لماذا قررت واشنطن دعم كييف بقنابل عالية الدقة؟

ذخيرة أميركية تستخدمها القوات الأوكرانية في دونباس (أ.ب)
ذخيرة أميركية تستخدمها القوات الأوكرانية في دونباس (أ.ب)
TT

لماذا قررت واشنطن دعم كييف بقنابل عالية الدقة؟

ذخيرة أميركية تستخدمها القوات الأوكرانية في دونباس (أ.ب)
ذخيرة أميركية تستخدمها القوات الأوكرانية في دونباس (أ.ب)

سلاح أميركي أطلقته قاذفات الشبح لأول مرة فوق كوسوفو في عام 1999، ثم أثناء القتال في حروب ما بعد 11 سبتمبر (أيلول)، سيجري استخدامه قريباً من قبل الطيارين الأوكرانيين الذين يحلقون بطائرات روسية الصنع لاستهداف الجنود الروس.
يعمل السلاح، الذي يطلق عليه «ذخيرة الهجوم المباشر المشترك»، على تحويل قنبلة رخيصة غير موجهة إلى سلاح عالي الدقة موجه بنظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس)، وعادة ما يشار إلى هذا النظام المتقدم اختصاراً باسم «JDAMs».
وأعلنت إدارة الرئيس جو بايدن، الأسبوع الماضي، أن هذه الأسلحة ستكون جزءاً من حزمة مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 1.85 مليار دولار، ما يمنح أوكرانيا قدرة قصف موجهة بدقة لم تكن تمتلكها من قبل. وفي حال حصلت على النوع المناسب من المعدات، يمكن للطائرات الأوكرانية أن تحمل عدة قنابل من نوع JDAM في مهمة واحدة، تماماً كما تفعل الطائرات الحربية الأميركية وحلف شمال الأطلسي (ناتو).
- ما أهمية هذه الأسلحة؟
تقنياً، تشير (JDAMs) إلى نظام مثبت على قنبلة يستخدمها الجيش الأميركي ويشار إليها باسم «قنبلة مارك 80». ويحول النظام القنبلة إلى سلاح موجه بنظام تحديد المواقع العالمي. تم تصميم الرأس الحربي «مارك 80» بعد فترة وجيزة من الحرب العالمية الثانية. وعلى مدى عقود، تم إلحاقه بأسلحة متعددة للقصف على مستوى منخفض، وتحويله إلى ألغام برية وبحرية، وأخيراً إلى أنواع مختلفة من الأسلحة الموجهة. وجرى تبسيط الرأس الحربي «مارك 80» بحيث تخف قوة السحب عند حمله بواسطة الطائرات الأسرع من الصوت. يأتي الرأس عادة بثلاثة أوزان تتراوح بين 500 و2000 رطل. ولم يتضح بعد النموذج أو النماذج التي سيتم توفيرها لأوكرانيا.
منذ أول استخدام قتالي لـ«مارك 80» في أواخر 1990، جرى تحسين نظام «JDAMs» وإضافة قدرات جديدة إليه بحيث يعمل مع مجموعة متنوعة من الصمامات التي تتحكم فيما إذا كانت القنبلة ستنفجر في السماء أو على سطح الأرض أو بعد الحفر في الأرض. على سبيل المثال، تضيف مجموعة واحدة محدثة زوجاً من الأجنحة التي تنفتح بعد إطلاق القنبلة، ما يسمح لها بالطيران أكثر من 40 ميلاً صوب الهدف.
كما أنها غير مكلفة نسبياً، وفق حسابات البنتاغون، حيث أفادت نشرة داخلية تصدر عن البحرية الأميركية في عام 2021 بأن متوسط سعر مجموعة «JDAMs» الأساسية تزيد قليلاً على 24 ألف دولار للقطعة الواحدة.
- من أين جاءت الفكرة؟
ولدت فكرة «JDAMs» من الإحباط الذي شعر به الطيارون وقادة القوات الجوية جراء استخدام نوع مختلف من القنابل الموجهة خلال عملية عاصفة الصحراء في عام 1991.
استخدمت هذه القنبلة لأول مرة بأعداد محدودة قرب نهاية حرب فيتنام، وكانت تلك القنبلة تسمى «بيفواي 2». في ذلك الوقت، كانت الفكرة تعد ثورية، إذ كانت تتألف من مجموعة باهظة الثمن مثبتة على «مارك 80» لتجعل القنبلة غير الموجهة قابلة للمناورة على طول مسار ليزر منبعث من الأرض أو من طائرة تحلق فوقها. لكن في العراق، غالباً ما عطلت العواصف الرملية والدخان مسار أشعة الليزر، ما تسبّب في عدم إصابة القنبلة لهدفها.
بعد أشهر من انتهاء تلك الحرب، قرر سلاح الجو أن الطيارين العسكريين بحاجة إلى مجموعة لا تتخطى كلفة «بيفواي 2» ويمكنها توجيه القنابل في مختلف الظروف الجوية. كوكبة جديدة من أنظمة «جي بي إس» لتحديد المواقع عرضت حلاً يعتمد على إصدار إشارات الراديو التي يمكن أن توجه القنابل ليلاً أو نهاراً، وفي وجود المطر أو أشعة الشمس.
سارع قادة القوات الجوية إلى العمل على جهاز مماثل لإنتاج ما بات يعرف في النهاية باسم «JDAMs»، التي تنتجها الآن شركة «بوينغ» في مصنع في «سانت تشارلز» بولاية ميسوري الأميركية.
- لماذا تأخرت الولايات المتحدة في تسليمها؟
