خلصت القمة الخليجية – الصينية، أمس، إلى أهمية العمل المشترك والتكامل في المشاريع المستقبلية، والتي من أهمها الاستثمار في الابتكار والتقنية والطاقة، والعمل المشترك على أمن المنطقة واستقرارها، وقال الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، إنه لن يتحقق أي أمن أو استقرار في المنطقة، إلا «بخروج الميليشيات المرتزقة من جميع الأراضي العربية ووقف التدخلات الخارجية في شأنها».
جاءت تأكيدات ولي العهد ضمن كلمته التي ألقاها أمام «قمة الرياض الخليجية - الصينية للتعاون والتنمية»، التي رأسها نيابةً عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بحضور قادة ورؤساء وفود دول مجلس التعاون الخليجي العربية، والرئيس الصيني شي جينبينغ، التي عقدت (الجمعة) في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات بالرياض.
وأشار الأمير محمد بن سلمان، إلى أن دول الخليج تعد الصين شريكاً أساسياً مهماً لها، «وقد انعكست ثمار إيجابية لهذه الشراكة على مصالحنا المشتركة وعلى أمن منطقتنا واستقرارها».
وأكد في كلمته، أن دول المجلس تهتم بالعمل جنباً إلى جنب مع الصين «لاستكشاف سبل عملية لمواجهة التحديات العالمية، بما في ذلك الأمن الغذائي وتحسين تكامل سلاسل الإمداد العالمية وأمن الطاقة»، وأن دول التعاون الخليجي تؤكد على استمرار دورها مصدراً موثوقاً لتلبية احتياجات العالم للطاقة والصين، وفيما يلي نص كلمة ولي العهد:
«يسرني باسم سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله -، أن أرحّب بكم جميعاً في المملكة العربية السعودية، سائلين المولى عز وجل أن يكلل بالنجاح مساعينا وجهودنا الرامية إلى صون أمن دولنا واستقرارها وتحقيق تطلعات شعوبنا لمستقبل أفضل يسوده التعاون لتحقيق النماء والازدهار.
إننا نجتمع اليوم في ظل تحديات عديدة تواجه المنطقة والعالم وظروف استثنائية تحتم علينا تفعيل العمل الجماعي المشترك لمواجهة هذه التحديات، وانطلاقاً من الأهداف السامية والغايات التي بُني عليها مجلس التعاون لدول الخليج، واستنادا إلى عمق العلاقة والصداقة التاريخية التي تربط بلداننا مع جمهورية الصين الشعبية، فإن قمتنا هذه تؤسس لانطلاق تاريخي جديد للعلاقة بين الصين والسعودية، تهدف لتعميق التعاون مع جمهورية الصين الشعبية في جميع المجالات، وإلى تنسيق وجهات النظر حيال القضايا الإقليمية والدولية.
تعتبر دول مجلس التعاون جمهورية الصين الشعبية شريكاً أساسياً مهماً لها، وقد انعكست ثمار إيجابية لهذه الشراكة على مصالحنا المشتركة وعلى أمن منطقتنا واستقرارها، وإن النمو الاقتصادي المتسارع والتطور التقني الكبير الذي وصلت إليه جمهورية الصين الشعبية تحت قيادة فخامة الرئيس شي جينبينغ، قصة نجاح تتجلى في مكانة الصين الرائدة الاقتصادية العالمية.
وتولي دولنا أهمية قصوى لرفع مستوى الشراكة الاستراتيجية مع جمهورية الصين الشعبية، باذلة جهودها لتعظيم مكاسب هذه الشراكة. كما تتطلع دول مجلس التعاون لتبادل الخبرات وخلق شراكات متنوعة في ظل الخطط التنموية الطموحة لدول المجلس.
ونشيد بالتطور المتسارع في العلاقة الخليجية – الصينية، وبالتنوع الواضح في مجالات التعاون الاستراتيجي بين الجانبين كالتجارة والاستثمار والطاقة والتعليم والبحث العلمي والبيئة والصحة. وتتطلع دول المجلس إلى رفع مستوى هذا التعاون إلى آفاق أرحب.
