الطريق إلى الاتفاق النووي الإيراني النهائي.. أيام طويلة وأعصاب مشدودة

كيري تحدث مع نظرائه عن تجربته في فيتنام وعزمه منع حرب أخرى

وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتحدث مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف وحسين فريدون شقيق الرئيس الإيراني في فيينا قبل الإعلان الرسمي عن التوصل إلى الاتفاق النووي قبل يومين (رويترز)
وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتحدث مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف وحسين فريدون شقيق الرئيس الإيراني في فيينا قبل الإعلان الرسمي عن التوصل إلى الاتفاق النووي قبل يومين (رويترز)
TT

الطريق إلى الاتفاق النووي الإيراني النهائي.. أيام طويلة وأعصاب مشدودة

وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتحدث مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف وحسين فريدون شقيق الرئيس الإيراني في فيينا قبل الإعلان الرسمي عن التوصل إلى الاتفاق النووي قبل يومين (رويترز)
وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتحدث مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف وحسين فريدون شقيق الرئيس الإيراني في فيينا قبل الإعلان الرسمي عن التوصل إلى الاتفاق النووي قبل يومين (رويترز)

في اليوم التاسع من مضمار المفاوضات النهائية حول البرنامج النووي الإيراني، كان الدبلوماسيون منهكين ومتضايقين.
وخلال اجتماع مع الوفد الأميركي، بدأ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في إلقاء خطاب مألوف على مسامع الحضور حول أن العقوبات الدولية كانت تشكل إهانة كبيرة لكرامة وسيادة بلاده، وذلك عندما تدخل وزير الخارجية الأميركي جون كيري بحزم ليقول: «ليست إيران هي الدولة الوحيدة ذات الكرامة».
وكان صباح الخامس من يوليو (تموز) الحالي، يوما صعبا حيث أصبح بعد ذلك «ماراثون» استمر 17 يوما وانتهى بعقد الاتفاق التاريخي مع إيران، وهو تتويج لجهود نحو عامين من المفاوضات المتعثرة في الفنادق وقاعات الاجتماعات عبر أوروبا وخارجها.
وكانت هناك أوقات يشعر فيها المشاركون بالتشجيع، وأوقات أخرى كانت المهمة تبدو مستحيلة مع بروز تهديدات بالانسحاب من الأمر برمته. وحينما بدأت اللعبة النهائية في فيينا في شهر يونيو (حزيران) الماضي، ولم يكن أحد من الدبلوماسيون على يقين من الوصول إلى خط النهاية.
وتستند أعمال هذين الأسبوعين الأخيرين على البيانات العلنية والمعلومات الإعلامية من جانب المشاركين من عدة وفود في فيينا ووفق التوصيفات المقدمة من قبل المسؤولين الأميركيين الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، لمناقشتهم الأحداث السياسية المهمة التي كانت تصاغ وتجري خلف الأبواب المغلقة.
ولم يكن الأمر جليا حتى ساعة متأخرة من يوم الاثنين الماضي حين أدركوا أنهم تمكنوا من إنجاز ما تعين عليهم إنجازه. وفي صبيحة الثلاثاء الماضي، حينما علموا أنهم حازوا الصفقة، اجتمع وزير الخارجية الإيراني ظريف للمرة الأخيرة مع كيري وشركاء الولايات المتحدة في المفاوضات من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين، والاتحاد الأوروبي. ولقد طلبوا من أغلب مرافقيهم مغادرة قاعة الاجتماعات.
ونادرا ما غادر كيري وظريف، على وجه الخصوص، ذلك الفندق في فيينا، الذي شهد انعقاد محادثاتهما لأكثر من أسبوعين في حين كان العالم من حولهما يتجادل حول الجهود المبذولة. وكان كل منهما يعتزم العودة لوطنه ليتلقى مهمة جديدة وصعبة، إزاء عرض وبيع الصفقة الجديدة لسياسيين هناك، ومحاولة إقناعهم بجدواها.
