التأقلم التكتيكي على المسرح الأوكراني في عام 2023

جندي أوكراني ينظر إلى شارع فارغ في بلدة بإقليم دونيتسك (رويترز)
جندي أوكراني ينظر إلى شارع فارغ في بلدة بإقليم دونيتسك (رويترز)
TT

التأقلم التكتيكي على المسرح الأوكراني في عام 2023

جندي أوكراني ينظر إلى شارع فارغ في بلدة بإقليم دونيتسك (رويترز)
جندي أوكراني ينظر إلى شارع فارغ في بلدة بإقليم دونيتسك (رويترز)

يقول المفكر الاستراتيجي الأميركي إدوارد لوتواك إن للاستراتيجية مفارقة خاصة بها (Paradox). لكن لماذا؟
يجب وحسب العلم العسكري أن تتوافق وتتطابق الاستراتيجية مع مبادئ الحرب التسعة، وأهمها، الاقتصاد بالقوى، كما البساطة. هنا تظهر المفارقة في روحية الاستراتيجية وكيانها. لكن كيف؟
عند رسم الاستراتيجية ضد عدو ما، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذا العدو هو أيضاً يعد استراتيجيته الخاصة به. يُؤخذ بعين الاعتبار عادة عند رسم الاستراتيجيات الأمور التالية: المسرح مع كل مواصفاته. العدو وإمكاناته، أهدافه كما ثقافته الاستراتيجية. أيضاً، ما هي الوسائل المتوافرة لدينا، وهل هي كافية لتحقيق الأهداف، وما هي نسبة المخاطرة الممكن أخذها.
أين المفارقة (Paradox)؟
إذا عرف العدو ماذا لدينا، وإذا عرفنا ماذا لديه، وإذا عرف نوايانا، وإذا عرفنا نحن نواياه، وإذا عرفنا ثقافته الاستراتيجية، وهو عرف ثقافتنا، فكيف يمكن لنا مفاجأة العدو؟
إذا درس العدو المسرح الحربي بدقة، وإذا نحن درسنا المسرح الحربي أيضاً بدقة، ألا يمكن بذلك ترقب استراتيجية العدو بدرجة عالية من الدقة؟ ألا تجبرنا هذه الحالة على اختيار أصعب الحلول للتنفيذ الاستراتيجي، فقط كي نفاجئ العدو؟ في هذا السياق، تخرق الاستراتيجية مبدأ البساطة في الحرب. وإذا اخترنا أصعب الحلول للتنفيذ الاستراتيجي، أيضاً يُخرق مبدأ البساطة في الحرب. ألم يقل القائد العسكري الألماني فون مولتكه: «إن أهم الخطط الحربية لا تصمد بعد الطلقة الأولى»؟.
التأقلم في التكتيك
إذا كانت الاستراتيجية صحيحة، فلا يجب الخوف من التعثرات التكتيكية، لكن عندما تكون الاستراتيجية خاطئة عند رسمها، هنا لا يجب القفز فرحاً إذا تحققت بعض النجاحات التكتيكية، فالمحصلة النهائية هي حتماً الفشل؛ فالتأقلم في الحرب يحصل عادة على المستويين، العملاني والتكتيكي.
الحرب الأوكرانية
حتى الآن، قد يمكن القول إن الاستراتيجية الروسية في الحرب على أوكرانيا قد خرقت الكثير من مبادئ الحرب. كما قد يمكن القول إن الرد الأوكراني على الهجمة الروسية، كان ولا يزال يحترم كل مبادئ الحرب اللاتماثلية (Asymmetric Warfare)، أي حرب الضعيف في مواجهة الأقوى.
اتسمت الحرب الأوكرانية بمراحل قد يمكن تسميتها بـ: «التأقلم، والتأقلم المُضاد». لكن كيف؟ عندما يكون هناك خلل تقني (Technical) بين القوى المتحاربة، الأمر الذي يُظهر الخلل في موازين القوى. يكون عادة الرد من كلا الطرفين في الحرب، عبر الابتكار التكتيكي (Tactical)، أي تغيير طريقة استعمال الوسائل المتوافرة. كيف يظهر هذا الأمر في أوكرانيا؟
بقول الخبراء إن هناك أربع مراحل يظهر فيها حتى الآن الابتكار التكتيكي على الساحة الأوكرانية وهي:
• المرحلة الأولى، وذلك عندما هاجم الجيش الروسي عند بدء الحرب لإسقاط كييف. في هذه المرحلة ابتكر الجيش الأوكراني طريقة قتال الضعيف ضد القوي عبر: استعمال صواريخ الجافلين، المسيرات التركية، صواريخ الستينغر المضادة للطيران. لكن وحسب بعض الدراسات التي صدرت مؤخراً، تبين أنه كان لمدفعية الميدان الأوكرانية الدور الأهم في وقف الزحف الروسي، في الوقت الذي كانت قوات النخبة الأوكرانية تقاتل في الشرق - إقليم الدونباس. كذلك الأمر، عمد الجيش الأوكراني إلى إغراق طرق التقدم الروسي عبر فتح أحد السدود شمال العاصمة.
• المرحلة الثانية، في هذه المرحلة تأقلم تكتيكياً الجيش الروسي وعاد إلى عقيدته العسكرية القديمة، والتي تعتمد على الكثافة النارية من المدفعية. حقق الجيش الروسي عندها نصراً محدوداً عبر الاستيلاء على مدينتي، سيفيريدونتسك وليسيشانسك الواقعتين في إقليم لوغانسك.
• المرحلة الثالثة، في هذه المرحلة ابتكر الجيش الأوكراني طريقة ضرب نقطة قوة الجيش الروسي ألا وهي المدفعية. ارتكز هذا الابتكار على كيفية استعمال راجمات الهايمرس (HIMARS) الأميركية. وقد ضربت هذه الراجمات كل مراكز الثقل الروسية من قيادة وسيطرة، ومخازن ذخيرة... وغيرها.
• المرحلة الرابعة، في هذه المرحلة ابتكر الجيش الروسي تكتيكاً جديداً عبر الإغارة على البنى التحتية من كهرباء، طاقة ومياه في كل أوكرانيا خصوصاً العاصمة. استعملت هذه الإغارات المسيرات كما الصواريخ الباليستية (Drone Swarming).
هذه هي حال المراحل من التأقلم التكتيكي على الساحة الأوكرانية حتى الآن. فماذا عن المرحلة القادمة؟
يحكم المرحلة القادمة بعض القيود على الفرقاء أهمها:
• لا يمكن للرئيس بوتين أن يخسر مرتين على الساحة الأوكرانية
• لن يسمح الغرب للرئيس بوتين بالنصر الكامل على الساحة الأوكرانية
• أعطت أميركا لأوكرانيا الجافلين، الهايمرس، ومؤخراً قررت إعطاءها صواريخ الباتريوت. فما سقف نوعية السلاح الأميركي إلى أوكرانيا في عام 2023؟
• الأكيد، أن عام 2023 سيكون عام مزيد من الاستنزاف لروسيا في أوكرانيا، كما هو عام استكمال تدمير ما تبقى من أوكرانيا.


مقالات ذات صلة

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».