تبنٍّ أميركي مطلق لمواقف زيلينسكي من ملف المفاوضات

(تحليل إخباري)

سكان بلدة باخموت بشرق أوكرانيا يحتمون في طابق تحت الأرض أمس (أ.ف.ب)
سكان بلدة باخموت بشرق أوكرانيا يحتمون في طابق تحت الأرض أمس (أ.ف.ب)
TT

تبنٍّ أميركي مطلق لمواقف زيلينسكي من ملف المفاوضات

سكان بلدة باخموت بشرق أوكرانيا يحتمون في طابق تحت الأرض أمس (أ.ف.ب)
سكان بلدة باخموت بشرق أوكرانيا يحتمون في طابق تحت الأرض أمس (أ.ف.ب)

يبدو اليوم، أكثر فأكثر، ومع النجاحات الميدانية التي تحققها القوات الأوكرانية وتواصل الدعم الغربي لها مالياً وعسكرياً؛ كماً ونوعاً، وأهمه الدعم الأميركي الذي برز خلال زيارة الرئيس الأوكراني إلى واشنطن، أن الأخير حسم موقفه نهائياً من ملف المفاوضات غير الموجودة بعد 4 جولات ثنائية فاشلة جرت مع بداية الحرب في بيلاروسيا وتركيا. وبعد أن كان مفاوضوه قد قدموا في الأيام الأولى للحرب مقترحات أذهلت الغربيين؛ على رأسهم الجانب الأميركي، بسبب ما تضمنته من تنازلات للجانب الروسي؛ بما فيها التخلي عن المطالبة بعودة شبه جزيرة القرم سريعاً إلى أوكرانيا وقبول «تأجيرها» لفترات طويلة لروسيا والنظر في وضع جمهوريتي الدونباس الانفصاليتين، يبدو اليوم موقف فولوديمير زيلينسكي من المفاوضات وشروط السلام حاداً وقاطعاً. وحرص الأخير على تكراره؛ إن في المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض، وخلال كلمته إلى الكونغرس مجتمعاً بمجلسيه.
وأهمية حديث زيلينسكي تكمن في وضوحه التام. فهو؛ وإن كان يوافق بايدن الرأي بشأن «تطلع بلاده إلى سلام عادل»، إلا إنه حرص على تعيين محدداته بقوله: «السلام العادل سيعني عدم المساومة فيما يتعلق بسيادة أوكرانيا وحريتها وسلامة أراضيها، وسيعني أيضاً التعويض عن الأضرار كافة التي سببها العدوان الروسي». وفي مناسبات أخرى، أشار أيضاً إلى ضرورة محاكمة المسؤولين الروس عن الحرب ورفضه التفاوض مع موسكو ما دام الرئيس فلاديمير بوتين في السلطة. إلا إنه تراجع في واشنطن عن هذين البندين لاعتباره، من دون شك، أنهما سيعنيان عدم حدوث مفاوضات أبداً.

