شاشات: مسلسلات بوليسية وتشويق

الممثل طارق لطفي في مسلسل «بعد البداية»
الممثل طارق لطفي في مسلسل «بعد البداية»
TT

شاشات: مسلسلات بوليسية وتشويق

الممثل طارق لطفي في مسلسل «بعد البداية»
الممثل طارق لطفي في مسلسل «بعد البداية»

كل ما في مسلسل «بعد البداية» ينضح بالجودة.. حسنًا، معظم ما فيه. هذا مسلسل يجسد كلمة «غموض» على أفضل وجه. بوليسي - جاسوسي مثير وقائم على ألغاز تدفع بالمشاهد للبقاء متابعًا مشهدًا مشهدًا وحلقة حلقة. في الوقت ذاته، لا بد من الاعتراف بأنه ليس لكل الأذواق. ولا أدري إذا ما كان هناك عمل واحد، فيلم أو مسلسل أو برنامج، ينجح بين كل فئات وأذواق المشاهدين - لكن هذا موضوع آخر.
إلى جانب أن «بعد البداية» مشوّق ولغزي المنحى ويحتوي على الكم المطلوب من مشاهد النزاع والصراع بين الشخصيات مما يجعل المتابعة متواصلة بلا هبوط، هو أن عناصره الأساسية كلها مؤمّنة: إخراج جيد لأحمد خالد موسى، كتابة مماثلة في جودتها من عمرو سمير عاطف وتمثيل يتجاوز المعهود من فاروق الفيشاوي وطارق لطفي وروجينا وخالد سليم ومحمود الجندي ودرة ونبيل عيسى وصبري عبد المنعم وكم كبير آخر من الممثلين والممثلات المشاركين.
هناك إصرار من قِبل صانعي هذا المسلسل (إنتاج محمد محمود عبد العزيز وعرض Art ومحور 1 ودراما ومحطات أخرى) على إتقان العمل في كل خاناته. الحكاية شاسعة ومن الصعب تلخيصها. تنطلق من اكتشاف الصحافي عمر (طارق لطفي) لقضايا يحكمها الفساد المستشري في إدارات ومؤسسات خاصة وحكومية مختلفة. قضايا تبدو، رغم تعددها، مترابطة. وهي كذلك، والمشكلة هي أنه كلما تقدّم في تحقيقه توسعت دائرة تحقيقاته. وسريعًا ما يجد نفسه مطاردًا وحياته في خطر مرّة بعد المرّة، أو كما يقول له المسؤول الحكومي (محمود الجندي رائع).
ما يُثير بالطبع هو أن المسلسل لا يلحق بتلك الشخصية ويتوقف عند حدودها، بل ينتقل السرد بين شخصيات عدّة تتوزع الأحداث عليها. هناك أبطال وأشرار لكن ليس من السهل معرفة من يضحك على من ومن يستغل من أو من الذي سيكشف عن أنه العدو الذي كان يتظاهر طوال الوقت بصداقته.
لكن إلى جانب ما سبق من حيثيات ومفارقات، وهو تلخيص لا يفي حق المسلسل وحلقاته التسع عشرة التي عرضت حتى الآن، هناك ما لا يقدم عليه مخرج آخر إلا إذا كان يمتلك الثقة الكبيرة بالنفس والرغبة الحثيثة في الاختلاف: نحو عشرين دقيقة من الحوار الثنائي بين الممثلين طارق لطفي وفاروق الفيشاوي (كلاهما في أفضل أداء ممكن لما يقومان به) في داخل منزل (ينتقل المشهد من غرفة إلى أخرى). يتغلّب المخرج (وكاتبه أساسًا) على الخوف من الضجر، واثقين من أن المادة المتداولة حوارًا ومواقف بين الرجلين مثيرة للاهتمام كونها تكشف اللثام عن ألغاز مضت وتضع الأقدام عند عتبات ما سيتوالى من أحداث.
هذا لم يتم بالتمنّي طبعًا، هناك اشتراك متكامل ما بين التنفيذ تبعًا لرؤية مرسومة بعناية، وتصوير جيء به من الخارج بطله الصربي غوران فولاريفيتش (وراءه نحو 20 تجربة سينمائية) ومساعده إيغور سونتر وبين توليف رائع الدقّة يلغي أي مساحات فارغة بين الحدث وما يليه.
النتيجة تنويع رائع في صياغة المشهد الماثل و - لو لزم الأمر التكرار - على نحو سينمائي وليس تلفزيوني إذا ما كان لا يزال هناك، بعد هذا العمل وقلّة من الأعمال الأخرى، فارق كبير.