على عكس بعض الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة في السابق، فإن العائق لم يكن طول فترة التدريب أو كُلفة الصيانة. فقد كان لا بد من حل بعض التحديات التقنية الأساسية في الأجهزة والبرامج. لم يتم تصميم مجموعات «JDAMs» لاستخدامها مع القنابل الأوكرانية الروسية الصنع، ولا يمكن للطائرات الحربية الروسية التي تستخدمها القوات الأوكرانية حمل قنابل أميركية الصنع، كما لا يمكن لأجهزة كومبيوتر الطائرات الروسية الاتصال إلكترونياً بالذخائر الأميركية الموجهة. منذ انضمام بولندا، الدولة التي تدور في فلك الاتحاد السوفياتي، إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، جرى تعديل بعض طائراتها الحربية الروسية من طراز «ميغ 29» لتحمل ذخائر غربية، لكن ذلك تطلب استبدال أنظمة الكومبيوتر السوفياتية وبعض الأسلاك بمعدات غربية الصنع، وكان هناك حاجة إلى نهج أسرع لأوكرانيا. ولم يذكر البنتاغون الكثير عن كيفية تنفيذ ذلك.
- عراقيل تقنية
تطلب الأمر بعض الحيلة، وكان على المهندسين تعديل أنظمة «JDAMs» لتعمل مع الطائرات الروسية بأقل قدر من التغييرات. وتختلف القنابل التي تستخدمها الولايات المتحدة وروسيا اختلافاً كبيراً في التصميم، وكذلك الأجهزة المستخدمة لربطها بالطائرات الحربية وإسقاطها فوق الأهداف.
وتحتوي القنابل الأميركية الصنع على عروات فولاذية صغيرة مثبتة على رفوف مصممة لإمساكها بشكل مريح في السرعات العالية ودفعها بسرعة بعيداً عن جسم الطائرة عندما يضغط الطيار على زر لإسقاطها. وبالمقارنة، فإن العديد من القنابل الروسية لديها مقبض تعليق واحد فقط، والرفوف التي تسقطها لا تتوافق مع الأسلحة الأميركية الصنع.
حل الجيش الأميركي الجزء الأصعب من هذه المشكلة منذ أشهر، عندما بدأ الطيارون الأوكرانيون لأول مرة في إطلاق الصاروخ الأميركي «عالي السرعة المضاد للإشعاع»، المشار إليه اختصاراً بكلمة «HARM». وتم إنشاء محول لتوصيل جهاز يسمى «المنصة» وأجزاء أخرى لحمل السلاح إلى الطائرة. وبحسب متحدث عسكري، في قاعدة «رامشتاين» الجوية في ألمانيا، يقدم فريق من القوات الجوية الأميركية والحرس الوطني الجوي يسمى «غراي وولف»، أو الذئب الرمادي، الدعم للقوات الجوية الأوكرانية، بما في ذلك التكتيكات والتقنيات.
وبينما نجح الجيش الأميركي في حل هذه المشكلة التقنية، فإنه واجه عراقيل أخرى. إذ يجب تحويل الإشارة الكهربائية المتولدة عندما يضغط الطيار على الزر لإسقاط تلك القنبلة إلى إشارة تتعرف عليها الأجهزة الأميركية الصنع. وقبل أن يجري إسقاطها، تحتاج أنظمة «JDAMs» إلى بيانات عن موقع الطائرة وسرعتها، بالإضافة إلى موقع الهدف الذي تتم تغذيته إلكترونياً أثناء تحليق الطائرة.
تقدم الأنواع الأحدث من رفوف ومنصات القنابل الأميركية حلولاً، وقد دخلت إحدى المنصات «الذكية» المستخدمة مع صاروخ «HARM» الآن في الخدمة مع القوات الجوية الأوكرانية.
وبحسب مايك بيتروتشا، وهو عقيد متقاعد في سلاح الجو قضى عقوداً في الطيران كضابط أسلحة على مقاتلات «إف - 4 جي» و«إف - 15 إي»، فإن التحدي الأخير هو نقل البيانات من قمرة القيادة إلى المنصة. واستطرد قائلاً إنه منذ أكثر من عقد من الزمان، طوّر الجيش الأميركي نظاماً لتكييف سلاح أميركي الصنع بمساعدة نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) للعمل على طائرة أجنبية باستخدام كومبيوتر محمول مزود بجهاز (جي بي إس) الذي يتصل بالمنصة الذكية عبر البلوتوث. وأضاف العقيد المتقاعد: «اليوم، يمكن أداء نفس الوظيفة على الأرجح باستخدام جهاز لوحي مزود بنظام (جي بي إس)، وربما برنامج طيران تجاري، ومن هناك، تنقل المنصة البيانات إلى القنبلة نفسها».
- كم قنبلة مزودة بـ«JDAMs» تم إنتاجها؟
تقول «بوينغ» على موقعها إنها أنتجت أكثر من 500 ألف من مجموعة «JDAMs» لصالح الولايات المتحدة والدول الحليفة. غير أنه لم يجرِ الإعلان عن عدد القطع التي جرى إنتاجها لحساب أوكرانيا، لكن من المرجح أن يتم تزويد كييف بقنابل من وزن 500 رطل، ما سيمثل زيادة كبيرة في قدرات الذخائر الموجهة بدقة في أوكرانيا.
وقال أندريه زاغورودنيوك، وزير الدفاع الأوكراني السابق الذي يقدم المشورة للحكومة، إن «هذا لأمر مهم للغاية».
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، فيما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.