وتحدث الدبلوماسيون، واحدا تلو الآخر، وفق الترتيب الأبجدي للأسماء، حول معنى ما أنجزوه وقدر التحديات المقبلة عليهم. وأما كيري، الذي تحدث أخيرا، فقد ناقش الفرصة الممنوحة لهم والحاجة العاجلة لإبرام وتنفيذ الاتفاق بفعالية لكي تتمتع بالمصداقية المطلوبة.
وفي نهاية المطاف، تحدث كيري عن سفره إلى فيتنام عندما كان عمره 22 عاما، والعود إلى الوطن، باعتقاد مفاده أنه ما من شاب يخوض مثل تلك التجارب الكبيرة، ما لم تكن الدول قد استنفدت بالفعل كل السبل الأخرى للحيلولة دون وقوع الحرب. ولقد أمسك عن الحديث قليلا، في الوقت الذي بدا فيه التأثر الواضح على كثير من المشاركين، حسبما أفاد اثنان من المسؤولين اللذين كانا حاضرين. وبدأ الدبلوماسيون في التصفيق.
وتواصلت المحادثات بين الخبراء التقنيين ونوابهم بشكل مستمر تقريبا منذ شهور، وفي جهود لتغطية الثغرات في الإطار الكبير للاتفاق المحتمل الذي وافق عليه الوزراء في أوائل أبريل (نيسان) الماضي. غير أن أكثر الأسئلة النهائية صعبة لا يمكن الإجابة عليها إلا من خلال كبار الدبلوماسيين من الدول المتفاوضة.
وفي أواخر يونيو الماضي، كانوا جميعا يواجهون الكثير من المواعيد النهائية. وكانت الاتفاقية المؤقتة المبرمة في أواخر عام 2013، والتي قضت بتجميد برنامج إيران النووي في مقابل الإفراج عن جزء صغير من الأموال الإيرانية المحتجزة وفقا للعقوبات الدولية، لتشهد نفاد تاريخ صلاحيتها بحلول نهاية الشهر الحالي. وفي واشنطن، طالب الكونغرس بتاريخ 9 يوليو بتحويل أية اتفاقية عليه أولا للتصديق عليها.
وسافر كيري إلى فيينا في وقت متأخر من الجمعة 26 يونيو الماضي، وكان لا يزال يعتمد على عكازين للمشي إثر حادثة الدراجة التي تعرض لها في 31 مايو (أيار) الماضي خارج جنيف. حيث كان قد عقد اجتماعا حول الموقف ليوم واحد فقط مع ظريف، وكان لزاما عليه استخدام رافعة ميكانيكية تنقله إلى باب طائرته الرسمية.
ولقد شرعوا في المحادثات الرسمية بعد وقت قصير من ظهيرة اليوم التالي.
وكان القرار قد اتخذ بالفعل حيال القضايا النووية الرئيسية - ستتخلى إيران عن أغلب مخزونها من اليورانيوم المخصب وتعمل على تقليص الإنتاج المستقبلي منه، مما يعني القضاء فعليا على احتمالية أن تعمل سريعا على تطوير أي سلاح نووي، وستوافق كذلك على عمليات التفتيش الدولية التدخلية.
وكان الجانب الآخر من الاتفاق - رفع العقوبات الدولية ضد إيران - ذلك الذي هيمن على غالبية المحادثات.
وفي مساء يوم الأحد، 28 يونيو الماضي، غادر ظريف إلى طهران ليوم واحد من التشاور مع القيادة الإيرانية. وعلى الرغم من ابتسامته ومزاحه أمام الجمهور، كان الأميركيون يعتبرونه مفاوضا شديد المراس، ومطلعًا جيدًا للغاية على أكثر التفاصيل غموضا، والخاصة بدورات الوقود النووي وقرارات الأمم المتحدة. ولكن مع صدور بيان علني رسمي شديد من طهران، أصيب البعض بحالة من عدم اليقين ما إذا كانت لدى ظريف السلطة الكافية لإبرام الاتفاق من عدمه.
وفي اليوم التالي، امتد الموعد النهائي المؤقت لأسبوع آخر.
ومع نهاية الأسبوع الأول، ومع مجيء وذهاب وزراء الخارجية بين الشركاء المفاوضين للولايات المتحدة - والمعروفين بصفة جمعية بدول مجموعة (5+1) - فقد اتفقوا على أن العقوبات الاقتصادية والمصرفية لن يتم رفعها ما لم تتحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن المواقع النووية الإيرانية المعلن عنها لا تستخدم إلا للأغراض المدنية من إنتاج الطاقة والنظائر المشعة الطبية. وعملية التحقق، المعروفة باسم «يوم التنفيذ»، قد لا تبدأ قبل شهور عقب إبرام الاتفاق ونفاذه.
