«مبارزة» (1971) كان أول فيلم يعرض في صالات السينما للمخرج ستيفن سبيلبرغ. لكنه لم يكن إنتاجاً قامت به شركة يونيفرسال للعروض السينمائية أصلاً، بل كان إنتاجاً تلفزيونياً، أو كما يُقال Made - for - TV Movie. لذلك تم عرضه تلفزيونياً بالفعل داخل أميركا لكنه تمتّع بالتوزيع العالمي خارجها. هو كذلك أول إطلالة فيلمية طويلة للمخرج سبيلبرغ. الولادة الحقيقية بعد أفلام قصيرة وقبل دخول مرحلة الإنتاجات المصنوعة للسينما (وليس للتلفزيون) وأولها The Sugarland Express سنة 1974. هو فيلم بسيط الحكاية (وضعها رتشارد ماتيسن) حول بائع جوّال اسمه ديفيد مان (دنيس ويفر) في سيارة حمراء تناسب وضعه الاجتماعي المحدود، ينطلق من المدينة إلى الطريق الريفي قاصداً زبائن محتملين. في البداية نشهد جانباً من تلك المدينة وبلقطات سريعة يبدو البائع توّاقاً للخروج منها إلى تلك الطريق الجبلية الملتوية. مع مطلع رحلته يجد نفسه وراء شاحنة بترول تسد الطريق وتسير ببطء. يطلق عنان بوقه ثم يتجاوزها في أول فرصة مناسبة بعدما نجا من حادثة بسببها. يرتاح مجدداً ولو لفترة وجيزة، إذ يُفاجاً بأن الشاحنة أسرعت وأخذت تتجه إلى سيارته كما لو أنها تريد إزاحته من على الطريق. يبتسم للتحدي وينطلق وتنطلق وراءه، وما هي إلا فترة وجيزة أخرى قبل أن يدرك أن التحدي هو مبارزة موت. مهارة الكاتب (والمخرج طبعاً) هي في تغييب الدوافع. لماذا تختار الشاحنة مطاردة سيارة ما لمجرد أن سائق السيارة تجاوزه؟ مع المتابعة تدرك أن الغياب يشمل أيضاً سائق الشاحنة. نحن لا نراه مطلقاً. نرى يده ممدودة من النافذة مرّة واحدة. أحياناً ما يتم الإيحاء به بلقطات لقدمين أو عبر وجود سائقي شاحنات أخرى يحتار ديفيد مَن مِن بينهم قد يكون السائق الذي يهدد حياته. ما هو مؤكد بالنسبة لديفيد أن الشاحنة ومن يقودها جادان في محاولة محوه من الوجود. هذا يفتح الباب واسعاً أمام الترميز: هل كان سبيلبرغ يتحدّث عن مخاوفه الدفينة كون بطله يحمل اسماً يهودياً؟ هذا ما أفتى به البعض على أي حال. هل الشاحنة رمز للآلة العصرية التي يحاول ديفيد الهرب منها كونه بائعاً جوّالاً متوسط الحال لا يستطيع أن يجد لنفسه عملاً في عصر جديد؟ أم أن المسألة سياسية أكثر، من حيث إن الشاحنة هي رمز للقوّة والسيارة رمز للفرد الضعيف؟ في كل الحالات صورة ديفيد وغولياث الدينية ليست بعيدة عن المنال. إنها مطاردة القط والفأر (توم وجيري). الصيّاد والطريدة. طوال الفيلم نجد ديفيد يحاول إقناع نفسه بأن حلاً سلمياً يمكن له أن يقع. يلجأ للانتظار. يحاول أن يتحاشى غضباً لا يدرك سببه متمثلاً بذلك الوحش الذي يريد النيل منه، لكنه في النهاية يقرر أن عليه أن يجابه القوّة الضخمة بالحيلة (وسيلة الضعفاء المتاحة). لا يتراجع التشويق قيد أنملة. الفيلم مثل وتر آلة عود مشدود ويكاد أن ينقطع لكنه لا يفعل. إخراج سبيلبرغ من النوع الذي لا يخطئ. بداية رائعة لمخرج جديد اتجه لاحقاً لتحقيق أفلام متباينة ليس منها ما هو بسيط وقوي في آن معاً.
كانت «أكاديمية الفنون الفرنسية» قد أطلقت هذا التقليد السنوي بهدف مكافأة أفضل المواهب في جميع فروع الفن السابع. واختيرت له تسمية «سيزار» على غرار جائزة «أوسكار».
يومان فقط يفصلانا عن حفل جوائز الأوسكار الـ97. تلك الجائزة الأقدم تاريخياً والأكثر متابعة بين كل الجوائز السنوية.