اللافت ليس فقط كلام زيلينسكي؛ بل أيضاً، وخصوصاً، كلام بايدن؛ حيث تشير مصادر أوروبية في باريس إلى أن مواقف الأخير قد تبدلت وأنه في الوقت الحاضر «يتبنى تماماً» مقاربة الرئيس الأوكراني لمواصلة الحرب حتى استعادة كامل الأراضي المحتلة؛ بما فيها القرم التي ضمتها روسيا في عام 2014. ولقياس المسافة التي قطعها بايدن، يجدر التذكير بأمرين: الأول: كلام وزير خارجيته قبل 10 أيام؛ حيث أشار إلى أن واشنطن تدعم كييف «لاستعادة الأراضي التي احتلت منذ 24 فبراير (شباط) الماضي» التي لا تضم شبه جزيرة القرم. وقبله؛ قال مارك ميلي، رئيس الأركان الأميركية ما حرفه: «إن انتصار أوكرانيا ربما لن يتحقق في القريب العاجل بالوسائل العسكرية» لذا «يتعين التوجه نحو وسائل أخرى» والاستفادة من «نافذة ملائمة لانطلاق المفاوضات»، ملمحاً بذلك إلى النجاحات العسكرية الأوكرانية التي تمكن كييف من الجلوس إلى طاولة المفاوضات من موقع قوي.
وتفيد المعلومات المتوافرة بأن مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، نصح زيلينسكي، خلال الزيارة التي قام بها إلى كييف، في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن «يعيد النظر في هدف استعادة القرم عسكرياً، والتفكير في إطلاق المفاوضات» على أسس جديدة.
وهذه المواقف «المعتدلة» تتماهى كثيراً مع مواقف بعض الأوروبيين؛ خصوصاً فرنسا وألمانيا اللتين تدعمان كييف لكنهما تنظران في كيفية إنهاء الحرب. ووفق الرؤية السابقة؛ فإن السعي لاستعادة القرم سيكون رديفاً لتصعيد أوسع، وفق القراءة الغربية، وربما دفع بوتين إلى اللجوء إلى السلاح النووي التكتيكي مع ما يعنيه من مواجهة قد تطور إلى مباشرة بين «حلف شمال الأطلسي» وروسيا.
ترى مصادر أوروبية في باريس أن الوضع اليوم قد تغير من النقيض إلى النقيض، وذلك لسببين رئيسيين: الأول: أن الغربيين لا ينظرون بجدية إلى دعوات موسكو للتفاوض، ويرون في ذلك مناورة مكشوفة للحصول على هدنة أو وقف لإطلاق النار يمكنان القيادة الروسية من إعادة تنظيم صفوف قواتها والاستفادة من فترة الشتاء للدفع بقوات جديدة إلى ساحات المعارك، وبالتالي ليست هناك مساحة للحوار أو التفاوض. والثاني: الاعتقاد الراسخ اليوم أن القوات الأوكرانية أصبحت قادرة على التغلب على الجيش الروسي بفضل الدعم العسكري المتواصل والأسلحة الجديدة ذات التقنية العالية التي تتدفق عليها، فضلاً عن تدريب قواتها وتوفير جميع المعلومات الاستخباراتية الميدانية التي تحتاج إليها. والملاحظ اليوم أن واشنطن تخلت عن أي تحفظ لجهة توريد الأسلحة إلى كييف؛ «باتريوت» للدفاع الجوي أحدها. وزيلينسكي يدفع في هذا الاتجاه بقوله: «هدفنا هو تحرير مجمل أراضينا، وجنودنا لن يقبلوا بأية مفاوضات أو تسوية».
عندما يقول بايدن ويكرر بحضور زيلينسكي أن الأخير هو الجهة التي تقرر التفاوض من عدمه وتعرض المحددات والشروط وتعين الأجندة، فمعناه أن واشنطن تركت الحبل على الغارب للرئيس الأوكراني الذي أخذ اليوم يتمتع بقوة سياسية تمكنه من مقاومة الضغوط التي قد تمارس عليه. وللأمانة؛ لا نعلم ماذا قيل في الاجتماع المغلق بالمكتب البيضاوي، لكن ما هو واضح أن زيلينسكي يتمتع اليوم بهامش أوسع من المناورة يمكنه من الإمساك بورقة التفاوض ما دامت قواته تتقدم في الميدان والدعم متواصلاً. أما الآخرون؛ وبينهم بايدن، فمطلوب منهم اللحاق به.


مقالات ذات صلة

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، بينما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

14 قتيلاً على الأقل جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

14 قتيلاً على الأقل جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

سقط ما لا يقل عن 14 قتيلاً في أرخبيل مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي الذي ضربه السبت إعصار شيدو القوي جداً، على ما أظهرت حصيلة مؤقتة حصلت عليها «وكالة الصحافة الفرنسية» اليوم (الأحد) من مصدر أمني.

صور التقطتها الأقمار الصناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار شيدو فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وقال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن 9 أشخاص أصيبوا بجروح خطرة جداً، ونقلوا إلى مركز مايوت الاستشفائي، في حين أن 246 إصابتهم متوسطة.

الأضرار التي سبَّبها الإعصار شيدو في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

وترافق الإعصار مع رياح زادت سرعتها على 220 كيلومتراً في الساعة. وكان شيدو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً؛ حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرنس- ميتيو).

آثار الدمار التي خلفها الإعصار (أ.ف.ب)

وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، ما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل. ويقيم ثلث سكان الأرخبيل في مساكن هشة.