وكما أنهم اتفقوا كذلك على إجراءات «الدخول المنظم» للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المواقع النووية الإيرانية غير المعلن عنها والأماكن، ومن بينها المنشآت العسكرية، والتي يشتبه في إدارتها للأنشطة النووية السرية.
وقال أحد كبار المفاوضين الإيرانيين للمراسلين الأجانب: «ليس لدينا ما نخفيه».
وفي يوم 4 يوليو الحالي، عقد فندق كوبورغ بالاس، الذي تجري فيه المحادثات في حين يعسكر المئات من الصحافيين والمراسلين خارج أسواره، حفل عيد الاستقلال للوفد الأميركي المشارك والصحافيين الأميركيين المرافقين.
وأما كيري، والذي كان يرتدي قميصا وربطة عنق، فقد شارك في الاحتفالية وتناول شطائر الجبن باللحم المقدد. ولقد ألقى بخطاب قصير كان على ما يبدو موجها لدغدغة معنويات الخبراء الفنيين والموظفين الأميركيين الحاضرين والذين لم يرجع بعض منهم إلى الوطن منذ شهور.
وفي اليوم التالي، بدأت المحادثات في التعثر. في حين أصرت الولايات المتحدة وشركاؤها على الإجراءات الوقائية الموجبة للعودة إلى فرض حزمة العقوبات إذا ما انتهكت إيران التزاماتها حيال الجانب النووي من الاتفاق، طالبت إيران في ذات الأثناء بإجراء من شأنه تقديم الشكاوى إذا ما تعثرت دول مجموعة (5+1) في الوفاء بالتزاماتها.
وقال أحد الدبلوماسيين الإيرانيين إن «المهم هو المساواة».
وفي مساء يوم 5 يوليو، بعد جدالهما الصباحي حول الكرامة الوطنية، اجتمع كيري وظريف في غرفة صغيرة بالقرب من إحدى قاعات الطعام التي خصصها الفندق لوفود دول مجموعة (5+1)، (وكان الإيرانيون يتناولون الطعام في قاعة أخرى مستقلة). ولم يكن برفقتهما إلا أرنست مونيز وزير الطاقة الأميركي، وهو من علماء الفيزياء النووية، ونظيره الإيراني المدعو علي أكبر صالحي.
وروى أحد المسؤولين الأميركيين أن ظريف أراد إعادة التفاوض حول فترة مختلف القيود المفروضة على إيران في الاتفاق الجديد، وهو الطلب الذي رفضه الطرف الأميركي أو شعروا بأنها مسألة قد تم الاتفاق عليها وتجاوزها في الاتفاق الإطاري لشهر أبريل.
وقال المسؤول الأميركي: «كان كيري غاضبا. ودعوني أعيد صياغة ذلك لأقول، كان كيري مصرا على أن ذلك من شأنه أن يكون مشروعا محكوما عليه بالفشل من جانبه ومن جانب شركائه، كما أنه من غير الممكن إعادة التفاوض في بعض الأمور التي تم الاتفاق عليها بالفعل».
ومع ارتفاع أصواتهم، صارت المحادثات الداخلية مسموعة لأعضاء من الوفد الفرنسي الذين يتناولون طعامهم في القاعة المجاورة. ولقد انطلق أحد مساعدي كيري إلى داخل الغرفة، حيث يجتمع مع ظريف، ليخبره بضرورة الحديث بهدوء.
وفي مساء اليوم التالي، اجتمعت مجموعة كاملة من الوزراء مع الوفد الإيراني لعرض اقتراح يضم الكثير من المسائل العالقة، معتقدين أنه سيكون أمرا أكثر فعالية من مناقشتها بصورة مجزأة. وفي هذه المرة انفجر فيهم ظريف قائلا: «لا تهددوا الإيرانيين».
ومازحه سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي في محاولة منه لتهدئة الموقف قائلا: «أو الروس». إنه مجرد عرض، كما قال لظريف، وليس إنذارًا نهائيًا.
وقال أحد المسؤولين: «أدى الأمر لبعض مننا إلى القلق، أنه ربما هناك شيء آخر يجري. وربما أنه كان يخلص إلى عدم إمكانية حصوله على الموافقة على الاتفاق، أو ربما أن اتصالاته مع قيادته طلبا للإرشاد قد أعاقها عائق».
وإذا لم تكن مستعدا لإبرام الاتفاق، كما قال كيري لظريف، فإنه كان «على استعداد للعودة إلى الوطن».
وبعد مرور أكثر من ساعتين، تأجل الاجتماع. ثم اجتمعت دول مجموعة (5+1) منفردين في إحدى قاعات الطعام، من دون الموظفين المرافقين، لتقدير الموقف وأين يقفون. ولقد كانت أدنى نقطة في ماراثون المفاوضات حتى الآن، ثم ذهبوا إلى النوم من دون معرفة ما إذا كانت تلك النهاية أم لا.