كما نشير إلى الارتفاع الملحوظ في حجم التبادلات التجارية بين دول مجلس التعاون وجمهورية الصين الشعبية خلال السنوات الماضية التي نتوقع أن تستمر في النمو بعد تناول المفاوضات الخاصة بإقامة منطقة تجارية حرة بين الجانبين؛ وذلك لتسهيل تجارة وحوكمة المصالح التجارية المتبادلة، بما يتيح الاستفادة القصوى من فرص الاستثمار الواعدة وتعميق توسع مجالات الشراكة بين الجانبين.
وتثمن دول المجلس الشراكة الاستراتيجية بينها وبين جمهورية الصين الشعبية، وتشيد بخطط العمل المشترك للمدة (2023 - 2027)؛ لأهميتها في تعزيز الإطار الاستراتيجي للتعاون بين الجانبين.
وتهتم دول المجلس بالعمل جنباً إلى جنب مع جمهورية الصين الشعبية لاستكشاف سبل عملية لمواجهة التحديات العالمية، بما في ذلك الأمن الغذائي وتحسين تكامل سلاسل الإمداد العالمية وأمن الطاقة، وتؤكد دول المجلس لدول الخليج العربي استمرار دورها مصدراً موثوقاً لتلبية احتياجات العالم للطاقة والصين.
وتثمّن دول المجلس سعي الصين لطرح مبادرات تعنى بتنشيط مسار التعاون وتعزيز العمل الدولي متعدد الأطراف، وعلى رأسها مبادرة أصدقاء التنمية العالمية. ونشارك التفكير مع أصدقائنا في الصين حول أهمية إعادة توجيه تركيز المجتمع الدولي نحو التعاون والتنمية ومجابهة التحديات المشتركة التي تواجه الإنسانية».
وأضاف «تستمر دول المجلس في بذل جميع الجهود لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، كما تدعم الحلول السياسية والحوار لجميع التوترات والنزاعات الإقليمية والدولية من منطلق أن ذلك هو المسار الكفيل بتحقيق السلام والأمن والازدهار. كما أن هذه الغايات لن تتحقق إلا بخروج الميليشيات المرتزقة من جميع الأراضي العربية ووقف التدخلات الخارجية في شأنها»، مقدماً شكره نيابةً عن دول المجلس، للصين الشعبية بقيادة الرئيس شي جينبينغ؛ «على السعي المستمر لتعميق العلاقات الصينية - الخليجية».
من جانبه، أعرب الرئيس الصيني عن خالص الشكر للسعودية على ما بذلته من جهود لاستضافة القمة الأولى بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، مبدياً سعادته بالاجتماع والتباحث حول سبل تطوير العلاقات الصينية - الخليجية.
واستعرض خلال كلمته التي ألقاها أمام القمة، بدايات العلاقات الصينية - الخليجية «التي كتب خلالها الجانبان فصولاً مبهرة من التضامن والتساند والتعاون والكسب المشترك»، مشيراً إلى أن الصين ودول مجلس التعاون الخليجي تتبادل دوماً الدعم للسيادة والاستقلال وتحترم الطرق التنموية لبعضهما بعضاً، وتتمسك بالمساواة بين جميع الدول، سواء أكانت كبيرة أو صغيرة وتدافع بحزم عن تعددية الأطراف.
ولفت إلى التكامل العالي بين الجانبين، موضحاً أن الصين تتمتع بسوق استهلاكية واسعة ومنظومة صناعية متكاملة، كما يتميز الخليج بموارد الطاقة الغنية والتطور المزدهر لتنويع الاقتصاد.
وعدّ الجانبين، شريكين طبيعيين، ولديهما قيم ثقافية متشابهة، ويتبادلان التعاون بروح الفريق الواحد في وجه تغيرات الأوضاع الدولية والإقليمية وتحدياتها الناجمة عن الأزمة المالية و«كورونا» والكوارث الطبيعية الكبرى، وقال «يشيد الجانب الصيني إشادة عالية بما بذلته دول مجلس التعاون الخليجي من جهود ليصبح المجلس أكثر منظمة إقليمية حيوية في الشرق الأوسط والخليج من خلال التماسك بتقوية الذات عبر تضامن في وجه التحولات العالمية وتحقيق نمو اقتصادي، رغم التداعيات الناجمة عن الجائحة والعمل على الدفع بإيجاد حلول سياسية لقضايا ساخنة وشائكة في المنطقة».
ودعا إلى ترسيخ الثقة المتبادلة والدعم الثابت للمصالح الحيوية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، والعمل سوياً على صيانة مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وبذل جهود مشتركة لتطبيق تعددية الأطراف الحقيقية بما يحافظ على المصالح المشتركة للدول النامية.
