قبل أكثر من عام أطلقت سلطنة عُمان الخطة التنفيذية للاستراتيجية الثقافية 2021 - 2040، وهي خطة طموح تسعى لترسيخ التراث الحضاري للسلطنة، وتحقيق التنمية الثقافية وتحويل المشهد الثقافي العماني إلى واجهة للإبداع والتنوع الثقافي، وإنشاء منظومة ثقافية متكاملة مصدّرة للإبداع ومنفتحة على الثقافات الإنسانية في العالم.
ومع الإعلان عن تلك الاستراتيجية والخطة التنفيذية، حاورت «الشرق الأوسط»، في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب في سلطنة عُمان، عن هذه الخطة وآلية عملها، وما تحققه للمشهد الثقافي في عُمان.
وبعد مرور عام، تعود «الشرق الأوسط» لمتابعة ما تحقق من أهداف لتلك الاستراتيجية، والمسار الذي سلكته في إنجاز ما وعدت به، عبر هذا الحوار الذي أُجري في مسقط مع مستشـار التنمية الثقافية بمكتب وكيل الثقافة العُماني يوسـف بن إبراهيـم بن عبد الله البلوشي.
> ماذا تحقق من الخطة التنفيذية للاستراتيجية الثقافية 2021 -2040 التي اعتُمدت في سبتمبر 2021؟
- بلا شك الاستراتيجية الثقافية للوزارة تُعدّ مشروعاً رائداً ومكملاً للإنجازات الثقافية التي تحققت على صعيد العمل الثقافي في سلطنة عمان، وهي تأتي وفق رؤية موسعة للعمل الثقافي خلال فترة العقدين المقبلين بما يتواكب ويتوازى مع أهداف ومرتكزات «رؤية عُمان 2040» التي تنطلق نحو المستقبل بقواعد وأولويات وطنية وتوجهات استراتيجية، في مقدمتها أولوية المواطنة والهوية والتراث والثقافة.
لذلك تتابع الوزارة ومنذ بدء العمل بالاستراتيجية الثقافية في عام 2021 على رصد النتائج المحقَّقة من واقع تحليلي وتقييمي يتيح عملية التجويد والمراجعة الدائمة للاستراتيجية والمُدخلات والمُخرجات المستهدفة.
> ما التطلعات التي تسعى الخطة التنفيذية للاستراتيجية الثقافية لتحقيقها، خصوصاً فيما يتعلق بالمشهد الثقافي العماني؟
- الانفتاح الثقافي والحوار الحضاري لعمان وأصالة تاريخها والحفاظ على الهوية الوطنية تعدّ من القيم والثوابت المؤهلة لرسم استراتيجية ثقافية ملهمة وواضحة، لذلك تناظر التطلعات لهذه الاستراتيجية برؤية أن تكون سلطنة عمان وجهة ثقافية رائدة بهوية راسخة، وبرسالة تنصبّ على تنظيم وتطوير العمل الثقافي وتهيئة البيئة المناسبة للإبداع بهدف ترسيخ الهوية الثقافية وتحقيق الريادة وتنميتها واستدامتها على جميع المستويات.
> ماذا أنجزت الاستراتيجية للنشاط الثقافي والفني في السلطنة... ودعنا نبدأ بالسؤال عن الحركة المسرحية والسينمائية، على سبيل المثال؟
- الاستراتيجية الثقافية موجَّهة مباشرة للعمل الثقافي بكل أركانه، فهي تقود وتغطي بشكل شمولي مجالات ثقافية كـالهوية والتراث الثقافي غير المادي، الترجمة والنشر، الأدب، المخطوطات، الفنون البصرية، الفنون الأدائية، المهرجانات والمعارض الثقافية، التواصل الثقافي، الفعاليات والمسابقات والجوائز الثقافية، المكتبات والمراكز والأندية، المبادرات الثقافية.
وهنا نستطيع القول إن المنجز الثقافي، ووفقاً للمؤشرات المرصودة، يعدّ مقنعاً وهو مبعث للارتياح؛ كون القراءة الواضحة للأهداف قد انعكست في ترجمة التوجهات الفعلية التي ركزت عليها الاستراتيجية بنسبة مطمئنة جداً.
> ماذا بشأن الحركة المسرحية؟
- بالنسبة للحركة المسرحية العمانية فالوزارة تشرف وتتابع باهتمام هذا القطاع الحيوي المهم باعتبار أنه يشكل نواة جامعة لعدد من الفنون.
وقد حققت الحركة المسرحية العمانية إنجازات ثقافية رائدة على الصعيد المحلي والإقليمي والعربي والعالمي، ويتواجد في سلطنة عمان الكثير من فِرق المسارح الأهلية ومسارح الشباب، إنشاؤها ورعايتها يجريان وفق أطر ولوائح تنظيمية من قِبل الوزارة.