محمد رُضا (لندن)
يومان على الأوسكار... من سيفوز ولماذا؟https://aawsat.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7/5116872-%D9%8A%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B3%D9%83%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%B3%D9%8A%D9%81%D9%88%D8%B2-%D9%88%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7%D8%9F
يومان فقط يفصلانا عن حفل جوائز الأوسكار الـ97. تلك الجائزة الأقدم تاريخياً والأكثر متابعة بين كل الجوائز السنوية. تنال المشاهدات وتنال الانتقادات على مستوى واحد؛ وبعض المنتقدين لا يكفّون عن مشاهدتها؛ ومحور نقدهم اتهامات جاهزة من نوع أنها تتّبع مصالح هوليوودية، كما أنها ليست عادلة، وتسودها التجارة والمنافع المتبادلة؛ بعضهم يرى أنه «لا أهمية لها»، ولو من دون تمحيص الأسباب لذلك.
لا يهم. هي مستمرة والنقد (وليس الانتقاد)، يتابعها لأنّ الأوسكار حدث سينمائي كالأحداث الأخرى حول العالم.
ما نوفّره هنا نظرة على بعض الأفلام والشخصيات في السِّباقات الرئيسية وأسباب فوز بعضها.
* أوسكار أفضل فيلم:
ثلاثة من الأفلام التي فازت خلال السنوات الأربع الأخيرة كانت نتاجاً لأعمال تقصد الاختلاف في السَّرد والأسلوب وهي «نوماندلاند» لكلوي زاو (2021)، و«كودا» لسيان هَيدر (2022)، و«كل شيء في كل مكان في وقت واحد» لدانيال كوان ودانييل شاينرت. الاستثناء الوحيد هو «أوبنهايمر» لكريستوفر نولان، الذي فاز بأوسكار أفضل فيلم في العام الماضي. هذا الفيلم كان، مقارنة مع الأفلام المذكورة، كلاسيكياً، والأهم أنه قاد التوقعات والاهتمامات كما لم يفعل سواه. أما الأخرى فحملت أسلوباً متحرراً ليس متّقناً وليس جيداً، بيد أن هذا لم يمنعها من الفوز على أساس أنها نفحات تجديد.
العام الحالي، لدينا فيلم بمواصفات أفلام «نوماندلاند» و«كودا» و«كل شيء...» وهو «أنورا»، مما يعزز احتمالات فوزه. لكن ما بدا مؤكداً قبل أيام عن حتمية فوزه يختلف الآن مع فوز «الوحشي» (The Brutalist)، و«المجمع المغلق» (Conclave) بأكثر من جائزة في الآونة الأخيرة.
الأفلام السبعة الباقية لا تختزن العناصر نفسها. «أنا لست هنا» (I'm Not Here) سيفوز بجائزة أخرى. «شريرة» (Wicked)، و«مجهول تام» (A Complete Unknown)، و«المادة» (The Substance)، و«فتيان النيكل» (Nickel Boys)، احتاجت من البداية إلى مسبّبات على صعيد جوائز الجمعيات والمؤسسات الأخرى؛ مثل «كثبان- الجزء الثاني» هو الأكبر شأناً، بيد أن التيار يعاكسه لحساب تلك الأفلام الصغيرة مثل «أنورا». أما «إيميليا بيريز» فهو حصان أسود يصل إلى التّصفيات مُتعباً.
يبقى فيلمان رئيسيان فوز أحدهما سيكون مفاجأة بحجم خسارة «أنورا»، وهما «المجمع المغلق» و«ذَ بروتاليست».
- الفوز المتوقع: «أنورا» لشون بايكر.
- تفضيل الناقد: «كثبان جزء 2» لدنيس ڤليانييف.
* أوسكار أفضل مخرج:
علّمتنا نتائج كثير من جوائز الأوسكار السابقة أن الفيلم الفائز بوصفه أفضل إنجاز سينمائيٍّ للعام، لا يوفّر فوزاً تلقائياً لمخرجه. على سبيل المثال فقط، حيال فوز فيلم «كودا» سنة 2022 بأوسكار أفضل فيلم، فازت النيوزيلاندية جين كامبيون عن فيلمها «سُلطة الكلب» (كل الأفلام المنافسة «بلفاست» و«ويست سايد ستوري» و«قُد سيارتي»، خصوصاً، فيلم بول توماس أندروسن «بيتزا عرق السوس» كانت أفضل).
العام الحالي، هناك احتمالٌ كبيرٌ بأن يخسر شون بيكر («أنورا») المباراة أمام برادي كوربيت مخرج «ذَ بروتاليست». الباقون أمام قوّة هذين الاحتمالين يتأرجحون وهم، جيمس مانغولد عن «مجهول تماماً» وكورالي فرجا عن «المادّة»، وجاك أوديار عن «إيميليا بيريز» (كل من أوديار وفارجا فرنسيان). نلحظ غياب المخرج نيل بيرجر مخرج «المجمع المغلق» عن القائمة.