ولكن في صباح اليوم التالي، الثلاثاء، 7 يوليو، ظهر ظريف في اجتماع وجها لوجه مع كيري وبحوزته استجابة شاملة على الاقتراح.
وقال المسؤول: «أيا كان ما حدث الليلة الماضية، فإننا تجاوزنا تلك المرحلة، وإننا الآن بصدد الحديث عن الجوهر».
وتم تنظيم اجتماع عبر شبكة الفيديو المؤمنة بين الرئيس أوباما وفريق الولايات المتحدة في مساء الأربعاء، 8 يوليو، في فيينا. ولقد التف الوفد الأميركي حول شاشة التلفاز في خيمة آمنة أقيمت خصيصا داخل إحدى الغرف بفندق كوبورغ.
وقال أحد كبار المسؤولين من واشنطن، متذكرا الاتفاق المعلق: «لقد كان كل شيء منظمًا ومرتبًا». وكانت النقاط العالقة الرئيسية، كما أفاد، تدور حول فترة قرار مجلس الأمن بالأمم المتحدة الذي سوف يصادق على الاتفاق ويضع له حدوده، وإدراج قرارات الحظر الحالية على المبيعات والمشتريات الإيرانية من الأسلحة التقليدية وتكنولوجيا الصواريخ الباليستية.
وقد أرادت الولايات المتحدة - المهتمة بشحنات الأسلحة الإيرانية إلى سوريا والجماعات الموالية لها في لبنان، واليمن وغيرها، وقررت عدم السماح لإيران بامتلاك القدرة على بناء الصواريخ طويلة المدى - الإبقاء على ذلك الحظر لأطول فترة ممكنة.
وكانت إيران قد دفعت منذ فترة طويلة بأن قرارات الحظر المذكورة ملحقة بالعقوبات الخاصة بالأسلحة النووية، وأنه ينبغي رفع قرارات الحظر اتساقا مع رفع باقي التدابير المقيدة كجزء من الاتفاق النووي.
ولقد شهدت القضية المزيد من التعقيد من جانب روسيا والصين اللتين كانتا حريصتين على بيع الأسلحة إلى الجانب الإيراني، حيث إنهما اتخذتا موقف إيران في تلك المسألة.
وقال لهم أوباما إنه من دون قرار مقبول، فلن يكون هناك اتفاق، وفقا للمسؤولين الأميركيين في فيينا وواشنطن. ولقد أوضح الرئيس الخطوط العريضة والمعاملات الرئيسية التي يستعد لقبولها.
ولم يكن الموعد النهائي المضروب من قبل الكونغرس من المسائل المقلقة، كما اتفقوا جميعا. أما الموعد النهائي المنفصل، والذي تنقضي فيه صلاحية القيود المؤقتة على البرنامج النووي الإيراني، فيمكن تمديده مجددا.
وكلما اقتربوا من إبرام الاتفاق خلال عطلة نهاية الأسبوع، كان كيري يريد أن يستقيم الأمر بينه وبين ظريف حيال مسألة وحيدة ومهمة. حيث سأله قائلا: «هل أنت مفوض بالإبرام الفعلي للاتفاق، وليس فقط من قبل الرئيس الإيراني، ولكن من قبل المرشد الأعلى»، مشيرا إلى آية الله علي خامنئي. ولقد أكد ظريف لكيري بأنه يحمل التفويض الكامل إزاء ذلك، وفقا لإفادة المسؤول الأميركي.
وبحلول يوم الأحد، تم تسوية كل المسائل تقريبا باستثناء الخلاف حول الحظر وفترات القرار الأممي. ولقد ذهب كيري لحضور القداس في كاتدرائية القديس ستيفن في فيينا.
وفي مساء الأحد والاثنين، عاد وزراء الخارجية الذين غادروا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع إلى عقد الاجتماعات اللانهائية.
في نحو الساعة 10:30 مساء يوم الاثنين الماضي، كان كيري في جناحه الفندقي مجتمعا مع لافروف وفيديريكا موغريني منسقة السياسة الخارجية الأوروبية، حيث انضم إليهم ظريف لاحقا. ولقد طلبوا من الموظفين المرافقين مغادرة الجناح أثناء الاجتماع.
وبعد مرور نصف الساعة، خرج الدبلوماسيون ليعلنوا أنهم عملوا على تسوية كل القضايا الرئيسية. وأن الحظر على الأسلحة سيستمر لمدة خمس سنوات أخرى، وأن الحظر على تكنولوجيا الصواريخ الباليستية سيستمر لمدة ثماني سنوات. وسيستمر قرار الأمم المتحدة لعشر سنوات قادمة.
وفي تمام الساعة 11:50 مساء الاثنين، تحادث كيري عبر الهاتف مع أوباما.
وفي وقت مبكر من صباح الثلاثاء الماضي، اجتمع الوزراء مجددا.

