وقبل «إيانا»، عُثر على 6 جيف للماموث فقط في العالم: 5 في روسيا وواحدة في كندا، وفق الجامعة.

في ياقوتيا، وهي منطقة معزولة تفوق مساحتها 3 ملايين كيلومتر مربع ويحدها المحيط المتجمّد الشمالي، تؤدي التربة الصقيعية دوراً أشبه بمجمّد ضخم يحافظ على حيوانات ما قبل التاريخ، خصوصاً الماموث.

وفي السنوات الأخيرة، عثرت محطة باتاغايكا على بقايا خيول وثيران بيسون من عصور ما قبل التاريخ، وحتى مومياء لحيوان من قوارض اللاموس.