لاحظ توماس ماكين عدداً من الأمور التي لم يعد سكان مدينة نيويورك يفعلونها، وهي ترك بطاقات دعائية على الزجاج الأمامي للسيارات، واستخدام الحقائب البلاستيكية المكتوب عليها «شكراً»، واستخدام سيارات الأجرة الصفراء. سرعان ما سيضيف ماكين، وهو فنان، قطعة أخرى شائعة من تاريخ نيويورك إلى تلك القائمة، وهي بطاقات قطار الأنفاق.
يستخدم ماكين بطاقات قطار الأنفاق، إلى جانب أغراض أخرى عثر عليها مثل القفازات وبطاقات العمل، لأكثر من 20 عاماً لإبداع أعمال فنية. يقوم ماكين، باستخدام مقص صغير وصمغ، بتقطيع وتكديس وترتيب البطاقات البلاستيكية الرقيقة لتتحول إلى سيارات أجرة صفراء، ومشاهد من مدينة نيويورك، وتصميمات تجريدية، ومبانٍ مصغرة، وبطبيعة الحال بطاقات مترو أنفاق معاد تكوينها.
قال ماكين: «لقد شعرت بالذهول من إمكانية تكوين عالم من هذه القطعة الصغيرة الرقيقة». رفض ماكين ذكر عمره، لكنه قال إنه قد وُلد في مدينة نيويورك، وعاش في حي «إيست فيلدج» لأكثر من 30 عاماً. يُقام حالياً معرض لأعماله بعنوان «خارج القضبان: فن بطاقات قطار الأنفاق (والمزيد)» في متجر السلع المنزلية «فيشز إيدي» في حي فلاتيرون بمانهاتن.
مع ذلك ربما ينضب معين ماكين من بطاقات مترو الأنفاق قريباً، حيث تخطط هيئة النقل الحضري للتخلص من بطاقات قطار الأنفاق ليحل محلها نظام الدفع باستخدام البطاقات الائتمانية أو الهواتف الذكية بداية من العام المقبل. ومن المتوقع أن يربط أكثر الركاب هواتفهم المحمولة أو بطاقاتهم الائتمانية بنظام الدفع الجديد الذي يُطلق عليه اسم «وان مترو نيويورك» (قطار أنفاق واحد في نيويورك).
تشير إحدى اللافتات في فاترينة عرض متجر «فيشز إيدي» إلى الزوال النهائي لبطاقات دفع الأجرة من خلال عبارة «لذكرى بطاقة قطار الأنفاق الحبيبة». مع ذلك كانت الشراكة بين ماكين و«فيشز إيدي»، المتمثلة في خزانة للأمور المثيرة للفضول ممتلئة بأشياء جديدة وعتيقة، وأدوات مطبخ مصغرة، وعجائب مدينة نيويورك، مناسبة بشكل طبيعي. قالت جولي جينز التي افتتحت متجر «فيشز إيدي» منذ 36 عاماً: «إنه مناسب للغاية، وهو مثالي، ويشبه مدينة نيويورك».
بدأ ماكين في تحويل بطاقات دفع أجرة المواصلات العامة إلى فن بعد رؤية ملصق يعلن عنها في محطة قطار كطريقة جديدة لدفع أجر الرحلات. لقد نسي إحضار كتاب ليقرأه أثناء الرحلة ذلك اليوم، لذا بدأ ذهنه في التشتت، وأخذ يفكر في عدد الكلمات التي يمكنه تهجئتها باستخدام حروف كلمة «مترو كارد» (بطاقة قطار أنفاق). وعاد ماكين إلى المنزل، وبدأ يعيد تصميم بطاقة قطار الأنفاق «بجنون» على حد قوله، وجمع أجزاء معاً في تكوينات جديدة، وتعديلات هازلة، و«أدرك مدى روعة مادة بطاقة قطار الأنفاق». ومع مرور الوقت، بدأ يقدر لمعانها وقوتها ودرجات ألوانها. إذا نظر المرء عن كثب، فسوف يرى ألواناً مختلفة ناتجة عن أشكال مختلفة موجودة على البطاقات على حد قول ماكين، فعلى سبيل المثال تتراوح درجات اللون الأصفر بين درجة طائر الكناري وبين درجة العملة المعدنية الذهبية.