> ما هو حضور الجمعية العمانية للسينما والمسرح؟
- تلعب الجمعية العمانية للسينما والمسرح دوراً مهماً في الإشراف على الحركة المسرحية من خلال جمع شمل المشتغلين فيها ورعاية مصالحهم وتدعيم جهودهم بما يتسق وأهدافها والتعريف بالحركة المسرحية ونشر إنتاجها وتمثيلها في الميادين الرسمية والمؤتمرات وفتح قنوات الاتصال بينها وبين الجهات الرسمية والأهلية، ودعم الكفاءات والمواهب وفق أسس بمقاسات ومعايير فنية احترافية وعالمية. كما يحظى قطاع السينما برعاية ودعم من الوزارة وكان له الدور الكبير في تطوير السينما العمانية أكاديمياً وفنياً، ويقام في سلطنة عمان مهرجان دولي للسينما تضطلع كذلك بتنظيمه الجمعية العمانية للسينما والمسرح.
وتشارك سلطنة عمان بأفلام سينمائية عمانية طويلة، وروائية ووثائقية في مهرجانات خارجية كمهرجان السينما لدول مجلس التعاون الخليجي والمهرجات السينمائية العربية والدولية.
وضمن منظومة المهرجانات الثقافية التي تشرف على إقامتها الوزارة مهرجان المسرح العماني، بالتعاون مع الجمعية العمانية للسينما والمسرح ومهرجان الأغنية العمانية ومهرجان الشعر العماني ومهرجانات فنية أخرى للفنون الأدائية والبصرية.
> ما مدى اهتمامكم بالمعارض والمهرجانات الثقافية؟
- بالنسبة للمعارض، فتزخر البرامج الثقافية السنوية للوزارة بإقامتها معارض متعددة الاختصاص، يأتي في مقدمتها معرض مسقط الدولي للكتاب الذي يعدّ من أبرز الأحداث الثقافية على المستوى المحلي والعربي والعالمي، ومعارض أخرى للفنون التشكيلية والتصوير الضوئي (عالمية ومحلية)، وأخرى للموسيقى والفنون التقليدية.
> أين وصل مشروع المجمع الثقافي؟
- مشروع مجمع عُمان الثقافي يسير وفق الخطة المرسومة له، فهناك متابعة من قِبل اللجنة المشرفة عليه، وإن شاء الله يرى النور قريباً، فالمجمع يعتبر مركباً ثقافياً متكاملاً، ومن المخطط أن يضم (المسرح الوطني، مبنى هيئة الوثائق والمخطوطات الوطنية، المنتدى الأدبي، دُور عرض سينمائية، ومرافق تعليمية، وقاعات للفنون، وورش العمل، وأقساماً للأطفال والناشئة)، وبمشيئة الله سيسهم هذا الصرح في رفد الحركة الثقافية في سلطنة عمان، والعمل على تنميتها وتطويرها.
وللوزارة منظومة ناجحة على صعيد عمل المراكز الثقافية، على سبيل الذكر (مركز نزوى الثقافي) فهو يوفر بيئة ثقافية ملائمة لمزاولة الأنشطة الثقافية وما يرتبط بها على حد السواء، كما تشرف الوزارة على مجموعة من المراكز الثقافية الأهلية المنتشرة في مختلف محافظات سلطنة عمان.
> حدثنا عن مشروع «روابط» وهو مشروع يختص بالمشاركات الثقافية الخارجية وإقامة علاقات ثقافية دولية.
- نعم مشروع (روابط) يأتي من ضمن المشاريع الاستراتيجية للخطة التنفيذية بالاستراتيجية الثقافية، فهو يستند إلى مرجعية مهمة جداً تعكس البعد الحقيقي في التواصل والانفتاح على الآخر، فالمتابع للشأن الثقافي العماني في هذا المضمار يستدرك فاعلية الدور العماني في تعضيد وتجويد عدد من الممارسات والقرارات الثقافية المهمة على الصعيد الثقافي الأممي من خلال منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وكذا المنظمات الثقافية العربية والإسلامية والإقليمية، كما تتشارك سلطنة عمان مع أغلب دول العالم الرؤى والأهداف في بناء علاقات ثقافية تعزز أواصر التفاهم والتواصل والانفتاح والحوار.
وقد حققت الأيام والأسابيع الثقافية العمانية دوراً مهماً في نقل القيم والمثل العربية والإسلامية بشكل عام، والعمانية بشكل خاص، حينما مثلت من خلالها في كثير من الميادين الثقافية حول العالم.