* «تحت السيطرة»، مسلسل مصري آخر باهتمامات مختلفة تمامًا لا بأس به لكنه لا يصل إلى المستوى ذاته الذي ينجزه «بعد البداية» ولو أن الموسيقى الجيدة المكتوبة له (من تأليف تامر كروان) هي ما كان يحتاجه «بعد البداية» لتواكب باقي عناصره.
هذا المسلسل درامي في تكوينه يتم نفخ بعض التشويق فيه متناولاً حياة المدمنين ليس على النحو الذي يدفع المشاهد للتأثر باكيًا، بل على نحو من يريد سبر غور الحالة وأسبابها الاجتماعية من دون أن يترك الحياكة القصصية المثيرة تغيب عن باله.
ما يعرضه «تحت السيطرة» جيّد في حدود غير طموحة. يغيب عنه ذلك الـ mood الذي يطالعنا به المسلسل الآخر. يتحوّل إلى رصف من المشاهد والمفارقات كما هو المتداول لا أكثر. إلى ذلك، تضيع بعض فرص الارتقاء به بسبب كثرة اعتماده على التعليق الصوتي (voice over) لما يفكّر به الممثل. تسمع عقله وهو يتحدث عوض أن يجد المسلسل وصانعوه (إخراج تامر محسن وكتابة مريم نعوم) وسيلة مبتكرة للخروج من هذه التفعيلة التي لا يمكن لها أن ترفع من مستوى المشهد الذي تدور فيه.

* هناك فرق بين تحقيقات لا تسفر عن شيء بعد حلقات من بدئها وأخرى. كلاهما يتشابه في أهميته في المسلسل البوليسي (أو ما نسميه البوليسي تقليديًا) لكن كيف تعالجه كتابة هو ما يصنع الفارق بين مسلسل وآخر.
في حين أن «بعد البداية» ينطلق من تحقيق يقوم به الصحافي ليجد نفسه أمام حالة أكبر مما كان يتوقع، ينطلق المسلسل المصري الآخر «حق ميت» من تحقيق يقوم به ضابط شرطة بخصوص جرائم قتل. كالعادة، هناك أكثر من مشتبه به والتحقيقات تبدأ بالتركيز على بريء متهم، وكل ذلك في الحلقتين الأولى والثانية. بعد ذلك لا جديد في تلك التحقيقات يكاد يذكر. هناك استرسال لتعبئة المسلسل في حلقات تكفي لآخر الشهر.
خذ مثلاً الحلقة التاسعة عشرة. تبدأ برجل يحمل فتاة قتلها ويضعها على مصطبة عالية ويتجه للكاميرا لتصويرها. يتناوب هذا المشهد مع آخر لأمها وأبيها وهما يتباحثان في أمر اختفائها. المشكلة هي أنهما يكرران الكلام نفسه في مشهدين لهما. لا شيء يختلف رغم أنه كان من الممكن تصوير ما تم تحويله إلى كلام (حول ذهاب الأب إلى قسم البوليس من دون جدوى) إلى مشاهد تثري الموقف.

* ‬تنويه واعتذار:
في حلقة أول من أمس اختلطت أسطر الكومبيوتر مع بعضها البعض فنزل اسم الممثل نجاح سفكوني في غير موضعه. يهمّني أن أذكر أن هذا الممثل الجيّد هو أحد أبرز ممثلي مسلسل «في ظروف غامضة»، موضوع تلك الحلقة، وأعتذر عن الخطأ غير المقصود.



محمد رمضان يُسعد جمهوره... ونهاية حزينة لمسلسلي منى زكي وياسمين عبد العزيز

من كواليس مسلسل «جعفر العمدة» (أرشيفية)
من كواليس مسلسل «جعفر العمدة» (أرشيفية)
TT

محمد رمضان يُسعد جمهوره... ونهاية حزينة لمسلسلي منى زكي وياسمين عبد العزيز

من كواليس مسلسل «جعفر العمدة» (أرشيفية)
من كواليس مسلسل «جعفر العمدة» (أرشيفية)

تباينت نهايات الحلقات الأخيرة من مسلسلات شهر رمضان، التي تزامن عرْض بعضها مساء (الجمعة) مع أول أيام عيد الفطر في كثير من دول العالم، بين النهايات السعيدة والصادمة وأخرى دامية.
كما اتّسم أغلبها بالواقعية، والسعي لتحقيق العدالة في النهاية، ولاقى بعضها صدى واسعاً بين الجمهور، لا سيما في مسلسلات «جعفر العمدة»، و«تحت الوصاية»، و«عملة نادرة»، و«ضرب نار»، و«رسالة الإمام»، و«ستهم».
وشهدت الحلقة الأخيرة من مسلسل «جعفر العمدة» نهاية سعيدة، وفق محبّيه، انتهت بمواجهة ثأرية بين المَعلّم جعفر (محمد رمضان) وزوجته دلال (إيمان العاصي)، حيث طلب من نعيم (عصام السقا) إبلاغ الشرطة لإلقاء القبض عليها، بعدما تمكّن الأول من تسجيل فيديو لزوجته وشقيقيها وهي تقتل بلال شامة (مجدي بدر) واعترافاتها بكل ما قامت به.
وبعد ذلك توجّه جعفر مع ابنه سيف (أحمد داش) إلى بيته في السيدة زينب، حيث اقتصَّ من شقيقَي زوجته دلال، ثم أعلن توبته من الربا داخل المسجد ليبدأ صفحة جديدة من حياته، ولم تتبقَّ سوى زوجته ثريا (مي كساب) على ذمته.
وأشاد الجمهور بأداء الفنانة إيمان العاصي وإتقانها دور الشر، وتصدرت ترند «تويتر» عقب انتهاء الحلقة، ووجهت الشكر للمخرج محمد سامي والفنان محمد رمضان، وكتبت عبر «فيسبوك»: «مهما قلتُ وشكرت المخرج الاستثنائي بالنسبة لي، ونجم الشعب العربي الكبير الذي يحب زملاءه ويهمّه أن يكونوا في أحسن حالاتهم لن يكفي بوست واحد لذلك».
مشهد من مسلسل «ضرب نار» (أرشيفية)

وفي مسلسل «ضرب نار» شهدت الحلقة الأخيرة نهاية دامية بمقتل مُهرة (ياسمين عبد العزيز) أثناء احتفالها وجابر (أحمد العوضي) بزواجهما مرة أخرى، حيث أطلق نجل تاجر مخدرات رصاصة لقتل الأخير، لكن زوجته ضحّت بنفسها من أجله، وتلقت الرصاصة بدلاً منه، قبل القبض على جابر لتجارته في السلاح، ومن ثم تحويل أوراقه للمفتي.
من جهته، قال الناقد الفني المصري خالد محمود، إن نهاية «(جعفر العمدة) عملت على إرضاء الأطراف جميعاً، كما استوعب محمد رمضان الدرس من أعماله الماضية، حيث لم يتورط في القصاص بنفسه، بل ترك القانون يأخذ مجراه، وفكّ حصار الزوجات الأربع لتبقى واحدة فقط على ذمته بعد الجدل الذي فجّره في هذا الشأن».
وأضاف محمود في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «نهاية مسلسل (ضرب نار) جاءت بمثابة صدمة للجمهور بمقتل مُهرة، لكن المسلسل حقق العدالة لأبطاله جميعاً؛ مُهرة لكتابة ابنها من جابر باسم زوجها الثاني وتضحيتها بحبها، وجابر لقتله كثيراً من الناس، كما اقتص من زيدان (ماجد المصري)».
بوستردعائي لمسلسل «تحت الوصاية» (أرشيفية)

بينما انحاز صناع مسلسل «تحت الوصاية» لنهاية واقعية، وإن بدت حزينة في الحلقة الأخيرة من المسلسل، حيث قام بحارة بإشعال النار في المركب بإيعاز من صالح (محمد دياب)، وفشلت محاولات حنان (منى زكي) والعاملين معها في إخماد الحريق، ثم تم الحكم عليها بالسجن سنة مع الشغل والنفاذ في قضية المركب.
وشهد مسلسل «عملة نادرة» ذهاب نادرة (نيللي كريم) إلى حماها عبد الجبار (جمال سليمان) في بيته للتوسل إليه أن يرفع الحصار عن أهل النجع فيوافق، وبينما يصطحبها إلى مكان بعيد حيث وعدها بدفنها بجوار شقيقها مصوّباً السلاح نحوها، سبقته بإطلاق النار عليه ليموت في الحال آخذة بثأر أخيها.
وانتقدت الناقدة الفنية المصرية صفاء الليثي نهاية مسلسل «عملة نادرة» بعد قيام البطلة (نادرة) بقتل عبد الجبار، ثم تقوم بزراعة الأرض مع ابنها وكأن شيئاً لم يحدث، وسط غياب تام للسلطة طوال أحداث المسلسل، «وكأن هذا النجع لا يخضع للشرطة، ومن الصعب أن أصدّق أن هذا موجود في مصر في الوقت الحالي».
مشهد من مسلسل «ستهم» (أرشيفية)

بينما حملت نهاية مسلسل «ستهم» من بطولة روجينا عديداً من المفاجآت، حيث قام الرئيس بتكريمها ضمن عدد من السيدات اللاتي تحدَّين الظروف ومارسن أعمالاً شاقة وسط الرجال، حيث أشرق وجهها فرحة بعد سنوات من المعاناة.
واختار المخرج السوري الليث حجو، نهاية ثوثيقية للمسلسل الديني «رسالة الإمام» عبر تتر الحلقة الأخيرة، الذي تتّبع كيف انتهت رحلة شخصيات المسلسل الذي تناول سنوات الإمام الشافعي في مصر، موثقاً هذه الحقبة المهمة في تاريخ مدينة الفسطاط، ومن بينها تنفيذ السيدة نفيسة وصيةَ الشافعي وقيامها بالصلاة عليه بعد وفاته، لتبقى في مصر حتى وفاتها عام 208 هجرية.