- الفوز المتوقع: برادي كوربيت
- تفضيل الناقد: برادي كوربيت.
* أوسكار أفضل ممثلة دور أول:
تحتوي هذه المسابقة على اسم مشهور واحد (ديمي مور عن «المادّة»)، واسم موهوب مؤكد (فرناندا توريس عن «أنا ما زلت هنا») و3 أسماء لم نكن لنقرأ عنها لولا أفلامها: كارلا صوفيا غازكون عن «إيميليا بيريز» لاعبة دورِ متحوّلٍ جنسي (والممثلة هي فعلاً متحول ذكر إلى أنثى)، وسينثيا إريڤو عن «شريرة»، وميكي ماديسون عن «أنورا». عملياً، إذن، المنافسة الشديدة من نصيب مور وتوريس.
- الفوز المتوقع: فرناندا توريس
- تفضيل الناقد: فرناندا توريس.
ديمي مور كما تبدو في «المادّة» (ووركينغ تايتز)
* أوسكار أفضل ممثل دور أول:
تتبلور المنافسة بين أدريَان برودي في «ذَ بروتاليست»، ورالف فاينس في «المجمع المغلق»، وتيموثي شالاميه في «مجهول تماماً». تحسّنت حظوظ شالاميه لدى فوزه بجائزة نقابة الممثلين، بيد أن ذلك لا يضمن فوزه هنا بل يُعزّزه فقط. الباقيان، سيباستيان ستان «المادّة»، وكولمان دومينغو «سينغ سينغ» غير مدعومَين باستحقاقات مماثلة.
- الفوز المتوقع: أدريان برودي
- تفضيل الناقد: رالف فاينس.
* أوسكار أفضل فيلم عالمي:
5 أفلام تستحق التوقف عندها: «أنا ما زلت هنا» (البرازيل)، و«بذرة التين المقدّسة» (ألمانيا)، و«فلو» (لاتڤيا)، و«إيميليا بيريز» (فرنسا)، و«الفتاة ذات الإبرة» (الدنمارك).
الأفضل فنِّياً هو الفيلم الدنماركي، بيد أن فوزه ليس مؤكداً. الاندفاع صوب «أنا ما زلت هنا» يعود إلى كونه فيلماً سياسياً (ولو أنه جيد عموماً). فيلم «فلو» هو أنيميشن وفي الغالب سيفوز هناك. «إيميليا بيريز» و«بذرة التين المقدسة» سيخرجان، كما أتوقع، من دون جائزة في هذا المضمار.
- الفوز المتوقع: «أنا ما زلت هنا»
- تفضيل الناقد: «الفتاة ذات الإبرة»
«الفتاة ذات الإبرة» (نورديسك)
* أوسكار أفضل ممثل دور مساند:
يُدافع الممثل الذي بدأ طفلاً في «هوم ألون» عن تاريخه لاعباً دوره المحدود والجيد في «ألم حقيقي». يُحاكيه في هذا التاريخ والإجادة إدوارد نورتون عن «مجهول تماماً»، وغاي بيرس عن «ذَ بروتاليست»، وجيريمي سترونغ عن دوره في «المادّة». لكن المنفرد بين هؤلاء هو الروسي الأصل يوري بوريسوف عن «أنورا».
- الفوز المتوقع: يوري بوريسوف أو غاي بيرس
- تفضيل الناقد: إدوارد نورتن أو غاي بيرس
* أوسكار أفضل ممثلة دور مساند:
زوي سالدانا هي الأكثر حضوراً في هذا القسم تليها إيزابيلا روسيلليني عن «المجمع المُغلق». الباقيات، فيليستي جونز («ذَ بروتاليست»، وأريانا غراندي («شريرة»)، ومونيكا باربارو («مجهول تماماً») هُنَّ الأقل توقعاً.
- الفوز المتوقع: زوي سالدانا
- تفضيل الناقد: زوي سالدانا
* أوسكار أفضل تصوير:
لكلِّ فيلم مرشّحٍ لهذه الجائزة هويّته، التي ساعد في تأليفها تصويرٌ جيّدٌ. عالج لول كراولي «ذَ بروتاليست» بتصويرٍ يلائم غاية المخرج برادي كوربيت الفنية. كريغ فريزر انكبّ على دراسة الضوء الطبيعي ومصادر إتقانه للكاميرا في «كثبان- الجزء الثاني». كلٌ من بول غوليهولم («إيميليا بيريز») وإدوارد لاكمان ـ «ماريا») اعتنيا بتوفير عتمة الموضوع المطروح (وكلا الفيلمين مؤلَف من أغنيات وأولهما سيرة حياة). أما يارن بلاسكي فقد عمد إلى توفير الحس المعتم بجدارة كون الفيلم الذي صوّره ينتمي إلى الرُّعب.