> بمناسبة حديثكم عن (اليونسكو)، جرى إدراج الخنجر العُماني في التراث الثقافي غير المادي لليونسكو.
- نعم، جرى إدراج عناصر من التراث غير المادي في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو، كان آخرها إدراج الخنجر العماني ليصل عدد الملفات العمانية المدرجة في هذه القائمة إلى ثلاثة عشر عنصراً، منها ما هو مسجل بشكل مفرد، وآخر بشكل مشترك، وفي برنامج اليونسكو للأحداث التاريخية المهمة والشخصيات المؤثرة عالمياً أدرج عدد من الشخصيات العمانية؛ من أبرزها عالم اللغة الخليل بن أحمد الفراهيدي، والملاّح العماني أحمد بن ماجد.
كما أدرجت سلطنة عمان سلسلة من عناصر التاريخ المكاني والوثائقي لها في قائمة التراث الثقافي العالمي وسجلات ذاكرة العالم.
> كيف تقيّمون مشاركة القطاع الخاص في المشاريع والمبادرات الثقافية؟
- القطاع الخاص شريك في التنمية الوطنية، وأعطي أولوية ضمن «رؤية عمان 2040» بهدف تحقيق التوازن والتطور ورفع مستويات الكفاءة والإنتاجية في إطار شراكة فاعلة بينه وبين القطاعات الأخرى، ومن هذا المنطلق ترتبط الوزارة بعلاقة تبادلية رائدة مع القطاع الخاص بوصفه شريكاً استراتيجياً، ولعلّ النجاحات المحققة في هذا المضمار عززت مفاهيم الريادة للقطاع الخاص لإدارة الكثير من المشاريع والبرامج الثقافية التي تحققت بنجاح باهر، وتثمّن الوزارة عالياً للقطاع الخاص دوره ومسؤولياته الاجتماعية ومساهماته الفاعلة والناجحة.
أما بالنسبة للمؤسسات الثقافية الخاصة (الأكاديمية ومؤسسات المجتمع المدني) فهي شريك أصيل ورئيسي في دعم الحراك والعمل الثقافي؛ كون خططها وبرامجها الثقافية تُصاغ وفق رؤية تكاملية مع بقية الأجهزة والمؤسسات الثقافية الحكومية، فهي تسعى لأهداف ضمن نفس المنظومة الثقافية والعلمية.
> وضعتم شعار «عمان وجهة ثقافية رائدة بهوية راسخة» بهدف تحويل البلاد إلى مرتكز لمشاريع ثقافية ذات صفة دولية... أين أصبح هذا المشروع الطموح؟
- المناخ الثقافي العام مهيأ في سلطنة عمان، حيث توافر المقومات المتكاملة، وتحديداً الثقافية، قد أهلّ من جعلها وجهة ثقافية ومسرحاً وموقعاً عالمياً فاعلاً للكثير من الثقافات العالمية، هذا إذا أخذنا بالقياس مبادئ التنوع الثقافي والأصالة الثقافية، والاعتزاز بالقيم ودعم الممارسات الثقافية الرائدة، التي تتوافق مع الثوابت الدينية والإنسانية، ولعلّكم تابعتم أجندة البرامج والمشاريع الثقافية العالمية
التي احتضنتها سلطنة عمان مؤخراً كجائزة (أغا خان) الدولية للعمارة، وكذلك تنظيم المسابقات والمعارض العالمية الفنية الأخرى في عمان لمجالات التصوير الضوئي والفنون الأدائية والموسيقية والأوبرالية.
> كيف يمكن خلق حراك ثقافي دون توفير مرافق ثقافية حاضنة للبرامج والأنشطة الثقافية؟
- البنى التحتية عامل مهم في رسم وترسيخ الحراك الثقافي، وتُولي الجهات المعنية بالتخطيط العمراني والحضري اهتماماً كبيراً لهذه البنى والمرافق وتيسير تواجدها وفق الخطط المُعَدّة لها، ولعلّ الوقت الراهن يطرح الكثير من التحديات حول أهمية توافر البنى والمرافق الثقافية باعتبارها أصبحت وسيلة وغاية في آن واحد لتحقيق الخطط والبرامج الثقافية وما يتصل بها.
لذلك يعوّل كثيراً على مثل هذه الخطط والبرامج الهادفة لتعزيز أنسنة المدن ورفع مستوى المرافق بها، خصوصاً الثقافية والخِدمية، وتُولي الوزارة اهتماماً كبيراً لمشروع «تكوين» الاستراتيجي الذي يضطلع بإنشاء البنى والمشاريع الثقافية ضمن الخطط الخمسية.