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ {الشرق الأوسط}



نتنياهو و«الليكود» يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد

نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
TT

نتنياهو و«الليكود» يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد

نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

قالت مصادر في حزب «الليكود» الإسرائيلي، الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إن الأخير يعتزم دفع وزير الدفاع السابق، يوآف غالانت، إلى التقاعد من الحزب والحد من إمكانية ترشحه للكنيست في الانتخابات المقبلة.

وأكدت المصادر لموقع «واللا» أن الحزب بدأ بمراقبة أنشطة وتصريحات غالانت ضد الحكومة، بهدف جمع الأدلة على أنه يتصرف بشكل مستقل؛ تمهيداً لفصله.

وبحسب المصادر، فإنه منذ إقالة غالانت مطلع الشهر الحالي، بدأ الليكود بمراقبة نشاطه في الكنيست، وتتبع حضوره وتصويته في الجلسة العامة، ووثق تصريحاته المناهضة لسياسة الحكومة، بهدف جمع الأدلة التي تثبت أنه يتصرف بشكل مستقل، ولا يخضع لقرارات الحكومة وإدارة الائتلاف، وهو ما يمهد لتقديم طلب للجنة الكنيست لإعلانه منشقاً عن الائتلاف. وإذا نجحت هذه الخطوة، فستتم معاقبته بمنع الترشح في الانتخابات المقبلة ضمن «الليكود» أو أي حزب آخر يخدم في الكنيست الحالي، إلا إذا استقال في الدورة الحالية.