وقال «لنكون شركاء للسعي وراء التنمية، علينا تعزيز المواءمة بين استراتيجياتنا التنموية، وتفعيل مزايا تكامل وتوليد قوة دافعة للتنمية»، معرباً عن التطلع إلى تضافر الجهود مع الأطراف كافة في تنفيذ مبادرة التنمية العالمية وتنفيذ أجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة بما يسهم في التنمية والازدهار للمنطقة».
وأضاف «لنكون شركاء لتحسين الأمن، وستواصل الصين دعمها الثابت لدول مجلس التعاون الخليجي في الحفاظ على أمنها وتدعم دول المنطقة لحل الخلافات عبر الحوار والتشاور وبناء منظومة الأمن الجماعي في الخليج، وترحب الصين بدول مجلس التعاون الخليجي للمشاركة في مبادرة الأمن العالمي؛ بغية الحفاظ على السلام والاستقرار للمنطقة بجهود مشتركة، ولنكون شركاء للنهوض بالحضارة، ومن ثم علينا تعزيز التقارب بين شعوبنا وتنويع التواصل الإنساني والثقافي، والاستفادة من الثمار الثقافية المتميزة لدى الجانبين، وتدعيم جوهرة الحضارة الشرقية بما يقدم مساهمة إيجابية في السبيل التطور والتقدم للحضارة البشرية».
وقال الرئيس شي جينبينغ «خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، تحرص الصين على تضافر الجهود مع دول مجلس التعاون الخليجي للتعاون في المجالات ذات الأولوية، كالآتي:
أولاً: بناء معادلة جديدة لتعاون شامل الأبعاد في مجال الطاقة، حيث ستواصل الصين استيراد النفط الخام بشكل مستقر وبكمية كبيرة من دول مجلس التعاون الخليجي وزيادة استيراد الغاز الطبيعي المسال منها، وتعزيز التعاون في مجالات الخدمات الهندسية وتخزين وتكرير النفط والغاز، والاستفادة الكاملة من بورصة شانغهاي للبترول والغاز الطبيعي كمنصة لتسوية التجارة النفطية والغازية بالعملة الصينية، كما ستقوم الصين بتعزيز التعاون في مجال تكنولوجيات الطاقة النظيفة، ومنخفضة الكربون مثل الطاقة الهيدروجينية وتخزين الطاقة والشبكات الكهربائية الذكية، وتعزيز التعاون في توطيد إنتاج المعدات المتعلقة بالطاقة الجديدة، وإنشاء المنتدى الصيني الخليجي للاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وتشارك في إنشاء مركز التميز الصيني - الخليجي للأمن النووي والتدريب المتخصص في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية والتكنولوجيا النووية لدول مجلس التعاون الخليجي.
ثانياً: الدفع بتحقيق تقدم جديد للتعاون في مجالي المال والاستثمار، حيث تحرص الصين على إجراء تعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي في مجال الإشراف المالي بما يسهل دخول شركات دول المجلس إلى سوق رأس المال الصينية، وإنشاء مجلس الاستثمار المشترك مع الجانب الخليجي ودعم التعاون بين الصناديق السيادية لدى الجانبين بطرق مختلفة، والبحث في إقامة المنتدى الصيني - الخليجي للتعاون الصناعي والاستثماري، وتعزيز التعاون الاستثماري في مجالي الاقتصاد الرقمي والتنمية الخضراء، وغيرها من المجالات، وإنشاء آليات عمل للتعاون الاستثماري والاقتصادي على الصعيد الثنائي، وشراء وإجراء تعاون في مقايضة العملات المحلية وتفعيل دور بنوك مقاصة العملة الصينية ونظام المدفوعات بين البنوك عبر الحدود (سي آي بي إس) وتعميق التعاون في العملات الرقمية، ودفع مشروع جسر العملات الرقمية المتعددة للبنوك المركزية.
ثالثاً: توسيع تعاون الابتكار التكنولوجي إلى مجالات جديدة، حيث تحرص الصين على التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي في إنشاء مراكز للبيانات الضخمة والحوسبة السحابية، وتعزيز التعاون في تكنولوجيا الجيل الخامس، والجيل السادس للاتصالات، وإنشاء دفعة من الحاضنات للابتكار وريادة الأعمال، وتنفيذ مشاريع للاقتصاد الرقمي في مجالات تعاون بشأن التجارة الإلكترونية العابرة للحدود، وبناء شبكات الاتصالات الأخرى، وإقامة آلية التعاون الصيني - الخليجي في مجال تكنولوجيا الأرصاد الجوية، وعقد الندوة الصينية لمواجهة تغير المناخ.