الكثير من أعمال ماكين ثنائية الأبعاد، لكن عندما يتعلق الأمر بمشاهد الشوارع والمباني الموجودة بها، يصبح «طابعة ثلاثية الأبعاد»، حيث يكدس البطاقات معاً بدقة على حد قوله. المواد التي استخدمها بسيطة، وهي بطاقات قطار الأنفاق، وصمغ ومقص طوله خمس بوصات. عادة ما يعمل ماكين على قطع قليلة في وقت واحد من أجل ثبات الصمغ بشكل جيد، وقد تحتاج بعض القطع إلى ساعات وساعات. وحصل ماكين على ما يشبه جائزة كبرى عام 2017 حين اكتشف كنزاً من بطاقات قطار الأنفاق مخفية وراء ماكينة تذاكر في محطة «غراند سنترال». لقد جمع أكبر قدر من بطاقات دفع الأجرة، وعاد ثلاث مرات على الأقل للمكان ومعه مظلة حتى يتمكن من إخراجها.ويحتفظ ماكين في شقته في «إيست فيلدج» بعدة صناديق تحتوي على بطاقات قطار الأنفاق منظمة بفواصل صغيرة، ويجمع بطاقات قطار أنفاق بانتظام، إلى جانب بطاقات ذات طبعة محدودة صادرة عن هيئة النقل الحضري، وبطاقات دفع أجرة خاصة، ما يوسع نطاق ألوانه بحيث تتجاوز الأزرق والأصفر والأسود والبني.
وقال عن التصميمات الملونة للطيور والزهور التي ابتكرها: «لا أحد يصدق أنها مصنوعة من بطاقات قطار الأنفاق. لقد كان الأمر يمثل تحدياً لأن الموارد المتاحة لي محدودة بالبطاقات الخاصة». مع ذلك يرحب بشدة بقيود الألوان التقليدية في أعمال الفسيفساء الخاصة به، والتي تعد نجوم المعرض في «فيشز إيدي»، التي تصور مبنى «كرايسلر»، والقمر أعلى مانهاتن، والمباني السكنية، إلى جانب مشاهد ومعالم أخرى في مدينة نيويورك. هناك أيضاً مشاهد ثلاثية الأبعاد من بينها حظيرة بها بقرة، وكنيسة لها نافذة ذات زجاج ملون، وشارع تصطف على جانبيه الأشجار، ومنزل به طاولة ومقاعد، مصنوعة جميعها من بطاقات قطار الأنفاق.
قالت جينز إن عمل ماكين «محزن» بوجه خاص في الأيام الأخيرة من عمر بطاقات قطار الأنفاق، مع تحول هيئة النقل الحضري نحو تمكين الركاب من دفع أجرة المواصلات العامة باستخدام البطاقات الائتمانية أو الهواتف الذكية.
مثل نظام قطار الأنفاق، تطورت عملية قطع التذاكر في المدينة عبر الزمن، فعندما تم افتتاح قطار الأنفاق عام 1904 كان الراكب يدفع 5 سنتات مقابل تذكرة ورقية، وبحلول عام 1920 سمحت الماكينات الكهربائية ذات البوابات الدوارة لركاب قطار الأنفاق بوضع عملات نيكل معدنية، ثم عملات ذات قيمة منخفضة في فتحات صغيرة.
وفي عام 1953 أتاحت المدينة عملات معدنية رمزية ظلت كما هي حتى عام 1993 عندما تم اعتماد نظام بطاقة دفع قطار الأنفاق، والتي يحتفي بها مسؤول تنفيذي في هيئة النقل الحضري باعتبارها «أكبر تغيير في ثقافة قطارات الأنفاق منذ الحرب العالمية الثانية».
سيتعين على جينز وملايين من سكان نيويورك وزائريها قريباً التكيف مع روتين جديد مرة أخرى، وسيكون هذه المرة عند ركوب الحافلات وقطارات الأنفاق. كذلك سوف يتعين على ماكين العثور على مادة جديدة لاستخدامها في أعماله، وتحديث هاتف «نوكيا» القديم الخاص به، والذي يمتلكه منذ 15 عاماً، من أجل استخدام نظام «وان مترو نيويورك».
وقال ماكين: «كان كل أصدقائي قلقين بشأني، ويسألون: «ماذا ستفعل؟»، وأجاب قائلاً إنه بمجرد نفاد بطاقات قطار الأنفاق، «سوف يحين وقت التحول، ومواصلة الطريق».