إسرائيليون يحتجون على إدارة الحكومة الإسرائيلية للحرب في غزة بعد قرار «الجنائية الدولية» إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت الخميس الماضي (رويترز)

وقالت المصادر، إن نتنياهو يريد في نهاية المطاف أن يستقيل غالانت من الكنيست؛ خوفاً من أن يصوّت ضد الائتلاف في أصوات حاسمة.

وعادة، من أجل إعلان تقاعد عضو كنيست، وتحديد وضعه بوصفه «عضو كنيست منفرداً»، يجب على الكتلة التقدم بطلب إلى لجنة الكنيست، حيث يتم اتخاذ إجراءات شبه قضائية، تشمل وجوب تقديم الكتلة دليلاً على أن عضو الكنيست عمل ضد الحزب والائتلاف، قبل أن يُمنح عضو الكنيست المعني حق الدفاع عن نفسه أمام الاتهامات، وإذا تمت الموافقة على الطلب، فيُحظر على عضو الكنيست أن يكون جزءاً من أي حزب في الكنيست، ويتم وضع قيود عليه وعلى أنشطته. كما يمنع من الانضمام إلى الأحزاب الموجودة في الكنيست في الانتخابات المقبلة، ولن يتمكن من الترشح إلا بوصفه جزءاً من حزب جديد.

وفي السنوات الأخيرة، تم تفعيل الإجراء والموافقة عليه مرتين: في عام 2017، ضد أورلي ليفي أبياكسيس من حزب «يسرائيل بيتنا»، وفي عام 2022، ضد عميحاي شيكلي من حزب «يمينا»، بعد معارضته تشكيل حكومة بينيت لابيد، لكن بعد أشهر قليلة استقال شيكلي من الكنيست، ما أتاح له الترشح ضمن قائمة «الليكود» في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.

صورة وزَّعها مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي تُظهر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (يمين) ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي (يسار) خلال إحاطة في ممر نتساريم (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأقال نتنياهو غالانت من منصب وزير الدفاع، وعيَّن يسرائيل كاتس مكانه، مطلع الشهر الحالي؛ بسبب معارضته لقانون الإعفاء من التجنيد، وبناءً على طلب الفصائل الحريدية التي رأت فيه عقبة أمام الترويج للقانون.

وكان غالانت الذي يشغل منصب وزير الدفاع منذ تشكيل الحكومة، عضو الكنيست الوحيد في الائتلاف الذي عارض خطة التغيير القضائي، ما أدى في مارس (آذار) 2023 إلى محاولة نتنياهو إقالته، قبل أن يعدل عن ذلك تحت وقع الاحتجاجات الشعبية. وعلى الرغم من توتر العلاقة، فإن نتنياهو وغالانت خاضا حرب قطاع غزة معاً لأكثر من عام، لكن في الأشهر الأخيرة قرر نتنياهو إقالته بعد موقفه من قانون الإعفاء من التجنيد، وسلسلة من الصراعات الأخرى المتعلقة بسير الحرب، ومفاوضات التسوية، وعودة المختطفين، ورسم سياسة اليوم التالي للحرب على غزة، والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق حكومية.

ومنذ طرده من وزارة الدفاع، عاد غالانت للعمل بصفته عضو كنيست، لكنه ليس عضواً في أي لجنة نيابة عن «الليكود»، وحضر بعض المناقشات والتصويتات في الجلسة العامة، ولم يصوّت أبداً ضد الائتلاف حتى الآن. وظل غالانت ومساعدوه يقولون منذ إقالته إنه لا ينوي ترك «الليكود».

رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي خلال لقائه جنوداً في جباليا شمال غزة (أرشيفية - موقع الجيش الإسرائيلي)

وبحسب استطلاع أجرته قناة «نيوز 12»، هذا الأسبوع، سيحصل أي حزب قد يتزعمه غالانت على 8 مقاعد، لكن أنصاره لا يأتون من ناخبي «الليكود» أو الائتلاف، بل من ناخبي أحزاب المعارضة في اليمين والوسط.

ولم يصدر أي رد من حزب الليكود أو من غالانت، فوراً.

وخطة نتنياهو ضد غالانت في الكنيست، تأتي على الرغم من أنهما يواجهان معاً قراراً بالاعتقال أصدرته المحكمة الجنائية الدولية، الخميس، بسبب جرائم حرب في قطاع غزة.

وقالت المحكمة الدولية في بيان إن لديها أسبابها المنطقية لاعتبار نتنياهو وغالانت شريكين في «جرائم ضد الإنسانية؛ هي جريمة التجويع بوصفها سلاحاً... وجرائم ضد الإنسانية مثل القتل»، وأكدت المحكمة أن «نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن توجيه هجوم متعمد ضد المدنيين».

وما زالت تل أبيب تدرس موقفها من قرار المحكمة، والتوجه بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، هو عدم تقديم ردّ على قرار الجنائية، وانتظار وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الحكم في 20 يناير (كانون الثاني). ويوجد أمام إسرائيل حتى الأربعاء المقبل، قبل أن تقرر إذا ما كانت سترد أو لا، خياران: الأول هو إبلاغ المحكمة أنها سترد، وإذا ما قررت ذلك فسيكون لديها كل الوقت حتى تصيغ هذا الرد، والخيار الآخر هو تجاهل قرار المحكمة. ولا يمكن الاستئناف ضدّ مذكرتي الاعتقال، ولكن الرد قد يساعد في الحدّ من توسيع الإجراءات القضائية التي تتخذها المحكمة.

وقال موقع «واي نت» إن التوجه هو عدم الرد. لكن قناة «كان» العبرية، عبرت، السبت، عن مخاوف في أوساط المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من صدور أوامر اعتقال سرية من قِبَل المحكمة الجنائية الدولية، ضد قادة الجيش الإسرائيلي، وكبار الضباط فيه. وقالت «كان» إن المخاوف تدور بشكل أساسي حول إمكانية صدور مذكرة اعتقال بحق رئيس أركان الجيش، هيرتسي هاليفي. وثمة قلق في إسرائيل من أن مثل هذه المذكرات قد صدرت بالفعل داخل المحكمة وتم إبقاؤها سراً لحين تفعيلها في الوقت الذي تقرره المحكمة.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير إن تشكيل لجنة تحقيق حكومية كان من الممكن أن يمنع صدور مذكرات الاعتقال الدولية.

ووفقاً للتقديرات في إسرائيل، سيكون من الصعب للغاية التراجع عن القرار بشأن مذكرات الاعتقال في هذه المرحلة، حتى إنشاء لجنة تحقيق رسمية، لن يؤدي إلى إلغائها. كما تتخوف إسرائيل من أن تتخذ دول عدة خطوات لحظر إمدادها بالسلاح، وقد تلجأ بعض الدول لتنفيذ ذلك بطريقة غير علنية من خلال وقف تراخيص شحنات نقل الأسلحة أو تأخيرها.

وأكدت «كان» أن إسرائيل تدرس الخطوات الممكن اتخاذها ضد قرار الجنائية الدولية، وهي خطوات سياسية، وليست خطوات قانونية، على سبيل المثال، توضيح أنه لا توجد سلطة للمحكمة الجنائية، أو الإعلان أن إسرائيل لديها سلطات تحقيق وتنفيذ مستقلة يجب الثقة بها، كما أنها ستعتمد على إدارة ترمب للتصرف ضد المحكمة.