رابعاً: تحقيق ابتكارات جديدة للتعاون في مجال الفضاء، حيث تحرص الصين على إطلاق سلسلة من مشاريع التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي في مجالات الأقمار الصناعية للاستشعار عن بعد، والاتصالات والتطبيقات الفضائية والبنية التحتية الفضائية، وإجراء التعاون في اختيار تدريب رواد الفضاء، والترحيب برواد الفضاء من دول مجلس التعاون الخليجي للدخول إلى محطة الفضاء الصينية للعمل المشترك مع رواد الفضاء الصيني وإجراء التجارب العلمية الفضائية، والترحيب بالجانب الخليجي للمشاركة في التعاون بشأن النقل الفضائي في إطار المهام الفضائية الصينية، والبحث في إنشاء مركز صيني - خليجي للاستكشاف المشترك للقمر والفضاء العميق.
خامساً: في مجال التعاون اللغوي والثقافي، ستجري الصين تعاوناً في تعليم اللغة الصينية مع الجامعات والمدارس في دول مجلس التعاون الخليجي، وستنشئ بالتعاون مع دول المجلس مدارس ذكية لتعليم اللغة الصينية، كما ستوفر الصين ثلاثة آلاف منحة للمشاركة في المخيم الصيفي أو الشتوي في إطار جسر اللغة الصينية، وستنشئ مراكز اختبارية لتعلم اللغة الصينية وفصولاً دراسية للغة الصينية عبر الإنترنت، وستستضيف المنتدى الصيني - الخليجي للغات والثقافات، وتشارك في إنشاء مكتبة الصين ودول الخليج العربية للتواصل الثقافي والتعلم المتبادل في اللغتين الصينية والعربية».
واختتم الرئيس الصيني بالقول «تقع على عاتق كل من الصين ودول مجلس التعاون الخليجي رسالة لتنمية الأمة ونهضتها، حيث تتميز العلاقات الصينية - الخليجية بتاريخ طويل ومستقبل واعد، لنعمل يداً بيد على متابعة المسيرة الماضية، والتقدم يداً بيد إلى الأمام والعمل سوياً على إيجاد مستقبل جميل في العلاقات الصينية - الخليجية».
وفي كلمته، أوضح الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البحرين، أن انعقاد القمم الثلاث في ظل ظروف سياسية معقدة تتطلب تكثيف الجهود المشتركة لتجنيب المنطقة من تداعيات الصراعات والأزمات الإقليمية والدولية بآثارها الاقتصادية والاجتماعية، التي تهدد منجزات دول مجلس التعاون وتؤخر من سيرها نحو المزيد من المكتسبات. وبيّن، أن المواقف والظروف أثبتت بأن وحدة الصف لدول مجلس التعاون الخليجي والتنسيق المشترك والمتواصل؛ هو صمام الأمان وركيزة الاستقرار، مشيراً إلى أن دول المجلس ستحقق ما تطمح له للارتقاء بمسيرة البناء والتنمية كافة، مؤكداً أهمية الالتزام بتنفيذ قرارات المجلس الأعلى وبيان قمة العلا، ومواصلة تنسيق مواقف دول المجلس في جميع المحافل الدولية لنقل رسالتها التي تهدف للسلام العادل والشامل، ومساعيها لإرساء وحفظ الأمن الدولي على أسس الاحترام المتبادل.
وقد صدر لاحقاً بيان خليجي - صيني مشترك، تضمن أهم الموضوعات التي تطرقت لها القمة.
وضم الوفد السعودي الرسمي للقمة، الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة، والأمير تركي بن محمد بن فهد، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، والأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف، وزير الداخلية، والأمير عبد الله بن بندر، وزير الحرس الوطني، والأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية، والدكتور مساعد العيبان، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني.
الخليج والصين للاستثمار في المستقبل والطاقة
ولي العهد السعودي: لن يكون هناك استقرار في المنطقة إلا بخروج الميليشيات المرتزقة
الخليج والصين للاستثمار في المستقبل والطاقة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة